فينبغي للمسلم أن يستيقظ من غفلته، وكما ترون وتسمعون -أخوتي في الله- زلازل مدمرة، ورياح عاتية، وسيول جارفة، وأمراض مزمنة، وخسوف وكسوف، وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، إنما هما آيتان يخوف الله بهما عباده
الحمد لله العزيز الجبار، القوي القهار، يقلب الليل والنهار: (وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَار).
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه، وبعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا هو، وحده لا شريك له، يعلم الأسرار، ويسمع الأذكار، ويغفر للتائبين من عباده الأوزار.
قليلَ الحيا لولاه ما عشت في الحشا *** ولولاه ما حنت عليك المراضع
تأدب بآداب الشريعـة واستقـم *** وقل يا إله العـرش إني راجـع
ويا واهبَ الخيرات هب لي هداية *** فما غير فقدان الهدايـةِ قاطـع
إلهي، أنا المسكين أمسيت حائـرا *** وقد عارضتني في الطريق قواطع
أقل عثرتي عفوا ولطفـا ورحمـة *** فما لجميل الصنع غيرَك صانـع
اللهم إنا نسألك رحمتك يا أرحم الراحمين. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، النبي المختار، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ).
فاتقوا الله -يا عباد الله-؛ امتثالاً وعملاً بأمر ووصية ربكم، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين.
أيها الأخوة المؤمنون: من عدل الله عز وجل في عصاة خلقه، أنه لا يهلكهم على غرة، إنما ينذرهم ويذكرهم، ويقيم عليهم الحجج، فإذا لم يؤثر عليهم ذلك، ولم ينفع بهم أخذهم وأهلكهم، وهذا عدل من الله جل جلاله. يقول تبارك وتعالى: (وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ).
والمتأمل -أيها الأخوة- لكتاب الله عز وجل، يجد أن الله -جل جلاله- لم يهلك أمة من الأمم، ولا طاغوتا من الطواغيت، إلا بعد الإنذار؛ والأدلة على هذا كثيرة، ولكن نذكر منها على سبيل المثال: قوم عاد، أرسل الله -عز وجل- إليهم هودا -عليه السلام- فدعاهم إلى عبادة الله وحده، وحذرهم عذاب يوم عظيم، ولكنهم لا يعقلون ولا يفهمون، فماذا حصل لهم؟ تأخر عنهم المطر حتى أمحلت ديارهم، فأرسل الله عز وجل عليهم العذاب، فلما استقبلهم فرحوا به واستبشروا كما قال تعالى: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) يقول ابن كثير في تفسيره: "بادوا كلهم عن آخرهم ولم تبق لهم باقية".
أيها الأخوة المؤمنون: فالإنذار قبل الهلاك، حقيقة ثابتة، ذكرها الله عز وجل في كتابه، المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لنتعظ ونعتبر بغيرنا، ونحرص على ما يرضي ربنا، ويبعد العذاب عنا، ولهذا قال تبارك وتعالى: (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ).
أيها الأخوة المؤمنون: إن النذر التي يرسلها الله عز وجل إلى الناس كثيرة ومتنوعة، ولهذا قال تبارك وتعالى: (النُّذُر) فذكرها على سبيل الجمع، وذكر بها أهل النار موبخاً لهم، كما في قوله تعالى: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ).
فأهل جهنم العصاة المجرمون، يوم القيامة، في جهنم ينادون بأعلى أصواتهم، يريدون الخروج، ويعدون بأنهم سوف يعملون غير أعمالهم السيئة، يعدون بأنهم سيحسنون من أوضاعهم، ولكن انتهى الأمر، أين أنتم قبل ذلك (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ) تركناكم سنين كثيرة، ثمان عشرة سنة، أربعين سنة (وَجَاءكُمُ النَّذِير) قيل النذير هو: النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل هو الشيب.
فالواجب على الإنسان أن يحرص على الطاعة، ويحذر المعصية، وخاصة كلما تقدمت به السن؛ فقد نقل عن أهل المدينة من سلفنا الصالح، أنه إذا بلغ أحدهم الأربعين من عمره تفرغ للعبادة، وتحرر من مشاغل الدنيا، لذا فإن بعض الناس، لعلى خطر عظيم، لاسيما الذين تمكنت الغفلة من قلوبهم؛ ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة" أي لم يترك الله له عذراً إذ أمهله هذه المدة.
فاتق الله أخي المسلم: واحذر أن تكون من الغافلين، الذين يصدق على أحدهم قول القائل:
نهارك يا مغرور سهو وغفلة *** وليلك نوم والردى لك لازم
يغرك ما يفنى وتفرح بالمنى *** كما غُرَّ باللذات في نوم حالم
وشغلك فيما سوف تكره غبه *** كذلك في الدنيا تعيش البهائم
اسأل الله لي ولكم علما نافعا وعملا خالصا وسلامة دائمة، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً.
أيها المسلمون: وكما ذكرت نذر الله عز وجل لخلقه في كونه، كثيرة ومتنوعة ومتعددة، ولكنها كما قال تعالى: (وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ) فضعاف الإيمان، المكذبون، الذين ينذرهم الله عز وجل ويحذرهم؛ ليمتثلوا أمره ويتبعوا رسوله النذير صلى الله عليه وسلم، إذا ماتوا وهم على ذلك، فإنهم على خطر عظيم، وهل هناك أخطر من دخول النار -يا عباد الله- يقول عز وجل عنهم فيها: (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا).
فينبغي للمسلم أن يستيقظ من غفلته، وكما ترون وتسمعون -أخوتي في الله- زلازل مدمرة، ورياح عاتية، وسيول جارفة، وأمراض مزمنة، وخسوف وكسوف، وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، إنما هما آيتان يخوف الله بهما عباده"
أيها الأخوة: إن هذه المصائب والكوارث، والآيات التي يخوف الله بها عباده، صرنا نعايشها واقعاً ملموساً، فلم نعد نسمع بها مجرد سمع، بل صارت تتكرر وبكثرة، وبشكل يوقظ القلوب الغافلة، ويبعث الخوف في الضمائر الواعية.
فاتقوا الله يا عباد الله: واحذروا الغفلة فإنها داء خطير، وشر مستطير.
ألا وصلوا على البشير النذير والسراج المنير فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير فقال جل من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)
فاللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن صحابته الغرر، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، واحم حوزة الدين واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، واستعمل علينا خيارنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقًا، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، اللهم انشر رحمتك على بلدك الميت.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي