تخصيص شهر رجب بشيء من العبادات والاحتفالات

عبد القادر بن محمد الجنيد

عناصر الخطبة

  1. غفلة الناس عن الآخرة والحث على الخشوع
  2. عظمة الأشهر الحرم وشناعة الظلم فيها
  3. حكم تخصيص بعض الأيام في شهر رجب بصيام أو ببعض الصلوات
  4. تاريخ حادثة الإسراء والمعراج في شهر رجب
  5. حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج والاجتماع لها وأقوال العلماء في ذلك
  6. ضابط وصف العمل بالبدعة

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله منشئ الأيام والشهور، ومفني الأعوام والدهور، ومكور الليل على النهار، ومقلب الأجواء من حر إلى برد، ومن برد إلى حر، ويديل الأيام بين عباده، عبرة لذوي العقول والأبصار.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا ند ولا نظير ولا ظهير.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، الشافع المشفَّع، الذي عَمر سنينه وشهوره وأيامه ولياليه بطاعة ربه ومولاه، فغُفرت له جميع الذنوب والزلات، ونال المنازل العالية وجزيل المكرمات، فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آل بيته وأصحابه الدائبين في طاعته، ما تكررت الأعوام والساعات، وتعاقب الليل مع النهار.

 

أما بعد:

 

أيها الناس: ها قد أوشك نصف عامنا هذا على أن يذهب عنا ويرتحل، وانقضت عنا أيامه ولياليه إلى غير عودة، ونحن في غفلة شديدة عن الآخرة، وتنافس كبير على العاجلة، وضعف وتقصير وتكاسل عن أعمال البِّر الطيبة، وتسويف وتباطؤ عن التوبة والإنابة، وما أكثر ما سمعنا: إن فلاناً قد قضى نحبه ومات، وترك ماله وأهله وخلانه، وأصبح في قبره رهين أعماله، وفيها الصالح أو السيء من أقواله وأفعاله واعتقاداته.

 

ألا فهل من متعظ؟ ألا هل من معتبر؟ ألا هل من متذكر؟ ألا هل من تائب ومنزجر عن ذنوبه وآثامه، عن بدعه وضلالاته، عن مخالفته لما كان عليه نبيه –صلى الله عليه وسلم– وأصحابه؟ قبل أن تأتي عليه ساعة سكرته، وتحل به لحظة منيته، ويعاني حشرجة صدره، ويكابد منازعة روحه، قبل أن ينطق فيقول: (يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) [الزمر: 56].

 

أيها الناس: ما للعيون مع وعيد الله ووعده جامدة غير باكية؟ وما للقلوب عن الآخرة غافلة لاهية؟ وما للنفوس عن الخيرات كسلة متقاعسة؟ وما للألسن والأبصار والجوارح إلى مسالك الغفلة والفسق والبدع والعصيان مسارعة؟

 

أما سمعت هذه النفوس قول خالقها ومليكها ومدبر أمورها معاتباً لها: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: 16].

 

وثبت عن نافع مولى ابن عمر -رحمه الله- أنه قال: "كان عبد الله بن عمر إذا قرأ هذه الآية: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الحديد: 16] بكى حتى يبل لحيته البكاء، ويقول: بلى يا رب".

 

أما سمعت قوله -جل وعلا-: ﴿إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى(76)﴾ [طـه: 74- 67].

 

أيها الناس: إنكم داخلون بعد أيام قليلة جداً في أحد الأشهر الأربعة الحُرم، ألا وهو شهر رجب، وقد قال الله -عز وجل- في إثبات حرمته وحرمتها: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 36].

 

وأخرج البخاري ومسلم رحمهما الله- في "صحيحيهما" عن أبي بكرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ".

 

ألا فاحذروا أشد الحذر -سلمكم الله وسددكم- أن تظلموا أنفسكم في هذا الشهر، وفي بقية الأشهر الحُرم بالسيئات والخطايا، والذنوب والمعاصي، والبدع والضلالات، والفسق والفجور، والظلم والعدوان، والقتل والاقتتال، والغش والكذب، والغيبة والبهتان، والحسد والغِل، فإن الله -جل شأنه- قد زجركم ونهاكم عن ذلك، فقال سبحانه: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36]، فإن السيئات من البدع والمعاصي تعظم وتشتد، وتكبر وتتغلظ في كل زمان أو مكان فاضل.

 

وقد ثبت عن التابعي قتادة بن دعامة -رحمه الله- أنه قال: "فَإِنَّ الظُّلْمَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَعْظَمُ خَطِيئَةً وَوِزْرًا مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهَا، وَإِنْ كَانَ الظُّلْمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَظِيمًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُعَظِّمُ مِنْ أَمَرِهِ مَا شَاءَ،… وَإِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنَ الشُّهُورِ رَمَضَانَ وَالْأَشْهُرَ الْحُرُمَ، وَاصْطَفَى مِنَ الْأَيَّامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاصْطَفَى مِنَ اللَّيَالِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَعَظِّمُوا مَا عَظَّمَ اللَّهُ، فَإِنَّمَا تُعَظَّمُ الْأُمُورُ بِمَا عَظَّمَهَا اللَّهُ عِنْدَ أَهْلِ الْفَهْمِ وَأَهْلِ الْعَقْلِ".

 

أيها الناس: هذه وقفات أربع يجدر بالمسلم أن يتنبَّه لها، ويفقه حكمها، ويتبصر بواقعها، لتسلم له عبادته من النقص والخلل، ونفسه من الإثم والوزر، وتقل في بلاده البدع والآثام.

 

الوقفة الأولى: عن حكم تخصيص شهر رجب أو أول يوم منه أو أول جمعة أو خميس منه بالصيام.

 

فقد جرت عادة بعض المسلمين -رزقهم الله لزوم السنة النبوية- على تخصيص شهر رجب أو أول يوم منه أو أول خميس أو أول جمعة فيه بالصيام.

 

وهذا التخصيص بالصيام ليس عليه أثارة من علم تدعمه، فإنه لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه -رضي الله عنهم- أنهم فعلوه، ولا دعوا الناس إليه، ولا رغَّبوهم في العمل به.

 

بل لا زال العلماء -سلمهم الله- ينكرون ما يُروى في ذلك من أحاديث وآثار ضعيفة أو مكذوبة، ويبينون للناس بطلانها وعدم صحتها، على اختلاف بلدانهم ومذاهبهم وأزمانهم.

 

فقال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي -رحمه الله-: "لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه، حديث صحيح".

 

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي البغدادي -رحمه الله-: "وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه".

 

بل إنه قد صح عن خَرْشة بن الحُر -رحمه الله- أنه قال: "رأيت عمر يضرب أكُف الناس في رجب حتى يضعونها في الجفان، ويقول: كلوا فإنما هو  شهر كانت تعظمه الجاهلية".

 

وقال شيخ المالكية في وقته أبو بكر الطرطوشي -رحمه الله- عقب قول عمر هذا وغيره: "دلت هذه الآثار على أن الذي في أيدي الناس من تعظيمه -يعني: شهر رجب- إنما هي غبرات من بقايا عقود الجاهلية".

 

وأما من كانت له عادة بصيام يوم وإفطار يوم من كل الأشهر، أو صيام الأيام البيض أو الاثنين والخميس من كل شهر، فهذا لا حرج عليه في صيامه ذلك؛ لأنه لم يقصد تخصيص شهر رجب ولا تعظيمه على باقي الشهور بالصيام فيه.

 

الوقفة الثانية: عن حكم تخصيص شهر رجب ببعض الصلوات.

 

جرت عادة بعض الناس -أرشدهم الله إلى اتباع السنة- على تخصيص شهر رجب بصلاة تسمى "صلاة الرغائب"، وتكون في ليلة أول جمعة منه، بين المغرب والعشاء، وأول ما ظهرت هذه الصلاة في القرن الخامس الهجري.

 

وهذه الصلاة يحرم على المسلم أن يفعلها أو يدعو الناس إلى فعلها؛ لأن الصلاة مرجعها إلى نصوص القرآن والسنة، ولم ترد آية في القرآن تدل على فعلها، ولا صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه فعلها أو رغَّب الناس فيها، بل إن الناس لم يسمعوا بها إلا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ووفاة أصحابه بمئات السنين.

 

وقد قال فقيه الشافعية علاء الدين بن العطار الدمشقي -رحمه الله-: "والأحاديث المروية في فضلها، وفي الصلاة فيها كلها موضوعة باتفاق أهل النقل والعدالة".

 

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي البغدادي -رحمه الله-: "فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء".

 

بارك الله لي ولكم فيما سمعتم، وجعلنا من التائبين المستغفرين، إنه جواد كريم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله العظيم الجليل، القوي المتين، خالق الخلق أجمعين، وصلواته وسلامه على نبيا محمد خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، وعلى آله وأصحابه وكافة أتباعه وأتباعهم إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: فلا يزال الحديث معكم متواصلاً عن شهر رجب، وبعض ما يتعلق به، ويقع فيه من أمور، فأقول مستعيناً بالله ربي:

 

الوقفة الثالثة: عن حادثة الإسراء والمعراج وهل وقعت في شهر رجب أم لا.

 

هذه الحادثة العظيمة، والآية الكبيرة، والمعجزة الظاهرة الباهرة، قد جاء إثباتها في القرآن العظيم، وتكاثرت واستفاضت بها نصوص السنة النبوية، إلا أنه مع ذلك لم يصح في تعيين وقت وقوعها حديث واحد ولا أثر، لا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه ولا عن التابعين.

 

وقد اختلف المؤرخون وأهل السير وغيرهم في تحديد زمن وقوعها اختلافا كبيراً، فمنهم من قال: إنها كانت في شهر ربيع الأول، ومنهم من قال: في شهر ربيع الآخر، ومنهم من قال: في شهر رجب، ومنهم من قال: في شهر رمضان، ومنهم من قال: في شهر شوال، ومنهم من قال: في شهر ذي القعدة، ومنهم من يجعلها في أوائل الشهر، ومنهم من يجعلها في أوساطه، ومنهم من يجعلها أواخره.

 

ومن أضعف الأقوال قول من قال: إنها كانت في شهر رجب في ليلة السابع والعشرين منه، حتى قال الفقيه أبو الخطاب الأندلسي المالكي الشهير بابن دحية الكلبي  -رحمه الله-: "وذكرَ بعض القُصَّاص أن الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب".

 

وقال الفقيه الشافعي علاء الدين بن العطار الدمشقي -رحمه الله-: "وقد ذكر بعضهم أن المعراج والإسراء كان فيه، ولم يثبت ذلك".

 

وقال العلامة عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: "أما ليلة الإسراء والمعراج فالصحيح من أقوال أهل العلم أنها لا تعرف, وما ورد في تعيينها من الأحاديث فكلها أحاديث ضعيفة لا تصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-, ومن قال: إنها ليلة سبع وعشرين من رجب فقد غلط؛ لأنه ليس معه حجة شرعية تؤيد ذلك، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها".

 

الوقفة الرابعة: عن حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج والاجتماع لها.

 

حادثة الإسراء والمعراج معروفة مشهورة، ذكرها الله -تعالى- في كتابه، وذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- في سنته، وأجمع على وقوعها أهل العلم، ومع هذا لم يرد الاحتفال بها والاجتماع لها لا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن أصحابه، ولا عن التابعين، ولا عن أحد من أهل القرون المفضلة، ولا عن أحد من الأئمة المتبوعين كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، بل هذا الاحتفال والاجتماع عند جميعهم متروك مهجور غير معمول به ولا معروف.

 

وهذا الترك والهجر من هؤلاء السابقين الأفاضل الأجلاء يكفي كل مؤمن بالله، محب لله ورسوله ومعظم وموقر، في أن لا يكون من المحتفلين والمجتمعين، ولا من الداعين إليه، ولا من المباركين به، ولا من الداعمين بمال وطعام وشراب لأهله، ويكفيه أيضاً في إبطاله والإنكار على أهله المحتفلين، أو على من يسهل ويهون من شأنه، إذ لو كان هذا الاحتفال من الخير والهدى، والرشد والصلاح، والطاعة والعبادة، وزيادة الدين وقوته، لما تركه أشد الناس تعظيماً وانقياداً ومحبة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وأرغبهم في الخير والإكثار منه، ألا وهم أهل القرون الثلاثة الأولى، وعلى رأسهم الصحابة -رضي الله عنهم- الذين قال الله -تعالى- في شأن نبيه -صلى الله عليه وسلم- وشأنهم: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ" [رواه البخاري ومسلم].

 

 ومن لم يسعه ما وسع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وأئمة الإسلام الماضين من الترك لهذا الاحتفال والاجتماع وغيره من الاحتفالات والاجتماعات فلا يلومن إلا نفسه، فإنه لا يسير إلا على طريق هلكة، ولا يمشي إلا في سبيل منقصة ومذمة، ولا يعود على نفسه إلا بالإثم والوزر، ولا يلقيها إلا في الخسارة والبوار.

 

أيها الناس: اعلموا -سددكم الله- أن الأعمال التي يقوم بها الناس من صيام أو صلاة أو ذكر أو احتفالات أو غيرها تقرباً إلى الله -تعالى-، وطلباً للأجر منه، ولم يأت دليل من القرآن والسنة في دعوة الناس إلى فعلها، ولا فعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه -رضي الله عنهم-، يطلق العلماء ويحكمون عليها بأنها بدعة.

 

وإحداث البدع في الدين أو فعلها أو دعوة الناس إلى فعلها ونشرها في مجتمعاتهم ومساجدهم وبيوتهم ومجالسهم من المحرمات الشديدة، والمنكرات الشنيعة، والسيئات الخطيرة، فقد كان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب الناس يحذرهم من البدع، ويبين لهم بأنها ضلالة، فيقول: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْر الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" [رواه مسلم].

 

وثبت عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "أَصْدَقُ الْقِيلِ قِيلُ اللَّهِ, وَأَنَّ أَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-, وَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا, أَلَا وَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ, وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ".

 

ولا ريب عند الجميع بأن ما وصِف في الشرع بأنه شر، وأنه ضلالة، وتُوعِّد عليه بالنار، يدخل في المحرمات والسيئات، والمنكرات والخطيئات.

 

فاللهم جنبنا الشرك والبدع والمعاصي، وارزقنا لزوم التوحيد والسنة والاستقامة، وطهر أقوالنا وأسماعنا وأفعالنا وجوارحنا عما يغضبك، واشرح صدورنا بالسنة والاتباع، وآمنا في مراكبنا ومساكننا ومساجدنا وأعمالنا وأسفارنا، وأصلح ولاتنا وأهلينا وأولادنا، وثبتنا في الحياة على طاعتك، وعند الممات على قول: "لا إله إلا الله"، وفي القبور عند سؤال منكر ونكير، ويوم الحشر حين المرور على الصراط.

 

اللهم لين قلوبنا قبل أن يلينها الموت، واجعلها خاشعة لذكرك وما نزل من الحق.

 

اللهم ارفع الضر عن المتضررين من المسلمين، اللهم ارفع عنهم القتل والاقتتال، وأزل ما بهم من  خوف جوع، وقهم الأمراض والأوبئة، وأعذهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

و (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: 181-182].

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع