الشيطان والإنسان عداوة وإيذاء وعلاج وشفاء

فؤاد بن يوسف أبو سعيد
عناصر الخطبة
  1. ماهية خلق الله للملائكة والجن .
  2. بعض وظائف الجن وأحوالهم .
  3. شدة عداوة الشيطان للإنسان وإيذائه له وبعض القصص في ذلك .
  4. وسائل التحصن من الشيطان .
  5. أسباب طرد الشيطان وأسباب جلبه .
  6. خطوات إضلال الشيطان للإنسان .

اقتباس

عباد الله: ما الذي يطرد الشياطين ويبعدهم، ويصرف عنا شرهم وكيدهم؟ إن الذي يطرد الشياطين، ويبعدهم عن الإنسان المؤمن؛ ذكر الله، والأذان، والإقامة، والاستعاذة، والتسمية عند دخول البيت، والخروج منه، ودخولِ المرحاضِ، والخروج منه، والتسميةُ على الطعام والشراب والجماع واللباس، وذكرُ الله على كلِّ فعل وعمل يطرد عنك الشيطان. أما الذي يجلبهم ويجذبُهم...

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70 - 71].

أما بعد:

فإن خيرَ الكلامِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

قال سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 56- 58].

لقد "خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ" [صحيح مسلم: 2996].

الملائكة مجبولون على الطاعة: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].

والجن يميلون بطبعهم إلى المعاصي والعناد، والإنس يميلون بطبعهم إلى الخير والطاعة والعطاء.

الملائكة أجسام نورانية، لا تمنعهم الحواجز والحجب والجدر، ولا يأكلون ولا يتزاوجون ولا يتكاثرون. والجن أجسام نارية، يأكلون ويشربون ويتكاثرون، أعطاهم الله القدرة على التشكل والتصور ودخول الأماكن الدقيقة، والرفيعةِ الضيقة، ولهم القدرة على الانتقال من مكان إلى آخر بسرعة، وحمل الأثقال التي يعجز عن حملها الإنسان: (قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ)[النمل: 39].

(وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ) [ص: 37 - 38].

(يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13].

ومنهم من يمشي على رجلين، ومنهم على صور الحيات يزحف، ومنهم على صور القطط والكلاب.. ويحبُّون الألوان السوداء، ومنهم ما له أجنحة يطير بها من مكان إلى مكان، ومنهم من يسترق السمع لما يجري في السموات "انْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟! فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ بِنَخْلَةَ، عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، وَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) [الجن: 2].

فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ) [الجن: 1].

وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الجِنِّ" [صحيح البخاري: 773].

وقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله تعالى عنها-: سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الكُهَّانِ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسُوا بِشَيْءٍ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تِلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ، يَخْطَفُهَا الجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ" [صحيح البخاري: 6213].

ومع أنهم يمتلكون هذه القدراتِ الهائلةَ، ويرونَنا ولا نراهم؛ لكنهم لا يستطيعون فتح بابٍ مغلقٍ مذكورٍ عليه اسم الله -تعالى-، ولا يتناولون طعاما ولا شراب في إناء ذُكر اسم الله عليه، يعجزون عن رؤيتنا أو إيذائنا إذا سمَّينا اللهَ عند دخول بيوتنا، وإذا سمَّينا الله عند دخول الخلاء، وإذا سمَّينا الله عند الجماع، وإذا سمَّينا الله عند النوم وعند اليقظة، وعند خلع الملابس أو لبسها.

ويحاولون إيذاء بني آدم فقد يفلحون وقد يفشلون، فماذا صنع الشيطان مع أيوب -عليه السلام-؟ قال سبحانه: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) [ص: 41- 42].

وحاول عفريتٌ إيذاءَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ البَارِحَةَ" -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا-؛ "لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلاَةَ، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي) [ص: 35] قَالَ رَوْحٌ: فَرَدَّهُ خَاسِئًا" [صحيح البخاري: 4808].

وأمسك أحدَهم أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه-، عندما حاول أن يسرق من زكاة الفطر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: "وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ، وَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، قَالَ: فَخَلَّيْتُ عَنْهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ؟!" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً، وَعِيَالًا، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ" فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّهُ سَيَعُودُ، فَرَصَدْتُهُ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: دَعْنِي؛ فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ، لاَ أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟!" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً، وَعِيَالًا، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ" فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ، أَنَّكَ تَزْعُمُ لاَ تَعُودُ، ثُمَّ تَعُودُ! قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا، قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ: (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ...) [البقرة: 255].

حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ؟" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: "مَا هِيَ؟" قُلْتُ: قَالَ لِي: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ: (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ)، وَقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، -وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الخَيْرِ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟!" قَالَ: لاَ! قَالَ: "ذَاكَ شَيْطَانٌ" [البخاري: 2311].

ووسوس لأحد الصحابة ليشككه في صلاته، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: لَمَّا اسْتَعْمَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الطَّائِفِ؛ جَعَلَ يَعْرِضُ لِي شَيْءٌ فِي صَلَاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ؛ رَحَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "ابْنُ أَبِي الْعَاصِ؟!" قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: "مَا جَاءَ بِكَ؟!" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! عَرَضَ لِي شَيْءٌ فِي صَلَوَاتِي، حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي؟ قَالَ: "ذَاكَ الشَّيْطَانُ" يقال له: خنزب، ادْنُهْ" فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَجَلَسْتُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيَّ، قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرِي بِيَدِهِ، وَتَفَلَ فِي فَمِي، وَقَالَ: "اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ"، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: "الْحَقْ بِعَمَلِكَ" قَالَ: فَقَالَ عُثْمَانُ: "فَلَعَمْرِي مَا أَحْسِبُهُ خَالَطَنِي بَعْدُ!" [سنن ابن ماجة: 3548، وهو في مسلم: 2203] مختصرا].

والشيطان آذى طفلاً، فجاءت به أمه للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فتفل في فمه فشفي، فقد قَالَتْ له: إِنَّ ابْنِي هَذَا بِهِ لَمَمٌ مُنْذُ سَبْعِ سِنِينَ، يَأْخُذُهُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَدْنِيهِ" فَأَدْنَتْهُ مِنْهُ، فَتَفَلَ فِي فِيهِ، وَقَالَ: "اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ" ثُمَّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا رَجَعْنَا فَأَعْلِمِينَا مَا صَنَعَ" فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، اسْتَقْبَلَتْهُ وَمَعَهَا كَبْشَانِ وَأَقِطٌ -أي لبن مجفف- وَسَمْنٌ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "خُذْ هَذَا الْكَبْشَ، فَاتَّخِذْ مِنْهُ مَا أَرَدْتَ" فَقَالَتْ: "وَالَّذِي أَكْرَمَكَ! مَا رَأَيْنَا بِهِ شَيْئًا مُنْذُ فَارَقْتَنَا" [المستدرك على الصحيحين للحاكم: 2/ 674، ح 4232، وانظر: الصحيحة: 1/ 874، تحت الحديث، رقم: 485].

وكان يَصرعُ امرأة سوداء ويجعلها تتعرَّى، فدعا لها فلم تتعرَّ بعد، قال عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟! قُلْتُ: بَلَى! قَالَ: هَذِهِ المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: "إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ" فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا". ثبت عن عَطَاء: "أَنَّهُ رَأَى أُمَّ زُفَرَ؛ تِلْكَ امْرَأَةً طَوِيلَةً سَوْدَاءَ، عَلَى سِتْرِ الكَعْبَةِ" [البخاري: 5652]

الشيطان يؤذي أفرادا هذه الأمة بالوسوسة، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَحَدَنَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ، يُعَرِّضُ بِالشَّيْءِ؛ لَأَنْ يَكُونَ حُمَمَةً أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، فَقَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ! اللَّهُ أَكْبَرُ! اللَّهُ أَكْبَرُ! الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ" [سنن أبي داود: 5112].

ويؤذيهم بالمخاصمات والمشاجرات التي تؤدي إلى الطلاق والفراق بين الزوجين، وتؤدي إلى الزنا وانتشار الرذيلة، وتؤدي إلى القتل والاقتتال، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ" قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: "فَيَلْتَزِمُهُ" [مسلم: 2813].

ويؤذيهم بالمس والصرْع، والسيطرةِ على عقولهم وأجسادهم: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [البقرة: 275].

ويخدم السحرة نظيرَ ما يقدمونه من الشرك بالله، والكفر به سبحانه، فيفرقون بين الأحبَّة، ويمرضون الأصحاء، ويقتلون الأحياء: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ) [البقرة: 102].

وتختص بعض إناث الجن بالأجنة في بطون الأمهات، والأطفال قبل البلوغ، ويسميها بعض الناس: التابعة، وبعضهم يسمونها: القرينة، وتسمى عند علماء الشريعة: أم الصبيان، ووظيفتها: أنها تتسلطُ على الأجنة، فتتسببُ في إسقاطهم في شهر معين من الحمل، أو تقتلهم بعد الولادة بشهر أو سنة إلى سن البلوغ.

فما الذي يقينا شرَّهم، ويحفظنا من كيدهم، ويعصمُنا من مكرهم؟ وما الدواء العلاج لمن وقع به شيء من أضرارهم؟

علاج ذلك قبلَ وقوعِه وبعد وقوعِه: ذكرُ الله -جل جلاله-، فقبلَ وقوعِه، بالتحصُّنِ بذكر الله، وما أرشد إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أذكار الصباح والمساء.

أما علاجُ المسِّ والصرْعِ، بالإضافة إلى أذكار اليوم والليلة ما يلي: تلاوةُ الفاتحة، وآية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة، والمعوذاتُ في ماء، والنفثُ مع التلاوة، والشربُ والاغتسال أو الوضوء لمدة أسبوعين.

أما علاجُ السحر؛ فتلاوةُ الآياتِ السابقة، مع قوله سبحانه: (قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) [يونس: 81 - 82].

(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) [الأعراف: 117 - 122].

(إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) [طه: 69].

والشرب والاغتسال أو الوضوء إلى الشفاء التام.

أما للتخلُّصِ من القرينة؛ فتلاوةُ الآياتِ السابقة في علاجِ المسِّ والصرْعِ في ماء، وتشربُ وتغتسلُ أو تتوضأ قبل موعد الدورة بثلاثة أيام ولمدة أسبوع، فإن جاءت الدورة في اليوم الرابع تتوقف عن الاغتسال، وإلا تستمر حتى أسبوع، وذلك كلَّ شهر, وأثناء الحمل إن شاء الله كلَّ شهرٍ أسبوع إلى الولادة، حتى يتحصن الجنين، ويحفظ من شر القرينة.

فإن ولدت تغسل المولود بالماء المقروء فيه عدة أسابيع.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فتوبوا إليه واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين.

وبعد:

عباد الله: ما الذي يطرد الشياطين ويبعدهم، ويصرف عنا شرهم وكيدهم؟

إن الذي يطرد الشياطين، ويبعدهم عن الإنسان المؤمن؛ ذكر الله، والأذان، والإقامة، والاستعاذة، والتسمية عند دخول البيت، والخروج منه، ودخولِ المرحاضِ، والخروج منه، والتسميةُ على الطعام والشراب والجماع واللباس، وذكرُ الله على كلِّ فعل وعمل يطرد عنك الشيطان.

أما الذي يجلبهم ويجذبُهم: الكفرُ، والشركُ بالله، والمعاصي صغيرُها وكبيرُها، والبدعُ بأنواعها وأصنافها، وأماكنُ الغفلة واللهو المحرم، والغناءُ والرقصُ المختلط، والموسيقى وسائرُ آلاتِ اللهو، إلا الدفَّ في الأفراح والأعياد.

عباد الله: اعلموا أن الشيطان له خطوات للإغواء، وشباكٌ وفخاخٌ للإضلال، يصطاد بها عباد الله -سبحانه-، وهي سبعُ مصائد:

الأولى: الكفر والشرك بالله العظيم.

الثانية: البدعة في دين الله.

الثالثة: كبائر الذنوب.

الرابعة: صغائر الذنوب.

الخامسة: الانشغال بالمفضول عن الفاضل.

السادسة: الانشغال المباح عن الطاعات.

السابعة: تسليط أعداء الله على أولياء الله.

اللَّهُمَّ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ أنْفُسِنا، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ.

اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا، مريعًا، نافعًا غير ضار، عاجلاً غير آجل.

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغًا إلى حين.

اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحيي بلدك الميت.

اللهم اسقنا غيثًا مريئًا -أي محمود العاقبة- مَريعًا -بضم الميم وفتحها: من الرائع وهو الزيادة -طبقًا -أي مائلاً إلى الأرض مغطيًا، يقال غيث طبق: أي عام واسع- عاجلاً غير رائث -أي بطيء متأخر-، نافعًا غير ضار.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي