اعلموا -رحمكم الله-: أن إنفاق الأموال على وجهين: وجه يثاب عليه العبد ويؤجر، ونوع يعاقب عليه ويوزر. أما الذي يثاب عليه العبد ويؤجر، فهو أن ينفقها في طاعة الله، وما أمر به. وأما الذي يعاقب عليه ويوزر، فأن...
الحمد لله الذي من علينا بالأموال، وشرع لنا إنفاقها فيما هو مصلحة في الدين والدنيا، ووعدنا على ذلك الخلف العاجل في الدنيا، والثواب الجزيل في الأخرى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الجود والإحسان والأفضال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ينفق ماله لله ويعيش في نفسه عيش الفقراء ابتغاء مرضاة ذي الإكرام والجلال، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الأيام والليال، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واشكروه على ما خولكم من هذه الأموال التي جعلها لكم قياما، يقوم بها دينكم ودنياكم، وتصلح بها أحوالكم العامة والخاصة.
واشكروه إن أنعم عليكم بها نعمة أخرى، حيث شرع لكم إنفاقها فيما فيه مصلحة لكم، ووعدكم على ذلك الخلف والأجر، ولو شاء لم يشرع لكم إنفاقها، ولم يتعبدكم بذلك، فكان إنفاقها مغرما، وليشكر الله من وفقه الله -تعالى- فقام بإنفاقها على الوجه الذي أمر به، فلم يقصر في ذلك، فيكون من الباخلين، ولم يغل في ذلك، ويزد فيكون من المبذرين.
واعلموا -رحمكم الله-: أن إنفاق الأموال على وجهين: وجه يثاب عليه العبد ويؤجر، ونوع يعاقب عليه ويوزر.
أما الذي يثاب عليه العبد ويؤجر، فهو أن ينفقها في طاعة الله، وما أمر به.
وأما الذي يعاقب عليه ويوزر، فأن ينفقها في معصية الله، وما لا فائدة فيه، فإن ذلك من السفه والتبذير.
واعلموا: أن إنفاق الأموال في طاعة الله له أبواب كثيرة؛ فمن ذلك: إنفاق الأموال في الزكاة المفروضة التي هي أحد أركان الإسلام، ولا يكون العبد مسلما حتى ينفقها في الوجوه التي أمر الله بصرفها فيها.
ومن ذلك: أن ينفق الإنسان على نفسه، فإن إنفاقك على نفسك صدقة تثاب عليها؛ لأنك مأمور بحفظ نفسك بالطعام والشراب واللباس، وغيرها مما تطلبه حاجتك أو ضرورتك.
فإذا أنفقت المال في ذلك فقد قمت بحفظ نفسك ونيلها ما أباح الله لها من الطيبات، وهذا خير وأجر.
ومن الإنفاق في طاعة الله: أن ينفق الإنسان على أهله من الزوجات والأمهات، والآباء والأولاد، وغيرهم، فإن الإنفاق عليهم طاعة لله، وبر وأجر؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- وقد عاده في مرض ألم به، واستشاره في الوصية، فقال له: "واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعله في فم امرأتك"[البخاري (56) مسلم (1628)
أيها الإخوان: إن بعض الناس يقصر أو يتثاقل في الإنفاق على أهله شحا وبخلا، والشح والبخل من أوامر الشيطان: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الحشر: 9].
ولكن متى علم المؤمن أن الإنفاق على نفسه وأهله ليس بغرم، وإنما هو مكسب وغنيمة، فالإنفاق فيما أمر الله به غنيمة؛ لأنه زيادة في الإيمان، وسبب لبركة المال ونموه، وسبب للأجر المدخر عند الله.
أما الإمساك عما أمر الله به، فهو نقص في الإيمان، وسبب لمحق بركة المال ونقصه، ولعقوبة الله ومقته.
ثم أن الممسك البخيل إن فاته المال، ونزع منه في الدنيا، فقد حرم خير الدنيا والآخرة، وإن بقي حتى مات صار لغيره غنمه، وعليه غرمه وإثمه.
ألا وإن من إنفاق المال في طاعة الله: أن تنفقه في الإحسان إلى القرابات الذين لا تجب عليك نفقتهم، إما لكون مالك لا يتحمل الإنفاق، أو لغير ذلك، فهديتك على غنيهم هدية وصلة، وصدقتك على فقيرهم صدقة وصلة.
وإن بعض الناس في هذه الناحية يقصر ويفرط، فتجده يقتصر على الإحسان إلى القرابة الذين يتبادلون معه الصلة، وهذا في الحقيقة ليس بصلة، وإنما هي مكافأة للصلة، أو مجلبة لها، فالواصل حقيقة هو الذي يصل من قطعه، ويعطي من حرمه.
وأبواب إنفاق المال في الخير كثيرة.
وكلما كان الإنفاق أنفع لعمومه، أو شدة الحاجة إليه، أو جلبه لمصالح أخرى كان أفضل وأجدى.
وكل نفقة تبتغي بها وجه الله، فأنت مأجور عليها لدخولها في الإحسان.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قال الله -تعالى-: (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة: 195].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم... إلخ ...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي