وإن شجرةَ التوحيد - يا عباد الله - تزكُو تنمُو، وتَطيبُ ثِمارُها، وتزدادُ رونَقًا وبهاءً كلما سُقِيَت بماء الاستِجابة لله وللرسول - صلواتُ الله وسلامُه عليه -، تلك الاستِجابةُ التي تتجلَّى في فعلِ الطاعات، وترك المعاصِي رغبةً في جميل الموعود عليها بحُسن الثواب، وخوفًا من شديد الوعيد عليها بأليم العقاب. ويدخلُ في ذلك ويُفضِي إليه ويدلُّ عليه: قراءةُ القرآن بالتدبُّر لمعانِيه، والاتِّعاظ بعِظاته، وفهم ما يُرادُ به، وما نزل لأجله، وأخذ نصيب العبد من كل آياته، وإنزالها على داء القلب...
الحمد لله رب العالمين، والعاقبةُ للمُتقين، أحمدُه - سبحانه - والحمدُ حقٌّ واجبٌ له في كل حين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ندَّ ولا نظير، قيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ رحمةً للعالمين، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه الغُرِّ الميامين، صلاةً وسلامًا دائمَين ما تعاقبَت الأيامُ والليالي والشهورُ والسنين.
أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله -، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].
عباد الله:
إن علوَّ القدر وسُمُوَّ المنزلة تُوجِبان كمالَ الطاعة، وقوَّة الاستجابة. وإذا اقترنَ هذا العلوُّ وهذا السمُوُّ بالإذعان والمِنَن والإكرام، كانت الطاعةُ للمُنعِم أتمَّ، والاستجابةُ له فيما يأمرُ وينهَى أكملَ وأقوَى وأجمل.
وإذا كان هذا مما تُقرُّ به العقولُ السليمة، وتُذعنُ له النفوسُ السويَّة في حقِّ المخلُوق العاجِز الفانِي؛ فكيف الشأنُ بالخالق الرازق المُنعِم القويِّ الباقِي؟! الذي لا ندَّ ولا نظيرَ له في جلال النِّعم، وكمال المِنَن، وعِظَم الآلاء.
إن الاستجابةَ له - سبحانه - يجبُ أن تبلغ الذروةَ مما يُعنى به العبد ويقصد إليه، وأن تكون في الطَّليعة من واجباتِه وخِطَطه ومُهمَّات حياته، امتِثالاً لأمره - سبحانه - له بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال: 24].
وإن أعظمَ الاستجابة لله وللرسول شأنًا، وأشرفَها مقامًا أداءُ حقِّه - سبحانه -، بتحقيق التوحيد الذي هو أعظمُ أوامر الدين، وأساسُ الأعمال، وروح التعبُّد، وعِمادُ التقرُّب، وقاعدةُ الازدِلاف إليه - عز وجل -، والغايةُ من خلق الإنسِ والجنِّ، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].
والغايةُ أيضًا من إنزال الكتب، ومنها: القرآن الذي قال فيه - سبحانه -: (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) [هود: 1، 2].
وكفَى به شرفًا وفضلاً أن قبول جميع أعمال العباد وأقوالهم الظاهِرة والباطِنة مُتوقِّفٌ عليه، راجعٌ إليه، ولذا جاء التحذيرُ من الشِّرك المُحبِط للأعمال بيِّنًا واضِحًا في كتاب الله بقوله - سبحانه -: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الزمر: 65]، وبقوله - جل وعلا -: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 88].
وكفَى به شرفًا أنه مانعٌ من الخُلود في النار، إذا كان في القلب منه أدنى مِثقال حبَّةٍ من خردَل.
به يكونُ لصاحبِه الهُدى الكامل والأمنُ التامُّ في دُنياه وأُخراه، كما قال - عزَّ اسمُه -: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].
وبيَّن - سبحانه - أن الشركَ به ظُلمٌ عظيمٌ، فقال على لسان لُقمان: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: 13].
وأنه السبب الأعظم لتنفيس كُرُبات العبد في الدنيا والآخرة، كما جاء في قصة نبيِّ الله يُونس - عليه السلام -، فالإخلاصُ والتوحيدُ - كما قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "شجرةٌ في القلب فُروعُها الأعمال، وثمرُها طِيبُ الحياة في الدنيا، والنعيمُ المُقيم في الآخرة. وكما أن ثِمار الجنَّة لا مقطوعةٌ ولا ممنوعة، فثمرةُ التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك". اهـ.
وإن شجرةَ التوحيد - يا عباد الله - تزكُو تنمُو، وتَطيبُ ثِمارُها، وتزدادُ رونَقًا وبهاءً كلما سُقِيَت بماء الاستِجابة لله وللرسول - صلواتُ الله وسلامُه عليه -، تلك الاستِجابةُ التي تتجلَّى في فعلِ الطاعات، وترك المعاصِي رغبةً في جميل الموعود عليها بحُسن الثواب، وخوفًا من شديد الوعيد عليها بأليم العقاب.
ويدخلُ في ذلك ويُفضِي إليه ويدلُّ عليه: قراءةُ القرآن بالتدبُّر لمعانِيه، والاتِّعاظ بعِظاته، وفهم ما يُرادُ به، وما نزل لأجله، وأخذ نصيب العبد من كل آياته، وإنزالها على داء القلب.
ومنه: التقرُّبُ إلى الله بالنوافِل بعد الفرائِض، ودوامُ ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل، وإيثارُ محابِّ الله على كل ما سِواها من المحابِّ، واستِحضارُ نعم الله وبرِّه وإحسانِه على عباده، وانكِسارُ القلب بكليَّته بين يدَي الله تعالى، والخَلوةُ به - سبحانه - وقت النزول الإلهي حين يبقَى ثُلُث الليل الآخر لمُناجاته، وتلاوة كتابه.
وختمُ ذلك بالتوبة والاستِغفار، ومُجالسةُ المُحبِّين لرب العالمين، الصادقين في محبَّتهم له - سبحانه -، والتِقاطُ فوائد كلامهم، والانتِفاعُ بسَمتهم ونُصحهم وحالهم، والتجافِي عن كل سببٍ يحُولُ بين القلب وبين الربِّ - عز وجل -، وتطهيرُه من الغلِّ والحقد والحسد والعُجب، وسائر أمراض القلوب وعِلَلها، وسلامةُ الصدر للمُؤمنين، ومحبَّة الخير لهم، وعِظَمُ الخوف عليهم بالسعي في صلاحهم وفلاحهم في العاجِلة والآجِلة.
ألا وإن اللَّبيبَ المُوفَّق ليقِفُ من كل ما يحُولُ بينه وبين الاستِجابة لله وللرسول ويصدُّه عنهما، موقفُ أولِي الألباب درايةً بها، ومعرفةً بأسبابها، وتحذيرًا من غوائِلِها، وسُوء العُقبَى فيها. فلا يغُرُّه ما يراهُ من كثرة المُبطِلين من أهل الضلال، وقلَّة السالِكين من أهل الحقِّ والهُدى والعلم والإيمان. كيف وهو يسمعُ كلام الله مُحذِّرًا له من الاغتِرار بالكثرة المُضلَّة، بقوله - وهو أصدقُ القائلين -: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الأنعام: 116]، وبقوله - عزَّ اسمُه -: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف: 103].
ولا ينسَى أو يغفُل أن اتباعَ الهوى هو من أقوَى العوامِل في عدم الاستِجابة لله وللرسول - صلى الله عليه وسلم -، يعلمُ ذلك ويستيقِنُه وهو يقرأُ قولَ ربِّه - سبحانه -: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص: 50].
ويقرأُ قولَه - سبحانه -: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية: 23].
ويعلمُ أن للوسَط المُحيط بالمرء والصُّحبة أثرَهما البالِغ، وسُلطانهما القوي على نفسِه وعقلِه، فسُرعان ما ينساقُ المُجالِسُ إلى صاحبِه ومُجالِسه، ويُسلِّمُ إليه قِيادَه، جاء ذلك في خطاب خير الورَى من لا ينطِقُ عن الهوى - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «المرءُ على دين خليلِه، فلينظُر أحدُكم من يُخالِل» (أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود والترمذي في "سُننهما" بإسنادٍ حسن).
وفي قوله - صلواتُ الله وسلامُه عليه -: «لا تُصاحِب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامَك إلا تقيٌّ» (أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود والترمذي في "سننهما"، وابن حبان في "صحيحه" بإسنادٍ حسن).
وفي حديث أبي سعيدٍ الخُدري - رضي الله عنه -، أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان فيمن كان قبلَكم رجلٌ قتل تسعةً وتسعين نفسًا، فسألَ عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على راهِب، فأتاه فقال: إنه قتلَ تسعًا وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: له، فقتلَه فكمَّل به مائة، ثم سألَ عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على رجلٍ عالِم، فقال: إنه قتلَ مائةَ نفسٍ فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحولُ بينه وبين التوبة؟! انطلِق إلى أرض كذا وكذا، فإنه بها أناسًا يعبُدون الله، فاعبُد الله معهم، ولا ترجِع إلى أرضِك فإنها أرضُ سوء .. الحديث» (أخرجه الشيخان في "صحيحيهما"، واللفظُ لمُسلم - رحمه الله -).
ويُدرِكُ اللَّبيبُ أيضًا شدَّة الحاجة إلى من يُقتدَى به في الدين والعلم والعمل، ولذلك جعل الله تعالى في نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - الأُسوةَ الحسنة لمن أرادَ حِيازةَ الخير لنفسه، بالسعادة وطِيب العيش في حياته، والفوز بحُسن الثواب والنعيم المُقيم في آخرته، فقال - سبحانه -: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21].
فالهدايةُ ناشئةٌ عن الاقتِداء به واتباعه، كما قال تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف: 158].
ولا يرتابُ أن طولَ الأمل من أشدِّ الصوارِف المُلهِية عن الاستِجابة لله ولرسوله - صلواتُ الله وسلامُه عليه -؛ لأنه يغُرُّ صاحبَه ويعِدُه ويُمنِّيه بطول البقاء، حتى يفجَأه الموتُ بغتةً، وقد قال - سبحانه -: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الحجر: 3].
وهو كما قال ابن كثيرٍ - رحمه الله -: "تهديدٌ شديدٌ لهم - أي: للكافرين -، ووعيدٌ أكيد".
ولهذا قال: ويُلهِهم الأمل - أي: عن التوبة والإنابة -، فسوف يعلمون - أي: عاقبة أمرهم -، وذلك حين يقدُمون على ربِّهم فيرَون ما لَهم عنده من سُوء الحساب وأليم العقاب.
فاتقوا الله - عباد الله -، واستَجيبُوا لله وللرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا دعاكم إلى ما فيه صلاحُكم وفلاحُكم ورشادُك وفوزُكم بالرِّضوان والغُفران، ونزول رفيع الجِنان.
نفعَني الله وإياكم بهديِ كتابِه، وبسنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولكافَّة المسلمين من كل ذنبٍ؛ إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
إن الحمد لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ.
أما بعد، فيا عباد الله:
إن من أعظم موانِع الاستِجابة لله وللرسول - صلى الله عليه وسلم -: مُفسِداتٍ تُفسِد قلبَ السائر إلى ربِه الكادِح إليه، فتقطعُ عليه طريقَه، وتُعمِّي عليه مقصودَه، ويضلُّ بها سعيُه.
وأعظمُ هذه المُفسِدات على الإطلاق - كما قال ابن القيم - رحمه الله -: "هو التعلُّق بغير الله، فليس عليه أضرُّ من ذلك ولا أقطعُ له عن مصالِحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلَّق بغير الله وكلَه الله إلى ما تعلَّق به، وخذلَه من جهة ما تعلَّق به، وفاتَه تحصيلُ مقصوده من الله - عز وجل - بتعلُّقه بغيره، والتِفاته إلى ما سِواه، فلا على نصيبِه من الله حصَل، ولا إلى ما أمَّلَه ممن تعلَّق به وصَل".
قال الله تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) [مريم: 81، 82].
فأعظمُ الناس خُذلانًا من تعلَّق بغير الله، فإن ما فاتَه من مصالحِه وسعادته وفلاحه أعظمُ مما حصلَ له ممن تعلَّق به، وهو مع ذلك مُعرَّضٌ للزوال والفوات.
وبالجُملة فأساسُ الشرك وقاعدتُه التي بُنِيَ عليها: التعلُّق بغير الله، ولصاحبِه الذمُّ والخُذلان، كما قال تعالى: (لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا) [الإسراء: 22]. مذمومًا: لا حامِد لك، مخذولاً: لا ناصِر لك، عياذًا بالله من ذلك.
وأما المُفسِد الثاني: فركوبُ بحر التمنِّي، فهو كما قال - رحمه الله -: "بحرٌ لا ساحلَ له، وهو البحرُ الذي يركبُه مفاليسُ العالَم، كما قيل: إن المُنَى رأسُ أموال المفالِيس. وبِضاعةُ رُكَّابه مواعيدُ الشيطان، وخيالاتُ المُحال والبُهتان.
فلا تزالُ أمواجُ الأماني الكاذِبة، والخيالات الباطِلة تتلاعَبُ براكبِه كما تتلاعَبُ الكلابُ بجِيفةٍ، وهي بِضاعةُ كل نفسٍ مهينةٍ خسيسةٍ سُفليَّة، ليست لها همَّةٌ تنالُ بها الحقائقَ الخارجية؛ بل اعتاضَت عنها بالأماني الذهنية، فيُمثِّلُ المُتمنِّي صورةَ مطلوبه في نفسه وقد فازَ بوصولها، والتذَّ بالظفَر بها، فبَيْنا هو على هذه الحال إذ استيقظَ فإذا يدُه والحصيرُ.
وصاحبُ الهمَّة العليَّة أمانِيه حائمةٌ حول العلم والإيمان والعمل الذي يُقرِّبُه إلى الله ربِّه، ويُدنِيه من جِواره. فأمانيُّ هذا إيمانٌ ونورٌ وحكمة، وأمانيُّ أولئك خداعٌ وغرور". اهـ.
فاتَّقوا الله - عباد الله -، وحذارِ من كل سببٍ يُبعِدُ القلبَ عن الربِّ - سبحانه - ويحولُ بينه وبين الاستِجابة له ولرسوله - صلواتُ الله وسلامُه عليه -.
واذكُروا على الدوام أن الله تعالى قد أمرَكم بالصلاة والسلام على خيرِ الأنام، فقال في أصدَق الحديث وأحسن الكلام: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حَوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسِدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ يا رب العالمين.
اللهم انصُر دينكَ وكتابكَ، وسُنَّةَ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعبادكَ المؤمنين المُجاهدين الصادقين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحة، ووفِّقه لما تحبُّ وترضَى يا سميعَ الدعاء، اللهم وفِّقه ونائِبَيه وإخوانَه إلى ما فيه خيرُ الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاحُ العباد والبلاد يا مَن إليه المرجِعُ يوم المعاد.
اللهم أحسِن عاقبتَنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دُنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً من كل شرٍّ.
اللهم إنا نسألُك فعلَ الخيرات، وتركَ المُنكرات، وحبَّ المساكين، وأن تغفِرَ لنا وترحمَنا، وإذا أردتَ بقومٍ فتنةً فاقبِضنا إليك غيرَ مفتُونين.
اللهم إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك، وتحوُّل عافيتِك، وفُجاءة نقمتِك، وجميع سخطِك.
اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلُك في نُحور أعدائِك وأعدائِنا، ونعوذُ بك من شُرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نُحورهم، ونعوذُ بك من شُرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نُحورهم، ونعوذُ بك من شُرورهم.
اللهم انصُر جنودَنا المُرابطين على الثغور، اللهم انصُرهم وأيِّدهم بتأييدك، اللهم انصُرهم وأيِّدهم بتأييدك، اللهم انصُرهم وأيِّدهم بتأييدك، اللهم كُن لهم مُعينًا ونصيرًا يا رب العالمين، واحفَظهم من بين أيديهم ومن خلقهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم يا سميع الدعاء.
اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وبلِّغنا فيما يُرضِيكَ آمالَنا، واختِم بالصالِحات أعمالَنا.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201]. وصلَّى الله وسلَّم على عبدِه ورسولِه نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين، والحمدُ لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي