آداب وأحكام السفر

عبد الله بن محمد البصري
عناصر الخطبة
  1. فوائد السفر .
  2. أحكامه .
  3. آدابه .
  4. استهداف الأعداء لأبناء المسلمين السائحين .
  5. الاعتبار بالسفر .
  6. الجمع بين المتعة والفائدة .
  7. التخطيط لإجازة ناجحة .

اقتباس

والسفرُ في الإسلامِ لا بَأسَ به، ولا محظورَ فِيهِ، ولو كان لِلتَّرفِيهِ، وقد يكونُ واجبًا مطلوبًا، أو خيرًا مندوبًا، لكنَّ له حدودًا يجِبُ أن تُرَاعَى، وَضَوابِطَ يَلزَمُ أَن يُؤخَذَ بها، وَأَحكامًا وآدابًا يجِبُ تعلُّمُها وتَطبِيقُها، وقد أحاطتِ الشريعةُ الغَرَّاءُ المُسافِرَ بجملةٍ من الأحكامِ والآدابِ، ابتِدَاءً مِن نِيَّةِ السَّفرِ والعَزمِ عَلَيهِ، إلى الإِيَابِ مِنهُ ورُجُوعِ المُسافِرِ إلى دِيَارِهِ.

الخطبة الأولى:

أيها المسلمون: وفي العطلةِ الصيفيةِ، وبعدَ عناءِ عامٍ كاملٍ من التعلمِ والعملِ الجادِّ، يَفرُغُ الأبناءُ مِنَ الدِّراسةِ، ويشتاقُ آباؤُهُم إلى التغييرِ والراحةِ.

وَمَعَ اشتدادِ حرارةِ الصيفِ اللاهبةِ، تتطلَّعُ نُفُوسٌ إلى النزهةِ، وتشرئِبُّ قُلُوبٌ إلى الترويحِ، فَيَحمِلُ كثيرٌ مِنَ الناسِ عصا التَّرحَالِ ويحزِمُون حقائبَ السفرِ، فَارِّينَ مِن ديارِهِم إلى المصايفِ والمُتَنَزَّهاتِ، لائِذِينَ بالشواطئِ والمنتجعاتِ.

تَذهَبُ إلى المطاراتِ فَتَجِدُ أَعدَادًا مِنَ الناسِ يُسابِقُون الرِّيحَ، قد أَعدُّوا عُدَّتَهم لِسَفَرٍ طَوِيلٍ ورحلاتٍ كثيرةٍ، وتَنظُرُ إلى الطُّرُقِ فترى أَرسَالاً مِنَ السياراتِ قد تزاحمت وتوالت، حاملةً أَهلَهَا مِن دِيارِهِم إلى دِيارٍ أُخرى.

إِنَّهُم مُسافِرُونَ، وما أَدرَاكَ مَا السَّفرُ؟! به تتحقَّقُ رَغَبَاتٌ، وتُقضَى حَاجَاتٌ، وبه تُرَفَّهُ نُفُوسٌ، وتُراحُ قُلُوبٌ، وبه تُفرَّجُ همومٌ وتُزَالُ غُمُومٌ، وهو مَجْلاةٌ للسَّأمِ، مَذهبَةٌ لِلكَلالِ، وفِيهِ بُعدٌ عَنِ الرَّتَابَةِ وَالمَلالِ.

وهو قَبلَ ذَلِكَ لازِمٌ لحجٍّ وعُمرَةٍ، وجِهادٍ وَاجِبٍ، وطَلَبِ عِلمٍ مُتَعَيِّنٍ، وَهَل بَلَغَ الصحابةُ الأَجِلاَّءُ والسَّلَفُ النُّبَلاءُ ما بَلَغُوا مِنَ التَّمكِينِ في الأرضِ إلا بالسفرِ والسياحةِ؟ وهل اعتلى الأئمةُ الأَعلامُ وفُقَهَاءُ الإِسلامِ ذُرَا المجدِ وحازوا قَصَبَ السَّبقِ إلا بِالرحلةِ في طَلَبِ الحَدِيثِ؟ وما حُصِّلَتِ العُلُومُ ونِيلَتِ المعارِفُ وَالخِبراتُ بِمِثلِ التَّنَقُّلِ بَينَ البُلدانِ، والتَّغرُّبِ عَنِ الأَوطانِ.

وَللهِ دَرُّ القَائِلِ:

تَغَرَّبْ عَنِ الأَوطَانِ في طَلَبِ العُلا *** وَسَافِرْ فَفِي الأَسفَارِ خمسُ فَوَائِدِ

تَفَرُّجُ هَمٍّ وَاكتِسَابُ مَعِيشَةٍ *** وَعِلمٌ وَآدَابٌ وَصُحبَةُ مَاجِدِ

يُسافِرُ المرءُ مِن دارِهِ وَقَد قَلاها، وَيُفارِقُ أَصحابَهُ وَقَدِ اجتَوَاهُم، فَمَا يَعُودُ مِن سَفَرِهِ إلا وَقَدِ اشتَاقَ إلى تِلكَ الدَّارِ، وتَاقَت نَفسُهُ لأولئكَ الأصحابِ، وَصَدَقَ مَن قال:

سَافِرْ تَجِدْ عِوَضًا عَمَّن تُفَارِقُهُ *** وَانصَبْ فَإِنَّ لَذِيذَ العَيشِ في النَّصَبِ

إِنِّي رَأَيتُ وُقُـوفَ المـَاءِ يُفسِـدُهُ *** إِن سَالَ طَابَ وَإِنْ لم يَجرِ لم يَطِبِ

وَالأُسْدُ لَولا فِرَاقُ الغَابِ مَا افتَرَسَتْ *** وَالسَّهمُ لَولا فِرَاقُ القَوسِ لم يُصِبِ

وَالشَّمسُ لَو وَقَفَتْ في الفُلكِ دَائِمَـةً *** لَمَلَّهَا النَّاسُ مِن عُجْمٍ وَمِـن عَـَربِ

وفي السفرِ سِيَاحَةٌ في الأرضِ، وسَيرٌ في مَنَاكِبِها، وتَفَكُّرٌ فـي مَلكُـوتِ اللهِ، وَتَدَبُّرٌ لِعَظِيمِ خَلقِهِ، وَتَأمُّلٌ لِبَدِيـعِ صُنعِهِ وعَجِيبِ آياتِهِ، واعتِبَارٌ ممَّا جَرَى لِلسَّابِقِينَ وَادِّكَارٌ: (قُلْ سِيرُوا فى الأرضِ فَانظُرُوا كَيفَ بَدَأَ الخَلقَ) [العنكبوت:19]،  (قَد خَلَت مِن قَبلِكُم سُنَنٌ فَسِيرُوا في الأَرضِ فَانظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذَّبِينَ) [آل عمران:138], (أَوَلَم يَسِيرُوا في الأَرضِ فَيَنظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم كَانُوا أَشَدَّ مِنهُم قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرضَ وَعَمَرُوهَا أَكثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظلِمَهُم وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ) [الروم:9], (أَفَلَم يَسِيرُوا فِي الأَرضِ فَيَنظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم دَمَّرَ اللهُ عَلَيهِم وَلِلكَافِرِينَ أَمثَالُهَا) [محمد:10], (أَفَلَم يَسِيرُوا فى الأرضِ فَتَكُونَ لَهُم قُلُوبٌ يَعقِلُونَ بِهَا أَو آذَانٌ يَسمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعمَى الأبصَـارُ وَلَـكِن تَعمَى القُلُوبُ التى في الصُّدُورِ) [الحج:46].

لَكِنَّ السؤالَ الذي يجِب أَن يَطرحَهُ كُلُّ مُسافِرٍ على نَفسِهِ قَبلَ سَفَرِهِ: لماذا أُسَافِرُ؟ وإلى أَينَ أَذهَبُ؟ وَمَن أَصحَبُ؟ وَإِلامَ أَحتَاجُ؟.

أيها المسلمون: إِنَّ مِن سماحَةِ الإسلامِ أنه لم يحجُرْ على أَتبَاعِهِ أَن يُرَوِّحُوا عن أَنفُسِهِم، ولم يمنعْهُم مِن إِدخالِ السرورِ على أَهلِيهِم وَأَبنائِهِم، ففي حديثِ حَنظَلَةَ بنِ عامِرٍ -رضي اللهُ عنه- قال: قُلْتُ: نَافَقَ حَنظَلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "وَمَا ذَاكَ؟" قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِندَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأي عَينٍ، فَإِذَا خَرَجنَا مِن عِندِكَ عَافَسْنَا الأَزوَاجَ وَالأولادَ وَالضَّيعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ! لَو تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِندِي وَفي الذِّكرِ لَصَافَحَتْكُمُ المَلائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُم وَفِي طُرُقِكُم، وَلَكِنْ يَا حَنظَلَةُ، سَاعَةً وَسَاعَةً! سَاعَةً وَسَاعَةً! سَاعَةً وَسَاعَةً!".

والسفرُ في الإسلامِ لا بَأسَ به، ولا محظورَ فِيهِ، ولو كان لِلتَّرفِيهِ، وقد يكونُ واجبًا مطلوبًا، أو خيرًا مندوبًا، لكنَّ له حدودًا يجِبُ أن تُرَاعَى، وَضَوابِطَ يَلزَمُ أَن يُؤخَذَ بها، وَأَحكامًا وآدابًا يجِبُ تعلُّمُها وتَطبِيقُها، وقد أحاطتِ الشريعةُ الغَرَّاءُ المُسافِرَ بجملةٍ من الأحكامِ والآدابِ، ابتِدَاءً مِن نِيَّةِ السَّفرِ والعَزمِ عَلَيهِ، إلى الإِيَابِ مِنهُ ورُجُوعِ المُسافِرِ إلى دِيَارِهِ.

منها: حُسنُ المَقصِدِ، وَشَرَفُ الغَايَةِ، ونُبلُ الهَدَفِ، وَسُمُوِّ الغَرضِ، وَأَن يَكونَ السَّفرُ في حُدُودِ بِلادِ الإِسلامِ المحافِظَةِ، ما لم يَكُنْ ثَمَّ ضَرُورَةٌ أَو حَاجَةٌ لِلسَّفَرِ إلى بِلادِ الكُفَّارِ، مَعَ المحافَظَةِ -إِذْ ذَاكَ- على شَعَائِرِ الإِسلامِ والاعتِزَازِ بها.

ومِن آدابِ السفرِ تَقدِيمُ الاستِخَارَةِ والاستِشَارَةِ، وَتَفَقُّدُ المَركبَةِ، وَالأَخذُ بِوَسَائِلِ السَّلامَةِ، والتَّزَوُّدُ بما يَكفِي مِنَ المَالِ، وَالتَّفقُّهُ في أَحكامِهِ وَآدَابِهِ وَرُخَصِهِ, كالمسحِ على الخُفَّينِ، وَقَصرِ الصلاةِ وجمعِها، ومُدَّةِ ذلك وكيفيتِهِ، وَمَعرفَةِ اتجاهِ القِبلَةِ، وغَيرِ ذلك مِنَ الأَحكامِ.

ومنها إِذنُ الوَالِدَينِ وَرِضَاهما، قال الإمامُ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ -رحمه اللهُ-: "ويحرُمُ السفرُ بِغَيرِ إِذنِهِما؛ لأنَّ الجِهَادَ إِذَا مُنِعَ مَعَ فَضِيلتِهِ، فَالسفرُ المُباحُ أَولى".

ومِن آدَابِهِ التِمَاسُ الوَصِيَّةِ وَالدُّعَاءِ مِن أَهلِ الصَّلاحِ والفَضلِ، ففي الحديثِ أَنَّ رَجُلاً جاء إلى النبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلم- فقال: يا رَسولَ اللهِ، إني أُرِيدُ سَفَرًا فَزَوِّدْني، قال: "زَوَّدَكَ اللهُ التقوى"، قال: زِدْني، قال: "وَغَفَرَ ذَنبَكَ"، قال: زِدْني، بَأَبي أَنتَ وَأُمِّي! قال: "وَيَسَّرَ لك الخَيرَ حَيثُمَا كُنتَ".

ومِن آدابِ السفرِ، حُسنُ اختِيَارِ الصَّاحِبِ المُطَاوِعِ، وَتَوخِّي المُرافِقِ المُوَافِقِ، الذي يَدُلُّ على اللهِ مَظهَرُهُ, ويُذَكِّرُ في الغَفلَةِ مخبَرُهُ، ويُؤنِسُ صَاحِبَهُ، وَلا يُكَدِّرُ خَاطِرَهُ، وما سُمِّيَ السفرُ سَفَرًا إِلاَّ لأَنَّهُ يُسفِرُ عن أَخلاقِ الرجالِ وطِباعِهِم، ويَكشِفُ مَعَادِنَهُم، وَيُجَلِّي صِفَاتِهِم، وَكم مِن رَجُلٍ يُعجِبُكَ إذِ اللِّقَاءُ بِهِ قليلٌ، وَيَسُرُّكَ إِذْ لا حَاجَةَ بِكَ إِلَيهِ، فَإِذَا سَافَرتَ مَعَهُ وَبَلَوتَهُ، غَسَلتَ يَدَيكَ مِنهُ!.

وقد كان -صلى اللهُ عليه وسلم- يُوصِي أَصحَابَهُ بِالجَمَاعَةِ في السَّفَرِ وَيَنهَى عَنِ الوحدةِ، قال -عليه السلامُ-: "لو يَعلَمُ الناسُ ما في الوحدةِ ما أَعلَمُ، ما سار راكِبٌ بِلَيلٍ وَحدَهُ"، وكان يَأمُرُ أصحابَهُ إذا خرجوا لِسَفرٍ أن يجعلوا عليهم أَميرًا، حتى يكونَ رَأيُهُم وَاحِدًا ولا يَقَعَ بَينَهُمُ اختِلافٌ، وَحِرصًا منه على لُزُومِ الجَمَاعَةِ وَتَجَنُّبِ أَسبَابِ الفُرقَةِ، قال -عليه السلامُ-: "إَذَا خَرَجَ ثلاثةٌ في سفرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُم".

ومِنَ الآدَابِ الحِرصُ على أَذكَارِ السَّفَرِ، والإِكثَارُ مِن ذِكرِ اللهِ وصالحِ الأَدعِيَةِ، فهي حِصنٌ حَصِينٌ مِن كُلِّ شَرٍّ، وَكِفَايَةٌ مِن كُلِّ سُوءٍ، وَوِقَايَةٌ مِن كُلِّ بَلاءٍ بِإِذنِ اللهِ، قال -عليه الصلاةُ والسلامُ-: "ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُستَجَابَات لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعوَةُ المَظلُومِ، وَدَعوَةُ المُسَافِرِ، وَدَعوَةُ الوَالِدِ على وَلَدِهِ".

وكان مِن هَديِهِ -عليه الصلاة والسلام- في السفرِ، أَن يُوَدِّعَ أَهلَهُ وَأَصحابَهُ قَبلَ أَن يخرُجَ، فعنِ ابنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قال: كان رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- يُوَدِّعُنا فَيَقُولُ: "أَستَودِعُ اللهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ".

وكان -عليه السلام- يَستَحِبُّ الخُرُوجَ يَومَ الخَمِيسِ في أَوَّلِ النَّهَارِ، فعن كعبِ بنِ مالكٍ -رضي الله عنه- قال: "لَقَلَّمَا كان رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- يخرُجُ إِذَا خَرَجَ في سَفَرٍ إِلَّا يَومَ الخميسِ. وكان -عليه السلام- يدعو اللهَ أن يُبَارِكَ لأُمَّتِهِ في بكورِها.

ومِنَ الآدابِ التَّعَجُّلُ بِالرُّجُوعِ إلى الأهلِ عِندَ قَضَاءِ الحاجَةِ، قال -صلى اللهُ عليه وسلم-: "السفرُ قِطعَةٌ مِنَ العَذَابِ، يمنَعُ أَحدَكُم طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَومَهُ، فَإِذَا قَضَى أَحدُكُم نهمتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلى أَهلِهِ".

ومِن جملةِ ما نهى عنه -صلى اللهُ عليه وسلم- في السفرِ: اصطحابُ الكلبِ والجَرسِ، قال -صلى اللهُ عليه وسلم-: "لا تَصحَبُ الملائِكَةُ رُفقَةً فِيهَا كلبٌ ولا جَرَسٌ".

وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَإِنْ كانوا لا يَصطَحِبُونَ الكِلابَ في سفرِهِم، فَإِنَّ لهم مَعَ الغِنَاءِ شَأنًا آخَرَ! إذْ لا تحلُو الرِّحلَةُ عِندَهُم ولا يُقطَعُ الطَّرِيقُ إِلاَّ على أَصوَاتِ المُطرِبِينَ وَالمُطرِبَاتِ، وَهَؤُلاءِ وَإِنْ أَحَسُّوا بِنَشوَةٍ وَقتِيَّةٍ وَتَمَايَلُوا طَرَبًا، فإنَّ لهم مِنَ الضَّنكِ وَالضَّيقِ أَوفَرَ النَّصِيبِ، وَهُم مِن كُلِّ خَطَرٍ وَشَرٍّ قَرِيبُونَ، إذْ صَاحِبُهُمُ الشَّيطَانُ وَأَنِيسُهُم صَوتُهُ، واللهُ -جل وعلا- يَقُولُ: (وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) [طه:124], وَيَقُولُ: (وَمَن يَعشُ عَن ذِكرِ الرَّحمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف:36].

ومما نهى عنه -عليه الصلاة والسلام- سَفَرُ المرأةِ دُونَ محرَمٍ، لما يَتَرَتَّبُ عَلَيهِ مِن حُصُولِ الفِتنَةِ بها والأَذِيَّةِ لها، قال -صلى اللهُ عليه وسلم-: "لا تُسَافِرِ امرَأَةٌ فَوقَ ثَلاثِ لَيَالٍ إِلاَّ مَعَ ذِي محرَمٍ", وكذلك نهى -صلى اللهُ عليه وسلم- أَن يَطرُقَ المُسَافِرُ أَهلَهُ لَيلاً فقال: "إِذَا أَطَالَ أَحدُكُمُ الغَيبَةَ، فَلا يَطرُقْ أَهلَهُ لَيلاً"، وعن جابِرٍ -رضي الله عنه- قال: "نهى رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- أَن يَطرُقَ الرجلُ أَهلَه لَيلاً يَتَخَوَّنُهُم أَو يَلتَمِسُ عَثَرَاتِهِم".

أيها المسلمون: مَا أَجملَ السفرَ وَمَا أَحسَنَ السياحةَ إِذَا كان ذلك بِمَفهُومِهِمَا النَّقِيِّ وَمَغزَاهُمَا الشَّرعِيِّ! مَا أَجملَ السفرَ المُنضَبِطَ بِضَوَابِطِ الشَّرِيعَةِ وَآدَابِ الإِسلامِ! وَمَا أَحسَنَ السياحةَ إِذَا كانت لِلتَّأثِيرِ لا التَّأثُّرِ! وَأَكرِمْ بِسَفَرِ الاعتِزَازِ لا الابتِزَازِ! وَأَجمِلْ بِسِيَاحَةِ الثَّبَاتِ لا الانفِلاتِ! وَحَبَّذَا التَّنَقُّلُ لِطَلَبِ الفَضِيلَةِ لا لِلوُقُوعِ في الرَّذِيلَةِ.

غَيرَ أَنَّ ممَّا يَبعَثُ عَلَى الحُزنِ وَالأَسى أَنَّ في الأُمَّةِ جمُوعًا مِنَ المُنهَزِمِينَ، عَبُّوا مِن ثَقَافَةِ الكَفَرَةِ حتى ثَمِلُوا، وَزَعَمُوا أَنَّ السفرَ والسياحةَ لا يُمكِنُ أَنْ تَتَحَقَّقَ إِلاَّ بِأَيَّامٍ سَودَاءَ، وَلَيالٍ حمرَاءَ، وَمُجَانَبَةٍ لِلحَيَاءِ، مُتَجَاهِلِينَ أَنَّ الوُلُوغَ في هذِهِ المِيَاهِ العَكِرَةِ العَفِنَةِ، وَالانسِيَاقَ وَرَاءَ أَمرَاضِ الأُمَمِ المُعَاصِرَةِ، وَتَشَرُّبَ أَدوَاءِ المجتَمَعَاتِ المُنحَرِفَةِ وَإِفرَازَاتِها المُنتِنَةِ، لا يُمكِنُ أَن تَقبَلَهُ النُّفُوسُ المُؤمِنَةُ وَالمجتمعاتُ المحافِظَةُ، الذين أَكرَمَهُمُ اللهُ بِالدِّينِ وَجَمَّلَهُم بِالحَيَاءِ.

وَمِن هُنَا، فَإِنَّ على المُسَافِرِينَ وَالسَّائِحِينَ أَن يَتَّقُوا اللهَ في أَنفُسِهِم وفي أُسَرِهِم وفي مجتمعاتِهِم وَأَوطانِهِم، عَلَيهِم قَبلَ أَن يَرفَعُوا أَقدَامَهُم أَن يُفَكِّرُوا أَينَ يَضعونها، وَأَن يَكُونوا مُمَثِّلِينَ لِعَقِيدَتِهِم مُعتَزِّينَ بِقِيَمِهِم، مُظهِرِينَ لِشَعائِرِ دِينِهِم القَوِيمِ، دَاعِينَ إلى مَبَادِئِهِ السَّمحَةِ وتَعَالِيمِهِ المُبَارَكَةِ، وَأَن يحذَروا أَن يَفهَمَ العَالمُ عَنِ أَبنَاءِ المُسلِمِينَ وَشَبَابِهِم أَنهم أَربَابُ شَهَوَاتٍ وَصَرعَى مَلَذَّاتٍ، لا هَمَّ لهم إِلاَّ طَلبُها وَتَحصيلُها وَالتَّنَعُّمُ بها.

إِنَّ المُسلِمَ العاقلَ الواعيَ، المُدرِكَ لما حَولَهُ، المُعمِلَ لِفِكرِهِ، يأخُذُ مِنَ الأَحدَاثِ العِبرَةَ وَيفقَهُ المَوعِظَةَ، فَكَم مِن أُنَاسٍ سَافَرُوا طَلبًا لاقتِرَافِ الحَرَامِ، وَبَحثًا عَنِ المَعَاصِي وَقَبِيحِ الآثَامِ، فَكَانَ جَزَاؤُهُمُ الخَيبَةَ وَالخُسرَانَ، أَصابَتْهُمُ الأَمرَاضُ المُستَعصِيَةُ، وَانتَقَلَتْ إِلَيهِم الأَوبِئَةُ المُعدِيَةُ؛ جَزَاءً بما كَسَبَت أَيدِيهِم، وبما اقتَرَفُوا مِن مَعصِيَةِ بَارِيهِم.

وَقَد ثَبَتَ -بما لا يَدَعُ مجالاً لِلشَّكِّ- أَنَّ أَعدَاءَ الإِسلامِ يَستَهدِفُونَ أَبنَاءَ المُسلِمِينَ السَّائِحِينَ لِلوَقِيعَةِ بهم وَالنَّيلِ مِن أَخلاقِهِم وَعَقِيدَتِهِم عَن طَرِيقِ الغَزوِ الفِكرِيِّ وَالفَسَادِ الخُلُقِيِّ، وَيَستَغِلُّونَ كَثِيرًا مِنَ السَّائِحِينَ اقتِصَادِيًّا وَخُلُقِيًّا، وَيجرُّونهم رَوَيدًا رَوَيدًا إِلى حُيثُ الخَنَا وَالفُجُورُ، وَالمُخَدِّرَاتُ والخُمُورُ، بل قد يَرجِعُ بَعضُهُم مُتَنكِّرِينَ لِدِينِهِم وَمجتمعِهِم، وَآخَرُونَ يحمِلُونَ مَعَهُمُ الأَمرَاضَ والأَوبِئَةَ وَالأَدوَاءَ، فَعَلى المُسافِرِ مُرَاقَبَةُ اللهِ -تعالى- أَينَمَا حـَلَّ وَحَيثُما نَزَلَ، فَإِنَّ اللهَ مَعَهُ في كُلِّ مَكَانٍ وزَمَانٍ، والأَرضُ تَشهَدُ يَومَ القيامةِ بِـمَا فُعِلَ عَلَيهَا.

وَلْيَحذَرِ السَّفَرَ مَعَ الذين أُترِعَت قُلُوبُهُم بِحُبِّ الشَّهَوَاتِ، وَخَلَت أَفئِدَتُهُم مِن مُرَاقَبَةِ رَبِّ الأَرضِ وَالسَّمَاواتِ، قال -سبحانه-: (أَلَم تَرَ أَنَّ اللهَ يَعلَمُ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأَرضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُم وَلا خَمسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُم وَلا أَدنى مِن ذَلِكَ وَلا أَكثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُم أَينَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَومَ القِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة:7], وقال -تعالى-: ( يَومَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوحى لَهَا) [الزلزلة:4-5], وقال -جل وعلا-: (وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيكُم وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَن تَمِيلُوا مَيلاً عَظِيمًا) [النساء:27]. وقــالَ -عليه السلام-: "اتَّـقِ اللهَ حَيثُمَا كُنتَ، وَأَتبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ".

وعلى المُسافِرِ أَن يَتَذَكَّرَ بِسَفَرِهِ مِن دِيَارِهِ السَّفَرَ الأَخِيرَ إلى الدَّارِ الآخِرَةِ، الذي لا رَجعَةَ بَعدَهُ للدنيا، وَلْيَتَزَوَّدْ لَهُ بِالتَّقوَى، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولي الأَلبَابِ) [البقرة:197]، كان الحسنُ -رحمه اللهُ- يَقُولُ لِطَالِبِ النَّصِيحَةِ: "أَكثِرِ الزَّادَ فَإِنَّ السَّفَرَ طَوِيلٌ، وَأَخلِصِ العَمَلَ فَإِنَّ النَّاقِدَ بَصِيرٌ، وَاحذَرِ الغَرَقَ فَإِنّ البَحرَ عَمِيقٌ".

أيها المسلمون: إِنَّنَا أَمَامَ سَفَرٍ طَوِيلٍ لا خِيَارَ فِيهِ، سَفَرٌ لا نَدرِي متى وأينَ يَكُونُ، قال -سبحانه-: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قَالَ رَبِّ ارجِعُونِ * لَعَلِّي أَعمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرزَخٌ إِلى يَومِ يُبعَثُونَ) [المؤمنون:99-100].

فَمَا لِلنُّفُوس لا تَتَزَوَّدُ مِنَ التقوى وهي مُسَافِرَةٌ؟! وَمَا لِلهِمَمِ عَن رَكبِ المُتَّقِينَ فَاتِرَةٌ؟! وَمَا لِلأَلسُنِ عَن شُكرِ النِّعَمِ قَاصِرَةٌ؟! وَمَا لِلعُيُونِ إلى الفَانِيَةِ نَاظِرَةٌ، وَعَن طَرِيقِ الهِدَايَةِ حَائِرَةٌ؟! أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -رحمكم اللهُ- وَتَزَوَّدُوا مِنَ الفَانِيَةِ لِلبَاقِيَةِ، وَاغتَنِمُوا أَعمَارَكُم، وَأَصلِحُوا أَعمَالَكُم.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم وَاخشَوا يَومًا لا يَجزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَولُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيئًا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الغَرُورُ * إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيثَ وَيَعلَمُ مَا في الأَرحَامِ وَمَا تَدرِي نَفسٌ ماذَا تَكسِبُ غَدًا وَمَا تَدرِي نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان:33-34].

الخطبة الثانية:

أما بعدُ: فاتقوا اللهَ -تعالى- وأطيعوه، واجتنبوا نهيَه ولا تَعصُوهُ.

واعلموا -رحمكم اللهُ- أَنَّ التَّرفِيهَ المُبَاحَ وَالتَّروِيحَ البرِيءَ، لا يُنَافي الاستِفَادَةَ مِنَ الأَوقَاتِ وَاستِغَلالَهَا بِالطَّاعَاتِ، وَالعَاقِلُ مَن جمعَ الفَائِدَةَ وَالرَّاحَةَ وَالمُتعَةَ، وَاستَفَادَ مِن سَفَرِهِ في جمعِ المَعلُومَاتِ وَاكتِسَابِ الخِبرَاتِ، أَمَّا الغَفلَةُ وَالمَعصِيَةُ وَإِطلاقُ العِنَانَ لِلنَّفسِ، وَتَركُها تَقتَرِفُ الشَّهَوَاتِ بِلا زِمَامٍ وَلا خِطَامٍ، فَهَذَا مِن شَأنِ الذين لا يَعقِلُونَ، وَلا يَعُونَ الغَايَةَ مِن خَلقِهِم ولا يَفقَهُونَ.

إِنَّ الإِجَازَةَ النَّاجِحَةَ وَالسَّفَرَ المُفِيدَ يَتَطَلَّبَانِ التَّخطِيطَ السَّلِيمَ، وَالتَّحرُّكَ المَدرُوسَ، وَتحدِيدَ الهَدَفِ، وَنُبلَ الغَايَةِ، أَمَّا الغَوغَائِيَّةُ وَالفَوضَوِيَّةُ، فَهِيَ مَظِنَّةُ الخَسَارَةِ وَالوَبَالِ، فَكَم مِنْ عَائِدٍ مِن إِجازَتِهِ مِن غَيرِ فَائِدَةِ دُنيَوِيَّةٍ أَو أُخرَوِيَّةٍ، بَل لم يَتَحَقَّقْ له حتى التَّروِيحُ المُبَاحُ وَانبِسَاطُ النَّفسِ، وَرُبما عَادَ محمَّلاً بِالوَزرِ، مُثقَلاً بِالذَّنبِ .

وَخِتَامًا -أيها المسلمون- نُنَبِّهُ إِلى أَنَّ مَن لم يَستَطِعِ السَّفَرَ ولم يَقدِرْ عَلى تَكالِيفِهِ، فَلَيسَ بِضَرُورَةٍ أَن يُكَلِّفَ نَفسَهُ وَيُرهِقَهَا فَوقَ طَاقَتِهَا، وَيُثقِلَ كَاهلَهُ بِالدُّيُونِ أَوِ استِجدَاءِ الآخَرِينَ لِيُعطُوهُ أَو يُقرِضُوهُ.

وَالإِجَازَةُ النَّاجِحَةُ لا تَتَطَلَّبُ بِالضَّرُورَةِ سَفَرًا، وَعَلى الأَبِ أَن يَعمَلَ لِنَفسِهِ وَلأَبنَائِهِ البرَامِجَ المُنَاسِبَةَ، وَيُقِيمَ لهمُ المُسَابَقَاتِ النَّافِعَةَ، وَلْيُكْثِرْ مِن مُصَاحَبَتِهِم وَالتَّأثِيرِ الإِيجَابيِّ فِيهِم، أَو ليُلْحِقهُم بِالنَّوَادِي الصَّيفِيَّةِ التَّربَوِيَّةِ، وَالدَّورَاتِ الصَّيفِيَّةِ المُكثَّفَةِ، لِيَحفَظُوا كِتَابَ اللهِ وَيُتقِنُوا قِرَاءَتَهُ، وَيَستَفِيدُوا مِن أَوقَاتِهِم.

وليحذرْ من أن تضيعَ أوقاتُهُم في السَّهَرِ على ما حرَّمَ اللهُ، أَوِ التَّسَكُّعِ في الشَّوَارِعِ وَالأَسوَاقِ وَإِيذَاءِ الآخَرِينَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعلَمُونَ * وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولاَدُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ) [الأنفال:27-28], (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6], (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِن أَزوَاجِكُم وَأَولادِكُم عَدُوًّا لَّكُم فَاحذَرُوهُم وَإِن تَعفُوا وَتَصفَحُوا وَتَغفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [التغابن:14].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي