كلّ واجباتِ الإسلام فإنّها صدقة منك على نفسك وثوابٌ مدّخر لك يوم لقاء ربك. أمرُك بالمعروف ونهيُك عن المنكر صدقة منك على نفسك، برّك بوالديك وإحسانُك إليهما صدقةٌ منك على نفسك مع كونِه أمرًا شرعيًّا واجبًا عليك. صلتُك لرَحمِك عملٌ صالح وإحسانٌ منك إلى نفسك مع أنّه أمر مطلوب منك شرعًا، تفريجُ كَرب المكروب وهمِّ المهموم وقضاؤك لحاجة أخيك كلُّها أعمال صالحة، صدقةٌ منك على نفسك، وثوابٌ مدَّخر لك يوم القيامة...
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله حقَّ التّقوى.
عبادَ الله، إنّ مِن رحمةِ الله بِهذه الأمّة أن نوّع لها طرَقَ الخيرَات، ويسّر لها ذَلك، ورتّب على هَذه الأعمالِ الصّالحَة ثوابًا عظيمًا في الدّنيا والآخرَة.
أيّها المسلم، فأنتَ عَلى خيرٍ في أقوالك وأعمالك الصّالحَة، بل أعمالُ القلوبِ تُثاب عليها، نُطقُ اللّسان عملُ الجوارحِ كلّ ذلك تثابُ عليه بأنواعٍ من الأعمال الصّالحة، لو عجزتَ عن نوعٍ قدرتَ على النوع الآخر، ومَن وفِّق لاستكمال الخير فذاك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
يقول ربّنا - جل وعلا -: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ارْكَعُواْ وَاسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَافْعَلُواْ الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج: 77]، ويقول ربّنا - جل وعلا -: (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ) [المائدة: 48] ويقول ربّنا - جل وعلا -: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاواتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133].
أيّها المسلم، فواجباتُ الإسلام سواء الواجباتُ العينيّة أو الكفائيّة أو الأمور المستحبّة كلُّ هذه الأعمالِ يُثاب العبد عليها على فعلِها مع النيّة الصالحة، وكلّما حسُنت النيّة وعظم القصدُ زاد الثواب من ربّنا - جل وعلا -: (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) [الأنعام: 160]، ذاك فضل الله على هذه الأمّة المحمّديّة، فاشكروا اللهَ على نعمتِه، وتسابَقوا لفعلِ الخير لعلّكم تفلحون.
أيّها المسلم، أركانُ الإسلام الخمسة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّ محمدًا رسول الله وإقامُ الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحجّ بيت الله الحرام، هذه هي أركان الإسلام، دعائم الإسلام، لا يصحّ إسلام عبدٍ إلا باستكمالِ هذه الأركان كلّها.
فأوّلها تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدًا رسول الله، كلمة التّوحيد: "لا إله إلا الله" هي أعلى شعَب الإيمان، كما قال: «الإيمانُ بِضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول: لا إله إلا الله» كلمةُ التّوحيد من قالها في يومٍ عشرَ مرّات كان كمَن أعتقَ أربعةً من ولد إسماعيل، من قالها في يومٍ مائةَ مرّة كان له عَدل عشرِ رِقاب وكُتِبت له مائة حسنة ورُفِعت له مائَة دَرجة وحطّت عنه مائة خطيئة. من صلّى على نبيّنا صلاةً واحِدة صلّى الله عليه بِها عشرًا.
«الصلواتُ الخمس والجُمعة إلى الجمعة ورَمضان إلى رمضانَ كفّارة لما بينهنّ ما اجتُنبت الكبائر»، في الحديث الآخَر: «مثَل الصلواتِ الخَمس كمثل نَهر غمرٍ بباب أحدِكم، يغتسل منه كلّ يوم خمسَ مرّات، هل يبقى من دَرَنه شيء؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فكذلك الصلوات الخمسُ، يمحو الله بهنّ الخطايا والسيئات»
أيّها المسلم، أداؤك للزكاة ركنٌ من أركانِ دينك، ومع أدائِك لها فلك مِن الله الثوابُ العظيم (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا وَصَلّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَواتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ) [التوبة: 103]، وما نَقص صدقةٌ مِن مال، بل تزِده بل تزده.
صومُك لرمضان وقيامك لليلِه مِن أسباب تكفير الذّنوب ورفعِ الدّرجات، «من صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبه»، «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدم من ذنبه»، «الصوم لي وأنا أجزي به».
حجُّك لبيت الله، «من حجَ البيتَ فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبِه كيوم ولدته أمّه».
أيّها المسلم، وكلّ واجباتِ الإسلام فإنّها صدقة منك على نفسك وثوابٌ مدّخر لك يوم لقاء ربك.
أمرُك بالمعروف ونهيُك عن المنكر صدقة منك على نفسك، كما قال: «وأمرُك بالمَعروف صدقة ونهيُك عن المنكر صدقة» برّك بوالديك وإحسانُك إليهما صدقةٌ منك على نفسك مع كونِه أمرًا شرعيًّا واجبًا عليك. صلتُك لرَحمِك عملٌ صالح وإحسانٌ منك إلى نفسك مع أنّه أمر مطلوب منك شرعًا، «من أحبّ أن يُنسَأ له في أثره ويبسَط له في رزقه فليصِل ذا رحمِه».
أيّها المسلم، تفريجُ كَرب المكروب وهمِّ المهموم وقضاؤك لحاجة أخيك كلُّها أعمال صالحة، صدقةٌ منك على نفسك، وثوابٌ مدَّخر لك يوم القيامة، «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربةً من كرَب الدّنيا فرَّج الله عنه كربةً من كُرب يومِ القيامة، ومن ستر مسلمًا في الدّنيا ستره الله في الدّنيا والآخرة».
أخي المسلم، عيادتُك للمريض واتّباعك للجنازة، ونصرُك للمظلوم، وإفشاؤك السّلامَ، وإجابة دعوة أخيك، وإبرار قسمِه إن أقسَم أعمالٌ صالحة، وهي حقوق للمسلم على المسلم، ولها ثوابٌ عند الله.
أخي المسلم، معاشرتُك لامرأتِك مع النيّة الصالحةِ عملٌ صالح وصدَقة منك على نفسك، ولذا يقول: «وفي بُضع أحدِكم صدقة»، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكون له فيها أجر؟! قال: «أرأيتُم لو وضعَها في الحرام كان عليه وزر؟! فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر».
أخي المسلم، شفاعتُك لأخيك عند احتياجِه إلى شفاعتِك عمل صالحٌ وصدقة منك على نفسك (مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا) [النساء: 85]، وفي الحديثِ: «اشفَعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسانِ نبيِّه ما شاء».
أيّها المسلم: كلُّ هذه الأعمالِ الصالحة متى عمِلتَها بنيّة صادقةٍ فأبشر مِن الله بالثّواب العظيم، إن عاجلاً أو آجلاً، وقد يجمَع الله لك بين ثوابَي الدّنيا والآخرة.
أخي المسلم، نفقتُك على البناتِ وإحسانك إليهنّ صدقةٌ منك على نفسك، «من عال جاريتَين حتّى تبلغَا كنتُ أنا وهو في الجنّة كهاتين». إكرامُك اليتيمَ وإحسانك إليه عملٌ صالح، وفي الحديثِ عنه: «أنا وكافِل اليتيمِ في الجنّة كهاتين».
أيّها المسلم: نفقتُك على زوجتِك وعلى ولدِك مع النيّة الصالحةِ صدقةٌ منك على نفسِك، يقول لسعدِ بن أبي وقّاص: «إنّك لن تنفقَ نفقةً تبتغي بها وجهَ الله إلاّ أجِرت عليها حتى ما تضع في فِي امرأتِك»، وفي الحديث لمّا عدَّ النبيّ الدنانيرَ ذكر أفضلها: «دينارًا أنفقَه المسلمُ على ولده».
أيّها المسلم، تربيتُك للأولادِ وعنايتك بأخلاقِهم وأعمالِهم إلى أن يستقيموا على الخَير ويسلُكوا الطريق المستقيمَ صدقة منك على نفسك وعملٌ صالح يجري لك بعدَ موتِك، في الحديث: «إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلاّ من ثلاث: صدقةٍ جارية أو علم يُنتفع به أو ولد صالحٍ يدعو له».
أيّها المسلم، إنفاقُك من مالك الطيّب مع النيّة الصالحة ثوابه عظيمٌ، وإن قلّت النفقة، في الحديث عنه: «من تصدّق ولو بعَدل ثمرةٍ من كسبٍ طيّب، ولا يقبَل الله إلا الطيّب، فإنّ الله يتلقّاها بيمينه فيربِّيها لأحدِكم كما يربّي فلوَّه حتى تكونَ مثلَ الجبل العظيم»، والله يقول: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ سُنبُلَةٍ مّاْئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 261].
أخي المسلم، حلمُك على الجاهلِ وإعراضُك عن السّفيه وتحمُّل ذلك [فيه] ثواب عظيمٌ، (ادْفَعْ بِالَّتِي هِي أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ) [فصلت: 34، 35] (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199].
إماطتُك الأذى عن طريق المسلمين صدقةٌ منك على نفسِك كما في الحديث: «وتميط الأذى عن الطّريق صدقة». إصلاحُك بين الخصمَين ولا سيّما الأقرباء وسعيُك في التوفيق بينهم وتضييقِ شقّة الخِصام بينهم صدقةٌ منك على نفسك، وفي الحديث: «أن تعدلَ بينَ اثنين صدقة».
أيّها المسلم، النبيّ لمّا ذكر فضلَ إعتاق الرّقاب ومن عجز عنها قال: «تعينُ صانعًا أو تصنع لأخرق»، فجعل إعانةَ المسلم العاجزِ عن بعض أموره صدقة منك على نفسك.
أخي المسلم، نيّتك الصادقةُ في قلبك تبلّغك مبلغَ الأعمال مبلغَ العاملين، يقول يومَ تبوك: «إنّ بالمدينةِ أقوامًا ما سِرتم مسيرًا ولا نَزلتم وادِيًا إلاّ كانوا معكم؛ حبَسهم العذر»، ولذا قال الله: (وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ) [التوبة: 92]. ولمّا ذكر رسول الله مَن أعطاه الله المالَ والعلمَ فهو يعمَل في مالِه بعلمِه، يتّقي فيه ربَّه، ويصِل فيه رحمَه، ويعلم لله فيه حقًّا واجبًا، وأنّ هذا بأعلى المنازل، ذكرَ الآخرَ الذي أعطاه الله العلمَ ولم يعطِه المال، فهو يتمنّى مالَ الأوّل ليعمَل مثلَ عمله، قال النبي: «فهو بنيّتِه، فهما في الأجر سواء».
والله لا ينظر إلى صوَرِنا وأموالِنا ولكن ينظُر إلى قلوبِنا وأعمالِنا، فكم مِن قلبٍ متَّقِد بالخيرِ حريصٍ على كلّ خير لا يمنعُه سوى عجز ماليّ أو عجز بدنيّ، والله يعلم ما انطوَت عليه قلوبُ العباد (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) [محمد: 21].
أيّها المسلم، فميادينُ الخير كثيرة وطرُق الخير عديدة، فإيّاك أن تزهدَ في القليل، فمن أعطى القليلَ أعطى الكثير، في الحديثِ يقول: «لا تحقرِنَّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقَى أخاك بوجهٍ طليق» ، وقال: «كلّ معروفٍ صدقة»، وفي الحديث عنه: «أربعون خصلةً، أعلاها مَنيحة العنز، من عمل بواحدةٍ منها تصديقًا لثوابها ورجاءً لمَوعدها لأدخله الله الجنَة»، «ولا يهلِك على الله إلا هالك».
فاستبِقوا الخيراتِ، وتنافسوا في الأعمالِ الصّالحات، وربُّنا يقول وهو أصدق القائلين: (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: 6-8].
بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل مرّت بكلبٍ يلهَث عند بئر، فنزلت وملأت موقَيها من الماء، فسقَت الكلبَ، فشكر الله لها فغَفر لها، قالوا: يا رسول الله، ألنا في البهائم من أجر؟ قال: «إنّ في كلّ كبدٍ رطبة أجر».
فسارِع إلى فعل الخير، واغتنِم أيَّ عمل صالح تقدِر عليه، فلن يضيعَ عند الله شيء، أعمالٌ صالحة مدَّخرة، فاحرِص على التزوّد من صالح العمل، أسأل اللهَ أن يعينَ الجميعَ على كلّ خير، وأن يهديَنا صراطه المستقيم، وأن ييسّر لنا فعلَ الخيرات، ويعينَنا عليها فضلاً منه وكرَمًا، والله ذو الفضل العظيم.
أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي