لكن كثيرا من الناس يتفاوتون في خروجهم إلى هذه الجهات البرية، فمن كان اللهُ -تعالى- شُغلَه الشاغل وهمّه المهمّ، فإنه يجعل من خروجه ذلك ورحلتِه تلك مرضاةً لله -تعالى-، فيُقيمُ أساسها على تقوى من الله ورضوان, لا يغفل عن ذكر الله، وعن الآداب والأحكام لحظة واحدة؛ أما إذا كان همُّه اللهوَ واللعب, وتضييع الأوقات, فإنه -لعمر الله- في غفلة عظيمة عن مثل هذه الآداب والأحكام, مع ظنه أن الأمر لهو ولعب ومرح فقط، والحقيقةُ ليست كما يريد!.
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له.
وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهَد أنّ نبينا محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: فاتقوا الله -عبادَ الله- حقَّ التقوَى، فمَن اتّقى ربه نجا، ومن أعرض عنه تردّى.
أيّها المسلمون: لقد درج الكثير من الناس في الأوقات المناسبة ذاتِ الهواءِ الطلق والأجواءِ الممتلئةِ هدوءا وجمالا وبهاء وخضرةً وأريحيةً أن يخرجوا للترويح والتمشّي والنزهةِ وقضاءِ الساعات الطوال، والليالي ذواتِ العدد، بين نسمات الهواء العليل، وتحت ظل الشمس الهادئة.
ومع أريج ضوء القمر، وبين جنبات حبات المطر، يخرجون في رحلاتٍ عديدة، منها ما تكون للصيد، ومنها ما تكونُ للاستجمام والراحة وتغيير الجو والبقاء في البر.
ومع اختلاف أنواع هذه الرحلات إلا أنها تحتاج إلى بيان وتفصيل، وتوضيح وتنبيه، ومناقشة وتوجيه؛ لما يتعلق بها من مسائل مهمة يغفل عنها الناس ويتجاهلونها، ولأنها من القضايا المهمةِ التي تَدْخُل في واقع الناس، ويقضي جزءٌ كثير من الناس أوقاتهم خلالها.
أيها الأحبة في الله: الإسلام دين يُسر وسُهولة، وفسحة وسماحة، روى الإمام أحمد -رحمه الله- عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لبني أرفدة: "دونكم يا بني أرفدة! حتى يعلم اليهود أن في ديننا فُسحة".
وهذا الإسلام الجم لا يمنع مطلقا الترويحَ عن النفس، ولا قضاء بعضِ الوقت في الاستجمام والراحة، فـ "إن لنفسك عليك حقا"، فقد روى أبو داود عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعا "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبدو إلى السِلاع"، والسلاع هي مجرى الماءِ من أعلى الوادي إلى أسفله، فإذا كان مجرى الماء مرتفعا ينسابُ إلى الأسفل، فإن هذا الرأس يُسمى سِلَعة، وكذا ما انحدر من الأرض وما أشرف منها، أي ما علا من الأرض وأشرف على غيرها من الأراضي يُسمى سِلَعة، وتُجمع على سِلاع.
قال العلماء في شرح الحديث: والمراد أنه كان يخرج إلى البادية لأجلها، فقد كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعضُ الأوقات يخرج فيها ليستجم ويروح عن نفسه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا النوع من الخروج إلى البادية -عباد الله- هو نوع محبب إلى النفس, وفيه ترويح كبير، إذ يتخلص المرء به من ضجيج المدن وزحامها وهمومها وأكدارها وأشغالها الشاغلة، فيخرج إلى الخارج ليستنعم بالنعيم والهواء العليل, والجوِّ الصافي التي لا تكدره شائبة, إلا من عصى الله -تعالى- فيه.
كما أنها فرصة سانحة لأن يتأمل المسلمُ ملكوتَ السموات والأرض، فيرى السماء بصفائها وبهائها، فيسرحُ بخياله في هذا الفضاء فيتذكر قولَه -تعالى-: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذاريات:47]، (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [الحج:65].
ويرى النجوم بسحرها وضوئها التي جعلها الله مناراتٍ في السماء تهدي المسافرين في ظلماتِ البر والبحر، ويتأمل في تلك الشُهُب التي تظهر أحيانا وتحتفي أحينا، يرسلها الله على الشياطينِ المسترقةِ للسمع الصاعدةِ في السماء فيتذكر قولَه -جل وعلا-: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً) [الجن:8-9], وقولَه -تعالى-: (فَأَتْبَعَهُ شِهَاب ثَاقِب) [الصافات:10].
وينظر إلى القمر بروعته وجماله، وابتسامته وطلاقة وجهه، فيتذكر قولَه -تعالى-: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس:39-40].
ثم يسرح بخياله مرة أخرى في هذه الأرض, وكيفية انبساطها, وكيف جعلها الله ذلولا نمشي في مناكبها، ليتمكن الخلق من الانتفاع بها، وفي هذه الجبال الشاهقة الراسية العالية التي هي بمثابة القاعدة للأساس.
فهذا الكون بجماله وكماله وسحره وأناقته, مسارٌ في التفكر والتأمل في آيات الله -تعالى- المسطورة في كتاب الله, والمنثورة في الكون, التي هي في الأصل نوع من أنواع العبادة، تحصل بجلاء لمن خرج إلى البر أو البادية.
لكن كثيرا من الناس يتفاوتون في خروجهم إلى هذه الجهات البرية، فمن كان اللهُ -تعالى- شُغلَه الشاغل وهمّه المهمّ، فإنه يجعل من خروجه ذلك ورحلتِه تلك مرضاةً لله -تعالى-، فيُقيمُ أساسها على تقوى من الله ورضوان, لا يغفل عن ذكر الله، وعن الآداب والأحكام لحظة واحدة؛ أما إذا كان همُّه اللهوَ واللعب, وتضييع الأوقات, فإنه -لعمر الله- في غفلة عظيمة عن مثل هذه الآداب والأحكام, مع ظنه أن الأمر لهو ولعب ومرح فقط، والحقيقةُ ليست كما يريد!.
أيها المؤمنون: إن للخروج في هذه الأماكن من البادية, أو الرحلات البرية, أو الشواطئ البحرية, التي تكمن خارج المدينة، آدابا وأحكاما يحسن بالخارج إلى مثل هذه الأماكن التنبهُ إليها، والعملُ بها.
فمن الآداب المهمةِ التي ينبغي التأدبُ بها عند خروجنا لمثل هذه الأماكن: ذكر دعاء النزول، فعن خولة بنت حكيم -رضي الله عنه- أنها قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من مكانه" رواه مسلم, وروى ابن ماجة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لدَغَت عقربٌ رجلا، فلم ينم ليلته، فقيل للنبي -صلى الله عليه وسلم-، إن فلانا لدغته عقرب، فلم ينم ليلته، فقال -عليه الصلاة والسلام- "أما إنه لو قال حين أمسى: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ما ضره لَدْغُ عقربٍ حتى يصبح".
فهذا الدعاء الذي يُقال عند النزول في أي مكان, كما يقال في الصباح والمساء، له أهمية كبيرة، ومفعول عجيب، فهو حريّ وكفيل -بإذن الله- أن يَمنع عنك لدغ العقارب والثعابين وطَرْف النمل، إلا ما شاء الله -تعالى- من الغفلة التي تصيب القائل أو الناسي الذي ينسى هذا الدعاء فيقع في مقدور الله -تعالى-.
ومن الآداب أيضا: أنه يُسن للنازل أن يخصص مكانا للصلاة، يصلي فيه ويرفعُ الأذان منه لكل صلاة في وقتها، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي صعصعة المازني: "إني أراك تحب الغنمَ والبادية، فإذا كنتَ في غنمك أو باديتك، فأذّنْتَ بالصلاة, فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوتِ المؤذنِ جن ولا إنس ولا حجر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة" رواه البخاري.
وإن كان النازل قد خرج عن البلد مسافة السفر, فإنه يجوز له القصر والجمع، وقصر الصلاة في وقتها أفضل، كما أن الجمع في حال الحركة أفضل، ويؤذن من القوم أنداهم صوتا، وإن كان الوقتُ وقتَ برد فإن المسلم يحرص على إسباغ الوضوءِ وإكماله ولو كان توضأ لكل عضو مرة مرة.
وقد يواجه كثير ممن يخرجون إلى البر حالاتٍ يحتاجون معها إلى غسل الجنابة، فينبغي لمن خرج مع قوم أن يهيئ مكانا للغسل مُحاطا من كل الجوانب, حتى لا تؤذي الريحُ الباردةُ أجسادهم، وأن يهيئوا من الماء الذي بين أيديهم ما يُسَهِّلُ لهم أمر الاغتسال من ماء ساخن ونحو ذلك، فإن هذا مما يجب وجوبا لا تساهُل معه كما قال بعض العلماء.
أما لو فُرض أن الإنسان ما استطاع أن يغتسل لسبب ما فإنه يكفيه أن يتيمم, ويأخذ بالرخصة في حالة الضرورة فقط، وإلا فإن الأصل الاغتسال, وإن كان المسلم في البر، فأحكام المدينة هي أحكام البر, وكذا العكس.
ومن الأحكام المتعلقة أيضا: المسح على الجوربين أو الخفين يوما وليلة للمقيم, إن كانت المسافة أقلَّ من مسافة السفر، وثلاثةَ أيام بلياليها إن كانت المسافة مسافة سفر.
إخوة الإسلام: ومما ينبغي معرفته أيضا حال الخروج إلى مثل هذه الأماكن: ما يتعلق بصلاة الجمعة، فإن الخارج من مكانه إلى مكان يعد سفرا أو له حكم السفر فإنه لا تلزمه الجمعة، وإن كان القوم قد نزلوا بجوار قرية يصلون فيها الجمعة فلهم الخيار في الذهاب إلى صلاة الجمعة أو البقاء في أماكنهم، وإن ذهبوا كان خيرا لهم.
وعليهم أن يتنبهوا إلى أن صلاة العصر لا تجمع مع صلاة الجمعة أثناء السفر؛ لعدم الدليل, ولأنه لم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-, ولا أحد من أصحابه؛ لأن صلاة العصر ليست من جنس الجمعة، فصلاة الجمعة عبادة مستقلة عن العصر, لها أحكامها وتشريعاتها, كما أن العصر عبادة مستقلة عن الجمعة.
وكذلك يجب عليهم الحرصُ على الاستيقاظِ لصلاة الفجر، فإن الغالب على من يخرج إلى مثل هذه الأماكن السهرُ الطويل الذي من خلاله يفوِّتُ عليهم صلاةَ الفجر، وفي هذه الحالة يجب عليهم اصطحاب ما يعينُهم في إيقاظهم من منبه وغير ذلك، وإن لم يتمكنوا من جلب ما يوقظهم, أو غلب على ظنهم عدمُ سماع ما جلبوه لإيقاظهم, فإن من السنة أن يستيقظ واحد منهم طيلة الليل حتى يوقظهم لصلاة الفجر، وإن تناوبوا كان حسنا.
المهم: الحرصُ على الصلاة في قتها، ولا يكونُ الموقظ لهم في البَر هو حرارة الشمس كما يفعل كثير من الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولو فرض أنهم أخذوا بجميع الوسائل, ثم ناموا وما استيقظوا، فإنهم يقضون الصلاة متى ما قاموا، ولا ينبغي أن يصلوا في المكان الذي ناموا فيه, بل عليهم أن يغيروا المكان.
والصلاة في الجماعة لها أجر عظيم، ولا سيما إذا كان الناس في البر، فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاتِه وحدَه خمسا وعشرين درجة، فإذا صلاها بأرض فلاة -في البر أو البادية- فأتم وضوءها وركوعها وسجودها بلغت صلاته خمسين درجة" حديث صحيح؛ لأن عبادة الله في تلك الأمكنة الخالية, وتذكُرهم له في تلك الأراضي المقفرة, يدل على تأصُّلِ الإيمان في النفوس.
أيها المسلمون: ومن الأحكام المتعلقة بالبر والبادية: من السنة أن يصلي الإنسانُ على الأرض مباشرة من غير بساط -إن أمكنه ذلك- فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "جُعِلَت لي الأرض مسجدا وطهورا", وكان يصلي على الحصباء في مسجده -عليه الصلاة والسلام-، وسجد في رمضان في ماء وطين، حتى رؤى الماءُ والطينُ في جبهته، وروى الطبراني مرفوعا: "تمسحوا بالأرض فإنها بكم بَرَّة", والمقصود بالتمسح في الحديث: ملامسة جسدِ المصلي بالأرض أثناءَ الصلاة، ومعنى برة: أي تبرُكُم كما تبرُّ الأمُ ولدها، وشبه النبي -صلى الله عليه وسلم- الأرض بالأم؛ لأننا منها خلقنا، فكأنها أُمُّنَا.
فإذا صلى فإنه لا يعبث بمس الحصى ومسحِ التراب وتسويتِه إذا سجد إلا مرة واحدة, كما قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: "لا تمسح وأنت تصلي، فإن كنت لا بد فاعلا فواحدة تسوية الحصى" رواه أبو داود.
ومن الأحكام أيضا: أنه يتهيأ للخارج إلى البر تطبيق سننٍ لا يمكن تطبيقها في المدينة، كالصلاة في النعال, فقد أمرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: "صلوا في نعالكم، ولا تشبهوا باليهود" رواه الطبراني, فمثلُ هذا الحكم قد لا يتسنى لنا تطبيقه في مثل هذه المساجد المفروشة بالسجاد؛ لأن فيها إتلافا لها, وربما يلحقها أذى من الداخل بنعليه.
ومن ذلك أيضا: التفل تحت القدم اليسرى إذا احتاج إلى ذلك، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أحدكم إذا صلى فإنه يناجي ربه، فلا يتفلنّ عن يمينه، ولكن تحت قدمه اليسرى" رواه البخاري.
ومن السنن أيضا: أن القوم إذا كانوا جماعة وذبحوا ذبيحة، فليتحرّ الذابح النية لله -تعالى-؛ فإنها عبادة عظيمة, كما قال الله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر:2], فإذا ذبحت لتأكل فلا يكن همك التمتعَ بالذبيحةِ وسلخها وتقطيعها وطبخها، بل تذكر أن ذبحها عبادةٌ لله -تعالى-، ومن تولى الذبح فليحرص على القيام بسنن وآداب الذبح من التسمية، وتحري القبلة، والرحمة بالمخلوق.
عباد الله: ومما ينبغي التنبه له والتفطن في رحلات البر، تجنب المنكرات التي تقع في تلك الأماكن، كاختلاط الرجال بالنساء، فينبغي البعدُ كلَّ البعدِ عما فيه شبهةٌ توقعُ الاختلاط بين الرجال والنساء والشباب والفتيات، وكذلك التساهلُ في قيادة المرأة للسيارة في البر، فإن كثيرا من الناس يسلمون سياراتِهم لنسائهم أو بناتهم ليسوقوها أو يتعودوا على سياقتها، وربما يحدث من خلال هذا التساهل أن تأخذ المرأة السيارة وتذهب يمنة ويسرة فتواعد شبابا أو رجالا, وتقع حينها المصائب التي لا تُحمد عقباها، فيجب الحذر والتنبه إلى مثل هذه الأمور، وإن سُلمت لها السيارة فلا تُعطى إلا إذا ضَمِنْتَ أن لا تعمل عملا محرما مطلقا، مع التنبه إلى أن تكون القيادة بعيدة كل البعد لتستتر عن من حولها.
وكذلك من المنكرات التي تقع: السهر في معصية الله -تعالى-, فتجد الناس يضيعون الأوقات في الغناء والطرب، وتجلس -أحيانا- تسمع قرع الطبول والدفوف في ساعات متأخرة من الليل، والغناء والموسيقى تُرفع على مرأى ومسمع من الناس إلى قبيل صلاة الفجر، ثم ينام العصاة عن الفجر! والله المستعان!.
فلم يسلمِ البر اليوم من أذى العصاة ومعاصيهم الذين يصطحبون معهم آلاتِ اللهو, ويقع الاختلاط, وربما اصطحب بعضهم في تلك السهرات مشروباتٍ محرمة، لا يتقون الله لا في البر ولا في المدينة, ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
وعلى المسلم أن يحرص على الأشياء المفيدة، كأن يجلب معه بعض الكتيبات البسيطة, ككتب الفقه الصغيرة؛ لترجع إليها إذا احتجت إلى مسائل، أو كتاب يختص بالأذكار؛ ليكون الذكر رفيقك في حاضرتك وباديتك، أو تودع في جوالك رقما معينا لشيخ تثق في علمه؛ لتتصل عليه متى ما احتجت إلى ذلك، وأن تصحب الرفقة الصالحة الطيبة الذين يعينونك على الخير ويذكرونك به، حتى تعبد الله على بصيرة وإن كنت في البر.
وفقنا الله وإياكم لكل خير، وأبعدنا عن كل شر، إنه نعم المولى ونعم المصير.
بارك الله...
عباد الله: ومما يجدُر الانتباه إليه في الخلوات, وعند الخروج لمثل هذه الرحلات، إعطاء الجيران حقوقهم، فقد تجد بجانبك أو على مقربةٍ منك بعض الجيران الذين خرجوا لأجل الغرض الذي خرجت لأجله، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أوصى عند طبخ اللحم من إكثار المرقة, وتعهد الجيران, والإهداء إليهم منها، فالتعرفُ عليهم وإسداءُ المعروف لهم وخدمتُهم والتواضعُ لهم من الآداب التي يشترك فيها الناس في البر والمدن، وهي في البر آكد، فقد يحتاج أحدهم حاجة، أو تقع سيارته في حفرة, فيطلبُ منك معونة, فلا تتوان عن أن تقدم لهم ما يريدون.
ومن الآداب أيضا: دِلالةُ المسترشد الذي ضل في البر, فترشده إلى ما يريد إن كنتَ عالما لما يريد، فهذا من أعظم الصدقات عند الله -تعالى-.
ومن السنن أيضا: إذا نزل المطر وأنت في الخلاء والبر, فاكشف ذراعيك وأجزاء من جسدك حتى يصيبها المطر, فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفعل هذا، وكان يقول: "إنه حديث عهد بربه", وهذه المسألة عامة في المدن والبراري.
ومما ينبغي التنبه إليه ما يخص النوم من آداب: كنفض ما بداخل الفراش، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه" رواه البخاري, فإن مثل هذا الأدب النبوي يساعدك على الوقاية من الآفات.
ومن السنن أيضا: ذكر الله -تعالى- عند كل شجر وحجر، وكذا: التأدب بآداب الخلاء، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج إلى الغائط أبعد حتى لا يراه أحد، ولا يرفع ثوبه إلا إذا دنا من الأرض، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، وكان يتعوذ بالله من الخبث والخبائث، وتجنب التخلي في طريق الناس وظلهم.
ومن الآداب أيضا: التنبه إلى إطفاء النار ليلا لمن أراد النوم، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "النار عدو فاحذروها"، وكان عبد الله بن عمر يتتبع نيران أهله فيطفئها قبل أن يبيت. رواه أحمد.
وعلى من خرج لأجل الصيد أن لا يكون شغله الشاغل ما خرج لأجله؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ومن اتبع الصيد غفل" رواه أبو داود، كما أنه يحذر من تعذيب الحيوانات أو اصطيادها من غير حاجة, كمن يصطاد ثم يرمي، فهذا من العبث الذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أعظم الذنوب عند الله رجلٌ تزوج امرأة فلما قضى حاجته منها طلقها وذهب بمالها، ورجل استعمل رجلا فذهب بأجرته، وآخرُ يقتُلُ دابة عبثا" رواه الحاكم في المستدرك وهو حديث حسن.
ولعن النبي -صلى الله عليه وسلم- من مثّل بالحيوان، وما يحدث من بعض الناس أنه يجعل حيوانا من الحيوانات مناصا لتدريب صقره؛ لينهش من لحمه وهو حي, فإنه من العبث الذي لا يرضاه الإسلام.
ومن عزم على الخروج لأجل الصيد, فإنه يتعين عليه أن يقرأ ويتعلم ما يحتاجه في الصيد من أحكام شرعية؛ ليرفع الجهل عن نفسه، حتى يعرف ما يقتُل وما لا يقتل، ويصيد وما لا يصيد، فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قتل النمل والنحل والهدهد، كما أنه لا يجوز ترك ما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتله كالأوزاغ والعقرب والحدَأة والغراب والكلب العقور, وجميع الحيات بأنواعها, فإنها تقتل جميعا؛ لقوله -عليه السلام-: "من ترك الحيات مخافةَ طلبِهنَّ فليس منا، ما سالمناهُنَّ منذُ حاربناهنَّ" رواه الإمام أحمد, وقال -عليه الصلاة والسلام-: "من رأى حية فلم يقتلها مخافة طلبها فليس منا".
وليحرص الخارج إلى الصيد تتبع الكمأة التي يسميها العامة بـ"الفَقْع" فإن فيها من الفائدة ما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "الكمأة من المنّ، وماؤها شفاء للعين" رواه البخاري, فإذا وجدتها في تلك البراري فاغلها بالماء وكُلها.
ومما ينبغي الاهتمام به: الاهتمام بالخدم لمن يخرج خادمه معه, فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى بالخدم فقال: "إذا جاء خادم أحدكم بطعامه، فليُجلسه معه، فإن لم يفعل فليُناوِلْه أكلة أو أكلتين منه، فإنه ولي دُخانه وحره" رواه البخاري.
إخوة الإسلام: والآداب كثيرة جدّ كثيرة, والمقصود من إيرادها -عباد الله- أن نعلم أننا مسلمون، وأننا حيثُما حللنا وارتحلنا أو ذهبنا وأقمنا فإننا نعبد الله على كل أحوالنا وفي أمورنا كلها، وأن نقصد بكل شيء عبادته -سبحانه وتعالى-.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي