أيُّها المُؤمِنُ: إذا حَلَّ عَامٌ هِجْرِيٌّ جَدِيدٌ فَإِنَّكَ تَشعُرُ بالعزِّ والفَخَارِ بأنَّكَ تَنْتَسبُ لدِينٍ حَنِيفٍ، وَتَأْريخٍ مَجِيدٍ، ومَنهَجٍ نَبوِيٍّ رَشيدٍ، يَربطُ مَاضِ الأَنْبِياءِ جَمِيعَاً بِحَاضِرِهم وَمُستَقْبَلِ دِينِهم ودَعوتِهم، فَتَعَالَوا بِنَا يَا كِرَامُ: لِنَتَعَرَّفَ عَلى بَعْض فَضَائِلِ هَذَا الشَّهْرِ وَأحَكَامِهِ وسُنَنِهِ وآدَابِهِ، فَلَقَد سُمِّيَ المُحرَّمُ بِذَلِكَ تَأْكِيدَاً لِحُرْمَتِهِ؛ وَلِأَنَّ العَرَبَ كَانْت تُحرِّمُ فيهِ القِتَالَ!
الحمدُ للهِ وَسِعَتْ رَحمَتُهُ كُلَّ شَيءٍ، وَعَمَّ إحسَانُهُ كُلَّ حَيٍّ، لَيسَ مِن مَخلُوقٍ إلَّا وَفِيهِ أَثَرٌ مِن نِعمَتِكَ، ولا كَائِنٍ إلَّا ويَسبَحُ في بِحَارِ رَحمَتِك.
نَشهدُ أن لا إله إلَّا أنتَ وَحدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ، لَكَ المُلكُ وَلَكَ الحَمدُ وأنتَ على كلِّ شيءٍ قَديرٌ، وَنَشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحمَّداً عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أرْسَلَهُ ربُّهُ بالهدى ودينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ على الدِّين كلِّه ولو كَرِهَ المُشركونَ، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وَبَارِكْ عليه وعلى آلِهِ الكِرَامِ، وأَصحَابِهِ الأَعلامِ، وَمَنْ تَبِعهم بِإحسانٍ وإيمانٍ على الدَّوامِ.
أمَّا بَعدُ: فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، تَكُونوا خَيرَ العِبَادِ عليهِ وأَكرمَهُم وأَقرَبَهم إليهِ، واذكُروا وُقُوفـَكُم يَومَ العَرْضِ عليه: (يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) [النبأ: 40].
فَخَيرُ مَا اتـَّصفَ به المُؤمِنُ قَلْبٌ حَيٌّ، يَستَشْعِرُ حُرمَةَ مَا حرَّمَ اللهُ وَتَعظِيم مَا عَظَّمَهُ اللهُ: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [الحج: 30]. وَسُبحَانَ مَنْ لَهُ الخَلْقُ والأَمرُ، فَقَد خَلقَ الزَّمَانَ، واختَارَ مِنه مَا شَاءَ، واختَارَ مِن الشُّهورِ مَا شَاءَ وَفَضَّلَ بَعْضَها على بَعْضٍ.
لَقد اختَارَ الرَّبُّ -جَلَّ وعُلا- شَهْرَ اللهِ الْمُحرَّم، فَأَضَافَهُ إلى نَفْسِهِ تَشْرِيفًا وَتَكرِيمًا، وَزَادَهُ اللهُ إجْلالاً وَتَعْظِيمًا. فالَّلهُمَّ بَاركَ لَنا عَامَنَا الجَدِيدَ، واجْعَلْهُ عَامَ خَيرٍ وَرُشْدٍ وَهُدًى.
أيُّها المُؤمِنُ: إذا حَلَّ عَامٌ هِجْرِيٌّ جَدِيدٌ فَإِنَّكَ تَشعُرُ بالعزِّ والفَخَارِ بأنَّكَ تَنْتَسبُ لدِينٍ حَنِيفٍ، وَتَأْريخٍ مَجِيدٍ، ومَنهَجٍ نَبوِيٍّ رَشيدٍ، يَربطُ مَاضِ الأَنْبِياءِ جَمِيعَاً بِحَاضِرِهم وَمُستَقْبَلِ دِينِهم ودَعوتِهم، فَتَعَالَوا بِنَا يَا كِرَامُ: لِنَتَعَرَّفَ عَلى بَعْض فَضَائِلِ هَذَا الشَّهْرِ وَأحَكَامِهِ وسُنَنِهِ وآدَابِهِ، فَلَقَد سُمِّيَ المُحرَّمُ بِذَلِكَ تَأْكِيدَاً لِحُرْمَتِهِ؛ وَلِأَنَّ العَرَبَ كَانْت تُحرِّمُ فيهِ القِتَالَ!
شَهْرُ اللهِ المُحرَّمُ أوَّلُ شُهُورِ السَنَةِ الهِجْرِيَّةِ التَي قَالَ اللهُ –تَعَالى- عنْها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة: 36].
وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَن النَّبِيِّ أنَّهُ قَالَ: "السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحَجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ" (رواه البخاري).
قالَ ابنُ عباسٍ -رَضِي اللهُ عَنْهُما-: "اختَصَّ اللهُ الأَشهُرَ فَجَعَلهُنَّ حَرَامَاً وَعَظَّم حُرمَاتِهِنَّ، وَجَعَلَ الذَّنبَ فيهنَّ أَعظَمَ والعَمَلَ الصَّالحَ والأَجرَ أَعظَمَ".
عبادَ اللهِ: ولَمَّا ذكَّرَ اللهُ بعِظَم هذهِ الشُّهورِ عقَّبَ ذَلِكَ بِتَحريمِ الظُّلمِ فيها؛ إذْ هو سببُ كلِّ شرٍّ وفَسَادٍ، فَالظُّلم مَصدَرُ الآفَاتِ، مَتى فَشَا فِي أُمَّةٍ آذنَ اللهُ بِأُفُولِها، فَقد تَهدَّدَ اللهُ الظَّلمَةَ، فَقَالَ: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم: 42]. وفِي الحَديثِ القُدسِيِّ: "يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا" (رَواه مُسلِمٌ).
ورَوى مُسلِمٌ أيضَاً أنَّ النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "اتَّقُوا الظُّلْمَ! فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
والظُّلمُ عِبادَ اللهِ: أَنوَاعٌ ثَلاثَةٌ: أوَّلُهَا: لا يَغْفِرُهُ اللهُ لِمَنْ مَاتَ عليهِ أَبَدًا، وهو الإِشرَاكُ بِهِ سُبْحَانَهُ، كَدُعَاءِ غَيرِهِ، أو السُّجودِ لِغَيرِهِ، أو نَبْذِ شَرْعِهِ والتَّحَاكُمِ إلى مَا سِوَاهُ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء: 116].
والثَّانِيِ: ظُلمٌ لا يَترُكُهُ اللهُ -تَعَالَى- أبَدًا، وَهُوَ ظُلمُ العَبدِ غَيرَهُ، فَلا بُدَّ مِنْ أَخْذِ حَقِّ المَظلُومِ مِنِ الظَّالِمِ وَلو بَعدَ حينٍ، كَمَا قَالَ اللهُ فِي الحَديثِ القُدسِيِّ: "وَعِزَّتَي، لأَنْصُرَنَّكِ وَلَو بَعدَ حِينٍ".
أَلَا يُوجَدُ يا إخوتِي مِن بَينِنا مَنْ يَظلِمُ أَقْرَبَ النَّاسِ إِليهِ؟ يُخَاصِمُهُما وَيَهْجُرهُما! ألا يُوجَدُ ظُلْمٌ لِلزَّوجَاتِ والأَولادِ؟ أَلا يُوجَدُ فِينَا مَنْ يَظلِمُ خَدَمَهُ وعُمَّالَهُ؟ بَلْ أَلَا يُوجَدُ مِنَ العَمَالَةِ مَنْ يَظلِمُ كَافِلَهُ سَرِقَة وَهُرُوبًا، وَنَصْبَاً واحتِيَالاً!
فَيا عِبادَ اللهِ: تَدَارَكُوا الأَمْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَانِ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُنا -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ". (رَواهُ البُخارِيُّ).
أَمَّا ثَالِثُ أَنْوَاع الظُّلمِ: فَهُوَ ظُلمُ العَبْدِ نَفْسَهُ بِالمَعَاصِي والسَّيِّئَاتِ، فَكُلُّ ذَنْبٍّ وَخَطِيئَةٍ ظُلم مِنْكَ لِنَفْسِكَ وَبَغْيٌ عَلَيها! ألَمْ يَقُلِ اللهُ في الأشهُرِ الحُرُمِ: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة: 36].
إنَّ مِنْ ظُلمِنَا لِأَنْفُسِنَا أنْ نُقَابِلَ نِعَمَ اللهِ بِالجُحُودِ والنُّكرَانِ! لا بالاعتِرافِ والشُّكَرَانِ، فَالبَصَرُ نِعمَةٌ سَخَّرَهَا بَعضُنا فِيما حَرَّمَ اللهُ، والسَّمعُ نِعمَةٌ سَخَّرَها البَعضُ في سَمَاعِ مَا حَرَّمَ اللهُ، والنُّطْقُ نِعمَةٌ استَخْدَمَها بَعضُنا فِي قَالَةِ السُّوءِ والكَذِبِ والبُهتَانِ!واللهُ يَقُولُ: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36].
فالَّلهُمَّ اجعَلْ مُستَقبَلَنَا خَيرا مِنْ مَاضِينا. واغْفِر لَنا وَلِوَالِدينَا والمُسلِمِينَ أجمَعِينَ. أقول ما سَمِعْتُمْ وأَستَغفِرُ اللهَ ليِ وَلَكُم وَلِسَائِرِ المُسلِمينَ مِن كلِّ ذَنْبٍّ وَخَطيئةٍ فَاستَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمدُ للهِ الهَادِي إلى سَوَاءِ السَّبِيلِ، نَشهَدُ أن لاَ إلهَ إلاَّ الله وَحدَه لا شَريك لَه العَظِيمُ الجَلِيلُ، وَنَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُهُ صَاحِبُ حَوضِ السَّلسَبِيلِ، الَّلهمَّ صلِّ وسَلِّم وبارِكْ عليهِ وعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهم بِإحسانٍ وإيمانٍ إلى يَومٍ يَفِرُّ فِيه الخِلُّ من الخَلِيلِ.
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ تَفُوزوا بِمَرضَاتِهِ وَتَحوزوا على خَيرَاتِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
وَتَأَمَّلُوا نِعَمَ اللهِ التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، واشْكُرُوهُ بِمَا يُقرِّبُ إلى المَولى. هَنِيئاً لِلأُمَّةِ الإسلامِيِّةِ شَهرَ اللهِ المُحرَّمِ هَنِيئَاً لَها بِفَضَائِلِهِ وَخَيْرَاتِهِ! فَصِيَامُ أيَّامِهِ أفضَلُ الأيَّامِ بَعْدَ رَمَضَانَ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ".
قَالَ الإِمَامُ النَّوويُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَهَذا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الشُّهورِ لِلصَّومِ. فَاجْتَهِد أخي فِي اللهِ على الصِّيَامِ فِيه، وَلَو أنْ تُحافِظَ على أَيَّامِ الاثْنَينِ والخَمِيسِ وَأَيَّامِ البِيضِ فيهِ: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) [الزلزلة: 7]. وَرَسُولُنا-صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا".
كيفَ وَقَد كَانَ رَسُولُنا -صلى الله عليه وسلم- يَتَحَرَّى صِيَامَهُ! فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ".
بَلْ كَانَ يَأْمُرُ بِصِيَامِهِ! لَمَّا "قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: مَا هَذَا قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: "فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ" (رَوَاهَا البُخَارِيُّ).
وَلَمَّا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عن فَضْلِهِ قَالَ: "صَومُ يَومِ عَاشُورَاءَ إنِّي أَحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكفِّرَ السَّنةَ المَاضِيَةَ". وَقَالَ أيضَاً: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ".
وَمِن قَبِيلِ مُخَالَفةِ اليهَودِ أَخَذَ رَسُولُنا -صلى الله عليه وسلم- على نَفْسِهِ العَهدَ أنْ يُخَالِفَهُم فَقَالَ: "لَئِنْ عِشْتُ إلى قَاِبٍلٍ إنْ شَاءَ اللهُ لأُصُومَنَّ التَّاسِعَ".
قالَ العُلَمَاءُ -رَحِمَهُمُ اللهُ-: "وَعَلى هَذَا فَصِيامُ عَاشُورَاءَ عَلى مَرَاتِبَ: أَدْنَاهَا أنْ يُصَامَ وَحْدَهُ، وَفَوقَهُ أنْ يُصَامَ التَّاسِعُ مَعَهُ، وَأفضَلُهُ أنْ يُصَامَ التَّاسِعُ وَالعَاشِرُ والحَادِيَ عَشَرَ، فإنَّهُ كُلَّمَا كَثُرَ الصِّيامُ فِي الْمُحَرَّمِ كَانَ أَفْضَلَ وَأَكثَرَ أجْرًا".
عبادَ اللهِ: شَهرُ اللهِ المُحَرَّمِ يذكِّرنا بالسُّنَّةِ العُمَريَّةِ الرَّاشِدَةِ حين جَمَعَ عمرُ بنُ الخطَّابِ –رضي الله عنه- الصَّحابةَ واستَشَارَهُم، فِي وَضْعِ تَأريخٍ يَتَعَرَّفونَ بِهِ على أُمُورِهم، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ سَّبْعَ عشْرَةَ من الهِجْرَةِ النَّبويَّةِ، فاقتَرَحَ الصَّحَابَةُ عِدَّةَ مُنَاسَباتٍ حتى استَقَرَّ أمْرُهُم على البَدءِ مِنْ هِجْرَةِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ عُمَرُ –رضي الله عنه- مُلْهمًاَ فَقَالَ: نَعم "الهِجرَةُ فَرَّقت بَينَ الحَقِّ والبَاطِلِ، فَأَرِّخوا بِها".
ثُمَّ استَشَارَهم فِي أيِّ شَهْرٍ نَبدَأُ؟ فَاختَارُوا المْحرَّمَ وَأَجمَعُوا عليه؛ لِأَنَّه الشَّهرُ الذي بَايعَ فِيهِ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الأْنْصَارَ على الهِجْرَةِ، فَكَانَ أَولَى الشُّهورِ بالأَوَّلِيَّةِ. فَكَانَ رَأيَاً سَدِيدًا، تَضبِطُ فيهِ الأمَّةُ أَحْدَاثَهَا، وتُسجِّلُ فِيهِ مَجدَها وعِزَّها، ويكونُ شِعارًا لها في عِبَادَاتِها ومُعَامَلاتِها وأَحوالِها، فالتَّأريخُ الهِجريُّ مُرتَبِطٌ بدِينِها، كَحُلُولِ الزَّكاةِ وآجالِ الدُّيونِ وعِدَدِ الطَّلاقِ ومُدَدِ الإِحدَادِ وَغَيرها؛ قَالَ اللهُ تَعالَى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) [يونس: 5] فالشَّهرُ القَمَرِيُّ يَعرِفهُ كلُّ النَّاسِ.
أمَّا المِيلاديُّ فهو مُرتبطٌ بِدينَينِ بَاطِلينِ، وثنيَّةُ الرُّومَانِ، التي تُمَجِّدُ الآلِهَةَ المَزْعُومَةَ. وَتَأْرِيخُ النَّصارَى قد رُبِطَ بميلادِ المسيحِ -عليه السَّلامُ- كذِبَاً وَزُوراً! مِنْ هُنا نَعرِفُ أنَّ تَقْوِيمَهُم وَضْعِيٌّ، غيرَ مَبنيٍّ على أَسَاسٍ كَوْنِيٍّ! بِخَلافِ التَّقويمِ الإسلامِيِّ المرتبطِ بظاهرةٍ كونِيَّةٍ واضِحَةٍ، قَالَ تَعالَى: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) [البقرة: 189].
وإنَّهُ مُؤسِفٌ حَقَّاً أنْ يَعْدِلَ مُسلِمٌ عَن التَّأرِيخِ الإِسلامِيِّ الهِجْرِيِّ إلى تَأْريخ نَصرانِيٍّ لا يَمُتُّ لدِينِنَا بِصِلَةٍ، فَالاعتِمَادُ عَلى الأَشْهُرِ الغَربِيَّةِ فَقَط طَمسٌ لِلهَوِيَّةِ الإِسلامِيَّةِ! أَلَمْ يَقُلْ نَبِيُّنا -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى".
فيا عبادَ اللهِ: اقْدُرُوا لِلأَمْرِ قَدْرَهُ، ولا تَتَساهَلُوا فيه، فإنَّ العِزَّةَ بإتِّبَاعِ سَبِيلِ المُؤمِنينَ، وبِمُخَالَفةِ الكَافِرينَ.
أيُّها المُؤمِنُونَ: أكثِروا من استغْفَارِ اللهِ –تعالى- فَلا يأسَ مِن رَحمَتِهِ، فإنَّهُ القَائِلُ: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) [هود: 52].
فَارْفَعُوا أَكفَّكُم وقُلُوبَكم لِمَولَكُم واسْأَلُوهُ وأَنْتُم مُوقِنُونَ بِالإجَابَةِ. فاللهمَّ أغثنا، غيثًا مُغيثًا هَنِيئاً مَرِيئًا، عَاجِلاً غَيرَ آجَلٍ، نَافِعًا غَيرَ ضَارٍّ. الَّلهمَّ سُقيا رَحْمَةٍ، لا سُقيا عَذَابٍ وَلا بَلاءٍ ولا هَدْمٍ ولا غَرَقٍ.
اللهمَّ اسقِ عِبادَكَ وبِلادَكَ وبَهَائِمَكَ، وانْشُر رَحمَتَكَ يا ولِيُّ يا حميدُ، اللهمَّ إنَّا نَستَغْفِرُكَ إنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَنْزِل السَّمَاءَ عَلَينَا مِدْرَارَا (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
فاللهم صلِّ وسلِّم وبارك على محمدٍ وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ وإيمانٍ وسلِّم تسليماً مزيداً (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي