في ظلال الصفات

عبد العزيز بن عبد الله السويدان
عناصر الخطبة
  1. من ضرورات الحياة السعيدة معرفة العبد بربه .
  2. صفات الله صفات كمال كلها .
  3. تأملات في جلال الله وعظمته .
  4. نداءات القرآن وحياة القلوب .
  5. حاجة الأمة لمعرفة ربها وتعظيمه وتوحيده .
  6. من علامات تعظيم القلب لله تعالى .
  7. مساوئ جفاف الحياة المعاصرة وصراعاتها المادية .
  8. وجوب عودة القلوب إلى الله تعالى إيمانًا وثقة وتوكلاً... .

اقتباس

تأمل أخي في ملاذك إذا مرضتَ، وملجئك إن خفتَ، ومرجعك إن عذتَ، وهاديك إن ضللتَ وضعْتَ، أليس هو الرب –سبحانه-؟! إن أردت خيرًا فعنده الخير، وإن نشدت عزًّا فبيده العز، وإن دفعت ذلاً فبتقديره يندفع الذل، رب حميد مجيد قدير -تعالى مجده وجل قدره-. يجب أن تمتلئ قلوبنا بهذه المعاني الجليلة، وأن نتدبرها جيدًا، ونستشعرها ثم نعمل بمقتضاها في سلوكنا وبمشاعرنا، فنوقر الله –تعالى- ونعظّمه ونحبّه، ونخشاه، ونوالي من والاه، ونعادي من عاداه، ونعلّق قلوبنا به لا بغيره، ونتوكل عليه لا على غيره، ونطيعه في معصية غيره، ونتعرف عليه لا في الخوف والشدة فقط، بل قبلها في الأمن والرخاء.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

إن من ضرورات الحياة السعيدة التي يسعى إليها ويتمناها كل مؤمن تعلق قلبه بربه وهو مطلب عزيز لا يلقاه إلا ذو حظ عظيم.

وإن مما يعلق قلب المؤمن بربه معرفة صفاته -جل وعلا-، وإذ نفتح هذا الباب الشريف باب الأسماء والصفات ندعو الله -عز وجل- أن ينير قلوبنا بالإيمان، وأن يربط عليها بحبّه وتعظيمه وإجلاله، وأن يجعل قلوبنا في حفظه معلَّقة به سبحانه لا بغيره، آمين، آمين.

معاشر الإخوة: معاشر الأحبة: كيف أبدأ فتح هذا الباب الشريف، وبأية صفة من صفات كماله وجلاله تبارك وتعالى.

إنها صفات كمال كلها (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحشر: 22-  24].

نبدأ بصفة الرب.

رببت الشيء أصلحته ورب الشيء مالكه وسيده، والرب في الأصل من التربية فالله هو الرب –سبحانه- المربي خلقه بنعمه، ومغذيهم برزقه، وحافظ قلوبهم بتثبيته، وحاميهم بكلاءته؛ إنه الرب -جل جلاله- المالك للسماوات والأرض المدبر وحده للكون كله والسيد في الأولى والآخرة (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد:16].

هو الرب الذي تخضع له الكائنات كلها وذرات الكون كلها، وتنقاد له طوعًا، فهو سيدها ومالكها (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ * وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ * وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الروم: 25- 27].

إنه الربّ الذي أنشأ الكون من عدم وخلق السماوات والأرض بشكل منتظم (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت: 9- 12].

إنه الرب القائم على كل نفس بما كسبت، ولئن كان للقلب ارتباط وتعلق فهل له بأصدق من تعلقه بمالك روحه وجسده ومقدِّر يومه وغده وحاضره ومستقبله.

تأمل أخي في ملاذك إذا مرضت، وملجئك إن خفت، ومرجعك إن عذت، وهاديك إن ضللت وضعت، أليس هو الرب –سبحانه- إن أردت خيرًا فعنده الخير، وإن نشدت عزًّا فبيده العز، وإن دفعت ذلاً فبتقديره يندفع الذل (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:26]، رب حميد مجيد قدير -تعالى مجده وجل قدره-.

أَيَا مَنْ تَعَالَى مَجْدُهُ فَتَكَبَّرَا *** وَجَلَّ جَلاَلاً قَدْرُهُ أَنْ يُقَدَّرَا

وَمَنْ حُكْمُهُ مَاضٍ عَلَى الْخَلْقِ نَافِذٌ *** بِمَا خَطَّ فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَسَطَّرَا

لَكَ الْحَمْدُ لاَ مُعْطِي لِمَا أَنْتَ مَانِعٌ *** وَلاَ مَانِعٌ مَا أَنْتَ تُعْطِي مُوَفَّرَا

قَضَاؤُكَ مَقْضِيٌّ وَحُكْمُكَ نَافِذٌ *** وَعِلْمُكَ فِي السَّبْعِ الطِّبَاقِ وَفِي الثَّرَى

وَأَمْرُكَ بَيْنَ الْكَافِ وَالنُّونِ كَائِنٌ *** بِأَسْرَعَ مِنْ لَحْظِ الْعُيُونِ وَأَيْسَرَا

إِذَا قُلْتَ كُنْ كَانَ الَّذِي أَنْتَ قَائِلٌ *** وَلَمْ يَكُ مِنْكَ الْقَوْلُ فِيهِ مُكَرَّرَا

إن القرآن ينادي بنداءات تحيي القلوب الميتة، وتوقظ النفوس النائمة، وتشد الأذهان الشاردة؛ نداءات متوالية متسائلة لا تنتظر إجابة، وإنما تدعو إلى التفكر في ربوبية الله، بل وتدلل بعد ذلك على إلوهيته المطلقة بروبيته المطلقة (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ * أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [النمل: 60- 64].

معاشر المسلمين: إن أحوال الأمة اليوم باضطراباتهم وتغيراتها وغموض مستقبلها وتربص أعدائها بها تفرض علينا نحن المسلمين أن نراجع علاقتنا بالله ربنا مالك الملك ومدبّر أمره، تفرض علينا فرضا أن نراجع طبيعة تلك العلاقة ومدى قوتها، وهل هي مجرد علاقة صلاة يومية جامدة لا روح فيها ولا أثر على القلب ولا ميل أو واقع في للسلوك في تلك الصلاة، أم هي مجرد علاقة رمزية بيننا وبين الله، لا تكاد تتجاوز الشعار، أم أنها علاقة أدبية مقصورة على ألفاظ نطلقها هنا وهناك، ألفاظ توارثنا استخدامها في أوضاعنا الحياتية المتنوعة.

ما شاء الله، السلام عليكم، يا الله، في العزاء: عظم الله أجركم، وهكذا، وغيرها من الأوضاع ما لم يكن لها رصيد في القلب فلن تتجاوز ظاهر اللفظ.

يجب أن نراجع وأن نستدرك، يجب أن نراجع ونصحح هل علاقتنا بربنا علاقة سطحية لا تتصل بالقلب؛ كما هي صلة القلب بالمال مثلاً، علاقتنا بالمال علاقة وطيدة قلبية حميمة جدًّا، نفكر في المال ليل نهار، نفكر بالعيال، نفكر بالزوجة، نفكر بأشياء أخرى، أم أنها بالفعل علاقة حميمة مع الله -عز وجل- عميقة الجذور، علاقة حب وتعظيم ورهبة ورغبة وخوف ورجاء، علاقة كلما مر بمسمع صاحبها ذكر الله وجل قلبه وكلما تليت عليه آيات القرآن زادته إيمانا وقوة وثباتا (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال:2].

علاقة كلما رأى صاحبها من عجائب مخلوقات ربه دعته المشاهد تلك إلى ذكره قيامًا وقعودًا، وفي كل حين، وجعلته في حالة من التفكر في عظمته وبديع خلقه وكمال حكمته وعلمه -عز وجل- (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 190- 191].

وَدَبَّرْتَ أَمْرَ الْخَلْقِ مِنْ قَبْلِ خَلْقِهِ *** فَكَانَ الَّذِي دَبَّرْتَ عَدْلاً مُيَسَّرَا

عَلَوْتَ عَلَى السَّبْعِ السَّمَاوَاتِ قَاهِرًا *** وَأَنْتَ تَرَى مَا قَدْ خَلَقْتَ وَلاَ تُرَى

تُقِرُّ لَكَ الأَرْبَابُ أَنَّكَ رَبُّهَا *** وَلَوْ أَنْكَرَتْ ذَاقَتْ عَذَاباً مُنَكَّرَا

لَبِسْتَ رِدَاءَ الْكِبْرِيَاءِ وَلَمْ يَكُنْ *** لِغَيْرِكَ يَا ذَا الْمَجْدِ أَنْ يَتَكَبَّرَا

وَأَنْتَ كَمَا سَمَّيْتَ نَفْسَكَ قَاهِرٌ *** وَأَنْتَ إِلَهُ الْعَرْشِ حَقًّا بِلاَ امْتِرَا

وَأَنْتَ رَفَعْتَ السَّبْعَ فِي ذُرْوَةِ الْعُلَى *** وَأَمْسَكْتَهَا كَيْ لاَ تَخِرَّ عَلَى الثَّرَى

وَسَخَّرْتَ فِيهَا الشَّمْسَ وَالْبَدْرَ زِينَةً *** لَهَا وَنُجُوماً طَالِعَاتٍ وَأَنْؤُرَا

وَأَنْتَ بَسَطْتَ الأَرْضَ ثُمَّ دَحَوْتَهَا *** وَأَجْرَيْتَ أَنْهَارًا عَلَيْهَا وَأَبْحُرَا

وَأَرْسَيْتَ فِيهَا الرَّاسِيَاتِ شَوَامِخًا *** وَفَجَّرْتَ مِنْهَا مَاءَهَا فَتَفَجَّرَا

وَأَنْتَ الَّذِي أَنْشَأْتَ مِنْهَا بِقُدْرَةٍ *** مِنَ الْحَمَإِ الْمَسْنُونِ خَلْقًا مُصَوَّرَا

جَعَلْتَ لَهُ سَمْعًا وَعَقْلاً وَنَاظِرًا *** وَسَوَّيْتَهُ خَلْقاً سَمِيعًا وَمُبْصِرَا

وَزَوَّجْتَهُ زَوْجًا مِنْ إِحْدَى ضُلُوعِهِ *** وَأَنْسَلْتَ نَسْلاً مِنْهُمَا مُتَكَاثِرَا

فَسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ذَا الْمَجْدِ وَالْعُلَى *** تَبَارَكَ رَبِّي مَا أَجَلَّ وَأَقْدَرَا

سبحانك ربي..

أيها الإخوة: ما مدى حسن علاقتنا بربنا؟ إن حسن العلاقة بالله له علامات كما في الآية وجل القلب إذا ذكر الله، وزيادة الإيمان بعد سماع القرآن والذكر الدائم حين القيام وحين القعود وعلى الجنب والتفكر الإيماني في خلق السماوات والأرض ثم الدعاء الصادق الخالص (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) .

وإذا حسنت علاقة العبد بربه أحسن بربه الظن، ورضي به ربًّا، واطمأن إلى قضائه وحكمه، فسعد قلبه، وانشرح صدره، وذاق طعم الإيمان.

إلى مَن نلجأ عند الملمّات؟ وبمَن نستغيث في الصعوبات؟ ومن نرجوه الآن وبعد الممات؟ إن الحياة بيد الرب –تعالى- وإن الموت بيده -جل جلاله-، إن الهداية بيد الرب سبحانه، وإن الضلال بيده، إن الأمن بيده -عز وجل-، وإن الخوف بيده، إن النصر بيده -عز وجل- وإن الخذلان بيده، فإلى من نلجأ؟! وبمن نستغيث؟! ومن نرجو؟! (قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) [المؤمنون: 84- 89].

يجب أن تمتلئ قلوبنا بهذه المعاني الجليلة، وأن نتدبرها جيدًا، ونستشعرها ثم نعمل بمقتضاها في سلوكنا وبمشاعرنا، فنوقر الله –تعالى- ونعظّمه ونحبّه، ونخشاه، ونوالي من والاه، ونعادي من عاداه، ونعلّق قلوبنا به لا بغيره، ونتوكل عليه لا على غيره، ونطيعه في معصية غيره، ونتعرف عليه لا في الخوف والشدة فقط، بل قبلها في الأمن والرخاء.

من آمن بأن الله وحده هو الرب هل يرتضي ربًّا سواه؟ من آمن أن الله وحده هو الخالق هل يؤمن بخالق سواه؟ من آمن أن الله وحده هو الرزاق هل يطلب رازقًا سواه؟ من آمن أن الله وحده مدبّر الكون ومسيّره بحكمة بالغة هل يربط كل واقعة توقع على الأرض بمشيئة الدول العظمى وتدبيرها دون الله (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [القصص: 68- 70].

ألا إن الله هو الخالق المدبر، إلى الله كل الأمر في الخلق كلهم، وليس إلى المخلوق شيء من الأمر

وصيرني يأسي من الناس راجيا *** لسرعة لطف الله من حيث لا أدري

يجب أن يكون لصفة الربوبية مقام عظيم في قلوبنا، فبها ندرك فقرنا وحاجاتنا إليه فنخضع له سبحانه ونرضاه ربًّا بارئًا حكيمًا عليمًا، ونرد له الفضل كل الفضل، جل في علاه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) [فاطر: 15- 17].

ففي ظل المادية القاحلة التي يعيشها الناس اليوم المادية التي سيطرت فيها الأجهزة على حياة العباد من هواتف نقالة وسيارات وتليفزيونات.. وأنواع من الزينة لا حصر لها ولا عدّ حتى عظُمت تلك الأشياء، وتعلقت بها قلوب الناس كبارا وصغارا رجالا ونساء وأصبح جل حديث الناس عن الدنيا وصراعاتها؛ إلا من رحم الله.

ولما هبت رياح التغيير على الأمة، واندلعت الفتن أدمن الكثير من الناس التلقي عبر التلفزيون المذياع الإنترنت متابعة نشرات الأخبار وبرامج حوارية، وتقارير وأفلام وثائقية، هذا يقول نعم، وذاك يقول لا، والناس في حيرة وذهول في ظل هذه المادية المعاصرة وهذه الأجواء المضطربة أيها الإخوة يتأكد تحرير القلب، تحريره من هذه المعمعة والفرار به منها، ولو لفترة والتوجه إلى السماء، تعليق القلب بالله -تبارك وتعالى-؛ فإليه المنتهى وإليه المصير، وبيده مقاليد الأمور يقلبها كيف شاء (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرعد:2].

إن صفة الرب تضفي على المؤمن الطمأنينة، ألا يطمئن من أيقن أن القائم عليه وعلى الناس حوله بل على الخلق أجمعين حكم عدل رحيم بر رؤوف حليم لطيف عليم حكيم ألا يطمئن؟!

إنها لصفات تستدعي منا الوقوف والتفكر.

اللهم املأ قلوبنا إيمانا بك، وأنرها بنورك؛ إنك على كل شيء قدير..


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي