واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق

إبراهيم بن محمد الحقيل
عناصر الخطبة
  1. الاستفادة والاعتبار بالقصص القرآنية .
  2. قصة ابني آدم .
  3. خطر الحسد .
  4. الحكم الشرعي من هذه القصة .
  5. دروس وعبر من القصة .

اقتباس

وأكبر ما نُقل من القتل عبر تاريخ البشرية الطويل إنما كان في حضارتنا المعاصرة، حتى لو قيل: إن ما سفك من دماء البشر خلال مئة سنة خلت أكثر مما سفك قبلها في تاريخ البشرية كلها لما كان ذلك بعيداً، ويكفي في ذلك الحربان الكونيتان الكبيرتان، والحروب الاستعمارية التي أُفنيت فيها شعوب بأكملها، ولا زال سفكهم لدماء غيرهم مستمراً إلى يومنا هذا ..

 

 

 

الحمد لله رب العالمين؛ يهدي من يشاء من عباده إلى صراط مستقيم، نحمده على هدايته، ونشكره على رعايته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أنزل علينا القرآن، هدى لنا وبينات من الهدى والفرقان، فرغبنا ورهبنا بالوعد والوعيد، ووعظنا بقصص السابقين، وبيّن لنا أحكام الدين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله تعالى حق جهاده، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه: واجتهدوا في الأعمال الصالحة، واحذروا الموبقات والمحقرات؛ فإن هول المطلع شديد، وإن الحساب عسير، ولا نجاة إلا بالإيمان والتقوى (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزُّمر:61]

أيها الناس: كتاب الله تعالى فيه نبأ ما قبلنا، وخبر ما بعدنا، وحكم ما بيننا.. رسَّخ الله تعالى فيه التوحيد والاعتقاد، وفصَّل لنا الحلال والحرام، وعلمنا القصص والأخبار، فهو الهداية الجامعة، والنعمة التامة، ومن أضل ممن أعرض عنه، أو استبدل به غيره، فرضي بالدون عن الذي هو خير؟!

وللقصة أثر كبير في النفس البشرية؛ وهي سبب من أسباب الهداية، بمعرفة الخير لإتيانه، والعلم بالشر لاجتنابه؛ ولذا كثرت القصص في القرآن، وأُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقصها علينا (فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف:176] وهي قصص حق وصدق وعبرة كما أخبرنا الله تعالى بذلك وهو أصدق القائلين: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ الحَقُّ) [آل عمران:62] وافتتحت قصة يوسف عليه السلام بقول الله تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ) [يوسف:3] وختمت بقوله سبحانه: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ)[يوسف:111]

فواجب على قُرَّاء القرآن أن يوقنوا أنها قصص واقعة، فيستفيدوا من أحداثها، ويعتبروا بمواعظها.

وفي قصة من أعجب قصص القرآن ومن أكثرها عظات وعبراً نعيش هذه اللحظات المباركة في هذه العبادة العظيمة؛ هذه القصة قد تكون هي أول قصص بني آدم على الأرض، وذكر المفسرون أن أحد طرفيها هو أول آدمي يموت في الأرض قبل موت آدم عليه السلام، أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقصها علينا بقول الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالحَقِّ) [المائدة:27] فالله تعالى يخبرنا بالحق في هذه القصة بعيداً عن ترهات بني إسرائيل وتخبطاتهم في ذكر القصص وتفصيلاتها عامة، وفي ذكر هذه القصة خاصة.

هذان الابنان لآدم عليه السلام بذلا شيئاً لله تعالى لا يُعلم ما هو، ولا سبب بذله، لكن المفيد أنَّ أحدَهما قد قَبِلَ الله تعالى قُربتَه، والآخر رُدت عليه قُربتُه (إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآَخَرِ) [المائدة:27]

فحسد المردودُ منهما المقبولَ على ما آتاه الله تعالى من القبول الذي حُرم هو منه، وقد قيل: إن الحسد هو أول ذنب عُصي الله تعالى به في الأرض استناداً إلى هذه القصة العظيمة، كما أن الحسد هو أول ذنب عُصي الله تعالى به في السماء استناداً إلى قصة آدم المرحوم مع إبليس الملعون.

وأثمر حسد ابن آدم لأخيه تهديده بالقتل (قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) [المائدة:27] وكم في المقابر من قتيل حسد؛ سواء قتله مباشرة أو بِسُمٍ أو بِسحرٍ أو بعين، وهذا يبين خطورة الحسد؛ إذ بسببه يفسد القلب، ويضيق الصدر، ويظلم الوجه؛ فيثمر كبائر الذنوب والموبقات من الغيبة والنميمة والبهتان والكذب والافتراء لإسقاط المحسود، وقد يصل بصاحبه إلى القتل إن قدر على ذلك.

ولا يرد الحاسد عن قتل المحسود إلا العجز، وإلا فإنه إذا قدر عليه قتله في الغالب؛ لشدة ما يجد في قلبه من نار الحسد التي لا تُطفأ إلا بدم المحسود؛ نعوذ بالله تعالى من ظلمة القلوب، وضيق الصدور، ومن شر الحسد وأهله.

وقابلَه أخوه المحسود بالحسنى، فبين له أن القبول والرد من الله تعالى وليس منه، ولا ذنب له في عدم قبول قربانه، وأن سبب القبول هو صلاح القلب بالتقوى (قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ) [المائدة:27] ثم أعلمه أنه لن يقابل تهديده بمثله (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ) [المائدة:28].

فهذا الرد اللين منه فيه امتصاص لسورة غضبه، وتخفيف لحقده وحسده، ثم ذكَّره بالخوف من الله تعالى؛ لعل ذلك يمنعه من تنفيذ تهديده، وبالغ في تخويفه فذكَّره بالإثم والنار (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ) [المائدة:29] وأراد بجمع الإثمين على أخيه بأنه لو قابل هو فعل أخيه بمثله؛ لتحمل كل واحد منهما جزءاً من الإثم، ولكنه يكفُّ يده عن أخيه ليتحمل أخوه كلا الإثمين؛ كما في حديث أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه قال: سمعت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ في النَّارِ، فقلت: يا رَسُولَ الله، هذا الْقَاتِلُ فما بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قال: إنه كان حَرِيصًا على قَتْلِ صَاحِبِهِ" رواه الشيخان.

ورضي الله تعالى عن عثمان بن عفان وأرضاه؛ فقد عَمِل بهذه الآية مع شدتها ومشقة العمل بها، فكفَّ يده، وأمر بالكف عمن خرجوا عليه حتى قتلوه، قال أيوب السختياني رحمه الله تعالى: "إن أوَّلَ من أخذ بهذه الآية من هذه الأمة لعثمان بن عفان رضي الله عنه".

ودخل أبو هريرة رضي الله عنه لينصر عثمان يوم حصر في الدار، قال أبو هريرة: فقال لي عثمان: "يا أبا هريرة، أيسرك أن تقتل الناس جميعاً وإياي معهم، فقلت: لاَ، فقال: والله لئن قتلت رَجُلاًَ واحداً لكأنما قتلت الناس جميعاً، فرجعتُ فلم أقاتل".

إن الخوف من عذاب الآخرة يحجز المؤمن عن الدماء المعصومة فيفضل أن يقتل مظلوماً على أن يتلطخ بدم مسلم، لكنَّ ضعيفي الإيمان تدفعهم شياطينهم لمقارفة الآثام، والولوغ في الدماء، فلا يفارقهم غيهم، ولا تردعهم آيات التخويف، وينسون القصاص في الآخرة؛ كما حصل لابن آدم حين غلبت عليه نفسه الأمارة بالسوء، ودفعه شيطانه لقتل أخيه (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ) [المائدة:30].

لقد خسر أخاه حين قتله، والأخ للأخ عضد وأنيس ونصير، ووقع في عقوق والديه بقتل ابنهما، وخسر المتعة بحياته؛ لأن الندم سيطارده، وخسر سمعته؛ لأن البشر يتناقلون خبره السيئ مع أخيه منذ ذلك الوقت إلى آخر الزمان، مع خسارته الكبرى لدينه وآخرته بهذا الفعل الشنيع.

ومما يدل على أن هذه الحادثة وقعت في عهد آدم عليه السلام، وأن المقتول كان أولَ ميت في البشر أن أخاه لم يعرف ماذا يفعل بجثته، حتى ضرب الله تعالى له مثلاً من الطير (فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) [المائدة:31]

يا لعظمة القرآن حين يحكي الله تعالى فيه جبروت ابنِ آدم وقوته في سفكِ دم أخيه، ثم إذلالِه بالعجز عن مواراة جثته.

إن كل قاتل له خطة في القتل تدل على إعمال عقله، وله جسارة قلب تمكنه من الإقدام على القتل، وله قوة جسدية يستطيع بها مباشرة القتل، ولكن ابن آدم عقب قتله لأخيه مكث حائراً عاجزاً لا يدري ما يصنع بجثته.

إنه ضعف الأقوياء، وعجز الجبابرة، وذل المتكبرين، أبى الله تعالى إلا أن يذوقه في الدنيا جزاء اجترائه على معصيته، وانتهاك حرمته.

وعلماء الحيوان يذكرون أن الغراب أذكى الطيور، وأن لدى الغربان عقوبات يوقعنها على من يستحقها من أفرادها، فإذا حكموا بموت غراب نقروه حتى الموت، ثم يحمله بعضهم فيحفر له بمنقاره وقدميه حتى يواريه التراب.

فكان من إذلال الله تعالى العاجل لقاتل أخيه عجزه عن مواراة أخيه مع كمال عقله، وتوافر قدرته؛ ليسخر -سبحانه- له طيراً لا يعقل فيعلمه كيفية الدفن.

وهذا الندم الذي لحق القاتل بعد جريمته هو ندم العاجزين وليس ندم التائبين؛ إذ لو تاب لتاب الله تعالى عليه، ولكنه ظل على كبريائه مع عجزه، فعوقب بالندم والعجز والإذلال في الدنيا، وعذابُ الآخرة أشد وأبقى.

ويكون الحكم الشرعي المستفاد من هذه القصة العظيمة أن من استحل قتل شخص ظلماً وعدواناً فكأنه قد استحلّ قتل الناس جميعاً، ومن تسبب في إحياء نفس فكأنه أحيا الناس جميعاً، كما أن من اجترأ على القتل أول مرة سهل عليه بعد ذلك حتى يألفه.

ولذا فإن من اعتادوا على قتل الناس ظلماً وعدواناً هم من يسعرون الحروب في البشر، ويهلكون الحرث والنسل (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) [المائدة:32]

بارك الله لي ولكم.

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه: (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ) [البقرة:223].

أيها المسلمون: فيما قص الله تعالى من خبر ابني آدم عليه السلام تظهر قيمة التقوى؛ فأمرها عظيم، وشأنها كبير، وهي سبب كل خير، وفي هذه القصة حُصر قبول العمل فيها (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ) [المائدة:27].

إن هذه الآية العظيمة لم تمر على سلفنا الصالح حتى تدبروها، وعلموا قيمة التقوى، وارتباطها بقبول العمل فتمثلوها، وسعوا في تحصيلها، قال عَلِيٌّ رَضِيَ الله عَنْهُ: "لاَ يَقِلُّ عَمَلٌ مَعَ تَقْوَى، وَكَيْفَ يَقِلُّ مَا يُتَقَبَّلُ؟!".

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "لأن استيقن أن الله تقبل مني صلاة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها، إن الله يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ)" وبكى عامر بن عبد الله عند الموت فقيل له: "ما يبكيك؟ قال: آية في كتاب الله، فقيل له: أي آية؟ قال: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ)".

فما أكبر شأن التقوى! وما أعظم أثرها في قبول الأعمال! فهذه أول منازلة بشرية في الأرض بين الحق والباطل انتصر فيها صاحب الحق بتقواه، فتُقُبِل منه عمله، وبتقواه كفَّ يده عن أذية أخيه ففاز بالذكر الحسن في الدنيا، وبجزيل الثواب في الآخرة، وبهذا ندرك أن من أهم أسباب هزيمة الأمة ضعف التقوى في قلوب أفرادها، ولو كانوا متقين لانتصروا.

وملحظ عجيب في هذه القصة العظيمة ينبغي أن لا يفوت على قارئها، وهو أن الله تعالى ذيل هذه القصة بقوله سبحانه: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة:32] ومعلوم أن القتل مما أجمعت الشرائع على تحريمه من لدن آدم عليه السلام، وبين آدم عليه السلام وبني إسرائيل قرون طويلة، وأمم كثيرة، وأنبياء متتابعون، فلماذا يُذكر بنو إسرائيل في كتابه تحريم القتل عليهم، والتشديد فيه، مع أنهم من أواخر الأمم البشرية، وكان القتل محرماً قبل وجودهم؟!

إن هذا -والعلم عند الله تعالى- يرجع إلى سببين مهمين:

أولهما: أن أول كتاب تنزلت فيه الأحكام مكتوبة هو التوراة، فنزل فيها تحريم القتل، والتشديد فيه، والتأكيد عليه.

والسبب الثاني -وهو الأهم-: أن بني إسرائيل يسترخصون النفوس البشرية، ولا يأبهون بقتل الناس، ويستلذون بسفك الدماء، ونصوصهم التي حرفوها واخترعوها في كتبهم تدل على ذلك، كما يدل عليه تاريخهم الماضي، وواقعهم المعاصر؛ فهم قتلة الأنبياء بنص القرآن.

والأمم المكذبة كانوا يتهيبون قتل الأنبياء -وإن عارضوهم- إلا أمة بني إسرائيل فكانوا يفاخرون بقتلهم لرسلهم، وحاولوا قتل آخر أنبيائهم عيسى عليه السلام لولا أن الله تعالى نجاه منهم، ورفعه إليه.

ومن اجترءوا على قتل الأنبياء فهم على غيرهم أجرأ، وتاريخ بني إسرائيل حافل بالمذابح البشرية الفردية والجماعية. والحضارة المعاصرة هي حضارتهم؛ لأن اليهود والنصارى هم ربانها، وهم من ذرية نبي الله إسرائيل عليه السلام.

وأكبر ما نُقل من القتل عبر تاريخ البشرية الطويل إنما كان في حضارتنا المعاصرة، حتى لو قيل: إن ما سفك من دماء البشر خلال مئة سنة خلت أكثر مما سفك قبلها في تاريخ البشرية كلها لما كان ذلك بعيداً، ويكفي في ذلك الحربان الكونيتان الكبيرتان، والحروب الاستعمارية التي أُفنيت فيها شعوب بأكملها، ولا زال سفكهم لدماء غيرهم مستمراً إلى يومنا هذا.

فما أعظم القرآن حين يأتي النص فيه بتحريم القتل على أمة بني إسرائيل عقب حكاية قصة أول قتل وقع في البشر، ثم نقرأ التاريخ، ونرى الواقع، فلا يعدوا ما جاء في القرآن من استرخاص بني إسرائيل لدماء البشر (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) [المائدة:32]

وصلوا وسلموا.

 

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي