الوفاءُ صفةٌ نبيلةٌ وخُلُقٌ كريم، يجمُلُ بكل أحدٍ أن يتحلَّى به، فهو الإخلاصُ الذي لا غدرَ فيه ولا خِيانَة، وهو البذلُ والعطاءُ بلا حُدود. والجمالُ أن نعيشَ هذه السجِيَّةَ بكل جوارِحِنا، وبكل ما نملِكُ من صدقٍ لا زيفَ فيه ولا نفاق، والصداقاتُ التي يَرعاها الوفاء هي الصداقةُ الحقَّة، تذكُّرٌ للوُد، ومُحافظةٌ على العَهد. الوفاءُ ديانةٌ ومروءة، وهو من شِيَم الكرام، ومجمَعُ الأخلاق الفاضِلة، فالتقوى والوفاء، والصدقُ والكرمُ والمُروءَة صفاتٌ مُتلازِمة، تزيدُ نورَ الوجه، وترفعُ الذِّكر، وتُعظِمُ الأجر، وتُسعِدُ الحقَّ...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة.
ثم اتقوا الله تعالى وراقِبوه، وأطيعُوا أمرَه ولا تعصُوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]. اللهم أقِل العَثرة، واعفُ عن الزلَّة، وتجاوَز بحلمِك عن جهل من لم يرْجُ غيرَك، فإنك واسِع المغفِرة، ليس لذي خطيئةٍ من خطيئتِه مهربٌ إلا إليك.
عباد الله:
رسولُ الله محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - هو وحدَه الذي جمع العظمةَ من أطرافِها.
ما من العُظماء أحدٌ إلا وله جوانبُ من حياته يحرِصُ على سرتها، وكتمان أمرها، ويخشَى أن يطَّلِع الناسُ على خبرِها. ومحمدٌ - صلى الله عليه وسلم - هو الذي كشفَ حياتَه للناس جميعًا، فكانت كتابًا مفتوحًا، ليس فيه صفحةٌ مُطبَقة، ولا سطرٌ مطمُوس، يقرأُ فيه من شاءَ ما شاء.
وهو وحدَه الذي أذِن لأصحابِه أن يُذيعُوا عنه كل ما كان منه ويُبلِّغوه، فروَوا كل ما رأوا من أحواله، حتى روَوا كل شيء.
عباد الله:
ومن أخلاقه العزيمة، وشمائله الكريمة التي نقلَها عنه أصحابُه: خُلُق الوفاء، والوفاءُ بمعناه الواسِع: القيامُ بالحقوق، وجزاءُ الإحسان، ورعايةُ الوُد، وحِفظُ العهد. وقد بلغَ في ذلك كلِّه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المبلغَ الأعظم، فما وراءَه غاية، ولا مِثلُه أحد.
خُلُقُه - صلى الله عليه وسلم - الوفاء، الوفاءُ لربه، وقد كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أعبَدَ الناس، وفَّى لربِّه مقامات العبودية، كما وفَّى إبراهيم - عليه السلام -، فقال الله فيه: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم: 37].
كان - صلى الله عليه وسلم - يقول: «واللهِ إني لأتقاكُم لله وأخشاكُم له».
كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلَّى، قام حتى تفطَّر رِجلاه. قالت عائشةُ - رضي الله عنها -: يا رسولَ الله! أتصنعُ هذا وقد غُفر لك ما تقدَّم من ذنبِك وما تأخَّر؟! فقال: «يا عائشة! أفلا أكون عبدًا شكُورًا؟!»؛ رواه مسلم، وهو في "الصحيحين" عن المُغيرة - رضي الله عنه -.
وكان يستغفرُ اللهَ ويتوبُ إليه في اليوم مائةَ مرَّة.
قيامُ الإنسان بحقوق والدَيه، وإحسانُه إليهما، وبرُّه بهما كما ربَّياه صغيرًا من أعظم الوفاء، ويعظُمُ هذا حالَ كِبَرهما وضعفهما، أما بعد موتهما فالدعاءُ لهما والصدقةُ عليهما.
وخُلُق النبي - صلى الله عليه وسلم - الوفاء؛ روى مسلمٌ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: زارَ النبي - صلى الله عليه وسلم - قبرَ أمِّه فبكَى وأبكَى من حولَه، فقال: «استأذنتُ ربي في أن أستغفِر لها، فلم يُؤذَن لي، واستأذنتُه في أن أزورَ قبرَها، فأذِنَ لي، فزُوروا القبور؛ فإنها تُذكِّرُ الموت».
خُلُقه - صلى الله عليه وسلم - الوفاء؛ في "الصحيحين": أن العباسَ بن عبد المُطلب - رضي الله عنه - قال: يا رسولَ الله! هل نفعتَ أبا طالبٍ بشيءٍ، فإنه كان يحُوطُك ويغضبُ لك؟! قال: «نعم، هو في ضَحضاحٍ من نار، لولا أنا لكان في الدَّرك الأسفَل من النار».
خُلُق النبي - صلى الله عليه وسلم - الوفاء، الوفاءُ لزوجاته، وخيرُ الناس خيرُهم لأهله. قالت عائشةُ - رضي الله عنها -: ما غِرتُ على أحدٍ من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ما غِرتُ على خديجة، وما رأيتُها، ولكن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُكثِرُ ذِكرَها، وربما ذبحَ الشاةَ ثم يقطعُها أعضاءً، ثم يبعثُها في صدائِق خديجة.
فربما قلتُ له: كأنه لم يكُن في الدنيا امرأةٌ إلا خديجة! فيقول: «إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد»، ويقول: «إني رُزِقتُ حُبَّها».
وفي "الصحيحين": عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: استأذنَت هالةُ بن خُويلِد - أخت خديجة - على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فعرفَ استئذانَ خديجة، فارتاحَ لذلك. وفي روايةٍ: فارتاعَ لذلك، فقال: «اللهم هالَة!».
وفي يوم بدرٍ أُسِر العاصُ بن الربيع فيمن أُسِر، وبعثَ أهلُ مكة كلٌّ في فداءِ أسيرِه، فبعثَت زينبُ بنتُ الرسولِ بمالٍ وقلادةٍ تفدِي زوجَها، وكانت هذه القِلادةُ هديةَ خديجة لزينبَ يوم زواجها، فلما رآها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رقَّ رِقَّةً شديدةً، وتذكَّر أيامَه الأولى. فانبعَثَ الحَنينُ في فُؤادِه، وقال: «إن رأيتُم أن تُطلِقوا لها أسيرَها، وتردُّوا عليها الذي لها، فافعلُوا!»، فقالوا: نعم، يا رسول الله.
خُلُقُه - عليه الصلاة والسلام - الوفاءُ مع الأصهار والأرحام؛ أوصَى بأهل مِصر خيرًا، وقال - كما ثبتَ في "صحيح مسلم" عن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه -: «إنكم ستفتَحون مصر، فإذا فتحتُموها فأحسِنوا إلى أهلِها، فإن لهم ذمَّةً ورحِمًا». أو قال: «ذِمَّةً وصِهرًا».
خُلُقُه - صلى الله عليه وسلم - الوفاء؛ بعد قتالِه لهوازِن، أُسِر من أُسِر من نسائِهم، وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مُسترضَعًا فيهم، فجاءَه وفدُ هوازِن، وقالوا: إنما في الأَسر يا رسول الله حواضِنُك وخالاتُك، فامنُن علينا. فأطلقَ لهم ستَّة آلاف صبيٍّ وامرأة.
وقدِمَت عليه الشيماء - أختُه من الرَّضاعة - فبسطَ لها رداءَه وأجلسَها معه، ثم أعطاها ما أعطاها.
خُلُقُه - صلى الله عليه وسلم - الوفاء، الوفاءُ لأصحابِه، نوَّه بفضلِهم، ونهَى عن سبِّهم، ورفعَ قدرَهم وأعلى شأنَهم، وخصَّ الصدِّيقَ من بينهم؛ إذ كان صاحبَه في الغار.
قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: كنتُ جالِسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أقبلَ أبو بكرٍ آخِذًا بطرف ثوبِه حتى أبدَى عن رُكبتِه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أما صاحبُكم فقد غامَرَ»، فسلَّم وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطَّاب شيءٌ فأسرعتُ إليه، ثم ندِمتُ، فسألتُه أن يغفِرَ لي فأبَى عليَّ، فأقبلتُ إليك. فقال: «يغفِرُ الله لك يا أبا بكر، يغفِرُ الله لك يا أبا بكر، يغفِرُ الله لك يا أبا بكر (ثلاثًا)».
ثم إن عُمر ندِمَ فأتى منزل أبي بكرٍ، فقال: أثَمَّ أبو بكر؟! فقالوا: لا، فأتَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فسلَّم، فجعلَ وجهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يتمعَّر، حتى أشفقَ أبو بكرٍ فجثَا على رُكبتَيه، فقال: يا رسولَ الله! واللهِ أنا كنتُ أظلَم، واللهِ أنا كنتُ أظلَم (مرتين).
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله بعثَني إليكم، فقلتُم: كذبتَ، وقال أبو بكرٍ: صدقَ، وواساني بنفسِه ومالِه، فهل أنتُم تارِكو لي صاحبي؟! فهل أنتُم تارِكو لي صاحبي؟! (مرتين)». قال أبو الدرداء: فما أُوذِيَ أبو بكرٍ بعدها.
وفي مرضِه - صلى الله عليه وسلم - الذي ماتَ فيه، قعدَ على المِنبَر وهو عاصِبٌ رأسَه بخِرقَة، فحمِد الله وأثنَى عليه، ثم قال: «إنه ليس من الناس أحدٌ أمنَّ عليَّ في نفسه ومالِه من أبي بكر بن أبي قُحافَة، ولو كنتُ مُتَّخِذًا من الناس خليلاً لاتَّخذتُ أبا بكرٍ خليلاً، ولكن خُلَّة الإسلام أفضَل، سُدُّوا عني كلَّ خوخَةٍ في هذا المسجِد غيرَ خوخَة أبي بكرٍ». والخَوخَةُ هي البابُ الصغيرُ ونحوُه.
قال العلماء: "وفي هذا تنبيهٌ إلى خلافته من بعده، فأبقَى له مدخلاً إلى المسجِد؛ لأنه سيكونُ الخليفةَ والإمام".
ويوم حُنين قسمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الغنائِم، ولم يُعطِ الأنصارَ شيئًا، فكأنَّهم وجدوا في أنفسهم شيئًا، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أوَجَدتم في أنفسِكم يا معشرَ الأنصار في لُعاعَةٍ من الدنيا تألَّفتُ بها قومًا ليُسلِموا، ووكَلتُكم إلى إسلامكم؟! أفلا ترضَون يا معشر الأنصار أن يذهبَ الناسُ بالشاة والبَعير وترجِعون برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في رِحالكم؟! فوالذي نفسُ محمدٍ بيدِه؛ لولا الهِجرةُ لكنتُ امرأً من الأنصار، ولو سلكَ الناسُ شِعبًا وسلكَت الأنصارُ شِعبًا، لسلكتُ شِعبَ الأنصار، اللهم ارحَم الأنصار، وأبناءَ الأنصار، وأبناءَ أبناءِ الأنصار».
فبكَى القوم حتى أخضَلُوا لِحاهم، وقالوا: "رضِينا برسولِ الله قسَمًا وحظًّا" (رواه أحمد، وأصلُه في "الصحيحين").
كان خُلُقُه - صلى الله عليه وسلم - الوفاء، الوفاءُ أمَّته، بلَّغهم البلاغَ المُبين، وتركَهم على المحجَّة الواضِحة، (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128].
كان يترُك الكثيرَ من العمل خوفَ المشقَّة عليهم، «لولا أن أشُقَّ على أمَّتي لأمرتُهم ..»، ولفعلتُ ولفعلتُ.
روى مسلمٌ عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قولَ الله - عز وجل - في إبراهيم: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ..) الآية [إبراهيم: 36]، وقال عيسى - عليه السلام -: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة: 118] ، فرفعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يدَيه وقال: «اللهم أمَّتي أمَّتي»، وبكَى.
فقال الله - عز وجل -: «يا جبريل! اذهَب إلى محمد، فقُل: إنا سنُرضِيكَ في أمَّتك ولا نسوؤُك».
فصلواتُ الله وسلامُه على رسولِه الكريم، (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128].
بارَك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفَعَنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم.
الحمد لله العظيم، وصلواتُ الله وسلامُه على نبيِّه الكريم، أشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهَدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.
وبعدُ، أيها المُؤمنون:
الوفاءُ صفةٌ نبيلةٌ وخُلُقٌ كريم، يجمُلُ بكل أحدٍ أن يتحلَّى به، فهو الإخلاصُ الذي لا غدرَ فيه ولا خِيانَة، وهو البذلُ والعطاءُ بلا حُدود. والجمالُ أن نعيشَ هذه السجِيَّةَ بكل جوارِحِنا، وبكل ما نملِكُ من صدقٍ لا زيفَ فيه ولا نفاق، والصداقاتُ التي يَرعاها الوفاء هي الصداقةُ الحقَّة، تذكُّرٌ للوُد، ومُحافظةٌ على العَهد.
الوفاءُ ديانةٌ ومروءة، وهو من شِيَم الكرام، ومجمَعُ الأخلاق الفاضِلة، فالتقوى والوفاء، والصدقُ والكرمُ والمُروءَة صفاتٌ مُتلازِمة، تزيدُ نورَ الوجه، وترفعُ الذِّكر، وتُعظِمُ الأجر، وتُسعِدُ الحقَّ.
والوفاءُ الحقُّ لا يأتي إلا من قلبٍ طاهرٍ تدفعُه النيَّةُ الطيبةُ، وهو صفةٌ من صفاتِ الله تعالى، (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) [التوبة: 111].
والوفاءُ من صفةِ الأنبياء، (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم: 37]، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا) [مريم: 54].
الوفاءُ من سِمات الإيمان، قال الله - عز وجل -: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا) [البقرة: 177]، وهو من صفات المُتقين، ومن أعظم أسباب تحصيل التقوَى، قال - سبحانه -: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 76]، وسبيلٌ إلى أعلى الدرجات، (وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح: 10].
وفي مدحِ المُؤمنين: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) [الرعد: 20].
والآياتُ التي تتحدَّثُ عن الوفاءِ تربُو على عشرين آية، وجميعُ الآيات التي وردَ فيها لفظُ (العهد) و(الميثاق) تدلُّ على ذلك.
وأعظمُ الوفاء: هو الوفاءُ بحقِّ الله تعالى، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [البقرة: 40]، (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) [الأنعام: 152]. قال ابن جريرٍ - رحمه الله -: "وعهدُه إياهم أنهم إذا فعلُوا ذلك أدخلَهم الجنة". اهـ.
والوالِدان أحقُّ الناس بالوفاء، خاصَّةً مع الحاجة وكِبَر السنِّ، (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 23، 24].
وفي التعامُل مع الخلق: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة: 1].
وفي الحياة الأُسريَّة يجبُ أن يكون الوفاءُ حاضرًا في كل الأحوال، فأكبرُ عهدٍ بين إنسانَين هو ميثاقُ الزواج، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أحقُّ ما أوفيتُم من الشروط: أن تُوفُوا به: ما استحللتُم به الفُروج» (رواه البخاري).
والله تعالى يقول: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء: 21]، ويقول - سبحانه -: (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) [البقرة: 237].
عباد الله:
وإذا كان الوفاءُ من خِصال الإيمان والتقوَى؛ فإن الخيانةَ والغَدر من خِصال النفاق والفُجور؛ عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أربعٌ من كُنَّ فيه كان مُنافقًا خالِصًا: من إذا حدَّث كذَب، وإذا وعَدَ أخلَف، وإذا عاهَدَ غدَر، وإذا خاصَمَ فجَر، ومن كانت فيه خصلةٌ منهن كانت فيه خَصلةٌ من النفاق حتى يدَعَها» (رواه البخاري ومسلم).
وعن علي بن أبي طالبٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أخفَرَ مُسلمًا فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبلُ منه صَرفٌ ولا عَدل» (رواه البخاري ومسلم).
ومن أعظم الغَدر: قتلُ المُصلِّين، وترويعُ الآمِنين، وتفجيرُ المساجِد، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة: 114]. نعوذُ بالله من الخذلان، ومن مسالِك الشيطان.
ألا فاتقوا الله - عباد الله -، ووطِّنُوا أنفسَكم على ما أمرَ به دينُكم من الحالِ الجَميل، والخُلُق النبيل.
وإن من الوفاءِ لمن أخرجَنا الله به من الظُّلُمات إلى النور، وهدانا به وأرشدَنا: كثرةُ الصلاة والسلام على رسولِ الله.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم وبارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد.
اللهم ارضَ عن الأربعة الخُلفاء، الأئمة الحُنفاء: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم انصُر دينَك وكتابَك، وسُنَّة نبيِّك، وعبادَك المُؤمنين، اللهم انصُر دينَك وكتابَك، وسُنَّة نبيِّك، وعبادَك المُؤمنين.
اللهم انصُر المُجاهدين في سبيلِك في فلسطين، وفي بلاد الشام، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين.
اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصَى والمُؤمنين فيه وحولَه، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصَى والمُؤمنين فيه وحولَه من عُدوان المُعتَدين، وظُلم المُحتلِّين.
اللهم عليك بالصهاينة المُعتدين، فإنهم لا يُعجِزونك.
اللهم كُن لإخواننا في فلسطين وفي سُوريا، فإنه قد عظُم عليهم الخَطبُ، واشتدَّ الكَربُ، ولا ناصِرَ إلا أنت سُبحانك، فاللهم عجِّل بالنصر والفَرَج.
اللهم احفَظ بلادَنا وبلادَ المُسلمين من كل سُوءٍ ومكرُوه، اللهم احفَظ بلادَنا وبلادَ المُسلمين من كل سُوءٍ ومكرُوه، اللهم من أرادَنا وأرادَ الإسلام والمُسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نحرِه.
اللهم من أرادَ بلادَنا ووُلاتَنا وعلماءَنا وعامَّتَنا ووحدَتنا بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، واجعَل دائرةَ السَّوء عليه يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضَى، وخُذ به للبرِّ والتقوَى، اللهم وفِّقه ونائبَيه وإخوانَهم وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العباد والبلاد.
اللهم وفِّق وُلاةَ أمور المُسلمين لتحكيم شرعِك، واتباع سُنَّة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعَلهم رحمةً على عبادِك المُؤمنين.
اللهم انشُر الأمنَ والرخاءَ في بلادِنا وبلادِ المُسلمين، واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار، وشرَّ طوارِق الليل والنهار.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 147].
اللهم اغفِر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، ربَّنا اغفِر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم، وارحَمهم كما ربَّونا صِغارًا، اللهم من كان منهم حيًّا فمتِّعه بالصحة والعافية على طاعتِك، ومن كان منهم ميتًا فتغمَّده برحمتِك، ونوِّر له في قبرِه ووسِّع له فيه، واجعَله روضةً من رياضِ الجنة، واجمَعنا به في دار كرامتِك.
ربَّنا اغفِر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وذريَّاتهم وأزواجنا وذريَّاتنا إنك سميع الدعاء.
نستغفرُ الله، نستغفرُ الله، نستغفرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ ونتوبُ إليه.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا، سحًّا طبَقًا مُجلِّلاً، عامًّا نافعًا غيرَ ضارٍّ، تُحيِي به البلاد، وتسقِي به العباد، وتجعلُه بلاغًا للحاضِر والباد.
اللهم سُقيا رحمةٍ، لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرَق. اللهم إنا نستغفرُك إنك كنتَ غفَّارًا، فأرسِل السماءَ علينا مِدرارًا.
ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي