نعمة العافية

مراد كرامة سعيد باخريصة
عناصر الخطبة
  1. أجل نعمة على الإنسان بعد نعمة الإسلام والإيمان .
  2. فضائل نعمة العافية .
  3. أهمية سؤال الله العافية في الدين والبدن والأهل والمال والدنيا والآخرة .
  4. وجوب شكر الله على نعمة العافية .
  5. سبل المحافظة على نعمة العافية. .

اقتباس

إن الرزق بدون عافية لا يساوي شيئاً ولو كثر، وكل شيء بدون عافية لا يساوي شيئًا ولو شرف؛ لأن مفتاح النعيم هو العافية، وباب الطيبات هو العافية، وكنز السعادة هي العافية، ومن رُزق العافية فقد حاز نفائس الأرزاق كلها.. إن العافية لا يعدلها شيء، وهي تاج عظيم على رؤوسنا لن نشعر بقيمتها وفضلها إلا إذا فقدناها، وإذا أردت أن تعرف قدر نعمة الله عليك وعافيته بك فاذهب إلى أقرب مستشفى أو مركز صحي لترى العجب والعجاب.. فهذا مريض يئن من شدة المرض، وذاك يصرخ من قوة الألم، والآخر يبكي بأعلى صوته، ورابع يعيش في غيبوبة بدون حسّ ووعي، وخامس ينزف الدم من جسده..

الخطبة الأولى:

الحمد لله..

عباد الله: إن نعم الله -سبحانه وتعالى- كثيرة، ومن كثرتها لا نستطيع عدها، أو إحصائها يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34].

واليوم نريد في هذه الجمعة المباركة أن نتحدث عن أجل نعمة أنعم الله بها علينا بعد نعمة الإسلام والإيمان ..

إنها نعمة جدير بنا أن نتحدث عنها في هذه الأيام التي تنتشر فيها الأمراض وتكثر فيها الأوبئة والأوجاع .. إنها نعمة العافية..

إن العافية لا يعدلها شيء، وهي تاج عظيم على رؤوسنا لن نشعر بقيمتها وفضلها إلا إذا فقدناها، ولهذا قالوا: "الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، لا يعرف قدرها إلا المرضى".

إذا أردت أن تعرف قدر نعمة الله عليك وعافيته بك فاذهب إلى أقرب مستشفى أو مركز صحي لترى العجب والعجاب ..

فهذا مريض يئن من شدة المرض، وذاك يصرخ من قوة الألم، والآخر يبكي بأعلى صوته، ورابع يعيش في غيبوبة بدون حسّ ووعي، وخامس ينزف الدم من جسده، وسادس لا يستطيع العيش إلا والأكسجين على أنفه، والسابع معاق قد فقد عضواً من أعضائه، والثامن في غرفة قد سموها غرفة الـ (إن عاش)، وهنا ستعلم جيداً أن العافية لا يعدلها شيء.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ"، فالحمد لله أولاً وآخراً، وله الحمد والشكر حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.

لقد كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يسأل ربه العافية في كل يوم من أيامه، فكان يقول -صلى الله عليه وسلم- من ضمن أذكاره اليومية في الصباح والمساء "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي ..".

بل كان -صلى الله عليه وسلم- يخصص الدعاء بالعافية لبدنه وسمعه وبصره؛ نظراً لأهمية العافية في هذه المواضع المهمة، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت".

يسأل الله العافية في بدنه كله؛ لأنه بالعافية يقوم الإنسان، ويتحرك لطاعة الله، وبسلامة الأعضاء من الآفات والأمراض يتمكن المرء من مزاولة الطاعات وأداء الواجبات.

والعافية هي نعمة الدنيا والآخرة، وهي من أجلّ نعم الله على العبد، ولباس العافية من أجمل الألبسة وأعلاها وأغلاها؛ لذا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- من ربه العافية في بدنه وسمعه؛ فالسمع نعمة عظيمة يُنعم الله بها على عباده، فمن فقدها فقد فقدَ شيئاً كثيراً.

وسأل ربه العافية في بصره يقول بكر بن عبدالله المزني -رحمه الله-: "يا ابن آدم إذا أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فغمِّض عينيك"، غمِّض عينيك دقيقة واحدة، وتخيل أنك أعمى لا ترى شيئاً في حياتك كلها، وستعلم فضل الله عليك بالعافية لك في بصرك.

قيل لرجل صالح من الصالحين وكان أعمى ماذا تتمنى؟ قال أتمنى أن أبصر فقط لأرى قول الله -سبحانه وتعالى-: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) [الغاشية: 17]، فإني لا أتمنى شيئاً إلا حينما أمر عل هذه الآية وأقرؤها أتمنى أن أرى؛ لأن الله أمر بتمعن النظر فيها فقال (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)، فتمنيت النظر لأنظر إليها نظرة اعتبار وتفكر!!

فاسألوا الله العافية يا عباد الله، وأكثروا من دعاء الله بالعافية فقد روى أحمد والترمذي عن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله! علمني شيئاً أسأله الله فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سل الله العافية"، قال العباس: فمكثت أياماً ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله، فقال لي: "يا عباس! يا عم رسول الله! سل الله العافية في الدنيا والآخرة".

ويقول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر: "سلوا الله العافية؛ فإن أحداً لم يعطَ بعد اليقين خيراً من العافية".

يقول أحد الصالحين: "أكثروا من سؤال الله العافية؛ فإن المبتلى وإن اشتد بلاؤه لا يأمن ما هو أشد منه، وليس المبتلى بأحق بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء".

ويقول سفيان الثوري -رحمه الله-: "نحن لا نخاف من البلاء، وإنما نخاف مما يبدو منا حال البلاء من السخط والضجر، ثم يقول: والله ما أدري ماذا يقع مني لو ابتُليت فلعلّي أكفر ولا أشعر".

احمد الله -سبحانه وتعالى- أنك تأكل وتشرب، وتلهو وتلعب، وأنت سعيد معافًى، ولتتذكر كم من مريض عنده أطيب أنواع المأكولات وأفخر أنواع العصائر والمشروبات ولكنه لا يستطيع الأكل والشرب؛ بسبب مرارة فمه، فحرم بذلك من التلذذ بالطعام والشراب.

فإذا لم تُحرَم من هذه النعم، فاحمد الله واشكره كثيراً على ذلك، ولا تفكر في نوعية الطعام أو قيمته، ولكن فكِّر في نعمة العافية التي طيبته.

عمل الحجاج بن يوسف الثقفي يوماً مائدة كبيرة، وضع فيها ما لذّ من الطعام والشراب، فقال الحجاج لرجل من الأعراب كان حاضراً: "إنه لطعام طيب"، فقال له الأعرابي" ما طيبه خبازك ولا طباخك، ولكن طيبته العافية".

عباد الله: إن الرزق بدون عافية لا يساوي شيئاً ولو كثر، وكل شيء بدون عافية لا يساوي شيئًا ولو شرف؛ لأن مفتاح النعيم هو العافية، وباب الطيبات هو العافية، وكنز السعادة هي العافية، ومن رُزق العافية فقد حاز نفائس الأرزاق كلها.

قال رجل لصاحبه وكانا ينظران إلى الدور والقصور فقال له: "أين نحن حين قُسمت هذه الأموال"؟، وكان صاحبه أعقل منه وأحكم، فأخذ بيده وذهب به إلى المستشفى وقال له: "أين نحن حين قُسمت هذه الأمراض"؟، فسكت الرجل وعلم أن العافية لا يساوي قدرها شيء، وكم من إنسان عنده من المتاع والقصور ولكن تنقصه العافية!

فمن حمد الله على عافية بدنه وأمن قلبه، وكفاف عيشه، وقوت يومه، وسلامة أهله فقد جمع الله له جميع النعم، وما عليه إلا أن يكثر من شكر الله -سبحانه وتعالى- على هذه النعم كلها.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه وليلته؛ فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها".

فاحمدوا الله واشكروه فإن الله تبارك وتعالى يقول: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ..

الخطبة الثانية:

سلوا الله العافية في الإيمان، وسلوا الله العافية في الدين والثبات عليه حتى الممات، وسلوا الله العافية في اليقين والسلامة من الشكوك والوساوس، وسلوا الله العافية في الجسد، وسلوه العافية في المال والأهل والولد.

إننا والله نعيش في غفلة كبيرة جداً عن هذه النعم العظيمة؛ نعمة الصحة والعافية، وسلامة أعضائنا من الآفات والأمراض والعيوب.

ولنتذكر دائماً هذه النعمة الجليلة ونشكر الله -سبحانه وتعالى- عليها قبل أن نفقدها يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بادروا بالأعمال سبعاً؛ هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة والساعة أدهى وأمر".

وإذا أردنا أن يدوم الله علينا عافيتنا ويبارك لنا في صحتنا؛ فلنستعمل جوارحنا في طاعة ربنا؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "احفظ الله يحفظك".

وقد كانوا قديماً يبلغ الواحد منهم مائة عام أو أكثر وهو لا يزال متمتعاً بقوته وعافيته وعقله، فسئل بعضهم عن ذلك، فقال: "هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر".

فاغتنموا صحتكم وعافيتكم قبل حلول المرض وتدهور الصحة وذهاب العافية؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اغتنم خمساً قبل خمس، وذكر منها: وصحتك قبل سقمك".

صلوا وسلموا ..


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي