ترشيد الإجازة الصيفية

الشيخ د عبدالرحمن السديس
عناصر الخطبة
  1. وقفة حول الإجازة .
  2. الثبات على المنهج في كل مكان .
  3. أهمية استثمار الوقت .
  4. الفراغ نعمة أم نقمة ؟.
  5. بين الترفيه المباح والمحرم .
  6. السفر فوائد وضوابط .
  7. سياحة الفضيلة لا الرذيلة .
  8. المسافر قدوة ومثال .
  9. المملكة بلد السياحة النقية .
  10. أفكار للشباب في الإجازة .
  11. المسافر والاهتمام بأحوال المسلمين المستضعفين . .
اهداف الخطبة
  1. التوجيه إلى تحقيق الثمرات المرجوة من الإجازة الصيفية
  2. بيان المحاذير التي قد يقع فيها المسافرون.

اقتباس

السفر في هذا الدين لا بأس فيه، بل قد يكون مطلوبًا لمقاصد شرعية، يقول الثعالبي رحمه الله: "من فضائل السفر أن صاحبه يرى من عجائب الأمصار، وبدائع الأقطار، ومحاسن الآثار ما يزيده علمًا بقدرة الله تعالى، ويدعوه شكرًا على نعمه".

 

 

  

 

فاتقوا الله عباد الله، فما للنفوس لا تتزود من التقوى وهي مسافرة؟!! وما للهِمَم عن ركب المتقين فاترة؟!! وما للألسن عن شكر نعم الله قاصرة؟! وما للعيون إلى زهرة الدنيا الفانية ناظرة؟!! وعن طريق الهداية الواضحة حائرة؟!! ألا فاتقوا الله ربكم، وعظموا نواهيه وأوامره، وتدبروا آياته، فكم فيها من موعظة وعبرة زاجرة.

أيها المسلمون:

متى ما استمسكت الأمة بعقيدتها وثوابتها صلحت أحوالها، واستدبّت أوضاعها، وتلاشت عن مجتمعاتها الظواهر المخالفة لدينها.

ومتى فرطت في إسلامها، وأرخت الزمام لأبنائها، يخبطون خبط عشواء في دخيل الأفكار وهزيل المناهج ومستورَد الثقافات وانفتاحٍ على العالم دون ضوابط شرعية وآداب مرعية، تفشت بينها الظواهر المخالفة لشريعتها، مما يترك آثارًا سلبية على أفرادها ومجتمعاتها، ويحتاج إلى التصدي والعلاج من قبل الغيورين عليها، والمهتمين بشؤونها وأوضاعها.

معاشر المسلمين:

ظاهرة اجتماعية مؤرقة وكبيرة، وقضية تربوية مهمة وخطيرة، هي برسم الخطط والمناهج، وإعداد الدراسات والبرامج لتأصيلها والعناية بها حفية وجديرة.

تلكم هي ما يحصل في مثل هذه الأيام من كل عام، حينما تشتد حرارة الصيف، ويلقي بسمومه اللافحة على بعض أقطار المعمورة، مما يحمل كثيرًا من الناس على الهروب إلى المصائف والمنتزهات، والفرار إلى الشواطئ والمنتجعات، والعزم على السفر والسياحة، وشدِّ الأحزمة للتنقل والرحلات، يوافق ذلك فراغ من الشواغل، وتمتع بإجازة صيفية يقضيها الأبناء، بعد عناء عام دراسي كامل.

وحيث قد أعدَّ كثير من الناس برامج لشغل إجازاتهم، وقضاء وقت فراغهم، وكثير منهم قد حزم حقائب السفر أو سافر فعلاً، يترجم ذلك الكمّ الهائل المتهافت على مكاتب الحجوزات والمطارات، للسفر عبر الأجواء والمحيطات، في مراكب تمخر عباب الجو والبحر والفيافي لشتى القارات.

وقد أعدَّ هؤلاء وأولئك أمتعة الترحال إلى هنالك وهناك، لذا أستلطفكم ـ يا رعاكم الله ـ لنضع هذه القضية على الميزان الشرعي، ونعرضها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مع إلماحة يسيرة إلى واقع بعض الناس فيها، وبيان الآثار السلبية عند غياب الضوابط الشرعية، في هذه القضايا الواقعية، وذلك عن طريق هذه المحاور الموجزة المهمة:
الأول: مهمة الإنسان في هذه الحياة، فهي سر وجوده ووسام عزه، وتاج شرفه، وإكسير سعادته، تلكم هي عبوديته لربه عز وجل، وتسخيره كل ما أفاء الله عليه للقيام بها، وعدم الغفلة عنها طرفة عين، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56].

وإن أمارة المسلم الحق بقاؤه ثابتًا على مبادئه، وفيًا لدينه وعقيدته، معتزًا بأصالته وشخصيته فخورًا بمبادئه وثوابته، لا يحده عن القيام برسالته زمانٌ دون زمان، ولا يحول بينه وبين تحقيق عبوديته لربه مكان دون آخر، فمحياه كله لله، وأعماله جميعها لمولاه، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ الْعَـالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذالِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162، 163]

فحيثما كان وحلَّ، وأينما وُجِد وارتحل، فإنه يضع العبودية لله شعاره، وطاعته لربه دثاره.
هذا هو منهج المسلم الصادق في إسلامه، القوي في إيمانه، الإيجابي في انتمائه.
ومن أسوأ ما أصيبت به الأمة في أعقاب الزمن، انتشار الانتماء السلبي، وغلبة الفكر الهامشي، الذي طغى على كثير من جوانب الحياة، مما أفرز أجيالاً تسيء فهم الإسلام على حقيقته، وتجعل للوثات الفكر المنحرف ومظاهر السلوك المحرم رواجًا في تكوين شخصيتها، في انهزامية ظاهرة، وتبعية ممقوته، وانسياق محموم، ولهث مذموم، خلف سراب موضات التشبه والتقليد، وبهارج العلمنة والتغريب، المنتشرة في بعض صفوف المسلمين مع شديد الأسف حتى ضاعت عندهم الهوية الدينية، وفقدت معالم الشخصية الإسلامية، مما يتطلب إذكاء روح العزة الإيمانية في نفوس أبناء الأمة المحمدية، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـكِنَّ الْمُنَـافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) [المنافقون: 8].

المحور الثاني يا إخوة الإيمان: الوقت، فهو مادة الحياة؛ والزمن، فهو وعاء العمر، فالواجب استثماره في مرضات الله، وشغله بطاعته سبحانه، فإن الإنسان مسؤول عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، كما صح بذلك الخبر عن سيد البشر صلى الله عليه و سلم، خرجه الترمذي وغيره من حديث أبي برزة رضي الله عنه.

يقول الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله: "السَّنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل، وإنما يكون الجذاذ يوم المعاد، فعند الجذاذ يَتبين حلو الثمار من مرها".
ألا فليعلم ذلك من أهدروا أوقاتهم، وبدَّدوا أعمارهم، في غير مرضات مولاهم.

المحور الثالث: الفراغ، فهو نعمة من نعم الله، يجب شغله بكل وسيلة شرعية، وذلك بالقيام بالعبادة بمفهومها الواسع، أو على أقل تقدير بالأمور المباحة شرعًا دون ما هو محرم، ففيما أحلَّ الله غنية عما حرم، وقد أرشد المولى نبيه صلى الله عليه و سلم بقوله سبحانه: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبّكَ فَارْغَبْ) [الشرح: 7، 8].
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)) خرجه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ويقول صلى الله عليه و سلم: ((اغتنم خمسًا قبل خمس))، وذكر منها: ((وفراغك قبل شغلك)) خرجه الإمام أحمد والبيهقي والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وكم كان الفراغ سببًا في الانحراف بكل ضروبه، والفساد بشتى صوره، عند عدم استثماره، فهو منَّة ونعماء، لكن إذا استغِلَّ في معصية الله فهو نقمة وبلاء.

المحور الرابع ـ يا إخوة العقيدة ـ: الترفيه البريء، والترويح المباح، لا غضاضة على الإنسان فيه، بل قد يكون مطلوبًا أحيانًا لأغراض شرعية، كما في حديث حنظلة: ((ولكن ساعة وساعة)).

لكن يجب أن يكون كل ترفيه وترويح في حدود ما هو مباح شرعًا، فالإسلام لا يحجر على أتباعه أن يروِّحوا عن أنفسهم، أو يدخلوا السرور على أهليهم وأبنائهم، وأن يقوموا بالوسائل المباحة في ذلك شرعًا.
أما أن يُستغَل ذلك فيما يضعف الإيمان، ويهزُّ العقيدة، ويخدش الفضيلة، ويوقع في الرذيلة، ويقضي على الأخلاق والقيم والمثل والمبادئ، فلا وكلا، وإن رغمت أنوفُ أناسٍ، فقل: "يا ربِّ لا ترغِم سواها".
المحور الخامس: مع السفر والمسافرين، فالسفر في هذا الدين لا بأس فيه، بل قد يكون مطلوبًا لمقاصد شرعية، يقول الثعالبي رحمه الله: "من فضائل السفر أن صاحبه يرى من عجائب الأمصار، وبدائع الأقطار، ومحاسن الآثار ما يزيده علمًا بقدرة الله تعالى، ويدعوه شكرًا على نعمه".
تلك الطبيعة قف بنا يـا سـارِ حتى أريك بديع صنع الباري
فالأرض حولك والسماء اهتزتا لـروائـع الآيـات والآثـار
وقد قيل: "لا يصلح النفوسَ إذا كانت مدبرة إلا التنقل من حال إلى حال".
فالماء الدائم يأسن، والشمس لو بقيت في الأفق واقفة لمُلَّت.
والأسد لولا فراق الغاب ما افترست والسهم لولا فراق القوس لم يصب.

وهلمَّ جرا.
لكن السفر في الإسلام له حدود مرعية، وضوابط شرعية، منها أن يكون السفر في حدود بلاد الإسلام المحافظة، أما أن يكون إلى بقاع موبوءة ومستنقعات محمومة، وبؤر مشبوهة، فلا، ما لم يكن ثمَّ ضرورة، مع القدرة على إظهار شعائر الإسلام، وهل يُلقى الحمل الوديع في غابات الوحوش الكاسرة، والسباع الضارية، أخرج الترمذي وأبو داود بسند صحيح، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((أنا بريء من رجل يبيت بين ظهراني المشركين)).

وقد استثنى أهل العلم من ذلك الداعية إلى الله، والمضطرَ لعلاج أو نحوه.
المحور السادس ـ يا رعاكم الله ـ: مع السياحة، وما أدراكم ما السياحة، لفظة براقة، وعبارة أخَّاذة، لها دلالاتها الشرعية، فكم كان أسلافنا يجوبون الأرض شرقًا ومغربًا جهادًا في سبيل الله، ودعوة إلى دين الله، بأفواههم وأفعالهم وسلوكهم وحسن تعاملهم.

نعم لاستثمار السياحة في هذا المقصد الشرعي النبيل، إننا جميعًا مع السياحة بمفهومها النقي النظيف المنضبط بالضوابط الشرعية، غير أن مما يبعث على الأسى أن في الأمة منهزمين كُثر، عبّوا من ثقافة الغير حتى ثملوا، وزعموا وبئس ما زعموا أن السفر والسياحة لا يمكن أن تتحقق إلا بأيام سوداء، وليال حمراء، ومجانبة للفضائل، ونبذ للحياء، وإعلان بالفضائح، ومجاهرة بالقبائح، إن الولوغ في هذه المياه العكرة، والانسياق وراء أمراض الأمم المعاصرة، وأدواء المجتمعات المنحرفة، وإفرازاتها المنتنة، لا يمكن أن يقبله ذوو النفوس المؤمنة، والمجتمعات المحافظة.

نعم لسياحة التأثير لا التأثّر، والاعتزاز لا الابتزاز، والفضيلة لا الرذيلة، والثبات لا الانفلات، كيف وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن أعداء الإسلام يستهدفون أفواجًا من السياح المسلمين، للوقيعة بهم، فيبهرونهم عن طريق الغزو الفكري والأخلاقي ببلادهم، ويستغلون كثيرًا من السائحين اقتصاديًا وأخلاقيًا، ويجرّونهم رويدًا رويدًا، إلى حيث الخنا والفجور، والمخدرات والخمور، والتبرج والاختلاط والسفور، بل قد يرجع بعضهم متنكّرًا لدينه ومجتمعه، وبلاده وأمته.
أين العقول المفكرة عن الإحصاءات المذهلة من مرضى الهربس والإيدز، ومن عصابات وشبكات الترويج للمسكرات والمخدرات.

إننا نناشد المسافرين والسائحين أن يتقوا الله في أنفسهم وأسرهم، ومجتمعاتهم وأمتهم، ونذكرهم قبل أن ترفعوا أقدامكم: فكروا أين تضعونها، فمن مشى غِرّة في موضع زلق.
نعم، سافروا للخير والفضيلة، والدعوة والإصلاح، فلا حجر عليكم، وكونوا ممثلين لبلادكم الإسلامية، مظهرين لدينكم، داعين إلى مبادئه السمحة، حيث يتخبط العالم بحثًا عن دين يكفل له الحرية والسلام، ولن يجده إلا في ظل الإسلام.

فكونوا أيها المسافرون سفراء لدينكم وبلادكم، مثلوا الإسلام أحسن تمثيل، كونوا دعاة لدينكم بأفعالكم وسلوككم، لا تبخلوا على أنفسكم باصطحاب رسائل تعريفية بالإسلام ومحاسنه وتعاليمه السمحة، ((فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم)).
حذار أن يفهم العالم عن المسلمين وشبابهم أنهم أرباب شهوات، وصرعى ملذات، بل أفهموهم بسلوككم أنكم حملة رسالة، وأرباب أعلى هدف وأشرف غاية، وأصحاب شخصية فذة، وشريعة خالدة، ودين يرعى العقيدة والمبادئ والقيم، ويدير الحياة عن طريق الحق والعدل والسلام، ويبحث عما يكفل للعالم الرقي والتقدم والحضارة.

أمة الإسلام:

ومما ينبغي التحذير منه، براءةً للذمة، ونصحًا للأمة ما تعْمِد إليه بعض الشركات والمؤسسات السياحية من الدعوة إلى السفر إلى بلاد موبوءة، وإظهارها بدعايات مزركشة، وإعلانات مزخرفة، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، إنها تمثل قنابل موقوتة، وألغامًا مخبوءة، لنسف المبادئ، ودوس القيم والأخلاق والفضائل.
ألا وإن من التحدث بنعم الله، وشكر آلائه سبحانه، ما حبا الله بلادنا المسلمة المباركة ـ حرسها الله ـ من مقومات شرعية وتاريخية وحضارية، تجعلها مؤهلة لتكون بلد السياحة النظيفة النقية، فهي ـ بإذن الله ـ قادرة على إعطاء مفهوم صحيح، ووجه مشرق للسياحة، التي خُيل لبعض المفتونين المنهزمين، أنها صناعة الفجور والإباحية والانحلال.

أوليس الله قد منَّ على بلادنا بالحرمين الشريفين، مهوى أفئدة المسلمين، ومحط أنظارهم؟! أوليست بلادنا تنعم ـ بحمد الله ـ بالأجواء المتنوعة التي تشكل منظومة متآلفة ومجموعة متكاملة، يقلّ نظيرها في العالم؟! فمن البقاع المقدسة إلى الشواطئ الجميلة، والبيئة النظيفة السليمة من أمراض الحضارة المادية وإفرازاتها، إلى الجبال الشُمَّ الشاهقة، ذات المنظر الجميل، والهواء العليل، والأودية الخلابة، والسهول الجذابة، والجداول المنسابة، مرورًا بالمصائف الجميلة، والصحارى البديعة، والقمم الرفيعة، والوهاد الواسعة، والبطاح الشاسعة، ذات الرمال الذهبية العجيبة، وأهم من هذه المقومات المادية والحسية المقومات المعنوية، والميزات الشرعية، والخصائص الإسلامية والحضارية، والآداب العربية الأصيلة، التي تحكي عبق التأريخ والحضارة، المعطّرة بالإيمان، النديّة بالمروءة والإحسان، فهل بعد ذلك يستبدل بعض الناس الذي هو أدنى بالذي هو خير، في تأثيرات عقدية وثقافية، وانحرافات أخلاقية وسلوكية، ومخاطر أمنية، وأمراض صحية ووبائية، مما لا يخفى أمره على ذوي العقول والحجى؟!

وبذلك يتحقق لمن ينشدون الطهر والعفاف والنقاء، والفضيلة والخير والحياء، التمتع بأجواء سياحية مباحة، ويُسَدّ الطريق أمام الأبواق الناعقة، والأقلام الحاقدة، التي تسعى لجرِّ هذه البلاد المباركة وأهلها إلى ما يفقدها خصائصها ومميزاتها، ويخدش أصالتها وثوابتها، فماذا يريد هؤلاء؟ وماذا يقصد أولئك؟
فلنشكر الله على نعمه وآلائه، ولنحافظ عليها بطاعته واتباع أوامره.

حَفِظ الله لهذه البلاد عقيدتها وقيادتها، وأمنها وإيمانها، من كيد الكائدين وسائر بلاد المسلمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، (إِنَّ رَبّى لَطِيفٌ لّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [يوسف: 100]، (وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].

  

الخطبة الثانية:

الحمد لله، أعاد وأبدا، وأنعم وأسدى، أحمده تعالى وأشكره على آلائه التي لا نحصي لها عدا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهًا واحدًا أحدا فردًا صمدًا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، أكرم به رسولاً وعبدا.

صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الذين أكسبهم شرفًا ومجدًا، والتابعين ومن تبعهم بأمثل طريقة وأقوم سبيل وأهدى.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
أيها الإخوة الأحبة في الله:

ومحور سابع: مع الشباب، من الأبناء والبنات.
أهدي الشباب تحية الإكبـار هم كنزنا الغالي وسر فخاري
هل كان أصحاب النبي محمد إلا شبـابًا شـامخ الأفكـار

الشباب عماد الأمة، قلوبها النابضة، شرايينها المتدفقة، عقودها المتلألئه، هم جيل اليوم، ورجال المستقبل، وبناة الحضارة، وصناع الأمجاد، وثمرات الفؤاد، وفلذات الأكباد، فلا بد من تربيتهم تربية صحيحة شاملة، وشغل أوقاتهم بطريقة متوازنة، فهذه الأشهر التي يمرون بها في فراغ من المشاغل الدراسية النظامية، لا بد أن يستثمرها أولياء أمورهم ببرامج حافلة، تكسبهم المهارات، وتنمِّي فيهم القدرات، تقوِّي إيمانهم، وتصقل فكرهم، وتثري ثقافتهم، فأين الآباء والمربون من إعداد البرامج الشرعية المباحة، وهي كثيرة بحمد الله، كحفظ كتاب الله عز وجل، واستظهار شيء من سنة رسوله صلى الله عليه و سلم ، وتعلم العلم النافع، وكثرة القراءة في كتب أعلام الإسلام قديمًا وحديثًا، والاطلاع على السير والتآريخ والآداب ونحوها، وإدخال السرور عليهم بالذهاب بهم إلى بيت الله الحرام في عمرة، أو إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم في زيارة، أو إلى أحد مصائف هذه البلاد في سياحة بريئة، في محافظة على دينهم وأخلاقهم، وصلة لأقاربهم وأرحامهم، حتى لا يقعوا فريسة في دهاليز الإنترنت، وشبكات المعلومات، وضحايا في سراديب القنوات والفضائيات، وأرصفة البطالة واللهو والمغريات.

ومما يسرّ المسلمَ أن تشغل الإجازة بالزواجات للشباب والفتيات، وتلك قضية مهمة، لكننا نوصي المسلمين بالتزام منهج الإسلام في ذلك، وعدم الخروج على تعاليمه بالإسراف والبذخ والمغالاة والسهر، والتكاليف الباهظة، والحذر من منكرات الأفراح التي يفعلها بعض ضعيفي الديانة هداهم الله.

ومن المحاور المهمة في هذه القضية أن يعلم العبد أنه مراقب من قبل ربه ومولاه، فلا يراه حيث نهاه، ولا يفقده حيث أمره، (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1].

ومنها ـ أحبتي في الله ـ أن شدة الحر في هذه الدنيا يجب أن تذكر بالآخرة، فشدة الحر من فيح جهنم. عياذًا بالله، فهل اعتبرنا؟ وهل تذكرنا ـ ونحن مشغولون في هذه الدنيا عن هذه النار ـ فعملنا على الأخذ بأسباب الوقاية منها؟ فرحماك ربنا رحماك.
أمة الإسلام:

وعاشر هذه المحاور وتمامها أن المسلم المرتبط بإسلامه وإيمانه وأخوة الإسلام يكون شعوره مع شعور إخوانه المسلمين، يتذكر أحوالهم ومآسيهم، لا سيما الذين يعيشون حياة القتل والتشريد والاضطهاد، فهل من الإحساس بشعورهم إهمال قضاياهم؟!!

أين الأحاسيس المرهفة، والمشاعر الفياضة؟ فأناس يفكرون بأحوال إخوانهم في العقيدة، ويهتمون بمقدسات الأمة، وما يمر به المسجد الأقصى المبارك، وما تضجّ به فلسطين المسلمة، حيث شلالات الدم المتدفقة هذه الأيام، وليس ما فعلته وتفعله الصهيونية العالمية، واليهودية الدولية بخافٍ على ذوي النخوة والمروءة.

وقل مثل ذلك في الشيشان الصامدة، وكشمير المجاهدة، في الوقت الذي يفكر فيه كثيرون بالتمتع بإجازاتهم في منتجعات ليست للكرام ولا كرامة فالله المستعان.

فاتقوا الله عبد الله، (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىا كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].

ثم صلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على خير الورى طُرا، وأفضل الخليقة شرفًا وطهرًا، صلاةً تكون لكم يوم القيامة ذخرًا، فقد أمركم بذلك ربكم تبارك وتعالى، في تنزيل يتلى ويقرا، فقال تعالى قولا كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي