وعلى المعلم أن يظهر أمام طلبته بالمظهر اللائق من الأخلاق الفاضلة والآداب العالية التي أساسها التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليكون قدوة لتلاميذه في العلم والعمل؛ فإن التلميذ ربما يتلقى من معلمه من الأخلاق والآداب أكثر مما يتلقى منه العلم من حيث التأثر؛ لأن أخلاق المعلم وآدابه صورة مشهودة معبرة عما في نفسه ظاهرة في سلوكه ..
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم: (الرَّحْمَنُ*عَلَّمَ الْقُرْآنَ*خَلَقَ الْأِنْسَانَ*عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن:1-4] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل والعفو والإحسان وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بعثه الله بالهدى ودين الحق ليمحو الباطل بالحجة والبرهان صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: فإننا في هذه الأيام نلج أبواب عام دراسي جديد توافق مع العام الهجري الجديد نسأل الله تعالى أن يجعله علينا وعلى المسلمين عام خير وبركة، وعلى المجرمين والكافرين عام ذل وهوان.
إن الناس في هذه الأيام يستقبلون نشاطهم؛ فيا ليت شعري ماذا أعدوا لهذا العام.
أيها الناس: إنني لا أدري إلى من أوجه خطبتي هل أوجهها إلى العموم أو أوجهها إلى أصناف معينين إنني أقول إن أحق من أوجه خطبتي هذه إليهم ثلاث أصناف من الناس المعلمون والمتعلمون وأولياء أمور المتعلمين..
أما المعلمون فإن من أهم ما يتعلق بهم أن يدركوا العلوم التي يلقونها إلى الطلبة إدراكاً جيداً مستقراً في نفوسهم قبل أن يقفوا أمام الطلبة حتى لا يقع الواحد منهم في حيرة عند سؤال التلاميذ له ومناقشتهم إياه؛ فإن من أعظم مقومات الشخصية لدى الطلبة أن يكون المعلم قويًّا في علمه وملاحظته.
إن قوة المعلم العلمية في تقويم شخصيته لا تقل عن قوة ملاحظته إن المعلم إذا لم يكن عنده علم ارتبك عند السؤال فينحط قدره في أعين تلاميذه، وإن أجاب بالخطأ فلن يثقوا به بعد ذلك، وإن انتهرهم عند السؤال والمناقشة فلن ينسجموا معه.. إذاً فلابد للمعلم من إعدادِ واستعدادِ وتحملِ وصبرِ المعلم عند توجيه السؤال له إن كان عنده علم راسخ في ذهنه مستقر في نفسه أجاب بكل سهولة وانطلاقة وإلا إنه لا يخلو بعد ذلك من هذه الأمور الثلاثة الارتباك أو الخطأ أو الانتهار وكل ذلك ينافي الآداب التي ينبغي أن يكون المعلم عليها..
وإذا كان على المعلم أن يدرك العلم الذي سيلقيه أمام الطلبة - فإن عليه أن يحرص على حسن إلقائه إليهم؛ بأن يسلك أسهل الطرق في إيضاح المعاني، وضرب الأمثال، ومناقشة الطلبة فيما ألقاه عليهم سابقا؛ ليكونوا على صلة بالماضي ويعلموا أن هناك متابعة من المعلم.. أما أن يأتي يقرأ عليهم الشيء قراءة لا يدري من فهم ومن لم يفهم ولا يناقش فيما مضى - فإن هذه الطريقة طريقة عقيمة جداً لا تثمر ثمرة ولا تنتج نتيجة طيبة.
وإذا كان على المعلم أن يجتهد في الأمور العلمية تحصيلاً وعرضاً - فعليه أن يجتهد في الأمور العملية التعبدية ..
عليه أن يكون حسن النية والتوجيه؛ فينوي بتعليمه الإحسان إلى طلبته وإرشادهم إلى ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، وليجعل نفسه لهم بمنزلة الأب الشفيق الرفيق؛ ليكون لتعليمه أثر بالغ في نفوسهم.
وعلى المعلم أن يظهر أمام طلبته بالمظهر اللائق من الأخلاق الفاضلة والآداب العالية التي أساسها التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليكون قدوة لتلاميذه في العلم والعمل؛ فإن التلميذ ربما يتلقى من معلمه من الأخلاق والآداب أكثر مما يتلقى منه العلم من حيث التأثر؛ لأن أخلاق المعلم وآدابه صورة مشهودة معبرة عما في نفسه ظاهرة في سلوكه، فتنعكس هذه الصورة تماماً على إرادة التلاميذ واتجاههم.
إن على المعلم أن يتقِ الله تعالى في نفسه وفي من ولّاهم الله عليه من التلاميذ، وأن يحرص غاية الحرص على أن يمثل أمامهم بالآداب والأخلاق حتى يكون قدوة صالحة "ومن سنة في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة".
وإنني أقول للمعلمين: إن عند التلاميذ ملاحظة دقيقة عجيبة على صغر سنهم إن المعلم إذا أمرهم بشيء ثم رأوه يخالف ما أمرهم به فإنهم سوف يضعون علامة الاستفهام أمام وجه هذا المعلم كيف يعلمنا بشيء ويأمرنا به وهو يخالف ما كان يعلمنا ويأمرنا به لا تستهن -يا معلم- لا تستهن بالتلاميذ -ولو كانوا صغاراً- فعندهم من الملاحظات أمر عجيب.
أيها المتعلمون: ابذلوا غاية الجهد في تحصيل العلم من أول العام حتى تدركوا المعلومات إدراكاً حقيقياً ثابتاً في قلوبكم راسخاً في نفوسكم؛ لأنكم إذا اجتهدتم من أول العام أخذتم العلوم شيئاً فشيئاً، فسهلت عليكم، ورسخت في نفوسكم، وسيطرتم عليها سيطرة تامة، وإن أنتم أهملتم وتهاونتم في أول العام واستبعدتم آخره - انطوى عنكم الزمن، وتراكمت عليكم الدروس، فأصبحتم عاجزين عن تصورها فضلاً عن تحقيقها، فندمت حين لا تنفع الندامة، وبئتم بالفشل والملامة.
أيها الناس أيها المدراء: إذا كان على المعلمين والمتعلمين واجبات تجب مراعاتها فإن على إدارة المدرسة أو المعهد أو عمادة الكلية أن ترعى من تحت مسئوليتها من مدرسين وطلاب ومراقبين؛ لأنها مسئولة عنهم أمام الله عز وجل، ثم أمام المسئولين فوقهم، ثم أمام عامة الأمة بمقتضى الأمانة التي تحملوها نحوهم.
أيها الأولياء: وإذا كان على المدرسة معلميها ومديريها وعمدها واجبات فإن على أولياء الطلبة من الآباء وغيرهم واجبات يلزمهم القيام بها.. عليهم أن يتفقدوا أولادهم وأن يراقبوا سيرهم ونهجهم العلمي والفكري والعملي، وأن لا يتركوهم هملاً لا يبحثون معهم، ولا يسألونهم عن طريقتهم وأصحابهم ومن يعاشرونهم ويصادقونهم.
إن إهمال الأولاد ظلم وضياع ومعصية لما أمر الله به في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم :6].
فاتقوا الله -عباد الله-، وليقم كل منكم بما أوجب الله عليه من حقوق الله وحقوق لعباد الله؛ لتفوزوا بالمطلوب كما قال ربكم وإلهكم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب :70-71].
أيها الناس: إن ما قلناه في حق الأولاد لا نقصد به الأبناء فقط وإنما نقصد به الأبناء والبنات؛ لأن الأولاد في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يراد بهم الذكور والإناث كما قال الله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) [النساء : 11] وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" فما كان في حق البنين من رعاية ومن رعاية وحماية فإنه في حق البنات كذلك.
أسال الله تعالى أن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين صالحين مصلحين.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي