الجنة ونعيمها

راشد الزهراني
عناصر الخطبة
  1. أعظم أمنيات المؤمنين والصالحين .
  2. الأمنية التي يدندن حولها أتباع المصطفى .
  3. آخر أهل الجنة دخولاً .
  4. كيف نصل إلى الجنة؟ .
  5. سبل الوصول إلى جنات النعيم. .

اقتباس

سُبُل الجنة كثيرة، ويجمعها التقرب إلى الله بما يحبه واجتناب ما يكرهه الله –عز وجل- ولا يحبه، واتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- وطاعته فيما أمر واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. عباد الله مهما عملنا، ومهما تقربنا، فلا غنى لنا عن رحمة الله -جل وعلا-...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى من سلك سبيلهم أو سار أو استنار بهدي المصطفى الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

أما بعد: اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسامنا على النار لا تقوى.

إخوة العقيدة: يعيش المسلم في هذه الحياة والأمل يحدوه وهو يسأل الله -جل وعلا- ليلاً ونهارًا وسرًّا وجهارًا أن يدخله جنات النعيم، وأن يجعله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

إنها أمنية المؤمنين، إنها أمنية أولياء -جل وعلا- الصالحين: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) [يونس: 62- 63].

يأتي أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وكانوا يتذاكرون بعض الأذكار والأدعية، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ماذا تقول"؟ وكان معاذ -رضي الله عنه- مرافقًا للمصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، والله لا أعرف دندنتك ولا دندنة معاذ، ولكنني رجل أسأل الله الجنة وأستعيذ به من النار، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "حولها ندندن".

نعم! إنها الأمنية التي يدندن حولها أتباع المصطفى -عليه أفضل الصلاة وأتم السلام- إنها جنات النعيم؛ حيث ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

اسمع يا رعاك الله! اسمع إلى نداء المولى -جل وعلا- (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا * جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا * رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا) [النبأ: 31-  37].

لن أتحدث عن كثرة النعيم الذي أعده الله لأهل الجنة، ولكن اسمعوا يا عباد الله إلى آخر أهل الجنة دخولاً وإلى أدناهم منزلة، فقد "سأل موسى ربه، فقال: يا رب دلني على أدنى أهل الجنة منزلة. فقال لله -عز وجل-: يا موسى إن آخر رجل يخرج من النار. يخرج من النار حبواً.

ينظر إليها ويقول: الحمد لله الذي نجاني منك. فيقول له الله -عز وجل-: اذهب فادخل الجنة. فيذهب فينظر إليها فيخيل إليه أنها ملأى. فيعود ويقول: يا رب وجدتها ملأى. فيقول الله -عز وجل- له: أما ترضى أن يكون لك مثل مُلك أعظم ملك من ملوك الدنيا؟

فيقول: يا رب أتهزأ بي وأنت رب العالمين. فيقول له الله -عز وجل-: لك مثل مُلك أعظم ملك من ملوك الدنيا، ومثله ومثله، ومثله.فيقول العبد في الخامسة: رضيت يا رب رضيت يا رب.

فيقول له الله -عز وجل-: لك مثل مُلك أعظم ملك من ملوك الدنيا وعشرة أمثاله. ولك فيها ما اشتهيت وتمنت عينك وأنت فيها خالد.

فقال موسى: يا رب.. أذلك أدناهم منزلة؟! قال: نعم يا موسى. فقال موسى: يا رب فمن أعلاهم منزله؟

فقال الله -عز وجل-: يا موسى أولئك الذين أردت. زرعت كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر". نسأل الله -جل وعلا- من واسع فضله.

وفي الحديث الآخر أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تفاصيل لمرحلتي آخر رجل يدخل الجنة، تأمل يا عبد الله يقول -صلى الله عليه وسلم-: "آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة، ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الذي نجّاني منك، لقد أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين، فترفع له شجرة، فيقول: يا رب، أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول الله -عز وجل-: يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها؟ فيقول: لا، يا رب ويعاهده أن لا يسأله غيرها، قال: -وربه عز وجل يعذره-؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها.

 ثم تُرفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي رب، أدنني من الشجرة لأشرب من مائها وأستظل بظلها، لا أسألك غيرها فيقول: يا ابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه تعالى يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم تُرفع له شجرة عند باب الجنة، وهي أحسن من الأوليين، فيقول: أي رب أدنني من هذه لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى، يا رب لا أسألك غيرها – وربه -عز وجل- يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب أدخلنيها، فيقول: يا ابن آدم، ما يصريني منك، أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: يا رب، أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فضحك ابن مسعود، فقال: ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ فقال: من ضحك رب العالمين، حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر" (أخرجه مسلم).

إنها الجنة التي تاقت إليها نفوس الصالحين، إنه الجنة التي بشّر بها النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، يقف نبينا -عليه الصلاة والسلام- بأبي هو وأمي في غزوة بدر فيحرّض الناس على القتال، ويحثهم على بذل المهج والانتصار لدين الله -جل وعلا- فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فقال عمير بن الحمام: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض، قال: نعم، قال: بخٍ بخ، فقال: ما يحملك على قولك بخ بخ؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها، فأخرج تمرات فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي إنها لحياة طويلة فرمى بالتمرة ثم قاتل حتى قتل".

وتأتي أم حارثة بن سراقة فقالت: يا رسول الله! لقد أُصيب ابني حارثة في غزوة بدر، وقد قُتل فأخبرني يا رسول الله فإن كان من أهل الجنة صبرت وإن كان غير ذلك فإني أجتهد في الدعاء. قال -صلى الله عليه وسلم-: يا أم حارثة، إنها لجنان وليست جنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى منها".

نعم أيها الإخوة: هذه الحياة إنما هي حياة ممر، وليست حياة مقر، إنها حياة نتزود فيها لآخرتنا. وإنما مثل هذه الحياة كرجل استظل بشجرة ثم راح وتركها، سنغادر هذه الحياة.

اللهم اجعلنا من أهل الجنة يا رب العالمين.

أما كيف تدرك هذه الجنة فأعظم ما تدرك به الجنة هو أن نوحّد الله -جل وعلا-، قال -صلى الله عليه وسلم- "من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة".

اللهم لك الحمد على نعمة التوحيد، ولك الحمد على نعمة الإسلام، من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة.

 وتُدرك الجنة بمتابعة النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم يدخل الجنة"، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي يدخل الجنة إلا من أبى"، قالوا يا رسول الله ومن يأبى؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني دخل النار".

وتُدرَك الجنة يا عباد الله بإكثار السجود، وعندما سأل الصحابي النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يا رسول الله! ادع الله أن أرافقك في الجنة، قال: أو غير ذاك؟ قال: هو هذا يا رسول الله، قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود".

الإكثار من السجود، والإكثار من الصلاة والتقرب إلى الله -جل وعلا- بهذه العبادة يدخل العبد في جنات النعيم، وتدرك الجنة يا عباد الله بأن يشعر المسلم بمصاب إخوانه، وأن يهتم بهم، وأن يشعر بهم.

 ومن ذلك أن يكفل الأيتام، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين".

وتدرك الجنة أيضًا ببناء المساجد وإعمارها، يقول -صلى الله عليه وسلم- مبينًا فضل ذلك: "من بنى مسجدًا ولو مفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة" .

سبل الجنة كثيرة، ويجمعها التقرب إلى الله بما يحبه واجتناب ما يكرهه الله –عز وجل- ولا يحبه، واتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- وطاعته فيما أمر واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

عباد الله مهما عملنا، ومهما تقربنا، فلا غنى لنا عن رحمة الله -جل وعلا-، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله"، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته"، اللهم تغمدنا برحمتك واكلأنا برعايتك واجعلنا من أهل جنتك.

اللهم يا ذا الجلال والإكرام اللهم ارزقنا الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل، اللهم جنبنا النار وما يقرب إليها من قول وعمل يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك، اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك فنهلك.

اللهم إنا نسألك عيش السعداء وميتة الشهداء والنصر على الأعداء، اللهم اجمع كلمتنا على الحق والدين، وألف بين قلوبنا على طاعتك واتباع سيد المرسلين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي