الأسماء الحسنى

محمد بن سليمان المهنا

عناصر الخطبة

  1. أهمية معرفة أسماء الله الحسنى
  2. المقصود بإحصاء الأسماء الحسنى
  3. واجب المسلم تجاه الأسماء الحسنى
  4. وقفات مع بعض الأسماء الحسنى

أيها المسلمون: فإن من أعظم ما يقوي الإيمان في القلب معرفةُ أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة، والحرص على فهم معانيها والتعبد لله بها، قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف:180]؛ فدلَّت الآية أن لله -عز وجل- أسماءً، وأن هذه الأسماء أسماءٌ حسنى، أي: بالغة في الحسن والكمال.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله تسعة وتسعين أسماً مَن أحصاها دخل الجنة"، وفي هذا دليلٌ على فضل إحصاء تلك الأسماء، وأنه سبب لدخول الجنة.

فما معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-من أحصاها دخل الجنة؟ والجواب أن أحصاءها أن يعرف العبد لفظها ومعناها، وأن يتعبد الله بموجبها ومقتضاها، فمَن فعل ذلك رُجي له أن ينال فضل الله، ووعده بالجنة والرحمة، فضلاً من الله ونعمة.

وليس معنى هذا الحديث أن أسماء الله تسعةٌ وتسعون فقط، بل أسماء الله أكثر من ذلك، ومنها أسماء لا نعلمها، بل استأثر الله بعلمها، كما ثبت في الدعاء المشهور: "أو استأثرت به في علم الغيب عندك".

ويجب تجاه أسماء الله تعالى الإيمان بها، والإيمان بما دل عليه الاسم من المعاني، فمثلاً: نؤمن بأن الرحيم اسمٌ من أسماء الله تعالى، ويجب أن نؤمن مع ذلك بأن هذا الاسم دالٌ على صفة من صفات الله وهي صفة الرحمة، فهو رحيم يرحم عباده؛ فإذا آمن العبد بأن الله رحيم يرحم عباده وجب عليه أن يطلب من الله الرحمة، وأن يرجوها، ولا يقنط منها.

أيها المسلمون: مع هذا الفضل العظيم لمن أحصى تلك الأسماء فإننا نرى كثيراً من الناس لا يعرف كثيراً من أسماء الله تعالى، وكثير منهم لا يعرف معانيها، وهذا قصور كبير، وجهل لا ينبغي من مؤمن عرف عظمة ربه تبارك وتعالى.

فلا يليق بالمسلم أن يجهل شيئاً من أسماء الله، أو أن يرددها وهو لا يعرف معانيها؛ إذ هي أشرف الأسماء، وأكملها، وأعلاها.

ولهذا فإننا فسنعرِض في هذه الخطبة إن شاء الله إلى شيء من معاني بعض أسماء الله الحسنى كما شرحها العلماء -رحمهم الله-.

فمن أسمائه تعالى: ﴿الحيُّ؛ القيُّوم﴾، وهو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سُئِل به أعطى، فهو -سبحانه- الحي الكامل في حياته، حياةً لم يسبقها عدم، ولا يلحقها زوال، فهو الحي الذي لا يموت، وهو الباقي، وكل مَن على الأرض فان.

أما القيوم فهو الذي قام بنفسه فاستغنى عن جميع خلقه، وكما أنه سبحانه هو القائم على غيره، فكل المخلوقات قائمة به، لا قيام لها، ولا وجود إلا به.

ومن أسمائه تعالى ﴿المجيد(1)﴾ أي له المجد العظيم؛ والمجد هو عظمة الصفات وسعتها، فأسماؤه وصفاته في غاية المجد، فليس في شيء منها قصور أو نقصان.

من أسمائه ﴿العزيز﴾، وللعزة ثلاثة معان عظيمة: أولها عزة القوة، بمعنى أنه تعالى هو القوي المتين سبحانه؛ وثانيها عزة الامتناع، ومعناها أنه سبحانه الغني بذاته فلا يحتاج إلى أحد، وثالثها عزة القهر والغلبة لكل الكائنات، فكلها مقهورة له، خاضعة لمشيئته وإرادته.

ومن أسمائه تعالى ﴿الحكيم﴾، أي الذي يحكم على عباده بقضائه وقدره، ويحكم بينهم بدينه وشرعه، ثم يحكم بينهم يوم القيامة بالجزاء الدائر بين فضله وعدله.

كذلك هو الحكيم -سبحانه- بمعنى أنه ذو الحكمة البالغة، فلم يقدِّر الأمور عبثاً، ولم يُشرِّع الشرائع لعباً؛ بل هو المتفرد بكمال العلم والحكمة.

ومن أسمائه سبحانه ﴿الحليم﴾، وهو الذي لم يزل منعماً على خلقه، متفضلاً على عباده مع كثرة معاصيهم وذنوبهم، فحلم على العاصين ولم يقابلهم بعصيانهم؛ بل وتودد إليهم ليتوبوا وينيبوا، مع عظمته وكمال قدرته عليهم؛ كما أنه لم يؤاخذ أهل الكفر بكفرهم، بل أمهلهم، لكنه لن يهملهم -سبحانه-، ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المجادلة:6].

ومن أسمائه تعالى: ﴿اللطيف﴾، ولهذا الاسم الكريم معنيان: الأول: أنه تعالى هو الخبير العليم بكل شيء حتى ما لطف ودق من الأشياء. الثاني: أنه تعالى يلطف بعباده الصالحين، ويحسن إليهم، ويكرمهم، وييسر لهم الخير والمنازل العالية.

ومن أسمائه تعالى ﴿الودود﴾: مأخوذ من الود والمودة، وهي مرتبة عالية من مراتب المحبة فهو سبحانه يَوَدّ أولياءه، ويحبهم ويكرمهم ويوده عباده، ويحبونه كأشد ما يكون الحب: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبَّاً للهِ﴾ [البقرة:165]، ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة:54].

وهو سبحانه ﴿الصمد﴾: وهو اسم ذو معنى عظيم شامل. فمعناه: كامل الصفات والذي تقصده المخلوقات في سائر الحاجات.

وهو سبحانه ﴿الجبار﴾،ولهذا الاسم الكريم ثلاثة معانٍ. أولها: أنه سبحانه يجبر الضعيف وكلَ قلبٍ منكسر لأجله فيجبر الكسير ويُغني الفقير وييسر على المعسر كل عسير. وثانيها: أنه الجبار بمعنى القهار الذي خضع له كل شيء ودان له كل موجود. وثالثها: أنه الجبار بمعنى العلي على كل شيء.

ومن أسمائه سبحانه (المقيت) قال تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا﴾ [المائدة:85]؛ فهو سبحانه الذي أوصل إلى الموجودات أقواتها وأرزاقها، وصرَّفها كيف شاء بحكمته وحمده.

ومن أسمائه تعالى: ﴿المهيمن﴾ أي المطَّلع على خفايا الأمور، وخبايا الصدور، الذي أحاط بكل شيءٍ علماً.

ومن أسمائه: ﴿القدوس﴾ و﴿السلام﴾، ومعناهما متقارب، فالقدوس هو الذي تقدس أي تنزه على كل نقص وعيب، فالنقص لا يمكن في حقه؛ لأنه تعالى الرب الكامل المستحق للعبادة وحده.

وكذلك السلام، فمعناه الذي سلِم من كل نقص وعيب، وسلم من مشابهة المخلوقين ومماثلتهم.

هذه جملة من الأسماء الحسنى، وشيءٌ من بيان معانيها، وهي مجرد إشارات لا تكفي من يريد التزود من العلم والإيمان، فمن أراد ذلك فعليه بالكتب المصنَّفة في هذا الباب، وهي كثيرة شهيرة، من أيسرها وأوضحها وأكثرها فائدة وتوفراً في المكتبات كتاب شرح الأسماء الحسنى للشيخ علي بن سعيد بن وهف القحطاني، صاحب كتاب حصن المسلم في الأذكار.

اللهم إننا نسأل بأسمائك الحسنى، وصفاتك العليا، أن تفقهنا في ديننا، وأن توفقنا لما يرضيك عنا، وأن تغفر لنا وترحمنا.  


تم تحميل المحتوى من موقع