فالمسلم دائمًا يتأثر قلبه بالآيات الكونية التي يراها ماثلة أمام عينيه، وهذه الآيات تذكره بالله، وتحيي قلبه، وتجدد الإيمان فيه، وتجعله متصلاً بالله، ذاكرًا له، شاكرًا لنعمه، مستجيرًا بالله من نقمته وسخطه.
أيها الناس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى-، فاتقوا الله عباد الله، فإن تقوى الله -تعالى- خيرُ زادٍ يُتزوَّد به للدار الآخرة، (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الألْبَـابِ) [البقرة:197].
عباد الله: آياتٌ ونذر من الرحمن الرحيم للبشرية جمْعاء تتجدد يوما بعد يوم، بلْ بكل لحظة من لحظات حياتهم؛ حروبٌ ومجاعات، أمراضٌ فتاكة مستعصية، حوادث سير في البر والبحر والجو، ينجم عنها موت الجماعات من الناس في لحظة واحدة، خسوف وكسوف، زلازل وبراكين وفيضانات، عواصف وأعاصير، وغيرها.
فالكونُ بإنسه وجنّه، وسمائه وأرضه، وكواكبه ونجومه، ومخلوقاته ما علمنا منها وما لَمْ نعلم، إنما هو مسخّر بأمر الله، يتصرف فيه كيف يشاء -سبحانه-، ولا معترض عليه.
والمسلم بما يحمل من عقيدة التوحيد يعلم أن الضر والنفع بيد الله، وأن ما يجري من هذه الآيات والنذر إنما هي بِقَدَرٍ من الله؛ لحكمة يريدها الله، عَلِمَها البشر أو غابت عنهم، (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرّفُ الْآيَـاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ * وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ * بِوَكِيلٍ لّكُلّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [الأنعام: 65-67]، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ) [النور:43].
عباد الله: ومن هذه الآيات والنذر إعْصَارُ غُونُو الذي انطلق من المحيط الهندي إلى منطقة الخليج العربي وبسرعة هائلة إلى أنْ وصل الإعصار إلى العاصمة الْعُمانِيّة مَسْقَط، حيث تسبب في فيضانات، وانقطاع للتيار الكهربائي، وتعْطيلٍ لِحَركة الملاحة والنقل والمواصلات، ونَزْحِ آلاف السكان عن منازلهم، كما أُغلقت المؤسسات العامة والخاصة.
كما تسبب الإعصار بارتفاع الأمواج على سواحل بعض المدن الإماراتية، مِمّا دفع السلطات المحلية لإخلاء قاطني المساكن القريبة من البحر تَحَسُّبًا لزيادة ارتفاع الموج. فسبحانك ربنا ما أعظمك! وما أحلمك! وما أعدلك! شواطئُ جميلة يقصدها السائحون، ومحط أنظار المستثمرين، تُباع بأغلى الأثمان، يتسابق إليها رجال الأعمال, وفي لحظة واحدة تحوّلت إلى أراضٍ بَوار لا تُساوي درهمًا ولا دينارًا! يبتعد عنها كل من رام الصحة والسلامة!.
ما بَيْنَ غَمْضَةِ عَيْنٍ وانْتِبَاهَتُها *** يُبَدِّلُ الله مِنْ حالٍ إلى حَالِ
عباد الله: ومن باب الإنْذار والتّحذير نتكلم في هذه الخُطبة عن هذا الإعصار من خلال الوقفات التالية:
الوقفةُ الأولى: المعاصي سبب المصائب، فإذا وقعت المنكرات وأُعلنت ولم تُغَيّر فَسُنّةُ الله -تعالى- حُلُولُ العقوبات والمصائب، كما قال -تعالى-: (وَمَا أَصَـابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ) [الشورى:30]، وقال -تعالى-: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِى تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ) [النحل:45-46]، وقال الله -تعالى-: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال:52-53].
ومنْ تأمّل ما قصّ الله في كتابه من أحوال الأمم الذين أزال نعمه عنهم وجد سبب ذلك جميعه مخالفة أمره، وعصيان رسله، وكذلك من نظر في أحوال أهل عصره وما أزال الله عنهم من نعمه وجد ذلك من سوء عواقب الذنوب.
كما أن الرسول حذّر من المعاصي عامة، إلا أنه -عليه الصلاة والسلام- كرّر التحذيرَ والتنبيه بشأن بعضها، وبين -عليه الصلاة والسلام- أنها إذا وجدت تَبِعَتْها عُقوباتُها، ومن ذلك ما رواه الترمذي وصححه الألباني عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "فِي هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: "إِذَا ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ".
والعقوبة إذا حلّت شملت الجميعَ إلا من رحمه الله، كما في حديث زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- أَنَّ النَّبِيَّ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: "لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ! وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ"، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟! قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ" رواه البخاري.
وسببُ العقوبة للجميع، حتى الصالحين، هو السُّكوت وتَرْكُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعن قيس بن أبي حازم قال: سمعت أبا بكر على المنبر يقول: يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية: (يا أيُّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُم أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)، وإني سمعتُ رسولَ الله يقول: "إنّ النّاسَ إذا عُمِلَ فِيهِم بِالْمَعاصِي فَلَمْ يُغَيِّرُوا أَوْشَكَ الله أنْ يَعُمّهُم بِعِقَاب" أخرجه أبو داود والترمذي، وعن حُذَيفةَ قال: قال رسول الله: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ" رواه الترمذي.
قال ابنُ القيم في إعْلام الْمُوَقّعِين: "وأيُّ دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تُنْتهك، وحدوده تضاع، ودينه يترك، وسنة رسول الله يرغب عنها، وهو بارد القلب، ساكت اللسان، شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق؟!.
وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين، وخيارهم المتحزن المتلمظ؟! ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذل، وجدّ واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه.
وهؤلاء، مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم، قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى، وانتصاره للدين أكمل.
وقد ذكر الإمام أحمد -رحمه الله- وغيره أثرا أن الله -سبحانه- أوحى إلى ملك من الملائكة أن اخسف بقرية كذا وكذا، فقال: يا رب، كيف وفيهم فلان العابد؟! فقال: به فابدأ؛ فإنه لم يتمعر وجهه فيّ يوماً قط" انتهى كلامه، رحمه الله.
الوقفة الثانية: إن الله -سبحانه وتعالى- يحدث بعض الآيات والعقوبات تخويفا لعباده إذا غفلوا؛ لعلهم يرجعون، قال الله -تعالى-: (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا) [الإسراء:59]. قال ابن كثير -رحمه الله-: قال قتادة: "إن الله -تعالى- يخوف الناس بما شاء من الآيات لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون".
فهذا الإعصار قد نزل ببلاد قريبة لنا وتنحى إلى غيرنا، وما ندري، فلربما نزل هو أو غيره بنا وتنحى عن غيرنا، فليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب.
فعلينا -عباد الله- أن نحتاط لأنفسنا، ونتجنب الكوارث والأضرار في الدنيا والآخرة عمومًا، وذلك بتقوى الله -جل وعلا-، كما قال -تعالى-: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا) [الطلاق:8- 10].
الوقفةُ الثالثة: إن من أسباب منع العذاب ورفعه التوبة والاستغفار، وذلك بترك الذنوب، والعزم على عدم العودة إليها، مع الندم ورد المظالم والاستغفار، قال الله -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال:33].
وكذلك الخوف من نقمة الله وعقوبته، وعدم الأمن من مكره وعذابه، فقد ذم الله أقوامًا أمنوا مكر الله فقال: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:97-99].
فقد كان إمام المتقين، ورسول رب العالمين، إِذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ"، تقول عائشة -رضي الله عنها-: وَإِذَا تَخَيَّلَتْ السَّمَاءُ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَخَرَجَ وَدَخَلَ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: "لَعَلَّهُ -يَا عَائِشَةُ- كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ" رواه مسلم.
هذا خوفُه، مع أنّ الله -جل وعلا- قال: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال:33].
وأخرج ابنُ أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في سُننه، عن صفية بنت أبي عبيد -رضي الله عنها- قالت: زُلْزِلَت الأرضُ على عهد عمر حتى اصطفقت السُّرُرُ، فخطب عمرُ الناس فقال: "أحْدَثْتم؟ لقد عُجّلْتُم! لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم". وكان بعض السلف إذا تغير عليه خلُق زوجته أوْ دابته رجع وحاسب نفسه وقال: "والله، ما حدث هذا إلا بذنب فعلته!".
ويتأكد الخوف والحذر -عباد الله- كلّما كَثُرت المنكرات وتوالت علينا النذر مِمّن له الخلق والأمر، ممن يقول للشيء: كُنْ؛ فيكون! سبحانه وتعالى.
الوقفة الرابعة: إن من أسباب منع العذاب ورفعه التّضَرُّعَ واللُّجُوءَ إلى الله -تعالى- وحده لا شريك له، كما قال -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:42-43]، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكَرْبِ فَلْيُكْثِرْ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ" رواه الترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
اللّهُم إنا نعوذُ بِكَ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ، وَمِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ، وَمِنْ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ، وَمِنْ جَهْدِ الْبَلاءِ.
أقولُ ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل من كل ذنْبٍ، فاسْتغفِرُوه وتُوبُوا إليْهِ؛ إنّهُ هو الْغَفُورُ الرّحِيم.
الْحَمْدُ للهِ على إِحْسَانِهِ، والشّكْرُ له على توفيقه وامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أن لا إله إلا الله تعظيمًا لِشَانهِ، وأشهدُ أن نبيّنا محمدًا عبدُه ورسولُهُ الداعي إلى رضوانِهِ، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابِهِ وأعْوانِهِ، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: عِباد الله، عندما تمر على المسلم مثلُ هذه الأحداث العظيمة وغيرها المتعلقة بالكون ينبغي أن تكون له وقفة تأمل واعتبار تنطلق من العقيدة التي رَسَخَتْ في قلبه وانْعكست على تصوراته للكون من حوله، وهذا هو المهم، أما أهل المناهج المادية الأرضية البحتة فإنهم ينطلقون من تصوراتهم المادية لمثل هذه الأحداث، والمسلم له منطلقاته التي يحكم بها حياته هو، ونظرته إلى ما حوله من الأحداث، فقلب المسلم معلق دائمًا بالله، ما يرى من نعمة إلّا ويعلم أنها من عند الله، وما يرى من مصيبة إلّا ويعلم أنها بما كسبت يداه، ويعفو عن كثير.
فالمسلم دائمًا يتأثر قلبه بالآيات الكونية التي يراها ماثلة أمام عينيه، وهذه الآيات تذكره بالله، وتحيي قلبه، وتجدد الإيمان فيه، وتجعله متصلاً بالله، ذاكرًا له، شاكرًا لنعمه، مستجيرًا بالله من نقمته وسخطه.
عباد الله: إن مما يحزن له المسلم أن يجد بعض المسلمين ينسى مثل هذه الحقائق الإيمانية العظيمة في خضم الأحداث التي قد تفجؤه، فترى البعض ينسب مثل هذه الأحداث الكونية إلى الطبيعة ومن ظاهرة الاحتباس الحراري بالذات، ناسيًا -أو متناسيًا- قدرة الله العظيمة، أو متأثرًا بالدراسات والتقارير التي تصدر عن الجهات التي لا تقيم للدين وزنًا.
فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، واستمسكوا من دينكم بالعروة الوثقى، واحذروا سخط الجبار فإن أجسامكم على النار لا تقوى.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا -رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم- على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ فَقَال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال: "مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا" رواه مسلم.
اللّهم صَلّ وَسَلّم على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ: أبي بكرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ، وَعَلي؛ وعن بقيةِ الْعَشَرَةِ المبشرينَ بالجنة، وعن صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ، وعَنِ التابعينَ وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين، وعنّا مَعَهُم بِرحمتكَ يا أرْحم الراحمين.
اللهم أعِزّ الإسلامَ وانْصر المسلمين، وأذِلّ الشّركَ والْمُشْرِكينَ، وَدَمِّرْ أعداءَك أعداءَ الدّين...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي