كيف يليق بهؤلاء أن يرتكبوا ما حرم الله؟ وكيف يليق بالمسلمين الذين اعتدي على دينهم وبلادهم وشرد إخوانهم في أقطار الأرض على أيدي الكفار، والحروب تشتغل في أطرافهم.. كيف يليق بهم مع ذلك أن يلهو ويغنوا ويطربوا وهم جرحى مهددون بالأخطار؟ إن اللائق بهم والواجب عليهم أن يجدوا ويجتهدوا في حماية دينهم وبلادهم ويحفظوا أوقاتهم فيها يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم ..
الحمد لله الذي خلق الخلق ليعبدوه، وأمرهم بالإكثار من ذكره في جميع الأوقات، ونهاهم عما يصدهم عن ذكره وعن الصلاة. أحمده أن بين لعباده طريق الخير ليسلكوه، وحذرهم من طريق الشر ليجتنبوه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنته إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله، واعلموا أن من أعظم ما يصد عن ذكر الله ويشغل العباد عن طاعته استماع الأغاني والمعازف على اختلاف أنواعها وتعدد أشكالها- تلكم الأغاني والمعازف التي احتلت غالب بيوت المسلمين اليوم، وحاصرت البيوت التي لم تستطع احتلاها حصاراً شديداً تحاول الدخول فيها، والتغلغل إلى ساكنيها.. لقد فتن بها كثير من الرجال والنساء الذين ضعف إيمانهم وخفت عقولهم، واقتدى بهم شباب الأمة من بنين وبنات. فشغلوا أوقاتهم وملؤوا أرجاء بيوتهم بأصوات المغنين والمغنيات. التي تبثها الإذاعات، أو تسجل على أشرطة تباع في الأسواق.
من وراء أسماءهم وصورهم على صفحات لتعريف الناس بهم وترويج بضاعتهم المنتنة الخبيثة- حتى لقد أصبح كثير من الشباب يعرف عن هؤلاء المغنين والمغنيات وأغنياتهم كل دقيق وجليل، ويعرف مواقيت بث تلك الأغاني آناء النهار والليل. ولو سألته عن معنى لا إله إلا الله لقال: هاه هاه لا أدري، ولو سألته عن مواقيت الصلاة لقال: لا أدري. وكيف يدري ومن أين له أن يدري وهمته متجهة لضد ذلك، ووسائل الإعلام تلقته أغنية فلان وفلانة. وتعلن له مواعيد بثها في كل ساعة. وهذه الأغاني تشغل معظم برامج الإذاعة وما يفوته سماعه من المذياع يجده مسجلاً على أشرطة له أو تباع.
عباد الله: من كان في شك من تحريم الأغاني والموسيقى والمعازف فليزل الشك باليقين. من قول رب العالمين. والرسول الأمين. في تحريمها وبيان أضرارها فهناك النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة تدل على تحريم الأغاني والوعيد لمن استحل ذلك أوأصر عليه. والمؤمن يكفيه دليل واحد من كتاب الله أو صحيح سنة رسول الله؛ فكيف إذا تكاثرت الأدلة على ذلك؟ (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب:36].
فاسمعوا -وفقكم الله- قول ربكم عز وجل في تحريم الأغاني وتحذيركم منها ووعيد من استعملها أو استمع إليها. قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [لقمان:6-7]. قال أكثر المفسرين: المراد بلهو الحديث في هذه الآية الغناء، وحلف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ثلاث مرات على أن المراد بلهو الحديث في هذه الآية: الغناء. واسمعوا قول نبيكم -صلى الله عليه وسلم- في تحريم الغناء والمعازف: روى البخاري في صحيحه عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر و المعازف ". والمعازف هي آلات اللهو بجميع أنواعها.
فذمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على استحلالها وقرن ذلك باستحلال الحر، وهي الفرج يعني استحلال الزنا، وباستحلال الحرير والخمر وتوعدهم بالخسف والمسخ مما يدل على شناعة استباحة المعازف.
وقد وردت أحاديث أخرى كثيرة في السنن والمسانيد تدل على تحريم الغناء وآلات اللهو فليطالع كتاب إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم. وكتاب تلبيس إبليس لابن الجوزي وغيرهما. فقد ألف في تحريم الغناء واستماعه مؤلفات كثيرة مشهورة.
عباد الله: إن مفاسد استماع الأغاني كثيرة وآفاته خطيرة؛ منها أنه يفسد القلب وينبت النفاق فيه كما قاله غير واحد من السلف.
ومنها أنه يمحو من القلب محبة القرآن الكريم فإنه لا يجتمع في القلب محبة القرآن ومحبة الألحان؛ لأن القرآن وحي الرحمن، والغناء وحي الشيطان. ولا يجتمع وحي الرحمن ووحي الشيطان في مكان إلا أخرج أحدهما الآخر.
ومن مضار الغناء أنه يسخط الله عز وجل؛ لأنه يصد عن ذكره وطاعته.
ومن مضار استماع الأغاني أنه سبب لأنواع العقوبات في الدنيا والآخرة. قال ابن القيم رحمه الله: والذي شاهدناه نحن وغيرنا وعرفناه بالتجارب أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم وفشت فيهم واشتغلوا بها إلا سلط الله عليهم العدو. وبلوا بالقحط والجدب، وولاة السوء. انتهى كلامه رحمه الله.
ومن مضار استماع الأغاني: أنه مجلبة للشيطان، فهم قرناء المغنين والمستمعين. وما كان مجلبة للشيطان فهو مطردة للملائكة، لأنها ضدان لا يجتمعان فالبيت الذي ترتفع فيه أصوات الأغاني تجتمع فيه الشياطين وتبتعد عنه الملائكة؛ فماذا تكون حال أهل البيت الذين يخالطون الشياطين في بيوتهم. فيا أسفاه على بيوت خلت من ذكر الله، وخلت من ملائكة الرحمن، وعمرت بالأغاني وامتلأت بالشياطين- إنها أصبحت مدارس يتخرج منها الأشقياء. نعوذ بالله منها ومن أهلها.
ومن مفاسد استماع الأغاني: الترغيب في الزنا والدعوة إليه. وقد جاء في الحديث: "الغناء رقية الزنا" ولهذا يحرص المغنون على إسماع الناس الأغاني التي فيها وصف محاسن النساء وقصص الغرام والعشق. والمجون. وأشعار الغزل. ووصف الخدود والقدود والثغور والنحور وما في معنى ذلك، مما يثير الوجد والهوى لا سيما وقد قرنت بأصوات المعازف وأرسلت على أمواج الأثير تغزو كل بيت، وتدخل كل غرفة، ويستمع إليها كل صغير وكبير وذكر وأنثى إلا من عصم الله.
عباد الله: طهروا بيوتكم من هذه الأنجاس واقطعوا عنها هذه الأصوات الملعونة، واعمروها بذكر الله وتلاوة القرآن لعلكم تفلحون.
ويا من تبيع هذه الأشرطة التي قد سجلت عليها هذه الأغاني اعلم أنك تبيع حراماً وتنشر فساداً وكسبك خبيث. فتب إلى الله واستبدل بيع هذه الأشرطة ببيع أشرطة قد سجل فيها الكلم الطيب النافع من كتاب الله وسنة رسوله والمواعظ النافعة والخطب والمحاضرات المفيدة، وهي الحمد لله كثيرة وفيرة: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ * وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق:2-3]. ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
عباد الله: إننا لا نلحق اللوم ونحمل المسؤولية الإذاعات التي تبث من دول كافرة؛ لأنه ليس بعد الكفر ذنب ولا يرتجى من الكافر خير –لكننا نحمل المسؤولية في ذلك المسلمين الذين يغارون على دينهم وأخلاقهم ونسائهم وذرياتهم.
فكيف يليق بهؤلاء أن يرتكبوا ما حرم الله؟ وكيف يليق بالمسلمين الذين اعتدي على دينهم وبلادهم وشرد إخوانهم في أقطار الأرض على أيدي الكفار، والحروب تشتغل في أطرافهم.. كيف يليق بهم مع ذلك أن يلهو ويغنوا ويطربوا وهم جرحى مهددون بالأخطار؟ إن اللائق بهم والواجب عليهم أن يجدوا ويجتهدوا في حماية دينهم وبلادهم ويحفظوا أوقاتهم فيها يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم من عبادة الله. وتعلم العلوم النافعة والجهاد في سبيل الله ونشر دعوة الإسلام في الأرض؟ وإذا كان فعلوا ذلك لم يبق وقت للهو اللعب. وفق الله المسلمين للتمسك بدينهم والبصيرة في أمرهم إنه قريب مجيب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (الم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) [لقمان:1-4].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي