إن استطاعَ المريض الوضوء توضَّأَ، وإن لم يستطع، فإنه يتيَمَّمُ بالتراب، بأن يضربَ بيديه على تراب طهورٍ أو على شيءٍ عليه غبارٌ طهور من فراشٍ أو جدار أو بلاط، ثم يمسَحُ وجهه وكفَّيه بما عَلِقَ على يديه من الغبار. وإذا جيء له بتراب يسيرٍ يجعلُه عند سريره في منديل أو إناءٍ صغير يضربُ عليه للتيمم فحَسَنٌ. وإن لم يجد ماءً ولا تراباً، وخَشِيَ خروج الوقت، فإنه...
الحمد لله رب العالمين، سَهَّلَ لعباده طريق العبادة ويسر، وأشهَدُ أَنْ لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له شهادة تُؤَمِّنُ مَنْ قالها وعَمِلَ بها من هولِ يوم الفزع الأكبر.
وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله، صاحبُ الوجه الأنور، والجبين الأزهر، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابهِ السادةِ الغُرَرِ، وسَلَّم تسليماً كثيراً.
أمَّا بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- وتَمَسَّكُوا بدينكم في سائرِ أحوالكم، فإنه نجاتكم ورأس مالكم، قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
ومِنْ رحمةَ الله: أن جَعَلَ هذا الدين سهلاً سَمْحاً لا آصارَ فيه ولا أغلالَ، يتمشَّى مع حالةِ الإِنسان واستطاعته، فقد جاءَ باليسر والفَرَجِ والسماحة، ورفع الحرج، ومن ذلك: تشريعُه في الصلاة بالنسبةِ لمن عنده عذرٌ من مرضٍ، أو سفر، أو خوف.
فمَنْ حَصَلَ له عذرٌ من تلك الأعذار، فإنه يُصلِّي حسبَ استطاعتِه، ولا تسقُطُ عنه الصلاةُ في حالةٍ من الأحوال، ما دام عقلُه باقياً.
فالمريضُ يلزَمهُ: أن يؤديَ الصلاةَ قائماً، وإن احتاج إلى الاعتماد على عصا ونحوهِ، فلا بأسَ بذلك، فإن لم يستطعِ الصلاةَ قائماً، بأنْ عَجَزَ عن القيام، أو شَقَّ عليه، أو خِيفَ من قيامهِ زيادةُ مَرَضِه، أو تأخُّرُ بُرْئِهِ، فإنَّه يصلِّي قاعداً، وتكون هيئةُ قعودِهِ حسبَ الأسهل عليه، ويُومئُ برأسهِ في الركوع بأن يحنيَ رأسَهَ، ويقولَ: سبحانَ ربي العظيم.
وأمَّا السجودُ، فإن استطاعَ من صَلَّى قاعداً أن يسجُدَ على الأرض، وَجَبَ عليه ذلك، وإن لم يستطع، فإنه يومئُ برأسِهِ في السجود، ويجعلُه أخفضَ من الإِيماء بالركوع، ويقول: سبحانَ ربي الأعلى، فإن لم يستطع الصلاةَ جالساً، فإنه يصلِّي على جنبه.
والأفضلُ أن يكون على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع التوجه إلى القبلة، أو لم يكن عنده من يوجهه إليها، وخَشِيَ خروجَ الوقت، فإنه يصلِّي حسبَ حاله إلى أي جهة تسهُلُ عليه، ويومئ برأسه في الركوع ويقول: سبحان ربي العظيم، ثم يرفَعُ رأسَهَ من الركوع، ويقول: ربنا ولك الحمد، ثم يومئُ برأسه في السجود، ويجعلُه أخفضَ من الركوع، ويقول: سبحان ربي الأعلى، ثم يرفَعُ رأسَهَ من السجود، ويقول: ربِّ اغفرْ لي، ثم يومئُ برأسه للسجدة الثانية مثلَ الأولى.
فإن لم يستطع المريضُ الصلاةَ على جنبه، فإنه يصلِّي مستلقياً على ظهره، وتكون رجلاه إلى القبلة إن أمكن، ويومئُ برأسهِ للركوع والسجود -كما سبق-.
والدليلُ على صلاةِ المريض على هذه الكيفيات السابقة، ما أخرجَه الإِمامُ البخاري وأهل السنن من حديث عمرانَ بن حصين -رضي الله عنه- قال: "كانت بي بواسيرُ، فسألتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "صَلِّ قائماً، فإن لم تستطعْ فقاعداً، فإن لم تستطعْ فعلى جنبِك" زاد النسائي: "فإن لم تستطعْ فمستلقياً".
(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة:286].
فإن لم يستطع المريضُ الإِيماء برأسِهِ أومأَ بطرفه، أي: عينيه عندَ جماعة من العلماء، وهو الأحوطُ، أمَّا ما يقولُه بعضُ العوامِّ: إنه يومئُ بأصبُعِه أو يدِه، فهو قولٌ لا أصل له في الشرع ولا تَصِحُّ به الصلاة؛ لأن اليدين ليسا من موضعِ الإِيماء، وإنما موضعُ الإِيماء هو الرأسُ والوجه أو الطَّرْفُ عند بعض العلماء.
ومما سبقَ: يتبيَّنُ لنا أنَّ الصلاة لا تسقُطُ عن المريض مهما بَلَغَ به المرضُ ما دامَ عقلُه باقياً، بل يصلِّي على حسبِ حاله، ولا يجوزُ له تأخيرُ الصلاة عن وقتها.
فما يفعلُه بعض المرضى ومَنْ تُجرى لهم عمليات جراحية، ويرقُدون على سُرُرِ المستشفيات، ويتركون الصلاةَ مدةَ بَقائِهم في تلك المستشفيات، ومدةَ رُقادِهم على تلك السُّرُرِ بحجة أنهم لا يقِدرُونَ على أداء الصلاة بصفةٍ كاملة، أو لا يقدرون على الوضوء، أو أن عليهم ملابسَ نجسةً، ولا يقدرون على استبدالها، أو غير ذلك من الأعذار التي يظنونها تُسْقِطُ عنهم الصلاة، فإنهم قد أخطؤوا في ذلك، فالصلاةُ تُؤدَّى حسبَ الاستطاعة، ومَنْ عَجَزَ عن بعض شروطها أو أركانها أو واجباتها، فإنه يسقُطُ عنه ما عَجَزَ عنه من ذلك؛ لقولِهِ تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16].
فإن استطاعَ المريض الوضوء توضَّأَ، وإن لم يستطع، فإنه يتيَمَّمُ بالتراب، بأن يضربَ بيديه على تراب طهورٍ أو على شيءٍ عليه غبارٌ طهور من فراشٍ أو جدار أو بلاط، ثم يمسَحُ وجهه وكفَّيه بما عَلِقَ على يديه من الغبار.
وإذا جيء له بتراب يسيرٍ يجعلُه عند سريره في منديل أو إناءٍ صغير يضربُ عليه للتيمم فحَسَنٌ.
وإن لم يجد ماءً ولا تراباً، وخَشِيَ خروج الوقت، فإنه يصلِّي بلا وضوء ولا تيمم، وصلاتُه صحيحة ومجزئه؛ لأنه فَعَلَ ما يستطيعُ، والله -تعالى- يقولُ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16].
والثيابُ التي عليها نجاسةٌ إن استطاعَ أن يغسل النجاسة عنها، ويصلي فيها فعلَ، أو استطاع أن يستبدِلَها بثيابٍ طاهرة أو خَلَعَ مالا يحتاج إليه في الصلاة منها، فإنه يجبُ عليه ذلك، وإن لم يستطع غسلَها ولا استبدالَها ولا خلعَ شيءٍ منها، وخَشِيَ خروجَ وقتِ الصلاة، فإنه يصلِّي فيها، وصلاتُه صحيحة.
وإذا كانَ في أحدِ أعضاء الوضوء جرحٌ، أو موضع عملية، وعليه ضمادٌ، فإنه يسمَحُ عند كل وضوءٍ على ذلك الضمادِ الذي فوق الجرح، ويَكفيه المسحُ على الضماد عن غسلِ ما تحته إلى أن يُزالَ أو يبرأَ ما تحته.
ويجب علينا جميعاً: أن نَعْلَمَ ونُعلِّمَ مرضانا: أنَّ الصلاة يجبُ أداؤها في مواقيتها حسب الإِمكان، فإنَّ بعض المرضى قد يتركُ الصلاة مدةَ بقائه في المستشفى، ويقول: اقضيها بعد ذلك إذا خرجتُ من المستشفى، وهذا خطأٌ عظيم، نشأَ عن الجهل بشأن الصلاةِ، والجهلِ بأحكامِ وكيفيةِ صلاة المريض، فيجبُ التنبُّهُ لذلك، ويجب على المسؤولين عن المستشفيات أن يعتنوا بتفقُّدِ أحوال المرضى، ويعلِّمُوهم كيفَ يصلُّون، وذلك بواسطة توزيع نشرات أو تسجيلات تُذاعُ في المستشفى عن أحكامِ الصلاة، وأحكامِ الطهارة، وغيرها من أحكامِ المريض.
ويجوزُ للمريض إذا احتاجَ إلى الجمع بين الصلاتين: أن يجمعَ بينَ المغرب والعشاء في وقتٍ إحداهما تقديماً أو تأخيراً، وبين الظهر والعصر في وقتٍ إحداهما تقديماً أو تأخيراً، حسب الأرفق به، إذا كان يلحَقُهُ بترك الجمع مشقة.
ومن أهلِ الأعذار: المسافرُ الذي يقصدُ مسافةً تبلُغُ ثمانين كيلوا مترا فأكثرَ، فإنه يُسْتَحَبُّ له قصرُ الصلاة الرباعية إلى ركعتين رُخصةً من الله -تعالى-، وصدقةً تصدَّق بها عليه للتخفيفِ عنه، قال تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) يعني: سافرتم (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ) [النساء:101].
يعني: الرباعية، فتصلوها ركعتين، وهي: الظهرُ، والعصر، والعشاء، دون المغرب، والفجر، فإنهما لا تُقصران بالإِجماع؛ لأنَّ المغرب وتِرُ النهار، والفجر شُرعت ركعتين في الحضر والسفر.
ولا يقصُرُ المسافرُ إلا إذا خرجَ من بلده، وفارق عامرَ قريتِه.
ويجوزُ القصرَ للمسافر، ولو تكرر سفرُه كصاحبِ البريد، وصاحبِ سيارةِ الأجرة.
ويلزَمُ المسافرَ إتمامَ الصلاة إذا صَلَّى خلفَ مقيمٍ، وإذا نوى في أثناءِ سفره إقامةً تزيد على أربعةِ أيام، فإنه يُتِمُّ الصلاةَ لانقطاع أحكام السفر في حقه.
أمَّا إن نَوَىَ إقامةً لا تزيدُ على أربعةِ أيام، أو نوى إقامةً غير محددة، فإنه يقصُرُ الصلاة لعدمِ انقطاع أحكام السفر في حقه.
وأمَّا النوافلُ، فإن المسافر يحافظُ منها على الوتر، وعلى قيام الليل، وعلى راتبةِ الفجر، وهما الركعتان اللتان قبلها.
وأمَّا بقيةُ الرواتب التي مع الفرائض، فإنه لا يصليها؛ لأنه لم يُنْقَلْ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى سنةً راتبة في السفر غير سنة الفجر والوتر.
قال الإِمام ابنُ القيم -رحمه الله-: "وكانَ من هديهِ صلى الله عليه وسلم في سفره الاقتصارُ على الفرض، ولم يُحْفَظْ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه صَلَّى سنةَ الصلاة قبلها ولا بعدها، إلا ما كان من الوتر وسنة الفجر، وثبتَ أنَّه صلى الله عليه وسلم يصلِّي التهجُّد على راحلته، ويُباحُ للمسافرِ في أثناء السير في الطريق أن يجمَعَ بين الظهر والعصر في وقتِ إحداهما جمعَ تقديم أو تأخير، وبين المغرب والعشاء في وقتِ إحداهما جمعَ تقديم أو تأخير حسبَ الأرفق به، فإذا دَخَلَ عليه وقت الأولى قبل ركوبه، فإنه يجمع جمعَ تقديم، ثم يركب، وإن دَخَلَ عليه وقتُ الأولى وهو يسيرُ في الطريق في الطريق فإنه يؤخرها ويصلِّيها معَ الثانية إذا نَزَل جمع تأخير، وإن كان في طائرةٍ لا تنزل إلا بعد خروج وقتِ الثانية، فإنه يصلي في الطائرة على حسب حاله، ولا يؤخِّرُ الصلاةَ إلى النزول، وإذا كان المسافر نازلاً فإن يصلِّي كل صلاة في وقتِها قصراً بلا جمع؛ لأنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ما كان يجمَعُ إلا إذا جَدَّ به السيرُ، ولم يثبُتْ عنه أنَّه جَمَعَ وهو نازلٌ إلا في عرفة ومزدلفة لأجلِ اتصال الوقوف، ويُباحُ الجمع في الحضر بين المغرب والعشاء خاصةً في حالة المطر والوحل والبرد الشديد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة، وفَعَلَه أبو بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم-، وتركُ الجمعِ في المسجد في هذه الحالة، والصلاة في البيوت بدعةٌ مخالفة للسنة".
ومن أهل الأعذار: الخائفون الذين يمنَعُهم الخوف من أداء الصلاة كاملةً على الوجه الذي يُوَدِّيها به الآمن، فإن هؤلاء يصلُّون على حسب حالهم.
وللخائفِ حالتان:
الحالةُ الأولى: حالةُ الخوف الشديد، كالهاربِ من عدو، أو سيل، أو سَبُعٍ، ومن في حالةِ التحامِ القتال مع العدوّ، فإن هؤلاء في هذه الحالة يصلُّون رجالاً أو ركباناً مستقبلي القبلة، وغير مستقبليها؛ لقولِه تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) [البقرة:239].
قالَ الإِمام البغويُّ -رحمه الله- معناه: إن لم يُمكنكم أن تصلُّوا قانتين مُوفِّين للصلاة حقَّها لخوفٍ، فصَلُّوا مشاةً على أرجلكم أو ركباناً على ظهور دوابِّكم، وهذا في حال المقاتلة والمسايفة، يصلِّي حيث كان وجهُهُ راجلاً أو راكباً مستقبل القبلة، وغير مستقبلها، ويومئ بالركوعِ والسجود، ويجعَلُ السجود أخفضَ من الركوع.
وكذلك إذا قَصَدَه سَبُعٌ أو غَشِيَهُ سيلٌ يخاف منه على نفسه، فَعَدَا أَمَامَهُ، وصلَّى بالإِيماء، فإنه يجوز.
والحالة الثانية: إذا كان الخوفُ غير شديد، وكان العدوُّ مقابلاً لهم قريباً منهم يخشَوْنَ أن يهجُمَ عليهم في الصلاة، ففي هذه الحالة يقسمُ الإِمام الجندَ إلى طائفتين طائفةٍ تُصلي معه، وطائفةٍ تحرُسُ وتراقبُ تحركات العدو، فإذا صَلَّى بالذين معه ركعةً ثَبَتَ قائماً، وأتمُّوا لأنفسِهم وسَلَّموا، ثم ذَهَبُوا إلى مكان الحراسة، وجاءت الطائفةُ التي كانت تحرسُ في الركعة الأولى، وصَلُّوا مع الإِمام الركعة الثانية، ثم أتَمُّوا لأنفسِهم وانتظرهم جالساً، ثم سلَّم بهم.
ولصلاةِ الخوف صورٌ أخرى جاءت بها الأحاديثُ بحسبِ الأحوال، قال الإِمام أحمد -رحمه الله-: "صَحَّت صلاةُ الخوف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من خمسة أوجه أو ستة أوجه، كلُّها جائزة، ومَنْ ذَهَبَ إليها كُلِّها فحَسَنٌ".
فالحمد لله على التيسيرِ، ونسألُه سبحانَهَ أن يُثبتَنا على دِينهِ، ويرزقَنا التمسكَ بكتابه وسنة رسوله.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)[البقرة:238-239].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الحمدُ لله رب العالمين، على نِعَمِه الظاهرة والباطنة: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل:18].
وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له العزيز الحكيم، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على نهجِهِ القويم، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.
أما بعدُ:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعرِفُوا مكانَةَ الصلاةِ في الإِسلام، فقد تبيَّنَ لكم من خلال عرضِنا لكيفية صلاة أهلِ الأعذار أنَّ الصلاة لا تسقُطُ بحالٍ من الأحوال، لا في حالة السفر، ولا في حالةِ المرض، ولا في حالةِ الخوف، ولم يَجُز تأخيرُها عن وقتِها في تلك الأحوال الشديدة، فما بالُ أقوام يتخلَّفون الآنَ عن صلاةِ الجماعة، وهي تُقامُ بجوارِ بيوتهم، وعلى مسمَعٍ ومرأى منهم، وهم آمنون أَصِحَّاءُ.
وما بالُ أقوامٍ يُؤَخِّرون الصلاة عن مواقيتها ولا يصلُّونَها إلا بعدَ قيامهم من النوم أو فراغهم من الشغلِ؛ وهم يقرؤون قولَ الله -تعالى-: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء:103].
أي: فرضاً فرضَه الله في أوقاتٍ محددة، أليسوا مؤمنين؟ ألم يعلَمُوا أنَّ مَنْ أخر الصلاة عن وقتها فقد أضاعَها وسها عنها؟
وقد قالَ الله -تعالى-: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم:59].
وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون:4-5].
أَمَا آنَ لهؤلاء أن يتَّقُوا الله في أنفُسِهم وفي أهليهم، فينقذوا أنفُسَهم وأهليهم من نار: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
هل يريدون أن يستقيمَ لهم دينٌ بدون صلاة؟ هل يريدون أن تَصِحَّ لهم صلاة بدونِ التزام بشروطها وأحكامها؟
فاتقوا الله -عبادَ الله- في أنفُسِكم، وخذوا على أيدي مَنْ ألزَمَكُم الله الأخذَ على أيديهم، أنقذوهم من المعاصي أشدَّ مما تُنقذونهم من الغَرَقِ والحريق، فإنَّ العذابَ والعقوبة إذا نزلا لا يقتصران على المذنبِ، بل يَعُمَّانِ معه مَنْ لم ينكر عليه: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:25].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي