الصبر -عباد الله-، الصبر على طاعة الله، والحذر الحذر من أعداء الله، وفي مقدمة أعداء الله: إبليس، الذي أقسم بعزة الله أن يغويكم أجمعين، فاستثنى: إ? عباده المخلصين. ثم أتباع إبليس، من شياطين الجن وا?نس، الذين انحرفوا، فلما انحرفوا انقلبت عليهم ا?مور، وكلما...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وإن شر ا?مور محدثاتها، وإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها المسلمون: يكر علينا الجديدان الليل والنهار، ونحن بينهما تتصرم أيامنا، وتسرع آجالنا، ونسير في طريقنا إلى الله، إنا لله وإنا إليه راجعون، والرجوع إلى الله -عزوجل- بالموت، حينما توفي كل نفس أجلها الذي قضاه الله -تعالى- لها: (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) [النحل: 61].
وعمر ا?نسان بين الليل النهار كل يوم ينقص ليس يزيد، فعمرك اليوم أقصر من عمرك أمس، وخطواتك أنما تقدمك إلى أجلك، ف"إنا لله" نحن عباده، نواصينا بيده، ماض فينا حكمه، قد قضى أجله ووعد وعده، وقال حتى لخيرة خلقه: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) [الزمر: 30].
فكل منا قد نعيت إليه نفسه، فلا سبيل إلى الخلود، ولم يجعل الله الخلود ?حد، فإذا قرت هذه القضية في النفوس، واستيقن العبد أنه إلى الله راجع، فإنه يكون على حذر من أمره، ينظر في كل يوم ما بقي من الوقت، ما مضى فات، والمؤمل في المستقبل غيب، ? يعلمه إ? الله، ليس لك إلا الساعة التي أنت فيها، فاغنمها، واستثمرها، واجتهد في أن ? تفوتك فيها الفرصة؛ لتحقق فيها خيرا، ولتكسب فيها خيرا، فإنه ما جلس عبد مجلسا ? يذكر الله فيه، و? يصلي فيه على رسوله -صلى الله عليه وسلم- فيه إ? كان عليه يوم القيامة ترة، أي حسرة وندامة.
سيندم كل منا على كل لحظة فاتته في عمره لم يكسب فيها خيرا، فكيف وقد آتانا الله -تعالى- ما لم يؤت أحدا من العالمين؛ أن جعلنا مسلمين، فلم يجعلنا يهودا و? نصارى و? وثنيين.
وإذ جعلنا مسلمين، جعلنا من أهل السنة، فلم يجعلنا من أهل البدع والضلا?ت والانحرافات.
لم يجعلنا -ولله الحمد- من أهل الطوفان بالقبور، و? من أهل البدع المكفرة التي تخرج عن الحق إلى الباطل، والتي حذر منها في الحديث: "وإياكم ومحدثات ا?مور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".
منَّ الله علينا أن عشنا في هذه البلاد، التي أنعم الله عليها، ما لم يؤت غيرها من الدنيا.
بلاد يحكم فيها شرع الله -عز وجل-، فتنعم للتحكيم لشرع الله -عز وجل- ما لم ينعم به بلد آخر من بلاد المسلمين، وهي نعمة -والله- يصغر عندها كل النعم.
أرأيتم -عباد الله- وسمعتم في بلاد منع فيها المصلون أن يدخلوا المساجد، وأغلقت في وجوههم، ?جل ا?هواء، و?جل الفتن، و?جل الانحرافات.
وأنت -يا عبد الله- تأتي مسجدك في أي ساعة من نهار، تصلي وتعبد ربك في غاية السكينة والخشوع والتضرع.
اللهم أتمم علينا نعمتك، واجعلنا شاكرين، ? تغير علينا إلى سوء.
ليست النعم -عباد الله- فقط في أن تجد ما تأكل وما تشرب، فإن أكثر الناس يجدون ما يأكلون وما يشربون، وكم تحتاج هذه المعدة لكي تمتلئ إنما هي لقيمات، فكل يجد وبحسب ما يجد، ولكن النعمة التي تصغر عندها النعم: أن تكون قادرا على أن تعبد الله ? تشرك به شيئا، متبعا لسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، متقلبا في نهارك وليلك في حرية، ويسر وسعادة وهناء، قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها".
? إله إ? الله! هذا الوصف من نبينا -صلى الله عليه وسلم- يقصر عليك التصور لتجد نفسك لست مجرد إنسان عادي، بل أنت تعيش عيشة الملوك، قال السلف: من كان مؤمنا يجد قوت يومه وليلته، وعنده زوجة تخدمه فهو ملك، جاء ذلك في تفسير قوله تعالى: (وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا) [المائدة: 20].
فمن يعيش عيشة الملوك إذ يجد من يخدمه، وفي جيبه ما يصرفه، وفي رواحه ومجيئه ? يجد ما يحزنه، فهو يعيش عيشة الملوك.
عباد الله: والله إنا في عيشة كعيشة الملوك، يقول ربكم -عز وجل- ممتنا عليكم يا أهل هذه البلاد: (أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص: 57].
وقال: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) [العنكبوت: 67].
هذا التعبير القرآني في التخطف ? يحتاج إلى تكرار النظر، و? تكرار السماع، انظروا ماذا يفعل با?مم من حول هذا البلد الحرام، كيف يتخطف الناس في أرواحهم، كيف يتخطف الناس في دينهم، كيف يتخطف الناس بأرزاقهم، ونحن نعيش في سعة من الله: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) [قريش: 3 - 4].
(فَلْيَعْبُدُوا) هذه ا?شارة إلى أن حفظ هذا ا?من، وحفظ هذا السعة في الرزق، إنما هو بعبادة الله: (فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [العنكبوت: 17].
الرزق إنما هو من عند الله، ولكن الله -عز وجل- يرزق المسلم والكافر، وإنما تكون ا?رزاق هنيئة إذا لم يكن وراءها تبعة، حينما تأخذها هنيئة سائغة، ثم ? يكون بعد ذلك عليك فيها حساب عسير، وشر مستطير.
أهل ا?يمان جعل الله لهم زينة الحياة الدنيا، وجعلها لهم خالصة يوم القيامة.
أما أهل الكفر، فوالله ليسئلن الواحد عن شربة الماء البارد في اليوم الصائف، ثم يعذب بها في نار جهنم، عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، كما قال الله -عز وجل-، فليست قضية ا?كل والشرب مجردة.
إن من وفق مع ما وسع الله عليه له في رزقه إلى أن يعبد الله على بصيرة هو السعيد.
وأما من يأكل ويشرب في نعم الله على كفره أو ضلال أو بدعة، هو -والله- الشقي؛ لأنه سيسأل عن كل شئ: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التكاثر: 8].
إن العبد يوم القيامة يسأل عن كل شيء، كما جاء في الصحيح: "? تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع" وذكر منها: "وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟".
فإذا كان هذا السؤال واردا فما الجواب إن لم يكن في عبادة الله، وتحت شرع الله، وتحت ضمان توفيق الله -عز وجل-، و? يكون ذلك إ? ?هل ا?يمان.
فاشكروا الله -عباد الله- على هذه النعم، وقدروا فضل الله -تعالى- عليكم فيها، واغنموا ما بقي من ا?يام في رضوان الله -عز وجل-، والسعي في حفاظكم على هذه النعمة، فإن الله يقول: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11).
فمن غير إلى خير زاده الله خيرا، ومن غير إلى سوء غير عليه إلى سوء.
نسأل الله العفو والعافية.
حقيق بنا أن نشكر الله، فنحفظ دائما عهده، فلا نشرك به شيئا، ونحفظ دائما وعده فنقيم أركان ا?سلام وا?يمان في أنفسنا، وفيما حولنا، وأن نحفظ في كل حين وآن نزغات الشياطين -شياطين ا?نس والجن- الذين يوهمون، ويفسدون، ويبعدون ا?نسان عن الحق إلى الباطل، وعن الصلاة إلى الفساد، وعن الاستقامة إلى الضياع.
إنهم يحرصون كل الحرص على أن يفسدوا دينكم ودنياكم، يحسدونكم على ما آتاكم الله من فضله، فيسعون بكل وسيلة إلى أن تفسد البلاد، وإلى أن يفسد العباد بكامل أحوالهم ببعدهم عن الله، وعن طاعة الله، وعن طاعة رسوله، ولذا كانت وصية رسولنا -صلى الله عليه وسلم- الخالدة المختصرة، حينما شعر أصحابه -رضي الله عنهم- أنه وعظهم موعظة مودع، ولم يبق من حياته صلى الله عليه وسلم إ? بضعة أيام، عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا؟ قال: "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات ا?مور، فإن كل بدعة ضلالة".
وصيته الثالثة: "عليكم بسنتي" ما الذي أهلك الناس من كل جهة إ? الابتعاد عن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الابتعاد عن السمع والطاعة لو?ة أمرهم.
الوقوع في البدع والمخالفات حتى أزتهم الشياطين، فزينت لهم سوء أعمالهم، فرأوا الحق باطلا، ورأوا الباطل حقا، ورأوا المنكر معروفا، ورأوا المعروف منكرا، حتى استحلوا الدماء، وحتى اعتدوا على ا?عراض، وحتى أكلوا أموال الناس بالباطل، وحتى سعوا في ا?رض يفسدون و? يصلحون، وهم مع ذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
اللهم إنا نعوذ بك من الضلال.
السلامة من هذا هي في التمسك بسنة رسول الله -صلى عليه وسلم-، هو في تعلمها، حتى ? نخطأ فيها، ثم هو بالاستقامة عليها، حتى ? ننحرف عنها، ثم هو بالصبر عليها.
العالم اليوم بأجمعه حتى من يقول: ? إله إ? الله! يرمون أهل هذه البلاد بالوهابية يلمزونهم، ويغمزونهم، ويتهمونهم، حتى من بني جلدتنا، حتى من بعض وسائل إعلامنا يغمزوننا، ويلمزوننا، ويسبوننا باستقامتنا على كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنحتاج إلى الصبر على هذا المنهج الذي تركنا عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الإنسان: 23 - 25].
هذه أسس الثبات على هذا الشيء: ا?عتزاز بالله، وبما نزله علينا.
الثاني: ا?كثار من ذكر الله -عز وجل-، والتعلق به.
الثالث: ا?كثار من عبادته، ا?كثار من الاستقامة على عبادته سبحانه وتعالى، وفق شرع رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإن العبادة في زمن الفتن مثل الهجرة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما جاء في الحديث الصحيح: "العبادة في الهرج كهجرة إلي".
العبادة في زمن الفتن، في زمن هذه ا?مواج الهائلة من الفتن التعبد فيها على الحق مثل هجرة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والله ما متع أحد بمثل هذا مثلما متعنا نحن أهل هذه البلاد، فلنشكر الله، ولنحفظ نعمة الله: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].
وإن في ا?شارة إلى السمع والطاعة لو?ة ا?مر إشارة لصمام من صمامات الأمان والثبات، فإن و?ة ا?مر منهم؟
هم العلماء، وا?مراء المستقيمين على شرع الله، إنما الطاعة بالمعروف، السمع والطاعة إنما هي مشروطة بأن يكون ا?مر على شرع الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) [النساء: 59].
الطاعة لله وللرسول، وأما و?ة ا?مر فلا طاعة لهم إ? بطاعة الله وطاعة رسوله، فإذا خالفوا أمر الله، وأمر رسوله فلا سمع و? طاعة، إنها محدودة مشروطة، ليس السمع والطاعة في معصية الله، و? في مخالفة شرع الله، و? بالبعد عن دين الله، و?بإرضاء أعداء الله، و? بالو?ء ?عداء الله.
إنها في طاعة الله وفي طاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن هنا يأتي ضرورة الالتفاف على العلماء الذين منحهم الله البصر والبصيرة في تبيين الحق للناس، والوقوف عليه، والبعد عما يضاده.
الله -تعالى- تكفل لهذه ا?مة أن ? تجتمع على ضلال.
في زمن من زمن أزمنة الفتن التي هزة الدنيا التف أصحاب عبد الله بن مسعود على عبد الله بن مسعود وهو يريد، السفر، وخرج متوضئا تقطر لحيته، فقالوا: أوصنا؟ فقال: "أوصيكم بالسمع والطاعة، وأوصيكم بطاعة الله -عز وجل-".
هذا المخرج إنما يكون ممن يؤمن بالله وباليوم ا?خر، فا?يمان بالله وباليوم ا?خر مقتضاه أن تكون دائم البصيرة، والبصر فيما ينجيك عند الله لئلا تزل قدمك عن الصراط المستقيم، ? تنحرف ذات اليمين و? ذات الشمال، وأن تسلك المنهج: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) [الفاتحة: 6].
أوله عليه محمد -صلى الله عليه وسلم-، يتبعه الرسل -عليهم سلام الله جميعا-، ثم من بعدهم من أنعم الله عليهم من الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
جعلنا الله وإياكم منهم.
اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، وأرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه.
اللهم ? تجعله ملتبسا علينا فنضل، اللهم إنا نعو ذبك من مضلات الفتن.
استغفر الله لي ولكم ...
الحمد لله الكريم التواب العظيم الوهاب يقبل التوبة من عباده، ويفرح بتوبة عبده إذا تاب، أشهد أن ? إله إ? الله وحده ? شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله رسوله، خير من صلى وقام وأناب، عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
وبعد:
عباد الله: إن ما نحن فيه من نعمة الله -عز وجل-، وما ننفرد به من فضل الله وآ?ء الله -عز وجل- يقابله عظم التبعة، وعظم المسؤولية تجاه الله، وتجاه خلق الله، فلنكن أكفاء لتحمل هذا، وإن الله ? يكلف نفسا إ? وسعها، وإن الله ? يريد بكم إ? خيرا: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: 185].
فالصبر -عباد الله-، الصبر على طاعة الله، والحذر الحذر من أعداء الله، وفي مقدمة أعداء الله: إبليس، الذي أقسم بعزة الله أن يغويكم أجمعين، فاستثنى: إ? عباده المخلصين.
جعلنا الله وإياكم من الخالصين.
ثم أتباع إبليس، من شياطين الجن وا?نس، الذين انحرفوا، فلما انحرفوا انقلبت عليهم ا?مور، وكلما ازدادوا إيغا? في الانحراف ابتعدوا عن الصراط المستقيم، فلا يرضى أحد منهم حتى يكون الناس تبعا له في الضلالة، قال الله عن سيدهم: (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر: 6].
وقال: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر: 6].
فهؤ?ء أعداؤكم من الجن وا?نس أهل الانحراف يصدق فيهم، قول الشاعر:
إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!
أي أنه لما انحرف ولم يعدله سبيل إلى الهدى ? يرضى، حتى يحرف الناس كلهم، فيبعدهم عن الحق، فينظر إليهم وهم على الحق بنظر الباطل، فيرى أنهم على باطل، يسعى في إخراجهم عن الحق إلى الباطل، فاحذروا من هؤ?ء، الحذر من إخوان الشياطين الذين يفسدون في ا?رض و? يصلحون.
وسيماهم ظاهرة بينة، أرأيتم زمن محمد -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى أحد صلى الله عليه وسلم وما بين بيته وبين جبل أحد ? يزيد عن عشرة كيلوات، فما وصل إلى نصف المسافة، حتى قام شياطين ا?نس بإغواء ثلث الجيش، فرجع من جيش النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلثه منحرفين، ولم يخرج معه صلى الله عليه وسلم إ? بقية الثلثين، من أحرفهم؟
شياطين ا?نس، عبد الله بن أبي بن سلول رأس النفاق وأمثاله، في غزوة تبوك عسكر صلى الله عليه وسلم للخروج إلى تبوك، فجعل معسكرا خارج المدينة، وأمر الناس بالتجهز استعدادا لمواجهة عدو لم يواجهوا قبله مثله قط، إنهم الروم أعدادهم لا تحصى، فاستعد المسلمون، وخرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرابة ثلاثين ألف، ماذا تتصورون عسكر المنافقون معسكرا آخر؟
قال أهل السير: ? يقل عددهم عن عدد جيش رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذا مثل هذا في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكيف يكون هذا الانحراف فيما بعد؟
إنها سنة الله، حين أنزل آدم وإبليس إلى ا?رض ليبدأ الصراع بين الحق والباطل، ويدافع الله بينهما: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران: 140].
فينتصر هذا حينا، وهذا حينا، ويظهر نجم النفاق ليضل الله من يشاء.
اللهم أجرنا من النفاق وأهل النفاق، وسيرة أهل النفاق.
فالحذر الحذر -عباد الله- فإنه زمن فتن تتلاطم كموج البحر كل فتنة ترقق ما قبلها.
نسأل الله العفو والعافية.
فاستمسكوا بالعروة الوثقى في كتاب الله وبسنة رسول الله، والتفوا على علماء ا?سلام الناصحين الصالحين، والصبر الصبر على ما أنتم عليه من الحق المبين، وتترسوا بعبادة الله، وتتوجوا بالاستقامة على منهج الله بكثرة الصلاة والذكر، والاستقامة على ما أمرتم به، والابتعاد عن معصية الله، فإذا ابتليتم بشيء، فالصبر الصبر كما صبر ا?ولون، حتى تنقطع السالفة على الحق، فمن مات على الحق فلم يخسر من الدنيا شيئا، ماذا يفعل أعداء الله اليوم بإخواننا الذين ثبتوا على السنة في كل مكان على وجه ا?رض؟
حشدوا لهم العداء من كل صوب، ما كان يضيرهم إن خسروا الدنيا.
إن أمامهم ا?خرة: (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) [البينة: 8].
? سواء، قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار.
ولكن من أوجع ما يوجع: أن تأتيك عداوتك من أهل بلدك، ممن يتكلم بلسانك، ويلبس ثوبك، وينتسب إلى نسبك، أضله الشيطان وأنت تراه.
اللهم رد ضال المسلمين إلى الحق يا رب العلمين.
استزلتهم الشبهات، والضلالات والدعايات المغرضات، حتى ذهبوا بعيدة، فاستحلوا دماء المسلمين، وجعلوا همهم ا?كبر عداوة أهل ا?سلام، وتركوا وراءهم أهل الكفر والضلال، والشرك، والعناد، يسلم منهم الكافرون، و? يسلم منهم المؤمنون.
إنها -والله- ?حدى الكبر، إنها المؤلمة، كلها دافعها ضلالة في التوجه، وابتعاد عن الحق، واعتزاز بالرأي، ولو كان على خطأ حتى استجرأهم الشيطان إلى فعل هذه ا?فعال التي سمعنا بمثلها فيما مضى من ا?يام، إنها -والله- مؤلمة حزينة، و? يزالون يسعون بكل وسيلة إلى إفساد شباببنا، وذرياتنا، وإغوائهم عن الصراط المستقيم.
إن ا?مة فيما هي فيه من مواجهة أعداء الله البينيين الظاهرين الذين قتلهم شرف، والقتل على أيديهم شهادة، فيأتي هؤ?ء ليشغلوا ا?مة بقتل بعضهم بعضا، وسفك دماء بعضهم بأيدي بعض.
إنها -والله- لفتنة عظمى، نبينا -صلى الله عليه وسلم- قال له ربه: "سل يا محمد؟ قال: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي، وترحمني، وإذا أردت في قوم فتن فاقبضني غير مفتون، اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك".
قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "إنها حق فادرسوها وتعلموها".
وقال فيها: "وإذا أردت في قوم فتنة، فاقبضني غير مفتون".
عندما تتلبس ا?مة في الفتنة، حتى ? يدري ا?نسان أين الحق؟ وأين الباطل؟ تزل قدمه، ويزل نظره، ويزل سمعه لكثرة ما يأتيه من الشبه، فتخرجه عن الحق إلى الباطل.
هذا زمن موجع خير ما فيه أن يموت ا?نسان على ا?سلام، وعلى شهادة: أن ? إله إ? الله، وأن محمدا رسول الله.
يقول ابن عامر: قام أبي ليلة يصلي، ثم نام، ثم استيقظ سريعا، فقال: رأيت في المنام من يقول لي: قم فاسأل الله أن يجيرك من الفتن، فقام وصلى، وسأل الله أن يجيره من الفتن، قال: فما أصبح إ? مريضا، وما هي إ? أيام إ? وقد مات.
اللهم أجرنا من الفتن، اللهم إنا نستجير بك من مضلات الفتن.
اللهم أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، والباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه.
اللهم ? تجعله ملتبسا علينا فنضل.
اللهم رد ضال المسلمين إليك، اللهم رد ضال المسلمين إليك، اللهم رد ضال المسلمين إليك، واجمعنا وإياهم على الحق، يا رب العالمين.
اللهم ? تجعل مصيبتنا في ديننا.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي