فمن هذه الأحكام والآداب: النهي عن بناء المساجد على القبور: عن عائشة قالت، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" رواه مسلم.
الحمد لله (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:2].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل -سبحانه-: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) [ التكاثر:1-2].
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله القائل -صلى الله عليه وسلم-: "إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه" رواه الترمذي والحاكم.
اللهم صلّ وسلّم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: (اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج:1-2].
أما بعد: فإن القبر هو مصير الإنسان، ومنزله ومأواه الذي لا بدّ منه، وللقبور أحكام وآداب لا بد من معرفتها.
فمن هذه الأحكام والآداب: النهي عن بناء المساجد على القبور: عن عائشة قالت، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" رواه مسلم.
ومن هذه الأحكام والآداب: النهي عن الصلاة إلى القبور، فعن أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها" رواه مسلم.
ومن هذه الأحكام والآداب: النهي عن البناء على القبر، فعن جابر قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُجَصَّص القبر، وأن يُباع عليه، وأن يُبنى عليه" رواه مسلم.
والعمل على هذا عند بعض أهل العلم أنهم يكرهون أن يرفع القبر فوق الأرض، قال الشافعي: "أكره أن يرفع القبر إلا بقدر ما يعرف أنه قبر؛ لكيلا يوطأ، ولا يجلس عليه" رواه الترمذي.
وورد الأمر بتسوية القبور بالأرض، فعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته" رواه مسلم.
ومنها النهي عن الكتابة عليها: عن جابر وعن سليمان بن موسى قالا: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن تجصيص القبور، والكتابة عليها، والبناء عليها، والجلوس عليها" رواه ابن حبان.
ومنها النهي عن الجلوس على القبور: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه حتى تخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر" رواه مسلم. وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لأن أمشي على جمرة أو سيف أو أخصف نعلي برجلي أحبّ إليّ من أن أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق" رواه ابن ماجه.
ومنها النهي عن ضرب القبة على القبر: فقد رأى ابن عمر -رضي الله عنهما- فسطاطاً على قبر عبد الرحمن فقال: "انزعه يا غلام، فإنما يظله عمله" رواه البخاري.
ومنها النهي عن كسر عظم الميت: عن أم سلمة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كسر عظم الميت ككسر عظم الحي في الإثم" رواه أبو داود وابن ماجه.
ومنها النهي عن سب الأموات: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا" رواه البخاري.
ومن آداب وأحكام القبور تعميق القبر، ودفن أكثر من واحد فيه: عن هشام بن عامر قال: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد فقلنا: يا رسول الله، الحفر علينا لكل إنسان شديد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "احفروا وأعمقوا وأحسنوا"، وفي رواية: "وأوسعوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد"، قالوا: فمَن نقدم يا رسول الله؟ قال: "قدموا أكثرهم قرآنا"، قال: فكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد. رواه الأربعة وأحمد.
ومنها الصلاة على القبر بعد الدفن: عن أبي هريرة أن امرأة سوداء كانت تقمّ المسجد، أو شابا، ففقدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأل عنها أو عنه، فقالوا مات، قال: "أفلا كنتم آذنتموني؟"، قال: فكأنهم صغروا أمرها أو أمره! فقال: "دلوني على قبره"، فدلوه، فصلى عليها، ثم قال: "إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله -عز وجل- ينورها لهم بصلاتي عليهم" متفق عليه.
ومنها: الدعاء بعد دفن الميت: عن عثمان بن عفان قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: "استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل" رواه أبو داود.
ومنها الصمت عند الدفن: عن البراء قال: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنازة، فلما انتهينا إلى القبر ولم يلحد، وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير" رواه النسائي.
ومنها البكاء عند الدفن: عن البراء قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنازة، فجلس على شفير القبر فبكى حتى بل الثرى، ثم قال: "يا إخواني! لمثل هذا فأعدوا" رواه ابن ماجه.
ومنها وضع الجريد على القبر: عن ابن عباس قال: مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قبرين فقال: "أما إنهما ليعذبان! وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله"، قال: فدعا بعسيب رطب فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ثم قال: "لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا" متفق عليه.
وعن جابر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما ما دام الغصنان رطبين" رواه مسلم.
ومنها زيارة القبور: وقد مر حكم الزيارة للقبور بثلاث مراحل: كان أولها النهي المطلق، ثانيها: الإباحة المطلقة للرجال والنساء، وثالثها: الإذن للرجال والمنع للنساء، فعن ابن عباس قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زائرات القبور" رواه الحاكم.
ومنها السلام على أهل القبور: عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلما كان ليلتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد" رواه مسلم.
اللهم نوّر قبورنا، واجعلها رياضاً من رياض الجنة، اللهم اجعلنا ممّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي