حرارة الصيف (1)

عناصر الخطبة

  1. الحر آية من آيات الله الكونية وبعض الحكم والعبر المستفادة من ذلك
  2. تحذير العباد من النار وبعض وسائل الوقاية منها
  3. الحر بين الابتلاء والعقوبة
  4. معاناة الفقراء والمساكين من حر الصيف وواجب الميسورين نحوهم
  5. نعمة الكهرباء وكيفية شكر الله عليها
اقتباس

لقد حذر الله عباده من النار، وكرر الوعيد بها، وضرب لها من الأمثال في كتابه العزيز وعلى لسان رسوله الأمين -صلوات الله وسلامه عليه- ما تشيب منه الولدان، وتتقطع منه القلوب والأفئدة. ولكن أين المعتبرون؟ وأين الخائفون من الله حق خوفه؟ هل انتبهت من نومها القلوب الغافلة؟ وهل…

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله …

أما بعد:

عباد الله: إن الزمان بليله ونهاره، وشهوره وأعوامه؛ آية من آيات الله -تبارك وتعالى- التي نصبها للعباد ذكرى وموعظة، بما أهلك الله فيها من القرون، وما دمر من الأمم المكذبة لرسله، المبتعدة عن سبيله وشرعه.

وكم ضرب الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز من الأمثال، وذكر من الآيات: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾[طـه:113].

بالريح العقيم والطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ!.

ومع ذلك كله؛ فإن كثيراً من الناس لا يزيدهم تعاقب الليل والنهار، وتتابع الشهور والأعوام، إلا بعداً وإعراضاً عن الله.

غرهم الإمهال، وخدعهم التسويف والأمل، وما أوجد الله على أيديهم من وسائل مخترعة، لتحقيق السعادة والراحة الدنيوية: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾[الروم: 7].

عباد الله: واشتداد الحر هذه الأيام من جملة الآيات الكونية التي يخوف الله -تعالى- بها العباد.

ويخطئ كثير من الناس عندما ينسبون شدة الحر أو البرد أو الشهور، ويقول: أنها تأثير لها في خلق الله!.

بل هي خلق من خلق الله -تعالى- جعلها مواقيت للناس، ليعلموا عدد السنين والحساب: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ(6)﴾[يونس: 5-6].

أيها المسلمون: من أين يأتي هذا الحر؟

لعل كثيرا من المسلمين تخفى عليهم هذه الحقيقة التي أخبرنا عنها الصادق المصدوق محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي: أن هذا الحر الذي نجده في الصيف، إنما هو من فيح جهنم -أعاذنا الله وإياكم منها-.

روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اشتكت النار إلى ربها، فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً؟ فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير".

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم".

وإذا كان هذا الحر الشديد الذي يعيقك -أخي المسلم- عن أشياء كثيرة إنما هو نفس أذن لجهنم أن تتنفس، فكيف بجهنم نفسها؟ وقد ذكر الله عنها ما ذكر؛ كقوله تعالى: ﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ﴾[الملك: 7]؟.

﴿إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾[الفرقان: 12].

وعلى الذين يهربون من هذا الحر الدنيوي: أن يفكروا بعقولهم؛ فمن الغباء: أن يهرب الإنسان من الأخف إلى الأشد، وصدق الله -جل جلاله- إذ يقول: ﴿وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾[التوبة: 81].

إذن، اشتداد الحر في هذه الحياة إنما هو من نفس النار، من شدة حرها، يخوف الله -تعالى- به عباده، ويذكر به من يتذكر، ليتعظوا وينزجروا عما هم فيه من غفلة وإعراض عن الله -تعالى-.

ولذلك -عباد الله- ترونه يختلف من سنة إلى أخرى، ومن عام إلى آخر، وكل ذلك بقدر بعد العباد عن الله، أو قربهم منه سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾[الأعراف: 96].

(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)[نوح: 10-12].

أيها المسلمون: ما عبد الله -عز وجل- بمثل الخوف منه، من عقابه وناره وغضبه، قال أبو سليمان الدراني -رحمه الله-: "أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله -عز وجل-، وكل قلب ليس فيه خوف لله، فهو قلب خرب".

ولقد حذر الله عباده من النار، وكرر الوعيد بها، وضرب لها من الأمثال في كتابه العزيز وعلى لسان رسوله الأمين -صلوات الله وسلامه عليه- ما تشيب منه الولدان، وتتقطع منه القلوب والأفئدة.

ولكن أين المعتبرون؟ وأين الخائفون من الله حق خوفه؟

هل انتبهت من نومها القلوب الغافلة؟ وهل ثابت إلى رشدها النفوس السادرة؟ أين الخوف من النار التي هدد الله بها الملائكة المقربين في قول الحق -سبحانه وتعالى-: ﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾[الأنبياء: 29]؟.

وأين الخوف من النار التي خوف الله بها الأنبياء والمرسلين في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا﴾[الإسراء: 39]؟.

وأين الخوف من النار التي أقضت مضاجع الصالحين، فـ ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(18)﴾[الذاريات: 17-18]؟.

﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾[السجدة: 16].

ما أنذر العباد -رعاكم الله- بشيء أشر من النار!.

النار موحشة، أهوالها عظيمة، وأخطارها جسيمة، وعذابها أبداً في مزيد، كلما خبت زادها الله سعيراً، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الصَّخْرَةَ العَظِيمَةَ لَتُلْقَى مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ، فَتَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا، وَمَا تُفْضِي إِلَى قَرَارِهَا".

قال عمر -رضي الله عنه- وهو راوي الحديث: "أكثروا ذكر النار، فإن حرها شديد، وقعرها بعيد، وإن مقامعها حديد".

عباد الله: إن الناس كلهم حريصون على راحة أنفسهم وأهليهم، يوفرون لهم الوسائل الواقية من الحر والبرد، وإذا ما اشتدت عليهم سموم الحر رأيناهم يتنقلون إلى المصائف والمنتجعات الباردة في أنحاء العالم.

وكم هو عظيم الأسى عندما نرى أكثرهم لا يقيم وزناً لنار جهنم، ولا يعمل على وقاية نفسه ومن تحت يده منها؟!

والله -عز وجل- قد خاطب عباده المؤمنين، وحذرهم منها، بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾[التحريم: 6].

وإن من علامات الشقوة: العمل للدنيا، والإعراض عن الآخرة.

تفر من الهجير وتتقيه *** فهلاً من جهنم قد فررتا

أيها المسلمون: إن هذا الحر ابتلاء من الله -عز وجل- لعباده المؤمنين من جهة، وعقوبة للعاصين من جهةٍ أخرى، وقد ابتلى الله المؤمنين بالحر في غزوة تبوك، وفيها نزلت الآية: ﴿وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾[التوبة: 81].

فقد حاول المنافقين أن يعتذروا عن ترك الجهاد في سبيل الله لشدة الحر، فقال الله: ﴿وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾[التوبة: 81].

أما كون هذا الحر عقوبة، فهذا لا شك فيه عند من يفقه نصوص الكتاب والسنة، فإن الله -عز وجل- يعاقب عباده بأشياء كثيرة مما يكرهون، قال الله -تعالى-: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾[الشورى: 30].

وبعض الجهلة من المسلمين يقولون: كيف يعاقبنا الله بهذا الجو الحار ونحن مسلمون مقصرون وكثير من الكفار ينعمون بالجو البارد، والخضرة والماء، ورغد العيش؟!

وقد تولى الله -عز وجل- بيان هذه الشبهة وكشفها، في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(45)﴾[الأنعام: 42-45].

ومن مظاهر كون هذا الحر عقوبة: ما يحصل من موت كثير من الزروع والأشجار، وموت بعض الأسماك، وتلف بعض الآلات، وإرهاق كثير من المرضى، ممن لا يتحملون شدة الحر.

وفوق ذلك كله الأموال الطائلة التي تنفق وتصرف لمقاومة الحر الشديد، لا سيما في الكهرباء.

ولا شك -أيها الإخوة- أن هذا يوجب علينا جميعاً: سرعة الرجوع إلى الله، والتوبة من كل المنكرات، فإن هذا الحر نذير خطر، وإن الله يمهل ولا يهمل، قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[الروم: 41].

عباد الله: إن هذا الحر له غاية مهما طالت أيامه، فبعد الحر يأتي الجو البارد، وهكذا الدنيا لا يدوم لها حال.

وهذا أعظم تنبيه للمسلم كي يدرك أن الشيء لا يدوم في هذه الدنيا، فالدنيا حر وبرد، غنى وفقر، قوة وضعف، عز وذل، صحة ومرض، حياة وموت، ضيق وفرج.

وفي هذا تنبيه للظالم: أن ينتظر دوران الدائرة عليه، وتسلية للمكروب المبتلى الذي ينتظر فرج الله.

وكثير من المسلمين اليوم في بقاع شتى يعيشون ظلماً واضطهاداً، لا يعلم مداه إلا الله، فلهم بشرى: فإن الحال لا تدوم!.

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج

نفعني الله وإياكم …

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين …

أما بعد:

ومع حر الصيف يعاني الفقراء والمساكين معاناة عظيمة، وأنت -يا عبد الله- تنعم بالهواء البارد في بيتك ومكتبك وسيارتك، يعيش بعض جيرانك أو القريبون منك، تحت سموم الحر، والفواتير الحمراء تلوح في أيديهم، ليس لهم إلا الله -عز وجل-، فكيف يهنأ المسلم برغد العيش وكثير من إخوانه على هذه الحال؟!.

ولعل مما ندفع به سخط الله عنا: أن نكثر من الصدقة لهؤلاء الفقراء.

وعلى جميع المسلمين: أن يتقوا الله -تعالى- في إخراج الزكاة.

فمن الملاحظ: أن بعض التجار يفرطون في إخراج الزكاة إما بمنعها بالكلية، أو بمنع بعضها، أو بالتحايل في دفعها، وهذا مع كونه ذنباً عظيماً، يوجب غضب الله، فإن الذي يذق مرارته هم إخواننا المحتاجون الذين ابتلاهم الله بالفقر، لا سيما الأيتام والأرامل، وأصحاب الأعذار.

عباد الله: تصوروا لو انقطع الكهرباء في هذه الأجواء، وفي مثل هذه الأيام التي يصل فيها درجة الحرارة الخمسين، فهل أدركنا نعمة الكهرباء أولاً؟!

ثم إن الأصوات التي تدعوا إلى الاقتصاد في الكهرباء أصوات ناصحة، ولها مدخل شرعي؛ لأن الإسراف مذموم.

ولكن اعلموا -يا رعاكم الله- أن خير ما تحفظ به نعمة الكهرباء: طاعة الله، والكف عن معصيته.

فهل من شكر نعمة الكهرباء أن تستخدمها في الحرام؟! هل من شكر نعمة الكهرباء أن نشغل بها الدشوش والأجهزة المحرمة، وأن نسخر هذه النعمة في معصيته؟!

وكيف يشكر النعمة مسلم جلس في غرفة مكيفة، ينظر إلى محرم، ويستمع إلى الحرام، ويلوك بلسانه الحرام؟!

نسأل الله الهداية للجميع.

وأخيراً -يا عبد الله-: إنك ضعيف، جسمك ضعيف، لا تغتر ببعض القوة والصحة التي تمر بها، لو أصابك فقط مرض الأنفلونزا لسقطت طريح الفراش لأيام، فأنت ضعيف لا تتحمل الحر، ولا تستطيع أن تعيش في الحر.

هل فكرت في نفسك إذا وضعت في قبرك، وأهالوا عليك التراب، ثم ردت عليك روحك، وجاءك الحر الحقيقي هناك، وربما دخل عليك شيء من لفيح جهنم؛ فماذا تفعل؟!

لا نتحمل بعض الحر في الدنيا، فكيف بحر وضم وعذاب القبر؟!

ثم هل فكرت إذا أصابك لفح الحر هنا في الدنيا أرض المحشر، والشمس ارتفاعها من رأسك قدر ميل، والخلائق يحطم بعضهم بعضا، وهم يسبحون في عرقهم حسب أعمالهم؛ فمنهم من عرقه يصل إلى ركبتيه، ومنهم عرقه يصل إلى حقويه، ومنهم عرقه يصل إلى أذنيه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً؟!

أين ذلك الحر مما لا نتحمله هنا في الدنيا؟

أنت ضعيف -يا عبد الله- انتبه لنفسك، واعمل لآخرتك، ولا تسرف في المعاصي، فإن العمر قصير، والبدن ضعيف، والنار محرقة.

اللهم رحمه اهد بها قلوبنا …