التحذير من الوصية لبعض الورثة

محمد بن صالح بن عثيمين
عناصر الخطبة
  1. وعظ النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة بالقرآن حسب المناسبات .
  2. الحكمة في وعظ النبي –صلى الله عليه وسلم- الصحابة بسورتي السجدة والإنسان .
  3. تحريم الوصية لبعض الورثة وبعض صور ذلك .
  4. مفاسد تخصيص بعض الورثة بالوصية أو الوقف .
  5. ضابط الوقف المحمود والمذموم .

اقتباس

أيها المسلمون: إن مما جاء في كتاب الله -تعالى-، وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفيما أجمع عليه علماء المسلمين: أنه لا وصية لوارث. وأن من أوصى لبعض ورثته دون الآخرين، فقد عصى الله ورسوله، وتعدى حدود الله، وظلم نفسه، وظلم ورثته، حيث...

الخطبة الأولى:


 
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أفضل من بشر وأنذر، وأمر وزجر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.

أما بعد:
 
فإن الله -تعالى- بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- هاديا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
 
فقام بأعباء الرسالة خير قيام، ونصح عباد الله أبلغ نصيحة.
 
وكان مما يعظ به الناس: كلام الله، فكان يقرأ في المناسبات ما يناسب الوقت، وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجر يوم الجمعة بعد الفاتحة في الركعة الأولى: آلم تنزيل السجدة، كاملة، وفي الركعة الثانية: هل أتى على الإنسان، كاملة"[البخاري (851) مسلم (880) النسائي (955) ابن ماجة (823) أحمد (2/472) الدارمي (1542)].
 
وكان يديم ذلك، وذلك لما تضمنته هاتان السورتان من ذكر مبدأ الخلق ومنتهاه، ومبدأ خلق الإنسان وسعيه ونهايته وجزائه، وأن الناس خلقوا من أصل واحد، ثم انقسموا قسمين: شاكرا وكفورا، ومؤمنا وفاسقا: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[السجدة: 18 - 19].
 
وقد بسط الله شيئا من نعيم هذه الجنات في سورة: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ)[الإنسان:1].
 
(وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ)[السجدة: 20].
 
أما صلاة الجمعة، فكان يقرأ فيها بعد الفاتحة أحيانا بسورة الجمعة في الركعة الأولى، وسورة المنافقين في الركعة الثانية.

 

وأحيانا يقرأ في الأولى: سبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية: هل أتاك حديث الغاشية، لما في ذلك من المناسبة والتذكير والوعظ.
 
أيها المسلمون: إن مما جاء في كتاب الله -تعالى- وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفيما أجمع عليه علماء المسلمين: أنه لا وصية لوارث.
 
وأن من أوصى لبعض ورثته دون الآخرين، فقد عصى الله ورسوله، وتعدى حدود الله، وظلم نفسه، وظلم ورثته، حيث اقتطع من حق بعضهم لبعض.
 
ومن أوصى بوقف شيء من ماله على بعض ورثته حيث اقتطع من حق بعضهم لبعض.
 
ومن أوصى بوقف شيء من ماله على بعض ورثته دون بعض فقد أوصى لوارث، حيث خص بعض ورثته باستغلال ما أوقفه عليهم دون الآخرين.
 
وإذا كان لا يجوز أن يوصي لبعض ورثته باستغلال العقار سنة أو بسكنى الدار شهرا، فكيف يجوز له أن يوصي بوقفه عليه واستغلاله دائما؟
 
هذا شيء لا يمكن أبدا، ولا تأتي به شريعة حكيمة عادلة، ولا عقل سليم.

 

فمن أوصى بوقف ثلثه على أولاده أو ذريته دون غيرهم من بقية الورثة، فإن هذه وصية جائرة يجب عليه إبطالها، والرجوع عنها، وإن كان قد كتبها، وأشهد عليها.
 
يا سبحان الله! ماذا يستفيده من هذا التخصيص؟
 
قد يكون هذا التخصيص مع كونه معصية لله -تعالى- مصدر تعب ومشقة على الذرية أنفسهم.
 
ولو كان المال الموقف حرا لهم أو بعيدا عنهم لكان أريح لهم، وأسلم لذمتهم، وذمة الموقف.
 
يا سبحان الله! كيف يوصي الإنسان بعد موته ومفارقته الدنيا بمعصية الله ورسوله؟
 
وما أدري ماذا يواجه به ربه بعد موته إذا سأله عن ماله فيما أنفقه؟
 
نعم: إن الجواب أن يقول: أوصيت بوقفه، أو وقف ثلثه، على بعض الورثة.
 
وهذا هو التعدي لحدود الله، وعدم الرضا بفرائض الله وتقسيمه.
 
فاتقوا الله -أيها المؤمنون-: وارجعوا إلى الحق ما دمتم في زمن الإمهال، قبل أن تتحسروا على ما فات منكم فيما صرفتم من المال.
 
أيها الناس: قد يظن بعضكم إني أنهى عن الوقف بكل حال، ولكن ليس الأمر كذلك، وإنما أنهى عن وقف يتضمن الحيف والوصية لبعض الورثة دون بعض.
 
أما الوقف العادل الذي يبتغي به وجه الله، فلا أنهى عنه، ولا غيري ينهى عنه.
 
اللهم إلا أن يكون مفضيا حتما أو غالبا لمفاسد أكبر من مصالحه.
 
ولكن إذا جعل الإنسان وقفه على المساجد، أو على مكاتب علم، أو الفقراء، أو المصالح العمومية، أو الأقربين عموما، أو تصدق بشيء من ماله في حياته في أمر يجري له بعد موته، فكل هذا -إن شاء الله- خير ومصلحة وبر.
 
أيها الناس: أصدقوا العزيمة، وتغلبوا على أنفسكم، بتصحيح وصاياكم، وتطبيقها على شرع الله ورسوله، ولا تتصرفوا فيها تصرفا يكون وبالا عليكم، وأنتم -ولله الحمد- في سعة من ذلك.
 
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[البقرة:182].
 
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ... إلخ ...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي