اعملوا صالحا (2)

خالد القرعاوي
عناصر الخطبة
  1. حاجتنا إلى العمل الصالح .
  2. فضائل العمل الصالح .
  3. ثمرات الأعمال الصالحة في الدنيا والآخرة .
  4. آثار العمل الصالح عند الموت وبعده .
  5. جزاء العاملين للصالحات. .

اقتباس

حَاجَتُنا -يا مُؤمِنُونَ- إلى الإِيمَانِ وَالعمَلِ الصَّالِحِ أَشَدُّ مِنَ الهَوَاءِ وَالمَاءِ والطَّعَامِ فَتِلكَ قُوَامُ الجَسَدِ فَحسْبُ. والإِيمَانُ وَالعمَلُ الصَّالِحُ سَعَادَةُ القَلْبِ فِي الدُّنيا، وَنَجَاةُ الجَسَدِ وَالرُّوحِ فِي الآخِرَةِ. والإِيمَانُ بِلا عَمَلٍ صَالِحِ ادِّعَاءٌ بِلا بُرهَانٌ! فَكَمْ مِنْ أُناسٍ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ وأَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ! وَلَكِنْ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا! لأَنَّ عَمَلَهُم لَمْ يَتَّصِفِ بِالإِيمَانِ والصَّلاحِ. مِنْ هُنا نُدْرِكُ أَهَمِّيَةَ أنْ يَكُونَ عَمَلُنَا صَالِحَاً وَنَتَعَرَّفَ على العِلْمِ المُوصِلِ إليهِ! ألَمْ يُقْسِمِ اللهُ -تَعالَى- أنَّ جِنْسَ الإِنْسَانِ وأكْثَرَهُمْ خاسِرٌ؟ (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)...

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ الخَلاَّقِ العَلِيمِ، الرَّزَّاقِ الكَرِيمِ؛خَلَقَ الخَلْقَ فَدَبَّرَهُمْ واخْتَصَّ المُؤمِنينَ وَفَضَّلَهُم، نَحمَدُهُ حَمْدَا كَثِيرَا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرَا مَزِيدَا، ونَشهَدُ ألَّا إِلهَ إلَّا اللهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ تَمجِيداً لَهُ وَتَوحِيدَا؛ ونَشهَدُ أنَّ مُحمَّدَا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، نَبِيٌّ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِّهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَمَا زَادَهُ إلاَّ تَقْوَىً وَخَشْيَةً لِلهِ وَتسلِيماً وَتَعظِيمَاً، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وَعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وعُثمَانَ وعَليٍّ أَكْرِمْ بِهِمْ وأنْعِمْ، وعلى سَائِرِ أَصْحَابِهِ وأَتَبَاعِهِ بِإحسَانٍ وإيمَانٍ وسَلَّمِ تَسلِيماً.

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعالَى- وأَطِيعُوهُ، واحَمَدُوهُ واشْكُرُوهُ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَأَعطَاكُم، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِكُمْ فَإِنَّهُ مَفْزَعُكُمْ وَمَنْجَاكُمْ: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)[غافر:40].

حَاجَتُنا يا مُؤمِنُونَ إلى الإِيمَانِ وَالعمَلِ الصَّالِحِ أَشَدُّ مِنَ الهَوَاءِ وَالمَاءِ والطَّعَامِ فَتِلكَ قُوَامُ الجَسَدِ فَحسْبُ. والإِيمَانُ وَالعمَلُ الصَّالِحُ سَعَادَةُ القَلْبِ فِي الدُّنيا، وَنَجَاةُ الجَسَدِ وَالرُّوحِ فِي الآخِرَةِ.

والإِيمَانُ بِلا عَمَلٍ صَالِحِ ادِّعَاءٌ بِلا بُرهَانٌ! فَكَمْ مِنْ أُناسٍ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ وأَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ! وَلَكِنْ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا! لأَنَّ عَمَلَهُم لَمْ يَتَّصِفِ بِالإِيمَانِ والصَّلاحِ. مِنْ هُنا نُدْرِكُ أَهَمِّيَةَ أنْ يَكُونَ عَمَلُنَا صَالِحَاً وَنَتَعَرَّفَ على العِلْمِ المُوصِلِ إليهِ! ألَمْ يُقْسِمِ اللهُ -تَعالَى- أنَّ جِنْسَ الإِنْسَانِ وأكْثَرَهُمْ خاسِرٌ؟ (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر:3].

عِبَادَ اللهِ: الحَدِيثُ عن العَمَلِ الصَّالِحِ ومَا فِيهِ مِن الفَضَائِلِ بَابٌ يَطَولُ فَفِي القُرآنِ الكَرِيمِ نَحْوَاً مِن مِئَتَيْ آيَةٍ، أمَّا السُّنَّةُ فَيَعِزُّ حَصْرُهَا. وَقَدْ وَفَّقَنا اللهُ في خُطْبَةٍ مَضَتْ إلى ذِكْرِ مَنَافِعِ العَمَلِ الصَّالِحِ في الدُّنيا، وأنَّهُ: سَبَبٌ لِسَعَادَةِ الْقَلْبِ وَفَرَحِهِ، وَذَهَابِ هَمِّهِ وَغَمِّهِ؛وأنَّ لَهُمُ الوُدُّ وَالمَحَبَّةُ، وَبِهِ صَلَاحُ أَحْوَالِ الْعَبْدِ وَقَلْبِهِ وأعْمَالِهِ وَتَيْسِيرُ أُمُورِهِ، وَأَنَّ اللهَ يَحَفَظُ أَهْلَهُ وَذُرِّيَّتَهُ بِهِ! وَأَنَّهُ ثَبَاتٌ فِي الشَّدَائِدِ، وَواَقٍ عَنْ المُحَرَّمَاتِ، وَأَنَّ لَهُم وِلايَةٌ خَاصَّةٌ!

وإليكُم يا كِرامُ بَعْضَاً مِن مَنَافِعِ العَمَلِ الصَّالِحِ مِن الاحتِضارِ إلى يَومِ القِيامَةِ. نُذَكِّرُ بِذلِكَ أنْفُسَنَا وَأَهْلِينَا والمُسْلِمينَ؛ لأنَّ اللهَ تَعالى قَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)[المؤمنون: 51].

والمُؤمِنُونَ أولى بِذلِكَ وَأحرى! ولأنَّهُ لا يَستَوِي البَرُّ والفَاجِرُ وَلا مَنْ يَعمَلُ صَالِحَاً وَمَنْ لا يَعمَلُ. وَسُبحَانَ مَنْ قَالَ: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)[ص: 28].

أمَّا جَزَاءُ العَامِلِينَ لِلصَّالِحَاتِ؟ أتَدْرُونَ؟ أتْرُكُكُمْ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ يَرْوي مُباشَرَةً عَنِ نَبِيِّنا –صلى الله عليه وسلم- مُبَشِّرَاً وَمُحَذِّرِاً حَيثُ قَالَ –صلى الله عليه وسلم-: "المَيِّتُ تَحْضُرُهُ المَلَائِكَةُ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا، قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الجَسَدِ الطَّيِّبِ، اخْرُجِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ"وفي رِوَايَةٍ "فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ". فَهَلْ بَعْدَ هَذا مِنْ دَافِعٍ وَبِشَارَةٍ؟ جَعَلنَا اللهُ وإيَّاكُم وَوالِدِينا وَذَرَارِينَا والمُسلِمينَ مِمَّن يُقَالُ لَهُم ذالِكَ.

عبادَ اللهِ: صَاحِبُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ يَسْتَبْشِرُ حتى أَثْنَاءَ حَمْلِهِ إِلَى قَبْرِهِ، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً، قَالَتْ: قَدِّمُونِي"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

وَإِنَّما قَالَتْ: "قَدِّمُونِي"؛ لِمَا يَنْتَظِرُهَا مِنَ الْبِشَارَةِ وَالْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ. أيُّها المُؤمِنُونَ: أمَّا إِذَا وُضِعَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ فِي قَبْرِهِ تَمَثَّلَ لَهُ عَمَلُهُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ؛ كَمَا وَصَفَهُ نَبِيُّنا –صلى الله عليه وسلم- حِينَ قَالَ: "وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالخَيْرِ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، فَوَ اللَّـهِ مَا عَلِمْتُكَ إِلَّا كُنْتَ سَرِيعًا فِي طَاعَةِ اللَّـهِ، بَطِيئًا عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّـهِ فَجَزَاكَ اللهُ خَيْرًا فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي، وَمَالِي" (رَوَاهُ أَحْمَدُ).

 حَرِيٌّ بِالمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَحْضِرَ هَذِهِ المَوَاقِفَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي لَا نَجَاةَ فِيها بَعْدَ رَحْمَةِ اللَّـهِ إِلَّا بالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. فاللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ والْعَمَلَ الصَّالِحَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبَنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ.

واستَغْفِروا اللهَ يا مُؤمِنُونَ وَتُوبُوا إليهِ إنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

الخطبة الثَانية:

الحَمدُ للهِ العَلِيمِ الحَلِيمِ، الغَفُورِ البَرِّ الرَّحيمِ، نَحمَدُهُ على وَافِرِ نِعَمِهِ وَجَزِيلِ عَطَايَاهُ نَشهدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ؛ لا رَبَّ لَنا سِواهُ، ولا نَعبُدُ إلَّا إيَّاهُ، وَنَشهَدُ أنَّ مُحمَّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ وحَبِيبُهُ وَمُصطَفَاهُ؛ دَلَّنَا على عِبَادَةِ رَبِّنَا، وَعَلَّمَنَا أحكَامَ وَحِكَمَ دِينَنَا، أَسْدَى لَنَا النُّصْحَ والمَعْرُوفَ، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وعلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ وأَتبَاعِهِ بِإحسانٍ وإيمانِ إلى يَومِ الدِّينِ.

 أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا يا مُؤمِنُونَ واعمَلُوا صَالِحَاً: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا) [الطلاق: 11].

 لَقَدْ فَازَ الصَّالِحُونَ وَخَسِرَ المُفَرِّطُونَ! مَاتَ أَهْلُ الدُّثُورِ وَتَرَكُوهَا، وَفَازَ أَهْلُ الآخِرَةِ بِمَا عَمِلوا! وَصَدَقَ اللهُ: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)[النَّجم: 39]، (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)[المدَّثر: 38].

يَكْفِي هَنَاءً لأهْلِ العَمَلِ الصَّالِحِ أنَّ لَهم ثَبَاتَاً فِي قُبُورِهم! فَإذَا جَاءَهُ المَلَكُ فَسَألَهُ عَنْ رَبِّهِ وَنَبِيِّهِ وَدِينِهِ؟ فَإِنْ كَانَ مِن أَهْلِ الصَّلاحِ! قَالَ: رَبِيَ اللهُ، وَدِينِيَ الإسلامُ، وَنَبِيِّ مُحَمَّدٌ –صلى الله عليه وسلم-، فَيُقَالُ لَهُ: صَدَقْتَ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيُرِيدُ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْهِ فَيُقَالُ لَهُ: "اسْكُنْ وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا وَيُمْلَأُ عَلَيْهِ خَضِرًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". فَالَّلهمَّ ثَبِّتنَا بالقَولِ الثَّابِتِ في الحياةِ الدُّنيا وَيَومَ يَقُومُ الأشهادُ.

أيُّها المُؤمِنُونَ: أَهلُ العَمَلِ الصَّالِحِ يُوَفَّونَ أُجُورَهُمْ كَامِلَةً، وَيَنْعَمُونَ بِأَمْنٍ لا كَدَرَ مَعَهُ، وَبِفَرَحِ لا حُزْنَ يُخَالِطُهُ، قَالَ اللهُ تَعَالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)[آل عمران: 57].

قالَ السَّعدِيُّ -رحِمَهُ اللهُ-: "وإنِّمَا تَوفِيَةُ الأُجُورِ بِأنْ يَجِدُوا مَا قَدَّمُوهُ مِن الخَيرَاتِ مُحضَرَا مَوْفُرَا فَيُعَطِي كُلَّ عَامِلٍ أَجْرَ عَمَلِهِ وَيَزِيدُهُم مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ".

عِبادَ اللهِ: اللهُ تَعَالى كَرِيمٌ عَظِيمٌ جَزْلُ العَطَايَا لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئَاً، يَجزي بالحَسَنَةِ عَشْرَ أمثَالِها! كيفَ وَقَدَ قَالَ: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)[النساء: 124].

أيُّها العَامِلُ لِلصَّالِحاتِ! أتَخَافُ أنْ يَظْلِمُكَ أعْدَلُ العَادِلِينَ؟ كلا فَهُوَ القَائِلُ: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا)[طه: 112].

أيُّها العَامِلُونَ للصَّالِحاتِ: رَبُّكُمُ وَخَالِقُكُمْ يُبَشِّرُكُمْ فَيَقُولُ: (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا *مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا) [الكهف: 2-3].

ألا تَعلَمُونَ أنَّ أجْرَكُم دَائِمٌ غَيرُ مَقْطُوعٍ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [فصلت: 8].

مِنْ هُنا نَعلَمُ أنَّ مَنْ عَمِلَ صّالِحَا ولو كَانَ قَلِيلا فإنَّهُ خَيرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَليها! قَالَ نَبِيُّنا –صلى الله عليه وسلم-: "لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ". وَقَالَ: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" (رواهما مسلم).

وَمِن فَضْلِ اللهِ –تَعَالى- عَلى أَهْلِ الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ أَنْ جَعَلَ أَعمَالَهُم مُكَفِّرةً لِسَيئَاتِهِم، فَيَنتَفِعُونَ مِنْ جَانِبَينِ: جَانِبِ تَكْفِيرِ السَّيئَاتِ، وَجَانِبِ اكتِسَابِ الحَسَنَاتِ، جَمَعَها اللهُ تَعَالى في قَولِهِ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ)[العنكبوت: 7].

وَقَالَ نَبِيُّنا –صلى الله عليه وسلم-: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ"رَواهُ مُسلِمٌ. بِل إنَّ المَولى يُكُفِّرُ على أَسوَأِ مَا عَمِلَ العَبْدُ بِأَحْسَنِ مَا عَمِلَ كَمَا في قَولِه: (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الزمر: 35].

قَالَ مُقَاتِلٌ -رَحِمَهُ اللهُ-: "يَجزِيهم بِالمَحَاسِنِ مِنْ أَعْمَالِهم ولا يَجْزِيهِم بِالمَسَاوِئْ. أهْلُ العَمَلِ الصَّالِحِ: مِنْ أُنْسِهِمْ وَنَعِيمِهم أنَّهُم يَتَذَكَّرُونَ فِي الآخَرِةِ مَا هُدُوا إِليهِ مِنْ العَمَلِ الصَّالِحِ فَهُمْ دَومَاً يُرَدِّدُونَ: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ) [الأعراف: 43].

وَهُمْ فِي رِيَاضِ الجَنَّةِ يَرْتَعُونَ، ومِنْ غُرَفِها يَتَبوَّءُونَ: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ)[الروم: 15]، لِذا فَإِنَّهُم لا يَمَلُّونَ ولا يَطْلُبُونَ عمَّا هُمْ حِولاً ولا بَدَلا! (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) [الكهف: 108]، ألا، وإنَّ مِنْ أَعْظَمِ جَزَاءِهم ذَهَابُ الخَوفِ والحَزَنِ عَنْهُم؛ (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[الأعراف: 35].

عِبادَ اللهِ: إِذَا كَانَ مَا سَمِعْناهُ جُزْءٌ مِن الأَجْرِ الأُخرَويِّ والجَزَاءِ السَّرْمَدِيِّ فَحَرِيٌ بِنا أَنْ نَجْتَهِد فِي التَّزَوُّدِ مِن الصَّالِحَاتِ، وأنْ يَكُونَ لَنا نَصِيبٌ مِنْ كُلِّ بَابِ خَيرٍ. وَمَنْ فُتِحَ لَهُ بَابٌ صَالِحٌ فَليَحْمَدِ اللهِ -تَعالَى- عَليهِ، وَلْيَلْزَمْهُ. فاللهمَّ أعنَّا على ذِكرِكَ وَشُكركَ وعلى حُسنِ عِبادَتِكَ على الوجْهِ الذي يُرضِيكَ عنَّا.

اللهمَّ إنَّا نَسألُك إيِمانا صَادِقا وعَمَلا صَالِحَا مُتقَبَّلا. اللهمَّ ثَبِّتنا بِالقولِ الثَّابت في الحياةِ الدُّنيا وفي الآخرةِ. واغفر لنا ولِوالدِينا ولجميع المسلمينَ، اللهم آمنَّا في أوطانِنا وأصلح أئمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا، واحقِن دِمَاءَ المُسلمينَ، وأَلِّفْ بَينَ قُلُوبِهم واهدهم سُبُلَ السَّلامِ.

 فاللهمَّ اجعلنا لِنِعَمِكَ من الشَّاكِرينَ، وَلَكَ من الذَّاكِرينَ، اللهمَّ اجعل مَا أَنزلْتَهُ عَلينا رَحمَةً لَنا وبَلاغَاً إلى حِينٍ، اللهمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فَاعفُ عنَّا، لا إلهَ إلاَّ أنتَ سُبحانَكَ إنَّا كُنَّا مِنَ الظَّالِمينَ (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون) [العنكبوت: 45].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي