الغش: حقيقته ومخاطره وأنواعه وسبل الوقاية منه

عناصر الخطبة

  1. مفهوم الغش وحقيقته
  2. داء الغش وخطره
  3. أنواع الغش وصوره
  4. سبل ترك الغش واجتنابه
اقتباس

الغش خيانة للأمة، وضياع للأمانة، وقلب للحقائق، ومكر وكذب وظلم واحتيال وخديعة. الغشُّ سبيل المنافقين، وسمة الظالمين، ومنهج الموْتورين، لا يرتضيه مسلم، ولا يسلكه أمين. الغش داء خطير، وشر مستطير، إنه مُدمّرُ الشعوب والأمم، والمجتمعات والدول، إذا انتشر في…

الخطبة الأولى:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد:

إخوتي الكرام: نعود مرة أخرى للتحذير من مساوئ الأخلاق وقبيح الخصال، التي كنا نتحدث عنها قبل رمضان. وحديثنا اليوم عن خلق ذميم، ووصف قبيح، وفعل شنيع، يدل على ضعف الإيمان، وانعدام الخوف والحياء من الله، وطغيان الأنانية وحب الذات.

وهو سبب من أسباب الفرقة والتخلف وأكل أموال الناس بالباطل، وضعف الثقة بين أفراد المجتمع؛ إنَّه مرض الغشّ، وما أدراك ما الغش؛ جريمةٌ منكرةٌ، وخلقٌ سافل، وكبيرةٌ من كبائر الذنوب.

الغشّ نقيض النّصح، وهو مأخوذ من الغشش وهو المَشرَبُ الكدِر. فالشيء المغشوش هو المكدّر الذي لا صفاء فيه ولا نقاء.

والغشّ ما يُخلط من الرّديء بالجيّد. والغشّ في البيع كتم ما لو علِمَه المبتاع لكرهه. والغش في العمل عدم إتمامه وإتقانِه. والغش في المسؤولية إخلال بالواجب، وتضييع للحق.

الغش خيانة للأمة، وضياع للأمانة، وقلب للحقائق، ومكر وكذب وظلم واحتيال وخديعة.

الغش كسب الحرام من وراء شهادة مزيفة، أو بضاعة مغشوشة.

الغشُّ سبيل المنافقين، وسمة الظالمين، ومنهج الموْتورين، لا يرتضيه مسلم، ولا يسلكه أمين.

الغش داء خطير، وشر مستطير، إنه مُدمّرُ الشعوب والأمم، والمجتمعات والدول، إذا انتشر في أمة أعاقها عن التقدم والتحضر والعيش في رخاء وازدهار، وحل بها الدمار والهلاك والخسران.

والغشّ أنواع عديدة، وصور كثيرة، تعود بالضرر على الأفراد والأسر والمجتمعات والأمم؛ منها:

1- الغش في البيع والشراء، وغيره من المعاملات المالية: كأن يحصل الشخص على المال بطرق محرمة، إما عن طريق الكذب، أو كتمان عيب في السلعة، أو البخس في ثمنها، أو التطفيف في وزنها، أو خلط الجيد بالرديء، وغيرها من الطرق المحرمة والوسائل المغشوشة.

فمن التجَّار من تجده يحلف الأيمان المغلَّظة في تجارته، وهو يعلم أنه كاذب! ومنهم من يَغشُّ في سلعته بخلطها بما يُفسد فائدتها! ومنهم من يغشُّ في تواريخ الإنتاج وتواريخ الصلاحية! ومنهم من يضع السلع الفاسدة بقاع الصندوق ثم يضع من فوقها السِّلع الصالحة المميزة في شكلِها وجمالها! ومنهم من يصنع العسل من السكر ويحلف على أنه عسل نحل! وغير ذلك كثير من أشكال الغش وألوانه.

وقد توعّد الله -تعالى- من يغش الناس في بيعه وشرائه بأشد الوعيد، فقال سبحانه: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(6)﴾ [المطففين: 1 – 6] فماذا يقول الغشاش حين يبعث في يوم عظيم ويقف بين يدي رب العالمين؟

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مرّ على صُبْرَةِ طعام، فأدخلَ يَدَهُ فيها، فنالتْ أصابعُه بللا. فقال: "ما هذا يا صاحبَ الطّعام؟" قال: أصابته السّماءُ يا رسول الله. قال: "أفلا جعلتَهُ فوق الطّعام كي يراه النّاس؟ من غشّ فليس منّي".

ومن الناس من يغش في البيع والشراء بزيادته في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها، وإنما يريد التغرير بالمشترين والحاضرين للسلعة، تقربا إلى البائع أو إضرارا بالمشتري.

ومنهم من يستغل جهل البائع أو المشتري بالثمن الذي يَرُوجُ في الأسواق، فيشتري من البائع بأقل مما في السوق، أو يبيع للمشتري بأكثر مما في السوق.

ومنهم من يضر بالبهيمة، فيحبس فيها اللبن، أو يطعمها ما ينفخها، لإيقاع المشتري فيها بأغلى ثمن.

ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تَلَقّوُا الرّكبان، ولا يَبِعْ بعضُكم على بيع بعض، ولا تناجَشُوا، ولا يبع حاضِرٌ لباد، ولا تُصَرّوا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحتلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها رَدّها وصاعا من تمر" (أخرجه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-).

2- الغش في العمل: فمن العُمّال والموظفين من يغشُّ في عمله ووظيفته، لا يتَّقي الله في وظيفته، يراوغ، ويخادع، ويُهمل، ويضيع، ويماطل، ويقصر، ولا يتقن العمل، ولا ينجزه في وقته، يخون الأمانة، ويضيع حقوق العباد، يختزل ساعات العمل، بل قد يطلب من زملائه التوقيع له بالحضور وهو غائب. فيحصلُ على مقابل أو راتب يَشوبُه الكثير من الحرام، يظن أنَّها شطارة وذكاء، وما هو إلا خسران وهلاك.

3- الغشّ في النّصيحة: فمِن الغشّ ترْكُ الأمر بالمعْروف والنَّهي عن المنكر، وعدمُ توجيه المسلم وإرشادِه إلى ما ينفعه، فمن استطاع أن ينصحَ أخاه عند حاجته إلى النصيحة فلم ينصحْه فقد غشه، وأخلّ بحق من حقوقه؛ فعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم" (متفق عليه)، وفي صحيح مسلم عن تميم الداري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدين النصيحة" قلنا: لمن؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم".

4- الغشّ للرّعيّة: ويعمّ هذا كل من له مسؤولية على غيره، وتقلد أمرا من أمور المسلمين؛ لحديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" (متفق عليه).

فتعطيلُ مصالح الناس وتضييعُها والتلاعبُ بها من قِبَـل مَن هو مكلف برعايتها والقيام بها غِشّ وخيانة، حذرَ من ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "ما من عبد يسترعيه الله رعيّة، يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيّته، إلّا حرّم الله عليه الجنّة" (أخرجه البخاري ومسلم عن معقل بن يسار -رضي الله عنه-).

وعن أبي مريم الأزدي قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من ولاه الله عز وجل شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم، وخلتهم وفقرهم، احتجب الله عنه دون حاجته وخلته، وفقره" (أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع).

وكذلك تضييعُ حقوق الأبناء، والتقصيرُ في تربيتهم وحُسنِ رعايته من قِبَلِ الآباء غِشّ وخيانة، حذرَ من ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "كفى بالمرء إثما أن يُضَيّعَ من يَقُوت" (أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان عن عبد الله بن عمرو، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود).

يقول ابن القيم -رحمه الله-: "وكم ممن أشقى ولدَه وفلذة كبدِه في الدنيا والآخرة، بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يُكرِمُه وقد أهانه، وأنه يَرْحمه وقد ظلمَه، ففاته انتفاعُه بولده، وفوَّت عليه حَظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرْتَ الفساد في الأولاد رأيتَ عامّتَه من قِبَلِ الآباء".

5- الكذب على الناس، وتزوير الحقائق وقلبها، ونقض العهود وإخلافها: فمن الناس من يغش عند إدلائه بالشهادة، فيشهد شهادة زور وبهتان وكذب، ويَحلف على ذلك ولا يُبَالي، مقابلَ أموال من الحرام يأخذها، أو منفعة من صاحب الشهادة ينالها، أو انتقام من المشهود عليه يريده، فينطق بالباطل ويكتم الحق، ويرتكب كبيرة من أبشع الكبائر وأخبثها؛ ففي الصحيحين عن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟" ثلاثا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين"، وجلس وكان متكئا فقال: "ألا وقول الزور"، قال: فما زال يكرّرها حتى قلنا: ليته سكت".

ومن الناس من يغش غيره، عندما يَعِدُه فلا يَفِي بوعده، ويعاهده فلا يفي بعهده، بل يخونه، ويغدر به، ويُخلِف وعده، ويكذب، ويخادع ويتحايل، والله -تعالى- يأمرُ بالوفاء، ويتوَعّد على الغشّ بنقض العهود، فيقول سبحانه: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مسؤولا﴾ [الإسراء: 34]، ويقول عز وجل: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [البقرة: 27].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالطريق يمنع منه ابنَ السبيل، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنياه، إن أعطاه ما يريد وَفى له، وإلا لم يَفِ له، ورجل يبايع رجلا بسلعة بعد العصر، فحلف بالله لقد أعْطِيَ بها كذا وكذا فصدّقه، فأخذها، ولم يُعْطَ بها" (مُتَّفَقٌ عَلَيْه).

ومن الناس من يغش غيره بالاعتداء على حقه، ومقابلة معروفه بالإساءة والجحود، وقد قال النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: "لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعنَ الله مَن آوى مُحْدِثا، ولعن الله من غيّرَ منارَ الأرض" (أخرجه مسلم من حديث عليّ -رضي الله عنه-).

6- الغش في الامتحانات الدراسية: وهذا من أخطر الكوارث التربوية التي تتعرّض لها مسيرة التربية والتعليم، فتعرقل تقدّمها، وتخِلّ موازينها، حين يحصل الغشاش على شهادة لا يستحقها، فيخرُج بهذا الغِشّ جيلٌ جاهل خامل منحرف، ذو همة دنيئة وإرادة سافلة، يتولى القيادة من غير أن يكون مؤهلا لها، ويُسنَدُ إليه من الأمور ما لا يُجيده ولا يُتقنه ولا يَعرفه، فتتضرّرُ الأمة وتضيع الحقوق. وهذا ما حذر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال للأعرابي الذي سأله: متى الساعة؟ فقال: "إذا ضُيّعَتِ الأمانة فانتظر الساعة" قال: كيف إضاعتُها يا رسول الله؟ قال: "إذا أسْنِدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".

ما السبيل إلى ترك الغش واجتنابه؟

أولاً: اعلم أن الله يراك: فأهم علاج للغش أن يستحضر العبد مراقبة الله -عز وجل-؛ فالذي يستحضر مراقبة الله -تعالى- على الدوام، ويعلم علم اليقين أن الله مطلع عليه، ناظر إليه، يُحْصِي عليه أعماله، ويَعُدّ له أخطاءه؛ لا يغش، ولا يمكر، ولا يخون، ولا يخادع، بل يستحي من الله ويخاف من الله أن يراه وهو يغش في عبادته أو يغش في عمله أو يغش في معاملته.

الذي يستحضر مراقبة الله، لا يحتاج إلى مراقبة أحد من الناس؛ لأن الله -تعالى- أعظم في قلبه من كل أحد، وأكبر عنده من كل أحد، يتقن عمله ويحسن عمله، ويجتنب الغش بجميع صوره وأشكاله، تقربا إلى الله، ومحبة لله، وتعظيما لله، وحياء من الله، وطلبا لمرضاة الله، وخوفا من عذاب الله، قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ [آل عمران: 5]، وقال عز وجل: ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ: 3]، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [المجادلة: 7].

الذي يعلم علم اليقين أن أعماله تحصى وتسجل في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وسيجد ذلك في كتابه يوم القيامة مسجلا، ويرى ما عمله حاضرًا؛ يمنعه ذلك من الغش والمكر والخديعة: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ [آل عمران: 30]، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(8)﴾ [الزلزلة: 7 – 8].

ثانيا: احذرْ أن تكون مفلساً: والمفلسُ هو الذي يَفقد ثمَرَة أعماله بعد جُهْدٍ وعناء، يَفقِدُ حسناتِهِ التي تعِبَ في جمعها، حين تُنقلُ حسناته إلى مَن غشه وظلمه واعتدى عليه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أتدرون ما المفلس؟" قالوا: المفلسُ فينا مَنْ لا درهم له ولا متاع. فقال: "إنّ المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنِيَتْ حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أخِذَ من خطاياهم فطرحَتْ عليه ثم طرح في النار".

وعن ثوبان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لأعلمَنّ أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا، فيجعلها الله -عز وجل- هباء منثورا" قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم؟ قال: "أمَا إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها".

فاتَّقوا الله -عبادَ الله- واجتنبوا الغش بجميع أشكاله، واستحضروا مراقبة الله في جميع أحوالكم، واعلموا أنكم باجتنابكم الغش ترضون ربكم، وتخدمون بلادكم، وتفلحون في دنياكم وفي أخراكم.

نسأل الله -تعالى- أن يجنبنا الغش بجميع أنواعه وأشكاله، وأن يطهر مجتمعاتنا من الغش والمكر والخديعة، وأن يرزقنا خشيته وتعظيمه والحياء منه سبحانه.

اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين، ومن أوليائك المتقين، ومن حزبك المفلحين.

اللهم وفقنا لكل خير، واعصمنا يا مولانا من كل سوء وضير.

اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين أجمعين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم احفظهم في أعراضهم، واحفظهم في أبدانهم، واحفظهم في أبنائهم، واحفظهم في أوطانهم، يا قوي يا عزيز.

﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8].

﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10].

وصل اللهم وسلم وبارك على حبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: 180 – 182].