الحسبة

عبد الله الجار الله آل جارالله
عناصر الخطبة
  1. تمام الشريعة وكمالها .
  2. أهمية الحسبة وفضلها .
  3. درجات إنكار المنكر .
  4. بعض فوائد الحسبة .
  5. بعض عقوبات ترك الحسبة .
  6. بعض شروط الحسبة وآدابها .
  7. آداب المحتسب .

اقتباس

مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَكَمَالِهَا: أَنَّ الْقِيَامَ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ دَرَجَاتٌ، كُلٌّ عَلَى حَسَبِ عِلْمِهِ وَقُدُرَتِهِ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ"[رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ يُعَلِّمُنَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- ضَرُورَةَ الْمُشَارَكَةِ بِنُصْرَةِ الدِّينِ حَسَبَ الاسْتِطَاعَةِ، فَهَذَا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ بِيَدِهِ، وَذَلِكَ بِلِسَانِهِ، وَهَذَا بِقَلْبِهِ، فَكُلٌّ...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

عِبَادَ اللهِ: اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ -تعالى- امْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِإِكْمَالِ شَرْعِهِ، وَإِسْبَاغِ نِعَمِهِ، قَالَ تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة: 3].

فَيَا قُرَّةَ أَعْيُنِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَا فَرْحَةَ قُلُوبِ الصَّالِحِينَ بِشَرِيعَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الَّتِي جَمَعَتْ لَهُمْ بَيْنَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالْمُتَأَمِّلُ لِشَرِيعَةِ اللهِ تعالى- وَالْمُتَفَكِّرُ فِيهَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ لَدُنْ عَلِيمٍ حَكِيمٍ، فَلاَ أَكْمَلَ، وَلاَ أَجْمَلَ مِنْ شَعِيرَةٍ شَرَعَهَا اللهُ، أَوْ أَمْرٍ أَمَرَ بِهِ، أَوْ نَهْيٍ نَهَى عَنْهُ، تَقْبَلُهُ الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ، وَالْفِطَرُ السَّوِيَّةُ الْمُسْتَقِيمَةُ.

وَمِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ الْعَظِامِ وَمَبَانِيهِ الْجِسَامِ: شَعِيرَةُ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، شَعِيرَةٌ حَفِظَ اللهُ بِهَا الدِّينَ مِنْ أَيْدِي العَابِثِينَ، وَبَعْضِ الْغَافِلِينَ، الَّذِينَ هُمْ بِحَاجَةٍ لِمَنْ يَأْمُرُهُمْ بِالْخَيْرِ وَيُذَكِّرُهُمْ بِهِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الشَّرِّ وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْهُ؛ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُم"[أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ].

وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَادِرٍ، وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْقَادِرِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ بِهِ غَيْرُهُ.

وَمِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَكَمَالِهَا: أَنَّ الْقِيَامَ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ دَرَجَاتٌ، كُلٌّ عَلَى حَسَبِ عِلْمِهِ وَقُدُرَتِهِ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ"[رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ يُعَلِّمُنَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- ضَرُورَةَ الْمُشَارَكَةِ بِنُصْرَةِ الدِّينِ حَسَبَ الاسْتِطَاعَةِ، فَهَذَا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ بِيَدِهِ، وَذَلِكَ بِلِسَانِهِ، وَهَذَا بِقَلْبِهِ، فَكُلٌّ عَلَى حَسَبِ قُدْرَتِهِ، وَكُلٌّ يَحْرُسُ مِنْ جَانِبِهِ، لِتَنْجُوَ سَفِينَةُ الْمُجْتَمَعِ، وَتَصِلَ إِلَى بَرِّ الأَمَانِ، وَنُحَقِّقَ رِضَى الرَّحْمَنِ جَلَّ فِي عَلْيَائِهِ؛ فَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا".

فهذه الشعيرة العظيمة هي صمام أمان هذه الأمة.

وَجَعَلَ اللهُ -تعالى- الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ شَرْطاً فِي تَحْقِيقِ النَّصْرِ وَالثَّبَاتِ وَالتَّمْكِينِ، قَالَ اللهَ -تعالى-: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[الحـج: 40-41].

وجعله أيضا صفة من صفات هذه الأمة: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71].

وهو مِنْ عَلاَمَاتِ الْفَلاَحِ لِلْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ؛ قَالَ اللهُ -تعالى-: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].

وَاعْلَمُوا -عِبَادَ اللهِ- أَنَّ تَرْكَ هذه الشعيرة العظيمة الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ؛ يُعَرِّضُ الْمُجْتَمَعَ لِمَقْتِ اللهِ وَسَخَطِهِ وَعُقُوبَتِهِ؛ فَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَهُمْ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ"[أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ].

وَعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ -رضي الله عنها-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ" وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: "نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ

(وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25].

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الْقِيَامَ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ وَالتَّعَبُّدَ للهِ -تعالى- بِهَذِهِ الطَّاعَةِ لَهُ آدَابٌ وَشُرُوطٌ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُرَاعَاتُهَا؛ مِنْهَا: صِدْقُ النِّيَّةِ فِي الاحْتِسَابِ، وَالْعِلْمُ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ، وَيَنْهَى عَنْهُ، وَالْحِكْمَةُ وَحُسْنُ الأُسْلُوبِ، وَاللَّطَافَةُ والرِّفْقُ، وَالتَّحَلِّي بِالأَدَبِ عِنْدَ الْقِيَامِ بِالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، قَالَ اللهُ -تعالى-: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل: 125].

لاَسِيَّمَا إِذَا كَانَ وَالِداً، أَوْ رَحِماً، أَوْ جَاراً، أَوْ كَبِيراً فِي السِّنِّ، فَالْمَقْصُودُ الرَّحْمَةُ بِالنَّاسِ، وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ، وَنَقْلُهُمْ مِنَ الشَّرِّ إِلَى الْخَيْرِ، وَمِنَ الْمُنْكَرِ إِلَى الْمَعْرُوفِ.

وَلاَ يَجُوزُ التَّجَسُّسُ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَسُوءُ الظَّنِّ بِهِمْ، فَإِنَّ الشَّرْعَ الْمُطَهَّرَ أَمَرَكَ بإنكار الْمُنْكَرِ الظَّاهِرِ الَّذِي تَرَاهُ أَوْ تَسْمَعُهُ، وَالأَصْلُ حُسْنُ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَقُومَ بِوَاجِبِ الْحِسْبَةِ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنْ يَزُولَ الْمُنْكَرُ، أَوْ يَقِلَّ ضَرَرُهُ، فَإِنْ كَانَ الْقِيَامُ بِالْحِسْبَةِ يُؤَدِّي إِلَى شَرٍّ أَكْبَرَ، أَوْ ضَرَرٍ أَعْظَمَ عَلَى الْمُجْتَمَعِ، أَوْ عَلَى الْمُحْتَسِبِ تَرَكَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَإِنَّ الْحِكْمَةَ مَطْلُوبَةٌ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاقِفِ، وَعَلَى الْمُسْلِمِ الانْصِرَافُ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ مُنْكَرٌ لاَ يَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَهُ؛ قَالَ اللهَ -تعالى-: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[الأنعام: 68].

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، الإِلَهُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِمَامُ الْمُتَّقِينَ وَخَاتِمُ الْمُرْسَلِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ - حَقَّ تَقْوَاهُ، وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ وَرِضَاهُ.

عِبَادَ اللهِ: كُلُّ مَنْ قَامَ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ عِبَادَةِ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، قَدْ يَنَالُهُ الأَذَى مِنَ النَّاسِ؛ لأَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً لِشَهَوَاتِهِمْ وَأَذْوَاقِهِمْ فَلاَ بُدَّ مِنَ الصَّبْرِ، فَكُلُّ مَنْ قَامَ هَذَا الْمَقَامَ أَصَابَهُ مِنَ الأَذَى عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الأَنِبَيَاءُ أَكْثَرَ النَّاسِ تَعَرُّضاً لِلأَذَى، وَكَانُوا أَكْثَرَ النَّاسِ صَبْرًا وَرَحْمَةً عَلَى أَقْوَامِهِمْ، وكَمَا قَالَ لُقْمَانُ الْحَكِيمُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [لقمان: 17].

جَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ الآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَسَدَّدَ اللهُ خُطَاكُمْ، وَبَارَكَ فِي أَعْمَارِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ.

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِالإِسْلاَمِ قَائِمِينَ، وَاحْفَظْنَا بِالإِسْلاَمِ قَاعِدِينَ، وَاحْفَظْنَا بِالإِسْلاَمِ رَاقِدِينَ، وَلاَ تُشْمِتْ بِنَا الأَعْدَاءَ وَلاَ الْحَاسِدِينَ.

اللَّهُمَّ أَعَزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرِ اللَّهُمَّ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهم لما تحب وترضى، اللهم وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَ فِي رِضَاكَ، ووفقهم لما فيه صلاح العباد والبلاد، وَارْزُقْهُمَ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ الَّتِي تَحُثُّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ، وَتُحَذِّرُهُمْ مِنَ السُّوءِ وَالشَّرِّ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

اللهم اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.

اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم ألف بين قلوبهم، واجمع كلمتهم على الحق، وأصلح ذات بينهم، وأهدهم سبل السلام، وأهدهم إلى الحق، يا رب العالمين.

اللهم من أراد بلادنا بسوء في دينها أو أمنها أو استقرارها، اللهم اشغله في نفسه ورد كيده في نحره وافضح يا رب العالمين.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ولوالدينا ذُنُوبَنَا جَمِيعًا، وَارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ؛ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللَّهُمَّ واجْعَلْ قُلُوبَنَا مُطْمَئِنَّةً بِحُبِّكَ، وَأَلْسِنَتَنَا رَطْبَةً بِذِكْرِكَ، وَجَوَارِحَنَا خَاضِعَةً لِجَلاَلِكَ.

اللَّهُمَّ وأَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَارِنَا أَوَاخِرَهَا، وَخَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ.

اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللَّهُمَّ وصَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَكْرَمِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

وآخر دعوانا أن الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.       


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي