أُعطي جوامع الكلم ونوى بها الحكم، فيقول الكلمات المختصرات: وهي تعني سعادة الدنيا والحياة، ومن هذا أيها الإخوة المباركون ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَعَظْتَنَا مَوْعِظَةَ مُوَدِّعٍ فَاعْهَدْ إِلَيْنَا بِعَهْدٍ. فَقَالَ: «عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، وَسَتَرَوْنَ مِنْ..."
الحمد لله، الحمد لله ولي التوفيق، وأشهد أن لا إله إلا الله منَّ على من شاء بأحسن منهجٍ وأقوم طريق، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه أهل الهدى والتحقيق.
أما بعد:
عباد الله فأن من منن الله -عز وجل- علينا وفضله وإحسانه إلينا أن بعث إلينا محمدًا -عليه الصلاة والسلام- نبينا وسيدنا صلوات الله وسلامه عليه، علَّم أمته كل جليل ودقيق، وذكَّر أمته وأنذر ونبَّه وأعذر -صلوات الله وسلامه عليه-.
أُعطي جوامع الكلم ونوى بها الحكم، فيقول الكلمات المختصرات: وهي تعني سعادة الدنيا والحياة، ومن هذا أيها الإخوة المباركون ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَعَظْتَنَا مَوْعِظَةَ مُوَدِّعٍ فَاعْهَدْ إِلَيْنَا بِعَهْدٍ. فَقَالَ: «عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، وَسَتَرَوْنَ مِنْ بَعْدِي اخْتِلَافًا شَدِيدًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْأُمُورَ الْمُحْدَثَاتِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».
لهذه كلمات مختصرات ولنا مع هذه الكلمات وقفات تلك عشرةٌ كاملات.
الوقفة الأولى أيها الأحبة مع قول الصحابي -رضي الله عنه-: «وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة»: فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعظ أصحابه، ويذكر أصحابه، وينبه أصحابه، ولهذا إخوة الإسلام طبق قول الله -عز وجل-: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) [الشعراء:214]، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) [الأحزاب:45].
وفيه وإن كان بعض أصحابه، وفيه أنه كان يعظ أصحابه ويذكرهم، فمهما كان من الإنسان فضلًا وإحسانًا وتقى وصلاحا فهو بحاجة إلى التذكير والوعظ (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات:55]، فها هو إمام الواعظين يعظُ أفضل الأمة وأفضل القرون.
وفي قوله: وعظنا رسول الله، وفي رواية: بليغة، وفي رواية: كان بعد صلاة الصبح؛ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعظ أصحابه في غير الخطب الراتبة كالجمع والأعياد (وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) [النساء:63]، (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) [النحل:125].
ولكنه كان لا يديم وعظهم بل يتخولهم به أحيانًا كما في الصحيحين يقول ابن مسعود: يُذَكِّرُنَا كُلَّ يَوْمِ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنَّا نُحِبُّ حَدِيثَكَ وَنَشْتَهِيهِ وَلَوَدِدْنَا أَنَّكَ حَدَّثْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ: "مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ إِلَّا كَرَاهِيَةُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ كَرَاهِيَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا". (متفق عليه).
والبلاغة في الموعظة مستحسنة؛ لأنها أقرب إلى قبول القلوب واستجلابها، والبلاغة هي التوصل إلى إفهام المعاني المقصود وإيصالها إلى قلوب السامعين بأحسن صورة من الألفاظ الدالة عليها وأفصحها وأعلاها للأسماع وأوقعها للقلوب.
الوقفة الثانية قوله: «وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون»: في هذا إشارة إلى أن صلاح القلب بصلاح العين، وفساد القلب بفساد العين، وأنهما مرطبتان وبينهما علاقة، وفيه فضل البكاء، والخشية من الله فعين بكت من خشية الله حرمت على النار في نص الحديث المسدد، وفي الحديث «لاَ يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ»، وفي الصحيحين من السبعة الذين يظلهم الله في ظله «رجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه».
وفي قوله: «ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب» هذان الوصفان فيهما مدح الله المؤمنين عند سماع الذكر (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنفال:2]، (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) [الحج:34]، (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الحج:35]، (ألَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) [الحديد:16]، (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) [الزمر:23]، (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ) [المائدة:83].
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتغير حاله عند الموعظة كما قال جابر: «كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: «صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ» (أخرجه مسلم).
وفي الصحيحين يقول أنس: «خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَقَامَ عَلَى المِنْبَرِ، فَذَكَرَ السَّاعَةَ، فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ» فكان يعظ أصحابه ويذكرهم وقال: «أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ بِالسُّوقِ، لَسَمِعَهُ مِنْ مَقَامِي هَذَا، قَالَ: حَتَّى وَقَعَتْ خَمِيصَةٌ كَانَتْ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ».
وفي الصحيحين قال: «وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، - قَالَ شُعْبَةُ: أَمَّا مَرَّتَيْنِ فَلاَ أَشُكُّ - ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» فبكلمة طيبة وهكذا -عليه الصلاة والسلام- يعظ أصحابه بموعظة تدخل القلوب، ومن ثم تظهر آثارها على الجوارح وذرفت منها العيون.
الوقف الثالثة: «كأنها موعظة مودعٍ فأوصنا»: ذلكم أن لحظات الوادع تخرج صادق الكلمات، أي تخرج صادق الكلمات النِّفاع والفوائد الجِمَاع، وإذا أردت عملك ينفعك فأعمله كالمودع له، وفي قوله: كانت موعظة مودعٍ على أنه كان قد أبلغ في تلك الموعظة ما لم يبلغ في غيرها فلذلك فهموا أنها موعظة مودع، فإن المودع يستقصي ما لا يستقصي غيره في القول والعمل، ولذلك أمر أن يصلي صلاة، المرء صلاة مودع؛ لأن من استشعر أنه مودعٍ بصلاته أتقنها على أكمل وجهها.
ولربما كان وقع منه تعريضٌ في تلك الخطبة توديع لأصحابه كما في حجة الوداع «لِعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا» وطفق يودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع، ولما رجع من حجته إلى المدينة جمع الناس بماء بين مكة والمدينة وخطبهم وقال: «أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ» (أخرجه مسلم). فحث على التمسك بكتاب الله ووصى بأهل بيته.
وحينما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قتلى أحد ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات -عليه الصلاة والسلام-.
والوقفة الرابعة قوله: «أوصيكم بتقوى الله»، التقوى أيها الأحبة هي وصية الله للأولين والآخرين، وهي وصية الله في كتابه المبين ورسوله الأمين -عليه الصلاة والسلام-: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131].
والتقوى كما قال طلق بن حبيب: "أن تعمل بطاعة الله على نورٍ من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله"، ويقول ابن مسعود: «هو أن يطاع فلا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر» سبحانه وبحمده،
يقول ابن المعتز:
خلِّ الذنوب صغيرها *** وكبيرها فهو التقى
واصنع قماش فوق *** أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة *** إن الجبال من الحصى
التقوى فيها سعادة الدنيا والآخرة، لعمرك ما الإنسان إلا في دينه فلا تترك التقوى اتكالًا على النسب،
لقد رفع الإسلام سلمان فارس *** ووضع الشرك النسيب أبا لهب
التقوى هي فعال الأوامر وترك الزواجر، والتقوى عباد الله عز الدنيا والآخرة وسعادة الدنيا والآخرة (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور:52].
والوقفة الخامسة في قوله: «والسمع والطاعة»، أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة فهاتان الكلمتان تجمعان سعادة الدنيا والآخرة، وأما التقوى فهي كافلة بسعادة الآخرة لمن تمسك بها، وهي وصية الله للأولين والآخرين.
وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا وفيها تنتظم مصالح العباد في معايشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم كما قال عليّ: "إنَّ النَّاس لا يُصلحهم إلاَّ: إمامٌ برٌّ، أو فاجرٌ؛ فإن كان برًّا فللراعي وللرعية؛ وإن كان فاجرًا عَبَدَ فيه المؤمنُ ربَّه".
وقال الحسن: في الأمراء "هم يلون من أمورنا خمسة الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود"، والله ما يستقيم الدين إلا بهم وإن جاروا وظلموا،
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم *** ولا سراة إذا جهالهم سادوا
وبهذين الأصلين وصى النبي في خطبة الوداع كما عند أحمد والترمذي كان يقول: "يا أيها الناس اتقوا الله وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشي مجدع، فاسمعوا له وأطيعوا ما قام فيكم كتاب الله".
والوقفة السادسة: «وإن تأمر عليكم عبد حبشي»، وفي صحيح البخاري عن أنس: «اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبدٌ حبشي كان رأسه زبيبة»، وفي مسلم عن أبي ذر: «أوصاني رسول الله أن أسمع وأطيع ولو كان عبدًا حبشيًا مجدع الأطراف» ففيه شدة السمع والطاعة مهما كانت صفات الأمير بالاستجابة درأ للمفاسد وجلبًا للمصالح، وحفاظًا على الأمر واستقراره، ودرأ للشر واستفحاله.
والوقفة السابعة في قوله: من يعش منكم من بعدي فسيرى. فيه التحذير من الاختلاف والشقاق، والنزاع والافتراق، وأن الاختلاف شرٌ وبلاء وسوء وداء، ولهذا جاءت الشريعة بالاجتماع (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103]، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) [آل عمران:110].
(وَتَعَاوَنُوا) (وَالَّذِينَ آمَنُوا) ضمائر الجمع تفيد الاجتماع والرحمة، والتواصل والعطف وقوة اللحمة، وعند مسلم: «إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا» وفيه: .....«وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا».
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا *** وإذا افترقن تكسرت أحادا
وقول الله: أبلغ (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ) [آل عمران:103].
أمنية الشيطان وبغيته الافتراق والنزاع والشقاق، وشريعتنا جاءت بالرحمة والاجتماع، فنجتمع أيها الأحبة لنتآلف ونترابط ونتواصل ونتلاحم، وفي قوله: «فمن يعش منكم بعدي فسيرى اختلاف كثيرًا» هذا إخبار منه بما وقع في أمته بعده من كثرة الاختلاف في أصول الدين وفروعه في الأقوال والأعمال، والتقريرات والاعتقادات.
والسنة: هي الطريقة المسلوكة فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه هو وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال، وفي ذكر هذا الكلام بعد هذا الأمر بالسمع والطاعة لولي الأمر إشارة إلى طاعة ولي الأمر؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء:59]، إلا أنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الله، إنما الطاعة بالمعروف.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه
الوقفة الثانية في قوله: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين»: السنة أيها الأحبة هي الوحي الرباني، والمصدر الثاني ولا طريق للعباد إلى الجنة إلا بالكتاب والسنة، أخي تدري أين طريق الجنة؟ طريقها الكتاب، ثم السنة، عليكم عباد الله بالتمسك بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والاحتذاء حذوه فمن علامة حبك لله وعلامة مغفرته ذنبك إتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران:31].
يا رب إن ذنوبي في الورى *** وليس لي عمل في الحشر ينجيني
وقد أتيتك بالتوحيد يصحبه *** حب الرسول وهذا القدر يكفيني
فمحبته تقتضي إتباعه -عليه الصلاة والسلام-، والتأسي به في جميع الأحوال كما قال الكبير المتعال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب:21].
الوقفة التاسعة: «وسنة الخلفاء الراشدين»: وفي وصفهم الراشدين المهديين أنهم على الحق إذ الناس ثلاثة أقسام: راشد، وغاوي، وضال.
فالراشد: ممن عرف الحق وعمله وأتبعه.
والغاوي: عرف الحق ولم يتبعه.
والضال: لم يعرفه بالكلية.
وكل راشدٍ فهو مهتدٍ، وفي أمره باتباع سنته وسنة خلفائه الراشدين بعد أمره بالسمع والطاعة لولاة أمور المسلمين عمومًا دليلٌ على أن سنة الخلفاء الراشدين متبعة كاتباع سنته -عليه الصلاة والسلام-.
فرضي الله عن الصحابة أجمعين، وليس في الأمة كالصحابة في الفضل والمعروف والإصابة بأنهم قد شاهدوا المختار، وعاينوا الأسرار والأنواع، وجاهدوا في الله حتى بان سبل الهدى وقد سمى الأديان، فا هاهو -عليه الصلاة والسلام- يشيد بفضلهم وذكرهم، وفي الصحيح خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، فلا كان ولا يكون مثلهم -رضي الله تعالى عنهم-.
والوقفة العاشرة: «إياكم ومحدثات الأمور»: التحذير من البدع عباد الله؛ لأنها تخالف السنة، وكلما خرجت بدعة ماتت سنة، ولهذا في الصحيحين من حديث عائشة: «من أحدث في أمرنا هذا من ليس منه فهو رد».
وفي رواية لمسلم علَّقها البخاري «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» إذًا عباد الله علينا باتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن اتباعه هو الركن الثاني من أركان العمل الصالح، العمل الصالح ركناه الإخلاص والمتابعة،
شَرْطُ قُبُولِ السَّعْيِ أَنْ يَجْتَمِعَا *** فِيهِ إِصَابَةٌ وَإِخْلَاصٌ مَعَا
لِلَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ لَا سِوَاهُ *** مُوَافِقَ الشَّرْعِ الَّذِي ارْتَضَاهُ
(لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الملك:2]: أخلصه وأصوبه فلا يقبل العمل إلا إذا كان خالصًا صوابًا على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولهذا من قواعد شهادة أن محمدًا رسول الله أن لا يعبد الله إلا بما شرع رسول الله، يقول أبو العالية في قوله: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر:92]، قال: "كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعملون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟".
واعلم بأن الأجر ليس بحاصلٍ إلا إذا كان فيه صفتان لا بد من إخلاصه ونقائه وخلوه من دم سائر الأدران، وكذا متابعة الرسول فإنها شرطٌ بحكم نبينا العدنان.
وفي قوله: وإياكم ومحدثات الأمور تحذير للأمة من إتباع الأمور المحدثة المبتدعة، وأكد بذلك بقوله: "كل بدعة ضلالة"، فهي من جوامع الكلم التي لا يخرج عنه شيء وهو أصل عظيمٌ من أصول الدين وهو شبيه بقول: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».
وفي رواية لمسلم علقها البخاري: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» إذًا يجب علينا عباد الله أن نتبع النبي -صلى الله عليه وسلم- في جميع أقواله وأعماله لأن الله -عز وجل- أمرنا بذلك وجعل طاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- واجب الطاعة، ولهذا جمع الله -عز وجل- بين الإخلاص والمتابعة بقوله: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف:110].
فهذه كلمات وإشارات على هذا الحديث العظيم الذي ينبغي العناية به وتطبيقه، والعمل به، والنظر في مفرداته فهو من جوامع الكلم ونوابغ الحكم.
والله أعلم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي