دعاة السوء الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا

عبد الوهاب العمري
عناصر الخطبة
  1. أهمية العفة وفضلها .
  2. سمو الإسلام في تعامله مع غريزة الإنسان وشهوته .
  3. قصص رائعة في العفة .
  4. فتنة الشهوات ووسائل التحرز منها .
  5. تفشي الأخلاق السيئة وبعض أسبابها .
  6. زيادة نسبة العوانس في السعودية .
  7. وجوب التوبة من الذنوب .

اقتباس

العفة -عباد الله- سيما الصالحين، وحلية العلماء والأنبياء من قبلهم أجمعين، وهي تاج العباد الصالحين, ومن رزقه الله العفاف رزق القوة في بدنه، والعافية في دينه، وألبسه تاجاً من غير ملك، وغنى من غير عرض. وقد سأل صلى الله عليه وسلم ربه العفاف، وسأله الغنى، فكان أعف الناس، وكان...

الخطبة الأولى:

اللهم لك الحمد كما يليق بجلال وجهك، وعظيم سلطانك، لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد خلقتنا وكفيتنا وآويتنا، ومن كل خير ربنا آتيتنا.

اللهم لك الحمد كله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما تحب ربنا وترضى.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، واعلموا أنكم إلى الله راجعون، وبأعمالكم مجزيون، وعليها محاسبون، وأن المصير الحق إلى الجنة أو إلى النار.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].

تقوى الله -عباد الله- سبيل النجاة: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ)[الذاريات: 15 - 16].

أيها المسلمون: ما طعم الطاعم مثل طعام حلال، وما تردى برداء خير من رداء العفاف.

والعفة -عباد الله- سيما الصالحين، وحلية العلماء والأنبياء من قبلهم أجمعين، وهي تاج العباد الصالحين, ومن رزقه الله العفاف رزق القوة في بدنه، والعافية في دينه، وألبسه تاجاً من غير ملك، وغنى من غير عرض, ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم إني أسالك الهدى والتقى والعفاف والغنى".

وسأل صلى الله عليه وسلم ربه العفاف، وسأله الغنى، فكان أعف الناس، وكان أغنى الناس- صلى الله عليه وسلم-، مع أنه لم يمت وهو يملك دينارا ولا درهماً، وما ورث لأهله ولا لقرابته شيئاً -عليه الصلاة والسلام-.

فالمراد بالغنى، غنى النفس.

وبالعفاف، كف النفس عما لا يحل ولا يجوز في المأكل والمشرب والمسكن والمنكح.

والله -سبحانه وتعالى- قد خلق الإنسان وأودع فيه غرائز، وجعل فيه حاجات لمأكله ومشربه، وملبسه ومسكنه، ومنكحه، ثم ضبطها سبحانه بضوابط الشرع، وجعل للإنسان أجلاً ينتهي إليه واحداً لا يجوز له أن يقربه فضلاً عن أن يتجاوزه: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [البقرة: 187].

فجعل الله -سبحانه وتعالى- التقوى أمل الصالحين، ونهاية مآربهم، يسيرون فيها على طريق مستقيم غير أعوج، بالمحافظة على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

فانظر -رعاك الله- إلى سمو ديننا في المعاملة في أمور الشهوة، شهوة الفرج، كيف ضبطها بضابطها، وألزمها زمامها، حتى تكون مؤتية لما خلقت له، من نسل صالح، طيب مبارك، ولا يخرج عنها السفاح الذي هو دمار للبشرية وأخلاقها، قال الله -تعالى- عن أوليائه الصالحين: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)[المعارج: 29 -31].

وذكرهم سبحانه وتعالى، وذكر تلك الصفات فيهم، ثم قال عنهم: (أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ) [المعارج: 35].

وذكرهم في آية أخرى، فقال: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[المؤمنون: 10 - 11].

هذه ميزات أهل الطهر والطهارة، والعفة والعفاف، أنهم هم أهل الجنة، وأهل السعادة في الدارين، يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم- في ذكره لأهل الجنة، قال: "ومنهم العفيف المتعفف".

فالعفيف، هو من كان في عفته بطبع.

والمتعفف، من يلتمس طرق العفاف.

قال الله -تعالى-: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) [النــور: 33].

فوعد المتعفف بأن يؤتيه الله من فضله.

ولما ذكر الله -تعالى- في القرآن سير الصالحين والأنبياء السابقين، ذكر قصة يوسف -عليه السلام- وموقفه في بيت العزيز، وهو عليه سلام الله، من جعل الله له نصف جمال الدنيا، فهو من أجمل خلق الله، بل أجمل خلق الله من الناس أجمعين، وهو الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم، كما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم هو الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم".

هذا الرجل العظيم الذي ابتلاه الله -عز وجل- بهذا البلاء، إذ تعرض للرق، فباع في سوق العبيد، واشتراه آخر، من اشتراه عزيز مصر فجعله خادماً في بيته ليخدم زوجته تحت ذلة الرق، ورق العبودية، وجعل له هذا الجمال العظيم، وابتلاه بالبعد عن أهله، فقد فعل إخوته ما فعلوا بإبعاده عنهم، لما غاروا من شدة حب أبيه له، فكانت دواع الفتنة كلها موجودة عند رأسه -عليه سلام الله-.

ثم ابتلي بامرأة، هي امرأة ملك كانت من أجمل خلق الله، فابتلاه الله -تعالى- بهذا البلاء كله، ولما بلغ أشده، وكان في ريعان الشباب، والشباب كما قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "شعبة من شعب الجنون".

مدعاة لطاعة الشهوات، والبعد عن الاستقامة عن الحق الذي أمر الله -تعالى- به، كثرة دواع الفتنة، وأقل ما يمكن أن يدفعه إلى الفتنة هو الشباب المتأجج، والفتوة الوقادة، التي كان يتمتع بها، ولكنه تعفف، فلما وصلت في هذه الحال لهذه المرأة التي هي كافرة لا تؤمن بالله واليوم الآخر، ولا يمنعها تقوى من الله -عز وجل- في حينها أرادت أن تفتنه في نفسه، وتستغل قدرتها عليه، لتأمره بأن يأتيها بالحرام, قد فعلت كل الأسباب التي تُأهله لذلك، وغلقت الأبواب، وانتظرت فراغ البيت من زوجها، وهيأت الفرص، وازينت، وتجملت، ثم جاءت إليه، وقالت: (هَيْتَ لَكَ).

فماذا كان منه؟

التجأ بالله -عز وجل-، واعتصم به، وتوكل عليه، وقال: (مَعَاذَ اللّهِ) [يوسف: 23].

أي أعوذ بالله.

ومن استعاذ بالله أعاذه، فنسي كل حول وقوة، ونسي كل قدرة وتجرد من كل أمر يستطيع أن يدفع به، وتعلق بالله رب العالمين، واستعاذ به وولى هارباً منها، فلحقت وجرت قميصه، فقدته من دبر، وكان بذلك نجاته -عليه سلام الله-.

ثم تكرر عليه البلاء حينما وضعوه في السجن، وحينما ابتلوه قبل وضعه في السجن، فاجتمعت هي والنساء من أجل ولايتها كلهم، وقد أجمعوا أمرهم، ثم قالت: (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) [يوسف: 32].

فقال قولته التي ذكرها الله -تعالى- في كتابه: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) [يوسف: 33].

فنجاه الله -تعالى- من ذلك، وصرف عنه كيدهن، وجعله علماً في الهدى، تلتمس سيره شباب الأمة في كل زمان وفي كل مكان.

عباد الله: العبرة في ذلك: أن العفة عاقبتها الغنى، وعاقبتها الاستغناء والاستعلاء، والنور الذي يملأ القلب، والإيمان الذي يتمم المسيرة، فما من مسلم يغض طرفه عن الحرام إلا أبدله الله بنور يجده في قلبه، وحلاوة إيمان يجدها في قلبه.

فالله -سبحانه وتعالى- يعد من راقبه سبحانه في سره ونجواه أن يجعل له أعلى درجات الجنان، قال الله -تعالى-: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) [الرحمن: 46].

وقال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات: 40- 41].

ذكر ابن كثير وغيره: قصة كانت في زمن عمر -رضي الله عنه- لشاب عفيف طاهر، اشتغل بعبادة الله، وبطلب العلم، ولا يلتفت إلى ما يلتفت إليه النشء، من حب اللهو والعبث واللعب، فكان من مسجده إلى بيته، ففطنت له امرأة غاوية، فما زالت تلقي إليه بكلامها وبرسائلها، حتى كان يوم من الأيام، وهو في طريقه إلى بيته، رمت إليه بكتاب تدعوه إلى نفسها، وتزين له ذلك، فلما قرأه، وقد كان جالساً، ثم تذكر، فقرأ قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [الأعراف: 201].

ثم صعق، فهوى، اجتمع عليه أهله فعالجوه، حتى قام، فلما استيقظ من غيبوبته تلا الآية مرة أخرى، ثم خر مغشياً عليه، فمات من شدة خوفه من الله -عز وجل-.

فلما علموا بالسبب، غسلوه، وكفنوه، وصلوا عليه، ودفنوه، فبلغ الأمر إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فأمر من حوله بأن يدلوه على قبره، فذهب فصلى عليه، فلما فرغ من صلاته، قال رضي الله عنه: "يا هذا إن الله يقول في كتابه الكريم: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) [الرحمن: 46].

فهل وجدت ما وعدك ربك حقاً؟

فسمع من معه صارخاً من القبر، يقول: إي -والله- أعطانيهما ربي، إي -والله- أعطانيهما ربي.

وقد جاء في الحديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله".

فمن اعتصم بالله وقاه، ومن توكل عليه كفاه، والله مولانا وهو على كل شئ قدير.

قال بعض الحكماء لتلميذه: أرأيت إن جاءك الشيطان يدعوك إلى الغوى ماذا تفعل؟ قال: أجاهده وأدفعه، قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده وأدفعه, قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده وأدفعه، قال: ذاك أمر يطول، ذاك أمر يطول، أرأيت إن كانت في طريق، فعدى عليك، ماذا تفعل؟ قال: أرجمه وأطرده، قال: فإن عاد؟ قال: أرجمه وأطرده، قال: هذا أمر يطول، لكن لو أنك استعنت بصاحب الكلب، فكف عنك كلبه، أليس ذلك خير لك؟

وفي هذا إشارة إلى أنك -يا عبد الله- لن تكون في جميع أحوالك قادر على دفع السوء عنك، بمجاهدة الشيطان فقط، ما لم تتوكل على الله، وتعتمد عليه، وتعتصم به، وتلجئ نفسك إليه، وتعتمد بظهرك على حوله وقوته وحده لا شريك له، ومن توكل على الله كفاه، ومن اعتصم به أنجاه.

وبعدك عن سبيل السوء يحميك من الوصول إليه، فإن كل طريق توصل إلى السوء تأخذ حكمه، فما أدى إلى الحرام فهو حرام، وما أدى إلى الواجب فهو واجب.

والبعد عن السوء بكل صوره وألوانه واجب -يا عبد الله-، فابتعادك عن كل ما يهيجك وثير الفتنة في قلبك، ويدعوك إلى الريبة والفحشاء، أمر واجب؛ لأنك لن تصل إلى ترك الحرام إلا بفعل كل ما يمنع من الوصول إليه، والتوكل على الله هو أعظم أسبابه.

عباد الله: إنا في حاجة دائماً إلى أن نتوكل على الله، ونعتصم به، ونلجأ إليه، في الرخاء ليحفظنا في الشدة، قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس وهو غلام صغير أردفه خلفه على الدابة: "يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة".

فمن توكل على الله كفاه، ومن اعتصم بالله من صغره كفاه في كبره، ومن توكل على نفسه واعتمد على قوته وحيلته، وكل إلى الهوان والضعف، والله -تعالى- قد سد كل سبيل توصلك إلى الزنا؛ لأن الزنى يوصل إلى النار، قال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [الإسراء: 32].

وقال تعالى في وصف أولياء الله عباد الله المتقين: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الفرقان: 68 - 70].

فانظر إلى شؤم الزنا وعاقبته، الخلود في النار، والتوعد بالخلود في النار ما جاء إلا في هذه الثلاث العظيمة: الشرك بالله, وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والزنى.

فاقتراب المسلم من الزنى اقتراب من النار, وبعده عن الزنى بعد عن النار.

والله قد أبعد أولياءه عن كل طريق توصل إلى النار، بأن يتبعوا سنن الله، ومنهج الله، ووصية الله التي جعلها لأوليائه المؤمنين:

أولاً: إذا مسه طائف من الشيطان تذكر فابتعد، ونجى نفسه من عذاب الله -عز وجل-، فهذه سيما المتقين.

ثم هو يبتعد عن كل سبيل تؤدي به إلى ذلك المسلك، قال الله -تعالى-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النــور: 30].

وقال: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) [النــور: 31].

فأول الأمر: تحفظ بصرها، فلا ترسله في الحرام؛ لأنه بوابة الزنى، وبداية الشَر لمن وقع في شَركه.

عباد الله: في هذه الآونة في هذا الزمان الذي عظم فيه البلاء في سوق الأخلاق، في سوق الزنى كثرت الموارد التي تورد على النفس، دواع الشهوة، وتثير دواع الزنى والغفلة والبلاء العظيم الذي حاق بأمم، الإثم من الكفرة الذين لا يرقبون في خلق وعفاف إلاً ولا ذمة، وقد يسرت هذه الوسائل التقنية التي وصلت لأيدي الناس، يسرت سُبل وصول الإنسان إلى ما حرم الله، بالنظرة المحرمة، وبالأمور التي كانت خافية على كثير من الناس، ولكنها أصبحت ظاهرة، وأصبحت وسيلة تدعو إلى الفحش، وأصبح كثير من دعاة السوء يدعون رجالنا ونساءنا إلى الفسوق، وإلى الفجور، وإلى أن يكونوا مراكب للشهوة، ودعاة للفجور والفساد، والله يقول: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء: 27].

فهؤلاء الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، إنما هم قد لاقوا مرارة الفحش، وذاقوا مرارة الضلال والضياع، والفجور والفساد، فلا يرتاحوا، حتى يوقعوا كل مسلم فيما وقعوا فيه، كقول قائل:

إذا مت ظمآنا فلانزل القطر.

ويحبون أن يشيع البلاء في الناس، كما وقع بهم.

ويقول قائلهم: أيبقى المسلمون في الفضيلة ونحن في حمأة الرذيلة؟ لا، نشترك سواء، وهذا ما ذكره الله عنهم في عموم قوله تعالى: (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء) [النساء: 89].

وهم كذلك في جميع ما دون الكفر، من الفحش والضلال، وانعدام الأمن، يحبون أن نكون مثلهم، فلذلك يبذلون الأموال الطائلة في قنواتهم الفاجرة، ووسائلهم التي يسولون به لأهل العفاف، لكي يقعوا في الرذيلة، بآلآت الفساد، وبقنوات البلاء والشر، الصوتية والمرئية والمقروءة، يدعون إلى الرذيلة، ويحببونها في نفوس الناس، ذكوراً وإناثاً، قد عم البلاء وطم، فأصبحنا نجد هذه الأجهزة بأيدي الأطفال، وبأيدي المراهقين، وبأيدي كبار السن، وبأيدي الذكور والإناث، على حدٍ سواء، لا يفصلهم عن النظر عن المحرمات فاصل، ولا يردعهم عن ذلك رادع، إلا ما في القلوب من إيمان.

فواجب كل أب وواجب كل مسؤول: أن يتحمل مسؤوليته، وأن يسعى بكل ما أوتي من قدرة وفطنة وحكمة، لدفع البلاء عن نفسه، وعن أهل بيته، وعن أهل بلده، وعن أهل دينه، فإن ذلك واجب متحتم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].

ويقول سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ * الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [النــور: 23 - 26].

والرزق الكريم، هو الجنة.

فمن بُعث به إلا أهل العفاف الذين هم مبرؤون من ذلك، واسمع في أول الآية قول الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ) [النــور: 23].

فالغفلة عن هذه الأمور هي سبب النجاة منها.

وإنما كانت المرأة المؤمنة عفيفة غافلة عن دواع الشهوة، عندما لم تصل إلى يدها هذه الوسائل المجرمة التي تزين المنكرات، وتحبب إليهم الفساد، وتسهل الوصول بالإتصالات وبالمراسلات.

وأما بعدما انتشر هذا الأمر وعم وطم، فكل من اقترب منه، وتعلم بسببه، بَعُد عن هذه الصفة الفريدة التي اتصفت بها المرأة المؤمنة، والبيت المؤمن، أهل البراءة والغفلة عن هذه المفسدات، وهذه الفضائح الموبقات.

عباد الله: إن الواجب عظيم، وإننا نرى ونسمع من الأمور ما يشيب له الرأس من دواع الفساد والفجور، وسهولة الوصول إليها في كل ميدان ومكان وزمان، بل انقلبت الفطر في بعض الأحيان، فأصبح من النساء من يختطف الرجال، ومن يدعو للفساد أكثر مما يدعو إليه كثير من المفسدين.

عباد الله: فلنحرص على نجاة أنفسنا ونجاة مجتمعنا، ببذل كل وسيلة من الحزم والجد والإجتهاد والإقناع الذاتي، وتحبيب الإيمان في القلوب وتزيينه، وتكريه المعاصي في النفوس وتشيينها، حتى يسلم المجتمع وينجوا -بإذن الله عز وجل-.

وقبل ذلك -كما أسلفت- هو الاستعانة بالله، والتوكل عليه، ليكف الشيطان، وليبعد عنا نزغات الشياطين، كما في الحديث أوصى صلى الله عليه وسلم الآباء أن يعلموا أبناءهم، ويحضوهم بالدعاء الجميل الجليل الذي فيه: "أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وأعوذ بك ربي أن يحضرون".

قال: "تعلموهن وعلموهن أولادكم" فحق تعلمهن، هي كلمات عظيمة تظهر الافتقار إلى الله في النجاة من الشيطان، وشياطين الإنس والجن، والافتقار إلى الله، والالتجاء إليه في أن يحصننا من كل شر وفتنة.

عباد الله: كثر في هذه الأيام الكتابة في وسائل الإعلام عن الحوادث الأخلاقية المشينة والتحرش، حتى بالأطفال، واختطاف الأطفال ذكوراً وإناثاً، وكل ذلك ما كان إلا لدواع الفسوق والفجور، ثم تجد مسارعة الصحف لنشر هذه الأمور، والتشهير بها، يزعمون أنه من باب التحذير منها، لكنهم في وقت يمنع من الوقوع في مثل ذلك هو في نفس الوقت تشهير بالمجتمع، وإثارة لفجوات واسعة في بيئتنا المؤمنة المسلمة، كيف وصلت إلى هذا الحضيض، وهذا المستنقع الفاسق، ليتجرأ هؤلاء على التحرش بالأطفال، واختطافهم، وغير ذلك من الأمور المخلة المشينة التي ما كنا نسمع بها فيما مضى؟ ما الذي حصل؟

كل هذا بلاء يدل على أن السيل جارف، وأن الخطر داهم، وأن الواجب على الجميع أن يحفظوا أنفسهم وبيوتهم من كل هذه الوسائل التي تدفع بهم على الشر دفعاً، وتحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.

اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا.

اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن، أنت حسبنا، ونعم الوكيل، نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

استغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الكريم التواب، العظيم الوهاب، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ولا يزال يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، حتى تطلع الشمس من مغربها.

عباد الله: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النــور: 31].

فإن رسولكم -صلى الله عليه وسلم- مع أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه، كان يتوب إلى الله في اليوم أكثر من مائة مرة.

ألا فلنتب جميعاً، ولنكثر التوبة، فما من إنسان إلا وله.

اللهم يا عالم السر منا لا تهتك الستر عنا، وعافنا واعف عنا.

فاستتروا -عباد الله- بستر الله الضافي، والمؤمنون إذا وقعوا في (فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 135].

فهذه من أعظم صفات التقوى والإيمان: سرعة المبادرة إلى الله، فما من نفس إلا وهي خطاءة، وما من نفس إلا وهي مقارفة، ولكن السعيد من كان له خط رجعة إلى الله، يرجع إلى الله فيتوب، وينيب إلى الله، فيكون تواباً منيباً.

فيا عباد الله: توبوا إلى الله جميعاً لعلكم تفلحون.

وليقم كل منا بواجبه في سد هذه الفجوات التي يدخل منها شياطين الإنس والجن، لتدير عفة البلد، وعفة المؤمنين والمؤمنات، من هذه القنوات الفاجرة التي سهل كثير من أولياء الأمور دخولها إلى بيوتهم، فابتلوا زوجاتهم وبناتهم وأولادهم بما قدموه لهم من دواع الفجور من حيث يعلمون أم من حيث لا يعلمون.

أيليق بك وأنت الغيور؟ أيليق بك وأنت المسلم؟ أيليق بك وأنت العفيف؟ أن تقام حفلات الفجور في بيتك؟ أترضى -يا عبد الله- أن يكون في بيتك من يدعو زوجتك وولدك إلى الزنى والفجور الليل والنهار، وأنت تعلم وأنت لا تعلم؟

هذا -والله- هو الحظيظ.

هذه هي الحقيقة المُرة التي بها كثير من الناس، فولدت في نفوس بعض الناس، قلة الغيرة إلى درجة أن بعض الناس لا يبالي إن رأى ابنه أو بنته على منظر فاجر فاسق، فيه الزنى صراحة أين العقول؟ أين الإيمان؟ أين القلوب الغيورة؟ أين العفة؟ أين الحصانة؟ أين نذهب؟ إلى أين يذهب بنا؟

عباد الله: هذه القنوات التي أُدخلت يبذل فيها الإنسان ماله ويشتريها ويدفع رسومها، ويبذل الوقت لأجل أن يبقى أولاده وزوجته عليها، ألا يتق الله فيها، ويعلم أنه سيحاسب عليها، فما من قدم يوم القيامة تزول من مقامها، حتى تسأل عن العمر وعن الشباب وعن المال، من أين اكتسب؟ وفيما أنفق؟.

فماذا سيكون حاله إن أجاب على ما من الله عليه من الرزق، أنه صرفه في إفساد أهل بيته لبث الفاحشة فيهم، في إثارة النزوات والشهوات والمحرمات فيهم.

ثم كيف بعد ذلك لأب قد جعل بنته تدرس الليل والنهار على هذه القنوات، وعلى أيضاً على المواقع الإباحية في النت وغيره، وسلمها الجوال في يدها لتلتقط كل فاحشة من كل مكان، ثم بعد ذلك يريدها عفيفة.

ثم يزيد البلاء عندما يمنع البنات والأولاد الذكور من الزواج على سنين متأخرة, كنا فيما مضى قبل عشرين سنة، وثلاثين سنة، يذهب الخاطب، فيبحث في البيوت، فلا يجد بنتاً قد تجاوزت الخمس عشرة سنة، أو ست عشرة سنة، إلا وقد تزوجت، ويتعب في بحثه عن زوجته إلى درجة بعيدة، وأكثر من هو كبير في السن يعرف مدى ذلك وصدقه.

وأما اليوم فكثرت العوانس، فإحصائية قبل سنتين، أو ثلاث، تثبت أن عدد البنات العانسات في المنطقة الغربية من المملكة العربية السعودية: تجاوزت نسبته ثلاثين في المائة.

والعانس من؟

قالوا: من تجاوزت ثلاثين سنة، دون زواج.

لا إله إلا الله، ماذا يفعل بنا -عباد الله-؟

ويأتي دعاة السوء، والذين يريدون يتبعون الشهوات، فيحرمون من عجل بزواج ابنه قبل سن الثامنة عشرة.

إن الجرم -والله- هو تأخير تزويج البنات بغير سبب وجيه.

فاتقوا الله -عباد الله- اتقوا الله، فإن أعظم وسائل رد هذا الهجوم الشرس، هو: تسهيل التزويج للذكور والإناث جميعاً، لتحطيم العوائق التي تمنع من تزويج البنات والأبناء، فزوجوهم في أول سن البلوغ، فهو حق ثابت شرعاً، على أولياء الأمور.

عباد الله: إنا في حاجة لمراجعة العفة ووسائل العفة في أنفسنا، وفي أولادنا وبناتنا، لعل الله أن ينقذ هذا المجتمع من حمأة الرذيلة التي أصبحت تداهم بيوتنا, قرأت البارحة: أنه في كل يوم يدخل في نادي الإيدز بالمملكة العربية السعودية سبع حالات، في كل يوم.

لا إله إلا الله، من أين أتانا هذا البلاء العظيم؟ من أين أتانا إلا من طرق الفحش والفاحشة والبلاء، وتعاطي الزنى واللواط، وغيره؟

نسأل الله أن يتداركنا برحمته.

ثم إذا استيقظنا في هذا الأمر، عرفنا أن هذا الشر والبلاء، هو سبب من أسباب تأخر استجابة الدعاء، سبب من أسباب كثرة البلاء والفتن، وانتشار الحروب، وتزعزع الأمن.

فلنتدارك أنفسنا -عباد الله- وأول خطوة يجب أن نخطوها، هو: الرجوع إلى الله، والتوبة إلى الله، والإنابة إلى الله، ولنتلمس خطى المتقين الذين إذا فعلوا الفاحشة، أو ظلموا أنفسهم، ذكروا الله، واستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون.

وإن وقعت في الجريمة مائة مرة، بل مليون مرة، فارجع إلى الاستغفار، أكثر من ذلك، فإن الله يتوب على من تاب، ولا يتعاظم الله ذنب أبداً، والله عظيم لا يتعاظمه شيء.

اللهم اغفر ذنوبنا، اللهم اغفر ذنوبنا، اللهم اغفر ذنوبنا، فإن لم تغفر لنا ربنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، لئن لم تغفر لنا ربنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، لئن لم تغفر لنا ربنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي