في التذكير

صالح بن فوزان الفوزان
عناصر الخطبة
  1. أهمية الاستعداد للموت .
  2. صفة المؤمن والكافر عند الاحتضار .

اقتباس

بادروا الأعمال الصالحة قبل فواتها. فإنكم ترون فعل الموت بإخوانكم وجيرانكم قبل سابق إنذار. وسيلحقكم بهم عن قريب في ليل أو نهار. أيها الشاب لا تغتر بشبابك فكم أخذ الموت من أترابك. أيها القوي لا تغتر بصحتك، فكم أخذ الموت من هو أقوى منك تأهبوا للموت الذي ما طلب أحداً فأعجزه. ولا تحصن منه متحصن إلا أخرجه وأبرزه. أي عيش صفا وما كدره. أي غصن علا وما كسره. وأي بناء أشيد وما دمره. أما أخذ الآباء والأجداد. أما ملأ القبور والألحاد.

 

  

الحمد لله أمر بالتذكير في محكم كتابه. ووعد المتذكرين بجزيل ثوابه. وتوعد المعرضين عن التذكرة بأليم عقابه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى وتذكروا ما أمامكم من الأهوال. فاستعدوا لها بصالح الأعمال. تذكروا الموت وسكراته وغمراته. فما أسرع الموت. وما أبعد الفوت. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). وقال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ) (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ). وقد أمر الله بالاستعداد قبل نزول الموت فقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

إنك أيها الإنسان لا تدري أي ساعة وفي أي أرض تموت. وفي الحديث الصحيح: " ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عند رأسه " وفي الأثر: " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح. وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء " يعني لا تمدد الأمل. وتؤخر العمل إلى أجل لا تدري أتدركه أم لا.

فاتقوا الله عباد الله وبادروا الأعمال الصالحة قبل فواتها. فإنكم ترون فعل الموت بإخوانكم وجيرانكم قبل سابق إنذار. وسيلحقكم بهم عن قريب في ليل أو نهار. أيها الشاب لا تغتر بشبابك فكم أخذ الموت من أترابك. أيها القوي لا تغتر بصحتك، فكم أخذ الموت من هو أقوى منك.

عباد الله: تأهبوا للموت الذي ما طلب أحداً فأعجزه. ولا تحصن منه متحصن إلا أخرجه وأبرزه. أي عيش صفا وما كدره. أي غصن علا وما كسره. وأي بناء أشيد وما دمره. أما أخذ الآباء والأجداد. أما ملأ القبور والألحاد. أما أرمل النساء وأيتم الأولاد. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " أكثروا ذكر هاذم اللذات " يعني الموت. رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

أيها المسلمون: وبعد الموت وسكراته. تذكروا القبر وظلماته. فإنه أول منازل الآخرة، وهو إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه. قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد. فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به الأرض، فرفع رأسه فقال: " استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً ". ثم قال: " إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس. معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر. ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان. قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيّ السقاة فيأخذها. فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين. حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة. فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة. فيقول الله: " اكتبوا كتاب عبد في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى ". قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك فيقول: ربي الله. فيقولان له: ما دينك. فيقول ديني الإسلام. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم. فيقول: هو رسول الله. فيقولان له: وما علمك. فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت. فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة. وألبسوه من الجنة. وافتحوا له باباً من الجنة. قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح. فيقول: أبشر بالذي يسرك. هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول له: من أنت فوجهك الذي يأتي بالخير. فيقول: أنا عملك الصالح. فيقول: رب أقم الساعة. رب أقم الساعة. حتى أرجع إلى أهلي ومالي.

قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء سود الوجوه. معهم المسوح فجلسوا منه مد البصر. ثم يجيء ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب. قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود م الصوف المبلول فيأخذها. فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، فيخرج منها كأنتن جيفة وجدت على وجه الأرض. فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة. فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له. ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ). فيقول الله: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى. فتطرح روحه طرحاً. ثم قرأ: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه ويقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري. فيقولان له: ما دينك. فيقول: ها هاه لا أدري. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم. فيقول:هاه هاه لا أدري. فينادي مناد من السماء: أن كذب عبدي فأفرشوه من النار. وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه. ويأتيه رجل قبيح الوجه. قبيح الثياب. منتن الريح. فيقول: أبشر بالذي يسوؤك. هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول: ومن أنت فوجهك الوجه يجيء بالشر. فيقول: أنا عملك الخبيث. فيقول: رب لا تقم الساعة ". ورواه أبو داود وابن ماجه. قال الحافظ المنذري. هذا الحديث حديث حسن رواته محتج بهم في الصحيح، ورواه البيهقي من طريق المنهال بنحو رواية أحمد. ثم قال: هذا صحيح الإسناد.

هذا وصف الاحتضار وحالة الميت في قبره إلى يوم القيامة. قد قال الله في كتابه الكريم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) الآيات إلى قوله: (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ).

 

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي