الدولة الصفوية (4) تكفير المخالفين واستباحتهم

إبراهيم بن محمد الحقيل
عناصر الخطبة
  1. الفرق الباطنية وخطورتها .
  2. تكفيرهم للمخالفين لعقيدة الإمامة .
  3. طعنهم في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم .
  4. تكفيرهم لأئمة المذاهب الأربعة .
  5. وقوف الصوفية والليبرالية مع الصفويين .

اقتباس

ولستُ أعلمُ أهلَ ملَّة أو نحلة أو طائفة عندَهم من نصوص تكفير المخالفين لهم واستباحتهم كما عندَ الإماميَّة الإثني عشرية؛ بل لو جُمعت نصوصُ التكفير عند الإماميَّة، ووضعت بإزاء نصوص التكفير عندَ كلِّ أهل الملل والنِّحَل والفرق - لَمَا كان بعيدًا أن تكون مجتمعةً أقلَّ ممَّا عند الرافضة الإماميَّة؛ لكن هذا السيل الجارف من نصوص التكفير عندهم مسكوتٌ عنه عالميًّا وإقليميًّا ومحليًّا لأغراض سياسية..

 

 

 
الحمدُ لله العليم الحكيم؛ أعطى كلَّ شيء خلْقَه ثم هَدَى، وبيَّن دِينَه لعباده؛ فمنهم مَن اهتدى، ومنهم مَن استكبر عنه فغَوى، نحمده على هدايته ورعايته، ونشكره على ولايته وكفايتِه، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْدَه لا شريك له؛ ما تقرَّب إليه المتقرِّبون بشيء أحبَّ إليه ممَّا افترضه عليهم، ولا ابتعد المبتدعة عن دِينه بشيء أكثرَ من بدعتهم؛ (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) [الشُّورى:21].

وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله؛ ابتلاه ربُّه، وابتلى به، وأنزل عليه كتابًا لا يغسله الماء، فهو مستودَعٌ في الصُّدور قبل كتابته في الألْواح والقرطاس، صلَّى الله وسلَّم، وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه؛ خيار هذه الأمَّة وأبرارها، ولا يَطعن فيهم إلاَّ فجَّارُها، وطعنهم في الصحابة -رضي الله عنهم- طعنٌ في النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما قال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: "إنَّما هؤلاءِ قومٌ أرادوا القدْح في النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- فلم يُمكنهم ذلك؛ فقدحوا في أصحابه، حتى يُقال: رجل سوء؛ ولو كان رجلاً صالحًا لكان أصحابُه صالحين"، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعدُ: فاتَّقوا الله -تعالى- وأطيعوه، واقدروه حقَّ قَدْره، واعرفوا فضلَه عليكم، ورحمته بكم، وإحسانه إليكم؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [فاطر: 3].

أيُّها الناس: أنعم الله -تعالى- على هذه الأمَّة ببعَثةِ رسوله محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- فبلَّغ عن الله -تعالى- رِسالاتِه، وأُوذي بسبب ذلك، وعُذِّب أصحابُه -رضي الله عنهم- وأُخرجوا من ديارهم، حتى أعزَّ الله -تعالى- الفِئة المستضعَفة، وكثَّرها بعدَ القِلَّة، وأغناها بعد العيلة، وما مات رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- إلاَّ وقد اكتمل الدِّين، وتمتِ النعمة، وعزَّ أهلُ الملَّة.

وبعد موته -صلَّى الله عليه وسلَّم- ظنَّ كثيرٌ من الناس أن دعوتَه تموت معه كسائر الدعوات التي عرفوها، فكانت ظاهرةُ الرِّدة، ولكن كان لها سيفُ الصِّدِّيق أبي بكر - رضي الله عنه- ليعلمَ الناس أنَّ دِين الله -تعالى- لا يموت بموْتِ أحد، ولو كان خيرَ البريَّة -صلَّى الله عليه وسلَّم.

وهذه المحاولة المبكِّرة للانقضاض على الإسلام، واجتثاثه من الأرض، ثم فشلها رغمَ ضخامتها في العدد والعُدَّة - أثبتتْ للناس أنَّ هذا الدِّين إنَّما أنزله الله -تعالى- ليبقى في الأرض ولا يزول، وليس كسائر الأديان والأفكار التي تزول بموْت دُعاتها، أو تحوُّلِهم عنها إلى غيرها، وقد فطن أهلُ المكر لهذه الميزة في الإسلام، فكان صرْفُ الناس عنه مِن داخله أَوْلى وأجدى من محاولة اختراقه مِن الخارج وتدميره، وهو ما فَعَله أهلُ البِدعة والضلالة، حين أحدثوا في الإسلام بدعتَهم، واستدلُّوا لها بالمتشابِه من النُّصوص، ولم يَدَّعُوا أنَّهم أتوا بدِين جديد، وإلاَّ لانصرف الناس عنهم، ولم يَقبلوا منهم.

لقد كانت الفرق الباطنيَّة هي أعظمَ كيدٍ أحدثه المبتدعة في داخل الإسلام، فصرفوا بها كثيرًا من الرِّعاع والدُّهماء عن دِين الحق، وعبَّدُوهم للباطل الذي أحدثوه، وكانت الإماميَّة الاثنا عشرية أخطرَ فِرْقة باطنيَّة ظهرت في الإسلام، وكاد أئمَّتُها له، وانقلبوا على المصادر الصحيحة لتلقِّي الإسلام، فاستبدلوا بها مصادرَ أحدثوها سهَّلتْ لهم الدَّجل على أتباعهم، وابتزاز أموالهم بالأخماس، وانتهاك أعراضهم بالمُتعة، ورَميِهم في درك النِّفاق والكذب بالتقيَّة، وشحنهم بالأحقاد على غيرهم ممَّن لم يوافقوهم في بدعتهم.

وازدادتْ خطورةُ هذه الفرقة الباطنيَّة البدعيَّة في القرن العاشر الهجري، حين أقام الصفويُّون دولتَها في خراسان وما حولَها، وعظُم خطرُهم على الإسلام أكثرَ وأكثر بقيام ثورتهم الخمينيَّة، وإصرارهم على تصدير الثورة إلى العالَم الإسلامي، وكثيرٌ من الناس يسمعون مصطلح "تصدير الثورة"، ولا يعلمون مرادَ القوم به، وحقيقته هي السَّعي لإسقاط الحُكومات في دول العالَم الإسلامي كلِّه عن طريق أتباعهم الذين هم خلايا نائمةٌ جاهزة للانقضاض على المسلمين، متى ما سنحتِ الفرصة لهم.

إنَّ الإمامة هي الأصلُ الذي بنتْ عليه هذه الفِرقةُ الباطنية دِينَها، وقد حصروا الإمامةَ فيمَن اختاروهم وارتضوهم من ذُريَّة الحسين بن علي -رضي الله عنهما- وهذا الأصل الذي بنوا عليه دِينَهم لم ولن يتنازلوا عنه قِيدَ أُنملة؛ لأنَّه عندهم شرطُ كلمة التوحيد، حتى قال أحد علمائهم: "نعتقد أنَّ الإمامة أصلٌ من أصول الدِّين، لا يتمُّ الإيمان إلاَّ بالاعتقاد بها، فالإمامة استمرار للنبوَّة".

ويؤكِّد المجلسي -وهو من كِبار أئمَّتهم- "على أنَّ مَن أنكر أحدًا من أئمَّة الشِّيعة لم ينفعه إقرارُه بسائر الأنبياء"؛ ولذلك كفَّروا كلَّ المخالفين لهم في الإمامة، واستحلُّوا دماءَهم وأعراضهم، وأجازوا المكرَ بهم وخداعهم، ثم طبَّقوا هذه المعتقداتِ عمليًّا في القديم والحديث.

ولستُ أعلمُ أهلَ ملَّة أو نحلة أو طائفة عندَهم من نصوص تكفير المخالفين لهم واستباحتهم كما عندَ الإماميَّة الاثني عشرية؛ بل لو جُمعت نصوصُ التكفير عند الإماميَّة، ووضعت بإزاء نصوص التكفير عندَ كلِّ أهل الملل والنِّحَل والفرق -لَمَا كان بعيدًا أن تكون مجتمعةً أقلَّ ممَّا عند الرافضة الإماميَّة؛ لكن هذا السيل الجارف من نصوص التكفير عندهم مسكوتٌ عنه عالميًّا وإقليميًّا ومحليًّا لأغراض سياسية، بينما يُصيح عبَّاد القبور وعبَّاد علي والحسين -رضي الله عنهما- بتكفير غيرهم لهم، ويُعينهم على دعاواهم كلُّ مَن حارب الحقَّ وأهلَه.

لقد قام مذهب الإماميَّة على تكفير أهل القِبلة كلِّهم بغضِّ النظر عن معتقداتهم وأفكارهم، ما داموا يُخالفون عقيدةَ الإمامة عندهم؛ ولذلك كفَّروا كلَّ الصحابة -رضي الله عنهم- إلاَّ ثلاثة أو أربعة، وتكفير عموم المسلمين بسبب الاختلاف في الإمامة محلُّ إجماع عندَهم، كما قال أحد أعلامهم: "اتَّفقتِ الإماميَّة على أنَّ مَن أنكر إمامةَ أحد من الأئمَّة، وجحد ما أوجبه الله -تعالى- له مِن فرض الطَّاعة، فهو كافرٌ ضالٌّ، مُستحقٌّ للخلود في النَّار"، بل أعلن أحد كِبار علمائهم أنَّ انفصال الشِّيعة عن المسلمين إنَّما كان بسبب الإمامة، فقال: "لم نجتمع معهم على إلهٍ ولا نبي، ولا على إمام، وذلك أنَّهم يقولون: إنَّ ربَّهم هو الذي كان محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- نبيَّه، وخليفته بعدَه أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الربِّ، ولا بذلك النبي؛ بل نقول إنَّ الربَّ الذي خليفة نبيِّه أبو بكر ليس ربَّنا، ولا ذلك النبيُّ نبيَّنا".

والمحامد التي يستفتح بها المسلم دعاءَه لِيُستجابَ، استبدل به الإماميَّة لعنَ الأمَّة الإسلاميَّة كلها؛ لأنَّها لم ترضخْ -بزعمهم- لإمامة أئمتهم، وقصدوا مِن جعْل هذا اللَّعن والتكفير في افتتاحيات أدعيتهم شحنَ عواطف عامَّتهم على الأمة جمعاء، وتربيِّتَهم على لعنِ مخالفيهم في كلِّ حين وأوانٍ؛ ذلك أنَّ الدعاء متكرِّر.

ويخصُّون الخلفاءَ الثلاثة: أبا بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- بنصوص أكثرَ في تكفيرهم، يختلقونها وينسبونها لِمَن زعموا أنَّهم أئمَّتهم من آل البيت، حتى بوَّب المجلسي على ذلك فقال: "باب كفر الثَّلاثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم"، وذكر تحته أنَّ عمر - رضي الله عنه- في النار، وأنَّه شرٌّ من إبليس، وتتفق كتبُهم المعتمدة على كُفْر من اعترف بإمامة الشَّيخَين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- وعلى كُفْر من أنكر الأئمَّة الاثني عشر.

ويجعلون مِن افتتاحيات أدعيتهم التي تكون سببًا في إجابة الدُّعاء لعنَ صنمَي قريش، ويريدون بهما أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- وينعتونهما بالجِبت والطاغوت، ولا يكاد يخلو كتابٌ من كتبهم من نصوص تطعنُ في الشيخَين -رضي الله عنهما- وتُكفِّرهما، وتكفِّر من يحبهما أو يُقرُّ بإمامتهما، ومعلوم أنَّ كل المسلمين يُحبُّونهم عدا الرافضة، ومن وافقهم.

وأمَّا تكفيرهم لآل البيت، وهم يَدَّعون أنَّ مذهبهم مذهب آل البيت، ويخدعون بذلك العامَّة وجهلة المثقَّفين؛ فإنَّهم يُكفِّرون كلَّ زوجات النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهنَّ - رضي الله عنهن- أخصُّ آل بيته، ويختصُّون عائشة -رضي الله عنها- بالقذف بالزِّنا، ويُورِدون فيها من نصوص التكفير والقدْح أكثرَ من غيرها، مع أنَّها أحبُّ نساء النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- إليه، ولا يعترفون ببراءةِ الله -تعالى- لها في القرآن، وفي فعلهم هذا تكذيبٌ لصريح القرآن.

يقول ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "أجمع أهلُ العِلم قاطبة على أنَّ مَن سبَّها ورماها بما رماها به بعدَ هذا الذي ذكر في الآية، فإنه كافرٌ؛ لأنَّه معاندٌ للقرآن".

وقد نال أعمامَ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وبني عمِّه نصيبُهم من طعْنِ الرافضة وتكفيرهم، فزعموا أنَّ العباس بن عبد المطَّلِب عم النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- هو المراد بقول الله -تعالى- (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) [الإسراء: 72]، ويخصُّون ابنَه عبدالله، حبرَ الأمَّة وتَرجمان القرآن، بنصوص اللَّعْن والشتم.

وأمَّا بنات النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- اللائي هنَّ بَضعةٌ منه، فلا يستثنونهنَّ من عموم تكفيرهم للصحابة وللأمَّة؛ إلاَّ ما ورد عنهم من استثناء فاطمة -رضي الله عنها- وأقبح من ذلك إنكارُ بعضهم أن يكون للنبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بنات سوى فاطمة، وهذا طعنٌ في النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وفي آل بيته الطاهرين.

فمَن كفَّروا صحابةَ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وكفَّروا زوجاتِه أمهاتِ المؤمنين، ورموا أفضلهنَّ بالفاحشة، وكفَّروا سائر قرابة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وآل بيته الطيِّبين الطاهرين، وطعنوا فيهم إلاَّ عددًا قليلاً جدًّا لا يتجاوزون أصابعَ اليد الواحدة، أتراهم يتورَّعون عن تكفير سائر المسلمين، ولعْنِهم والكيد لهم، ورحم الله مَن قال من السَّلف: "لا يغلُّ قلب أحدٍ على أحد من أصحاب رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- إلاَّ كان قلبُه على المسلمين أغلَّ".

حمى الله بلادَنا وبلادَ المسلمين من كيدهم وشرِّهم، وردَّهم على أعقابهم خاسرين.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ..

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

الحمد لله حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم، وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداهم إلى يوم الدِّين.

أما بعد: فاتَّقوا الله -عبادَ الله- وأطيعوه؛ (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاَقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ) [البقرة: 223].

أيُّها المسلمون: المنتسبون للفرِقة الإماميَّة يُكفِّرون حُكَّام المسلمين قاطبة من عهد الخلافة الراشدة إلى يومِنا هذا، ويرَوْن عدم أحقيتهم بحُكم المسلمين وإمامتهم؛ ولذلك يُمالِئون الأعداءَ عليهم.

وعقبَ اختراعهم لولاية الفقيه وعَملِهم بها، انتقلوا من طَوْر انتظار الإمام الغائب إلى نيابة الفَقيه الوالي عنه في إقامة الإمبراطوريَّة الشِّيعيَّة الموعودة على رُفات دول أهلِ السُّنة؛ ولذلك فهم يتربَّصون بالمسلمين الدوائر، ويَسعَوْن جادِّين في إزالة ممالكهم، وإسقاطِ حكوماتهم، ومن نصوص أئمَّتهم في ذلك قولهم: "كلُّ راية تُرفع قبلَ رايةِ القائم صاحبُها طاغوت"، وبناء على معتقدهم هذا فإنَّهم يعدُّون كلَّ الدول الإسلاميَّة أرضَ كُفر وحرْب خلا دُولهم، ويُريدون بتصدير ثورتِهم إعادةَ هذه الدُّول إلى الإسلام الذي يحصرونه في معتقدهم في الإمامة والأئمَّة.

وهم يكفِّرون أئمَّة الفِقه والهُدى من المسلمين، فيَلعنون الإمامَين أبا حنيفة وابنَ حنبل -رحمهما الله تعالى-، ويرمُون أبا حنيفة بالشِّرك، ويقذفون الشافعيَّ -رحمه الله تعالى- بأنَّه ابن زِنًا، ويعدُّون الأئمَّة الأربعة منحرفين، وينهون عن أخْذ الفقه من مذاهبهم.

ويعتقدون أنَّ المحاكم والقضاء في كلِّ بلاد المسلمين قديمًا وحديثًا هي من حُكم الطاغوت، سواء كانت محاكم شرعيَّة أم وضعيَّة؛ لأنَّ حُكمها حكمٌ بغير كُتبهم ونصوص أئمَّتهم، يقول الهالك الخميني: "الإمام -عليه السلام- نفسه ينهى عن الرُّجوع إلى السلاطين وقضاتهم، ويعتبر الرُّجوعَ إليهم رجوعًا إلى الطاغوت".

وبناء على هذا المعتقد في الإمامة عندَهم فإنَّهم يكفِّرون أهلَ السُّنة والجماعة، ويستحِلُّون دماءَهم وأموالهم وأعراضهم، كما يكفِّرون سائر فِرق أهل القبلة؛ فيكفِّرون الأشاعرة والصوفيَّة والزَّيديَّة، ويجعلون الصوفيَّة يهودَ هذه الأمَّة رغمَ أنَّ التصوُّف هو العتبة الأولى للتشيُّع، ورغم أنَّ الزيديَّة من أقرب الناس لهم، وفيهم تشيُّع إلاَّ أنَّهم يكفِّرونهم؛ لأنَّهم يُقرُّون بولاية الشيخَين -رضي الله عنهما- ويجعلونهم كأهل السُّنة في العداء؛ حتى قال المجلسي: "كتب أخبارنا مشحونةٌ بالأخبار الدالة على كُفْر الزيديَّة".

والعجيب -أيُّها الإخوة- أنَّه لم يَسلمْ من تكفير الإماميَّة وقذفِهم ولعنِهم للناس إلاَّ أكفرُ الناس وأخبثهم؛ فهم يُدافعون عن أتباع مُسيلمة الكذَاب، وعن مُدِّعي النبوة، وعن الزنادقة والمرتدين، وعن أبي لؤلؤة المجوسيِّ؛ قاتلِ عمر -رضي الله عنه-، ويعدُّونه شهيدًا، وله ضريحٌ ومزار عندهم يتعبَّدون فيه.

فلماذا يسكت السِّياسيُّون والإعلاميُّون والصحفيُّون عن سَيلِ التكفير المتدفِّق من كتب الرافضة وفتاواهم، وهو لم يستثنِ أحدًا من الكُفر واللعن إلاَّ مَن وافقهم في ضلالهم؟! ولماذا يتتبَّعون أقوالَ أهل السُّنة في إيقاع التكفير على أقوالٍ وأفعال ثَبَت بالكتاب والسُّنة أنَّها مِن الكُفريَّات، وهي لا تبلغ واحدًا في الألْف من نصوص تكفير الإماميَّة لغيرهم؟! إنْ هو إلاَّ الهوى المُعمِي، والجهل المطبِق -ولو زعموا أنَّهم أهلُ دراية وثقافة-، ومهما فعلوا فلن يستطيعوا أن يُثنوا القوم عن عقائدهم، ولن ينتزعوا منهم إنكارًا وبراءة ممَّا في كتب أئمَّتهم من تكفير غيرِهم، ولو عزفوا لهم على أوتار الوطنيَّة!

لماذا يقف الصوفيَّة والليبراليُّون مع الإماميَّة، ومِن ورائهم أهلُ السياسة والإعلام -مع أنَّ الإمامية يكفِّرونهم، ولو تمكَّنوا منهم لأذاقوهم مُرَّ العذاب-؟! ولماذا لا يحافظون على دُنياهم -إنْ كان الِّدين لا يعنيهم-؛ فإنَّ هؤلاء الباطنيِّين إن تمكَّنوا منهم فلن يُبقوا لهم دِينًا ولا دُنيا؟!.

لماذا هذا الانحيازُ السافر للباطنيِّين الحاقدين تحتَ دعاوَى الوطنية والحِوار، وهم لا يعترفون بوطن إلاَّ ما حكمه أئمتُهم في طهران، ولا يعرفون حوارًا إلاَّ التكفير واللَّعن، واستباحةَ المسلمين كما فعلوا بأهل السُّنة في الأحواز والعراق؟!

فعلامَ الحوار والتقارُب مع قوم لن يتزحزحوا عن معتقدِهم في تكفير المسلمين، واستحلالهم مهما قدَّموا لهم من تنازُلات، يستفيدون منها في نشْر مذهبهم الفاسد، وتشييع العامَّة من المسلمين، وتصوير أئمَّتهم بالأبطال الذين يُدافعون عن قضايا الأمَّة، ويقفون أمامَ أعدائها، وهم في الخَفاء يمدُّون أيديَهم إلى الصهاينة والصليبيِّين؛ ليُمزِّقوا دولَ هذه الأمَّة الممزَّقة، ويستبيحوها كما استباحوا العراق.

وعلى الأقمار الاصطناعيَّة العربية ما يَقرُب من خمسين قناة فضائية رافضيَّة لها نشاطٌ عجيب في نشر التشيُّع، وتلميع صُور قادتهم وأئمَّتهم عندَ عوامِّ المسلمين، في الوقت الذي يتسابق فيه إعلام بني يَعرُب على الرَّاقصات والمغنِّيات والأفلام والمسلسلات وتعرية النِّساء، وإغراق الناس في جميع أنواع اللَّهو المباح والمحرَّم؛ ليلهوهم عن دِينهم، ويصرفوهم عن قضاياهم، ويُهيِّئوهم للمفترسين من أحفاد الأُمَّتين الرُّومانية المتصهيِّنة، والفارسيَّة الباطنية، فنشكو إلى الله -تعالى- جَلَد الفجَّار، وضعفَ الأخيار، وغفلةَ الناس عمَّا يُراد بهم؛ (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ) [آل عمران: 147].

اللهمَّ صلِّ على محمَّد، وعلى آل محمد...

 

 

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي