الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل الرجال قوامين على النساء بما فضلهم عليهن في الخلقة، والعقل، والذكاء، وأوجب عليهم أن يؤدوا إلى النساء حقوقهن، ويقوموا بواجبهن، ويراعوا ما عليهم نحوهن من المسؤلية الكبرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحكم الحاكمين، وأرحم الرحماء، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أنزل الله عليه: (
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)
[الأحزاب:33] صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن يهديهم اهتدى، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- و (
قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)
[التحريم: 6].
واتقوا الله في النساء، أدوا حقوقهن، قوموا بواجبهن، أدبوهن تأديبا شرعيا، يكفل لهن مصالح الدنيا والآخرة.
وجهوهن إلى سلوك ما كان عليه السلف الصالح، من لزوم الشيمة والحياء، فإن الحياء شعبة من الإيمان، ومن لم يستح، فليصنع ما شاء.
أيها الرجال: لقد جعلكم الله قوامين على النساء، فقوموا بهذه الوظيفة، دبروا شؤونهن، وأدبوهن.
ولا يكن أحدكم بين أهله كالمفقود لا يأمرهم بالخير والرشاد، ولا ينهاهم عن الشر والفساد، فإن ذلك مفسدة من وجهين:
أحدهما: إهدار كرامته، وإبطال رجولته بين أهله.
والثاني: إضاعة ما أوجب الله عليه من القيام عليهم، فإن الله -تعالى- لم يجعله قواما على النساء، إلا سيسأله عن هذه المسؤولية التي حمله إياها.
أيها الناس: لو أن راعي غنم أهملها، ولم يسلك بها مواضع الخصب ألستم تعدونه مفرطا؟
ولو أن راعي غنم سلك بها أودية مهلكة، ورعاها في مراعي ضارة ألستم تعدونه ظالما معتديا؟
إذن، فلماذا يرضى أحدكم يا رجال أن يرى أهله مقصرين فيما وجب عليهم، أو منهمكين فيما حرم الله عليهم، ثم لا يأمرهم بالواجب، ولا ينهاهم عن المحرم مع أنه هو راعيهم الذي استرعاه عليهم نبيه -صلى الله عليه وسلم- وهو القائم عليهم بما فضله الله به عليهم؟
أيها الناس: أيها الرعاة على أهليهم: إن في عوائلنا مشاكل عديدة يؤسفنا أن توجد فيهم، ثم لا نجد تعاونا جديا لحلها، وإنما هو كلام في المجالس، وتلوم، وتضجر لا عمل معه حتى نفس المتلومين المتضجرين تجدهم ينظرون إلى أهلهم واقعين في شيء من هذه المشاكل -والله أعلم- بما كانوا عاملين هل حاولوا حلها، أو كانوا عنها معرضين؟
وإن من المشاكل لدينا، وأعظمها خطرا؛ ما وقع فيه بعض النساء من الخروج إلى الأسواق، ومكان البيع والشراء، متطيبات متبرجات، يخرجن أيديهن محلاة بالذهب، ويلبسن ثيابا قصيرة، تنكشف بأدنى سبب.
وربما وقفن على صاحب الدكان، وضحكن معه، وهذا أعظم الفتن والشر.
وليس هذا -أيها المسلمون-: واقعا في نساء كبيرات السن فقط من شواب لا يبلغن العشرين من العمر.
وهذا أمر عجيب، لقد كانت الشواب عندنا منذ زمن قريب لا يحدثن أنفسهن بالخروج إلى الأسواق أبدا، وإذا احتجن إلى الخروج لم يخرجن إلا في أطراف النهار في غاية من التحفظ والتستر، ثم انقلبت الحال إلى ما ترى بهذه السرعة كأنما نقفز إلى التبرج والسفور قفزا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها المسلمون: لقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "
صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات، عاريات، مائلات، مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخث المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا"[مسلم (2128) أحمد (2/356) مالك (1694)].
هذه صفات نساء أهل النار: "كاسيات عاريات" أي: عليهن كسوة لا تفيد، ولا تستر، إما لقصرها، أو خفتها، أو ضيقها.
"مائلات مميلات" مائلات عن الحق، وعن الصراط المستقيم، مميلات لغيرهن.
وذلك بسبب ما يفعلنه من الملابس والهيئات الفاتنة التي ضلت بها نفسها، وأضلت غيرها.
أيها المسلمون: أيها المؤمنون بالله ورسوله: أيها المصدقون بما أخبر به محمد -صلى الله عليه وسلم- أيها القابلون لنصيحته: لقد أخبركم الناصح الأمين بصفة لباس أهل النار من النساء لأجل أن تحذروا من هذا اللباس، وتمنعوا منه نساءكم، فهل تجدون أحدا من المخلوقين أنصح لكم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ هل تجدون هديا أكمل من هديه؟ هل تجدون طريقا لإصلاح المجتمع ومحاربة ما يهدم دينه وشرفه أتم من طريقه وأحسن؟
كلا -والله- لا تجدون ذلك أبدا، وإن كل مؤمن بالله ورسوله ليعلم أنه لا أحد أتم نصحا، ولا أكمل هديا، ولا أحسن طريقا من محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولكن الغفلة والتقليد الأعمى أوجبا أن نقع فيما وقعنا فيه.
أيها الناس: إن هذه الألبسة القصيرة التي تلبسها بناتكم، فتقرونهن عليها، وربما ألبستموهن إياها أنتم ليست والله خيرا، بل هي شر لهن تذهب الحياء عنهن، وتجلب إليهن الفتنة، وتوجب هجر اللباس الشرعي الساتر لباس الحشمة، والحياء، والسلف الصالح.
إننا نشاهد بنات في الثامنة من العمر، أو أكثر عليهن شلحة، أو كرته، تبلغ نصف الفخذ فقط، وعليها سراويل لا أفخاذ له؛ إنك لترى القريب القريب من السوأة خصوصا، إذا كانت الشلحة مقمطة من فوق، فإنها ترتفع أطرافها من أسفل، فيبين من العورة.
يا إخواني: ما الفائدة من هذا اللباس للمجتمع؟ هل فيه تهذيب لأخلاقه، أو تتميم لإيمانه، أو إصلاح لعمله، أو تقدم ورقي لشأنه، أو صحة لبدن لابسه؟
كلا، ولكن فيه المفاسد وزوال الحياء، واعتياد هذا اللباس عند الكبر كما هو مشاهد، فإن هذا اللباس لم يقتصر شره على الصغار جدا من البنات، بل سرى إلى شابات في سن الزواج كما تراه أحيانا إذا كشفت الريح عباءتها.
أيها المسلمون: إن الواجب الديني والخلقي: يحتم علينا القضاء على هذه الألبسة، والتناهي عنها، وأن تحفظ نساءنا عن التبرج، وأن نكون قوامين عليهن كما جعلنا الله كذلك، نقوم عليهن، ونلزمهن بما يجب، ونمنعهن مما يحرم، وإذا أمكن أن تأتي إليهن بما يحتجن من السوق أتينا به، فإن لم يمكن، فلتأت به أعقلهن، وأبعدهن من الفتنة.
إن الواجب علينا: أن نتناصح، ونتعاون، ينصح القريب قريبه، والجار جاره، فإن لم نفعل هلكنا جميعا، ووصل الشر إلى من لا يريده.
أيها المسلمون: إن هذه الألبسة لا تنكر؛ لأنها غريبة وجديدة من نوعها، فليس كل جديد ينكر إلا إذا تبين ضرره ومخالفته لما يجب السير عليه.
ولقد شاهدتم بأنفسكم، وسمعتم من غيركم ما يترتب عليها من أضرار، فلذلك أنكرناها، وحذرنا عنها.
أسأل الله -تعالى- أن يعيننا جميعا على الخير، وأن يمنعنا من الشر، وأن يرزقنا العافية في الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا ممن قال فيهم: (
فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزمر: 17- 18].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...