إن الرشوة لمن أكبر الفساد في الأرض؛ لأنها بها تغيير حكم الله، وتضييع حقوق عباد الله، وإثبات ما هو باطل، ونفي ما هو حق. إن الرشوة فساد في المجتمع، وتضييع للأمانة، وظلم للنفس يظلم الراشي نفسه ببذل المال لنيل الباطل، ويظلم المرتشي نفسه بـ..
وإن الرشوة لمن أكبر الفساد في الأرض؛ لأنها بها تغيير حكم الله، وتضييع حقوق عباد الله، وإثبات ما هو باطل، ونفي ما هو حق.
إن الرشوة فساد في المجتمع، وتضييع للأمانة، وظلم للنفس يظلم الراشي نفسه ببذل المال لنيل الباطل، ويظلم المرتشي نفسه بالمحاباة في أحكام الله يأكل كل منهما ما ليس من حقه، ويكتسب حراما لا ينفعه، بل يضره، ويسحت ماله، أو بركة ماله إن بقي المال.
إن الرشوة تكون في الحكم، فيقضى من أجلها لمن لا يستحق، أو يمنع من يستحق، أو يقدم من غيره أحق بالتقديم، وتكون الرشوة في تنفيذ الحكم، فيتهاون من عليه تنفيذه بتنفيذه من أجل الرشوة، سواء كان ذلك بالتراخي في التنفيذ، أو بعمل ما يحول بين المحكوم عليه، وألم العقوبة، إن كان الحكم عقوبة.
إن الرشوة تكون في الوظائف والمسابقة فيها، فيقدم من أجلها من لا ينجح، أو تعطى له أسئلة المسابقة قبل الامتحان، فيولى الوظيفة من غيره أحق منه، وفي الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من استعمل رجلا من عصابة -أي من طائفة- وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين"[رواه الحاكم وصحح إسناده].
وإن الرشوة تكون في تنفيذ المشاريع، ينزل مشروع عمل في المناقصة، فيبذل أحد المتقدمين رشوة، فيرسو المشروع عليه، مع أن غيره أنصح قصدا، وأتقن عملا، ولكن الرشوة عملت عملها.
وإن الرشوة تكون في التحقيقات الجنائية، أو الحوادث، أو غيرها، فيتساهل المحققون في التحقيق من أجل الرشوة، وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول"[رواه أبو داود، ومن حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه].
والغلول إثمه عظيم؛ فقد جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "استشهد مولاك، أو قال: غلامك فلان، قال: بل يجر إلى النار في عباءة غلها"[أحمد (5/33)].
وأغرب من ذلك أن تدخل الرشوة في التعليم والثقافة، فينجح من أجلها من لا يستحق النجاح، أو تقدم له أسئلة الامتحان، أو يشار إلى أماكنها من المقررات، أو يتساهل المراقب في مراقبة الطالب من أجلها، فيتقدم هذا الطالب مع ضعف مستواه العلمي، ويتأخر من هو أحق منه لقوة مستواه العلمي.
عباد الله: لقد سمعتم عقوبة الراشي والمرتشي في الآخرة، وهي اللعن والطرد عن رحمة الله، وسمعتم شيئا من مفاسدها في المجتمع، أفلا يكون في ذلك رادع عنها لكل مؤمن يخشى الله، ويخاف عقابه، ولكل مخلص يحافظ على دينه ومجتمعه، كيف يرضى أن يعرض نفسه لعقوبة الله؟ كيف يرضى أن يذهب دينه وأمانته من أجل حطام من الدنيا لا يدري لعله لا يأكله فيموت قبل أن ينعم به؟ كيف يليق بالعاقل أن يسعى في فساد المجتمع وهلاكه؟
إن الأعمال -أيها المسلمون- دروس يأخذها الناس بعضهم من بعض، فإذا فشت الرشوة في جهة من جهاته انتشرت في بقية الجهات، وصار على من عمل بها أولا وزرها ووزر من عمل بها مقتديا به إلى يوم القيامة.
فاتقوا الله -عباد الله-: وحافظوا على دينكم وأمانتكم، وفكروا قليلا أيما خير لكم أن تكونوا قائمين بالعدل، بعيدين عن الدناءة حائزين لرضا الله ومثوبته، أم تكونوا جائرين مخلدين إلى الأرض متعرضين لسخط الله وعقوبته.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا * إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[الأحزاب: 70 - 73].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ... إلخ ...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي