ومما ورد التفصيل في أحكامه صلاة أهل الأعذار، وهم المرضى والمسافرون والخائفون، الذين لا يتمكنون من أداء الصلاة على الصفة التي يؤديها غير المعذور, فقد خفف الشارع عنهم وطلب منهم أن يصلوا حسب استطاعتهم، وهذا من يُسر هذه الشريعة وسماحتها, والتي جاءت برفع الحرج؛ قال الله -تعالى-: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78].
إن الحمدَ لله نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هادي له.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلمَ تسليماً كثيراً.
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله تعالى, وعظموا شعائر الله؛ فإن ذلك من تقوى القلوب.
وأعظم شعائر الله الظاهرة: الصلاة. والتي ورد ذكرها في الكتاب والسنة أكثر من غيرها من العبادات, وكذلك التفصيل في أحكامها.
ومما ورد التفصيل في أحكامه صلاة أهل الأعذار، وهم المرضى والمسافرون والخائفون، الذين لا يتمكنون من أداء الصلاة على الصفة التي يؤديها غير المعذور, فقد خفف الشارع عنهم وطلب منهم أن يصلوا حسب استطاعتهم، وهذا من يُسر هذه الشريعة وسماحتها, والتي جاءت برفع الحرج؛ قال الله -تعالى-: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78].
فأول أهل الأعذار: المريض؛ فإن الصلاة لا تترك أبداً، والمريض يلزمه أن يؤدي الصلاة قائماً، فإن لم يستطع القيام في الصلاة، بأن عجز عنه أو شق عليه أو خيف من قيامه زيادة مرض أو تأخر برء، فإنه يصلي قاعداً, وتكون هيئة قعوده حسب ما يسهل عليه.
والأفضل أن يصلي متربعاً، إن استطاع، فإن لم يستطع المريض الصلاة قاعداً بأن شق عليه الجلوس، أو عجز عنه، فإنه يصلي على جنبه ويكون وجهه إلى القبلة، والأفضل أن يكون على جنبه الأيمن، وإن لم يكن عنده من يوجهه إلى القبلة، ولم يستطع التوجه إليها بنفسه؛ صلّى على حسب حاله، إلى أي جهة تسهل عليه، فإذا لم يقدر المريض أن يصلي على جنبه، تعين عليه أن يصلي مستلقياً على ظهره.
وإذا صلّى المريض قاعداً، ولا يستطيع السجود على الأرض، أو صلّى على جنبه أو على ظهره، كما سبق، فإنه يومئ برأسه للركوع والسجود، ويجعل الإيماء للسجود أخفض من الإيماء للركوع.
ولا يجوز له أن يضع وسادة أو خشبة يسجد عليها، بل يكتفي بالإيماء. وإذا صلّى المريض جالساً وهو يستطيع السجود على الأرض وجب عليه ذلك ولا يكفيه الإيماء.
والدليل على جواز صلاة المريض على الكيفية المفصلة ما أخرجه البخاري عن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فصلِّ قاعداً، فإن لم تستطع، فعلى جنبك".
وهنا يجب التنبيه على أن ما يفعله بعض المرضى من ترك الصلاة بحجة أنهم لا يقدرون على أدائها بصفة كاملة، أو لا يقدرون على الوضوء، أو لأن ملابسهم نجسة، أو غير ذلك من الأعذار، فيؤخرونها إلى حين زوال العذر ثم يقضون, هذا خطأ كبير؛ لأن المسلم لا يجوز له ترك الصلاة إذا عجز عن بعض شروطها أو أركانها وواجباتها، فيلزمه الوضوء سواء كان ذلك بنفسه أو بمساعدة غيره, فإن شق عليه تيمم, فإن لم يستطع صلى على حسب حاله وسقط عنه الوضوء والتيمم.
وكذلك الصلاة، فإنه يصليها بحسب استطاعته على ما سبق تفصيله, فإذا كان لا يستطيع أن يحرك شيئا من بدنه فإن الصلاة لا تسقط عنه, بل يصلي بالنية, حيث ينوي التكبير والركوع والسجود والتسليم. قال الله -تعالى-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16].
وإن قدر على القيام والقعود، ولم يقدر على الركوع والسجود، فإنه يومئ برأسه بالركوع قائماً، ويومئ بالسجود قاعداً، ليحصل الفرق بين الإيماءين حسب الإمكان.
وللمريض أن يترك السجود والركوع مع قدرته عليهما إذا كان به مرض في عينيه، أو جروح عميقة في رأسه، إذا منعه الطبيب الثقة من ذلك.
ومن أهل الأعذار: الراكب إذا كان يتأذى بنزوله للصلاة على الأرض بوحل أو مطر ونحوهما، أو كان مع رفقة في طائرة أو حافلة, وتعذر نزوله وخشي فوات الوقت, فإنه يصلي على مركوبه, على حسب قدرته, قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً, ويستقبل القبلة, فإن لم يتمكن صلى إلى أي جهة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الواحد الأحد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كُفُوا أحد، فاطر السماوات والأرض، جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحةً مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير، ما يفتحِ الله للناس من رحمةٍ فلا مُمسكَ لها، وما يُمسك فلا مُرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: عباد الله، ومن أهل الأعذار المسافر، فيشرع له قصر الصلاة الرباعية من أربع إلى ركعتين، كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، ويبدأ القصر بمفارقة بنيان البلد.
ويشرع للمسافر إذا كان جادّاً في السير أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في وقت أحدهما.
وإذا وصل إلى البلد التي سافر إليها, واستقر فيها، فإنه يصلي الصلاة في وقتها، ويقصر الرباعية, من غير جمع, ما لم يكن مشغولاً أثناء سفره وغير مستقر؛ لأن علة الجمع هي الحرج وليست السفر، وليس هناك مدة معينة للسفر, فيقصر، سواء مكث يوماً أو أسبوعاً أوشهراً.
ومن خرج إلى البر والنزهة, فإن ابتعد عن بلده مسافةً تجعله في حكم المسافرين شُرع له القصر, فإن كان في نزهته مستقراً في مكان واحد, فإنه لا يشرع له الجمع، وإذا كان يتنقل أثناء رحلته فإنه يجمع.
ويباح الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء للمريض الذي يلحقه بترك الجمع مشقة، ويباح الجمع بين الصلاتين للمقيم عند الحرج بسبب المطر أو البرد الشديد وما شابه ذلك، وكذلك الصلاة في الرحال إذا لزم الأمر.
ويدخل في صلاة أهل الأعذار صلاة الخوف، فإنها مشروعة في الجهاد جماعةً, سفراً وحضراً, عند قتال الكفار والبغاة والمحاربين.
وفي حال عدم القدرة على أدائها جماعة فرجالاً أو رُكباناً. بكيفيات ورد تفصيلها في نصوص الكتاب والسنة.
ويلحق بذلك: الهرب من عدو أو سيل أو سبع، أو خوف فوات عدو يطلبه، فيصلي في هذه الحالة راكباً أو ماشياً، مستقبل القبلة وغير مستقبلها، يومئ بالركوع والسجود.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين يا رب العالمين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمةً عامة وهداية عامةً يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واحم حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم انصر جُندنا المجاهدين، اللهم انصرهم يا حيُّ يا قيوم، اللهم أنزل عليهم نصراً مؤزراً، اللهم اربط على قلوبهم، وسدد رميهم، وثبت أقدامهم، وانصرهم على المعتدين يا قوي يا عزيز.
اللهم من قُتل منهم فتقبله في الشهداء عندك يا أرحم الراحمين، اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين وعدوان المعتدين، اللهم وفقّ وُلاة أمرنا لما يرضيك، اللهم وفقهم بتوفيقك، وأيدهم بتأييدك، واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حبب إليهم الخير وأهله، وبغِّضْ إليهم الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي