ملاحم آخر الزمان

عناصر الخطبة

  1. النبي يخبر عن ملاحم آخر الزمان
  2. من الملاحم التي أخبر بها الرسول
  3. الأحداث الكبرى يتبع بعضها بعضا
  4. بشارات ومبشرات في آخر الزمان
  5. فضل بلاد الشام   
  6. من الملاحم العظام فتح القسطنطينية
  7. من الفتوحات والمبشرات فتح روما
  8. من أعظم الملاحم المعركة مع اليهود
  9. ظهور المهدي وخروج عيسى وما يحدث من ملاحم
اقتباس

فنحن عَلَى موعد مع الروم وسيتحقق كل ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وسترفرف رايات المجاهدين فوق دول النَّصَارَى، وسيطأ المُسْلِمونَ بأقدامهم عاصمة الفاتيكان الحالية –روما-، وستلتحم هذه الأمة مع أعدائها ويَكُوْن الغلبة لها، وستقع المعركة الفاصلة مع الروم، وسيكسر الصليب فوق رؤوس أصحابها، وستكون معركة شديدة قوية…

الخطبة الأولى:

الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومستدرج الكافرين بمكره، الذي قدر الأيام دولا بعدله، وجعل العاقبة للمتّقين بفضله. والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه، الضحوك القتال، ولي المسلمين، ومرهب الكافرين، صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

عباد الله: فإننا نعيش في آخر الزمان، وبداية النهاية لهذه الحياة، وقد بعث رسولنا -صلى الله عليه وسلم- هو والساعة كهاتين، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى، وصدق الله -سبحانه وتعالى- إذ يقول: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا(7)﴾ [المعارج : 6_7]، ويقول -سبحانه وتعالى-: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ [محمد : 18]،ويقول -جل وعلا-: ﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾ [الأحزاب : 63].

لقد أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة، ومفصلة، عن ملاحم آخر الزمان، والمعارك الفاصلة الكبرى التي ستكون بين يدي الساعة، أخبرنا بها -صلى الله عليه وسلم- حتى ينبهنا من غفلتنا، ويوقظنا من رقدتنا، ويحثنا على الاحتياط لأنفسنا، ولكي نراجع هذه النصوصَ الشرعيةَ فنجد السبيلَ للخروج مما  نحن فيه من أزماتٍ وفتنٍ يرقق بعضها بعضا، وما تبع ذلك من غربة للدين، وذهاب لدولة الإسلام، وفشو للجهل وقلة العلم بأحكام الدين، وكثرة البدع والمضلين، والانهماك في أمر المعاش، والإعراض عن المعاد، وإيثار العاجلة عَلَى  الآجلة، وترك الجهاد والغزو في سبيل الله.

أيها الناس: من الملاحم الكبار التي أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بوقوعها، موقعة الجمل, وموقعة صفين، ومقتل عُثمان بن عفان -رضي الله عنه-, وفتح القدس, وفتح القُسْطَنْطِينِيَّة, وكثرة الروم وقتالهم للمُسْلِمين, وأن يقاتل المُسْلِمونَ الترك, وأن يقاتلوا خوزاً وكرمان من الأعاجم, وأن يُقَاتِلَ  المُسْلِمونَ الْيَهُود، فَيَقْتُلُهُمْ المُسْلِمونَ ،حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ, وأن َيَكْثُرَ الْهَرْج والقتل وتزيد الحروب, ويستخفَ الناس بالقتل.

وأخبر -صلى الله عليه وسلم- بالأشراط الكبرى: وهي العلامات العظام التي تظهرُ قربَ قيامِ  السَّاعة ، كظهور المسيحِ الدَّجَّالِ، وَخُرُوج المهديِّ المنتظر، وَنُزُول عِيسَى بْن مَرْيَم، وما يدور في زمانهم من الملاحم والمعارك الكبرى.

أيها المسلمون: هناك ملاحم عظام أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بوقوعها في آخر الزمان، فمن ذلك الملحمة التي ستكون بين المُسْلِمينَ وبين الروم: فعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “عمران بيت المقدس خرابُ يَثْرب، وخراب يثرب خُروج الملحمة، وخُروج الملحمة فتح قسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال …” [أبوداود (4294)].

إنها سلسلة متتابعة الأحداث، وهي عمران بيت المقدس، ثُمَّ  خراب يثرب، ثُمَّ  قتال الروم في الملحمة، ثُمَّ فتح القُسطَنطينيَّة، ثُمَّ خروج الدجال، فكل واحد من هذه الأمور أمارة لوقوع ما بعده وإن وقع هناك مُهْلَة، وكل حدث من هذه الأحداث يهيئ للذي بعده، وهذه الملحمة والقتال الَّذِيْ  يَكُوْن بين المُسْلِمينَ والروم إنَّمَا يقع في الشَّام، بَعْدَ خراب يثرب، وقبل فتح قُسطَنطينيَّة وظهور الدجال، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “لا تقوم السَّاعَة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرجُ إليهم جيشٌ من المدينة، من خيار أهل  الْأَرْض يومئذٍ...” [مسلم (2897)].

وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: “أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: “عَوْفٌ؟” فَقُلْتُ: نَعَمْ . فَقَالَ: “ادْخُلْ” قُلْتُ: كُلِّي أَوْ بَعْضِي؟ قَالَ: “بَلْ كُلُّكَ” قَالَ: “يَا عَوْفُ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَة: … وَ السَّادِسَةُ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ, فَيَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ عَلَى ثَمَانِينَ غَايَةً” قُلْتُ: وَمَا الْغَايَةُ؟ قَالَ: “الرَّايَةُ، تَحْتَ كُلِّ رَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، فُسْطَاطُ المُسْلِمينَ يَوْمَئِذٍ فِي أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا الْغُوطَةُ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ” [أحمد (23971 )].

فهذه الأحاديث تدل عَلَى أن الملحمة الكبرى التي تقع بين المُسْلِمينَ والروم إنَّمَا يَكُوْن موقعها في الشَّام، وتدل أيضا عَلَى أن المُسْلِمينَ ينتصرون في هذه الملحمة عَلَى الروم وفي هذه الأحاديث بشارات عظيمة ومبشرات كثيرة منها:

أن هذه الهيمنة من قبل النَّصَارَى الْيَوْم عَلَى العالم ستزول، وأن هذه القوة المادية وهذه التقنية لن تستمر حتى نهاية العالم. قَالَ تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [يونس: 24]، إذن فهذه العقلية التي يعيشها الغرب الْيَوْم، ويرون أنهم قادرون عَلَى  فعل كل شيء، وهذا التباهي بالقوة العقلية والمادية والعسكرية والتقنية، سيزول بقوة الواحد الأحد.

ثانياً: أن هذا الصلح الَّذِيْ سيتم مع النَّصَارَى في آخر الزمان يتم بناءً عَلَى رغبة من النَّصَارَى، فهم الَّذِينَ يطلبون الصلح بقصد الاستعانة بالمُسْلِمينَ، وهذا مؤشر إلى أنه قبل الملحمة ستقوم للمسلمين صولة ودولة قوية، يخشاها النَّصَارَى، ولمعرفتهم بقوة المُسْلِمينَ يحشدون لهم ما يقارب من مليون شخص, ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألف.

ثالثاً: تبين هذه الأحاديث فضل الشام واستحباب السكنى فيها عند ورود الفتن, فقد أخرج الإمام أبوداود بسنده عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “سَيَصِيرُ الأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ: جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ، فَقَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: خِيرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَاكَ، قَالَ: عَلَيْكَ بِالشَّامِ ، فَإِنَّهُ خِيرَةُ اللهِ مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِي إِلَيْهِ خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ، وَاسْقُوا مِـنْ غُدُرِكُمْ، فَإِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ” [أبو داود (2483) ].

وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ، إِذْ قَالَ: طُوبَى لِلشَّامِ، قِيلَ: وَلِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: “إِنَّ مَلائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا” [ أَحْمَد (21607) ] وعَنْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ -رضي الله عنه- قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: “بَيْنَما أَنَا فِي مَنَامِي أَتَتْنِي الْمَلائِكَةُ فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلا فَالإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ” [ أحمد (17775 ) ].

بل أخبر الرسول -عليه الصلاة والسلام- إخباراً صريحاً أن عقر دار المؤمنين في آخر الزمان الشَّام: فعن جبير بن نفير أن سلمة بن نفيل أخبرهم أنه: أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنِّي سَئِمْتُ الْخَيْلَ، وَأَلْقَيْتُ السِّلاحَ، وَوَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، قُلْتُ: لا قِتَالَ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “الآنَ جَاءَ الْقِتَالُ، لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ، يُزِيغُ اللهُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ، فَيُقَاتِلُونَهُمْ، وَيَرْزُقُهُمُ اللهُ مِنْهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، أَلا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ، وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ“. وَعن بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ:  قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: “هَا هُنَا، وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ” [أحمد (16965) ].

إن من الملاحم العظام التي أخبر بها الرسول -عليه الصلاة والسلام- فتح القسطنطينية, فقد روى مُسْلِم في صحيحه عن أبي هُرَيْرَة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَال: “سمعتم بمدينة جانبٌ مِنْهَا في البر وجانبٌ مِنْهَا في البحر قَالوا: نعم يا رَسُول اللَّه قَالَ “لا تقوم السَّاعَة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاؤوها نزلوا، فلم يقاتلوا بسلاح، ولم يرموا بسهم، قَالوا: لا إله الا اللَّه والله أكبر فيسقط أحد جانبيها, ثمَّ يقولوا الثانية: لا إله إلا  اللَّه والله وأكبر، فيسقط جانبها الآخر, ثُمَّ يقولوا لا إله الا اللَّه والله أكبر، فيفرج لهم، فيدخلوها، فيغنموا فبينما هم يقتسمون الغنائم، إذ جاءهم الصريخ فقَال: إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون” [ مسلم (2920) ].

والمقصود بفتح القسطنطينية في هذا الحديث هو الفتح الذي يكون بدون قتال, أما فتحها بالقتال فقد وقع على يد السلطان محمد الفاتح -رحمه الله- في سنة سبع وخمسين وثمانمائة للهجرة، وقد لقب بالفاتح لأنه فتح القسطنطينية، روى الإمام أحمد في مسنده عن عَبْدُ اللَّهُ بْنُ بِشْرٍ الْخَثْعَمِىُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ “لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ” [ أحمد (18957) ] يقول الشيخ الألباني -رحمه الله-: “وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني كما هو معروف، وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- بالفتح، وسيتحقق الفتح الثاني بإذن الله تعالى ولابد، ولتعلمن نبأه بعد حين“.

ويقول الشيخ أحمد شاكر -رحمة الله عليه-: “فتح القسطنطينية المبشر به في الحديث سيكون في مستقبل قريب أو بعيد يعلمه الله -عز وجل-، وهو الفتح الصحيح لها حين يعود المسلمون إلى دينهم الذي أعرضوا عنه… وسيعود الفتح الإسلامي لها إن شاء الله كما بشر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-“.

ومما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الفتوحات والمبشرات: فتح روما عاصمة الصليب، ومقر الفاتيكان، والدولة الصناعية الكبرى المشهورة، بشر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بفتحها، وهذا يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة المسلمة، ويبشر بعودة الأمة إلى قوتها وصولتها وجولتها، فتتمكن بإذن الله من فتح هذه البلاد الغنية التي تتمتع بالرفاهية ومتانة الاقتصاد، وإن كان الفساد الأخلاقي والاجتماعي والسياسي ينخر فيها، ويعجل بفنائها وهلاكها ودمارها، فيسهل فتحها ودخولها بإذن الله، فعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قَالَ: “بينما نحن جلوس حول رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ  وَسَلَّمَ- نكتب اذ سئل رَسُول اللَّه: أي المدينتين تفتح أولاً أقَسطَنطينية أو رومية ؟ فقَال رَسُول اللَّه: “مدينة هرقل تفتح أولاً يعني قُسْطَنْطِينِيَّة” [ أحمد (6645) ].

فانطلاقاً من إيماننا بالغيب، وثقة بما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- فنحن عَلَى موعد مع الروم وسيتحقق كل ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وسترفرف رايات المجاهدين فوق دول النَّصَارَى، وسيطأ المُسْلِمونَ بأقدامهم عاصمة الفاتيكان الحالية –روما-، وستلتحم هذه الأمة مع أعدائها ويَكُوْن الغلبة لها، وستقع المعركة الفاصلة مع الروم، وسيكسر الصليب فوق رؤوس أصحابها، وستكون معركة شديدة قوية، وسيكون قتلاها عدد كبير من الطرفين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم قلت ما سمعتم وأستغفر الله.

الخطبة الثانية:

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أيها الناس: ومن أعظم ملاحم آخر الزمان وأشدها وأقواها: المعركة الفاصلة مع اليهود، حيث تشارك الجمادات في هذه المعركة، وتنصر المسلمين ضد أشد الناس عداوة لهم وهم اليهود أذلهم الله وأخزاهم.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لَا تَقُومُ السَّاعَة حَتَّى يُقَاتِلَ المُسْلِمونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمْ المُسْلِمونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ” [ مسلم (2922) ] و الْغَرْقَد نَوْع مِنْ شَجَر الشَّوْك مَعْرُوف بِبِلَادِ بَيْت الْمَقْدِس. وفي رواية البخاري “لَا تَقُومُ السَّاعَة حَتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُودَ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ وَرَاءَهُ الْيَهُودِيُّ: يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ” [ البخاري (2926) ].

وهذا لا يعني أبدًا القعود وترك الأمر؛ بحجة أن المعركة قادمة، والنصر قادم، لا, فالنصر لا يوهب للقاعدين والكسـالى؛ بل النصر هبة من الله -عز وجل- للمجـاهدين والمضحِّين والصابرين والمرابطين، يقول الله -عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 200].

ولا شك أن مشاركة الجماد وإنطاق الحجر والشجر في هذه الملحمة يعد كرامة عظيمة من الله للمجاهدين الذين يقاتلون اليهود، وإعانة كبيرة لهم في النصر عليهم وإبادتهم، ولا يكون هذا في شيء من معارك المسلمين مع أعدائهم إلا في هذه المعركة الفاصلة يوم الملحمة الكبرى والمقتلة العظمى مع المغضوب عليهم، الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة، وغضب الله عليهم فأذلهم وأخزاهم، بسبب إجرامهم، وغدرهم، وفجورهم، وتعنتهم.

من الملاحم الكبرى التي ستقع: الملاحم التي تكون في عهد المهدي -عليه السلام-، حيث يظهر المهدي في بيت اللَّه الحرام، ويبايعه مجموعة من المُسْلِمينَ لا عدد لهم ولا عدة ولا سلاح، فيخرج للمهدي جيش لقتاله والقضاء عَلَيْهِ، فينصر اللَّه المهدي -عليه السلام-، ويخسف اللَّه بهذا الجيش الْأرْض، ولا ينجو من هذا الجيش الا الشريد،  والرجل والرجلان يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح الإمام مسلم: “سيعوذ بهذا البيت قوم من أمتي ليست لهم عدة ولا عدد ولا منعه, مستضعفون ليست لهم عدة ولا عدد ولا منعة, يبعث إِلَيْهِم جيش حتى إذا كانوا ببيداء من الْأرْض خسف بهم, ولا يبقى منهم  إلا الشريد  الَّذِيْ  يخبر عنهم” [ مسلم (2883) ].

فإذا ظهرت هذه العلامة عرف المُسْلِمونَ جميعاً عَلَى ظهر الْأرْض أن الرجل العائذ بالبيت هو المهدي -عَلَيْهِ السلام-، وينتشر الخبر بسرعة مذهلة في الأرض كلها، فلا يبقى مُسْلِم قادر يستطيع أن يرحل من بلده أيا كان إلى البيت الحرام إلا وسافر، حتى يرزقه اللَّه الشهادة أو النصر، ويرزق اللَّه الأمة النصر والغلبة على أعدائها، فيفتحون جزيرة العرب أولاً، ثم يفتحون فارس، ثم الروم، ثم يغزون الدجال، كما بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك في حديث نافع بن عتبة -رضي الله عنه- أن النبي  قَالَ: “تغزون جزيرة العرب فيفتحها اللَّه ثُمَّ تغزون فارس فيفتحها اللَّه ثُمَّ تغزون الروم فيفتحها اللَّه ثُمَّ تغزون الدجال فيفتحه اللَّه“. [ مسلم  (2900) ].

ثم ينزل عِيسَى ابن مريم بين مهرودتين -أي بين ثوبين ممصرين يميل  لَونهما إلى الصفرة- واضعاً كفيه عَلَى أجنحة ملكين، تقطر لحيته كأنه يتوضأ، ومازال الماء يقطر من لحيته ينزل عند المنارة البيضاء شرق دمشق.

فيتجه نبي الله عِيسَى -عليه الصلاة والسلام- إلى بيت المقدس، فيأتي والمُسْلِمون يصلون صلاة الفجر وإمامهم المهدي، فيريد المهدي أن يتأخر ليقدم عِيسَى ابن مريم ليصلى بالمُسْلِمينَ، لأنه نبي فيرفض عِيسَى -عَلَيْهِ  السلام- ويدفع المهدي بين كتفيه، ويأمره أن يصلى بالمُسْلِمينَ ويَكُوْن إمامهم منهم كرامة من اللَّه لأمة مُحَمَّد -صلى الله عليه وسلم-، ويصلي عِيسَى -عليه الصلاة والسلام- خلف المهدي -عليه السلام- عَلَى شريعة النبي -صلى الله عليه وسلم-, فيقوم عيسى -صلى الله عليه وسلم- بقتل الخنزير، وتحطيم الصليب، ويفرض الجزية، ويدعو النَّاس جميعا في الأرض كلها إلى توحيد اللَّه الواحد الأحد بلا منازع ولا شريك.

ثم ينزل عِيسَى وينتقل مع المهدي لقتال الدجال، فإذا رأى الدجال عِيسَى ابن مريم يذوب كما يذوب الملح في الماء، فيقتل عِيسَى الدجال، وهو في طريق عودته يخبره اللَّه -جل وعلا- أنه قد أخرج يأجوج ومأجوج فيقول له: “إني أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم -أي لا قدرة لأحد عَلَى قتالهم- فخذ عبادي إلى الطور“.

فيلجأ نبي اللَّه عِيسَى والمؤمنون معه إلى الطور في سيناء، ويخرج يأجوج ومأجوج، فيفتنون فتنة عمياء، ثم يهلكهم الله ويرسل عليهم دوداً يسمى “النغف” فيهلكون، ويموتون كموت نفس واحدة.

بعد ذلك يعيش الناس زمناً ينزل اللَّه فيه البركة، وتعيش البشرية في هذه الفترة فترة لم تنعم بها من قبل، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلًا، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ، وَلَتُتْرَكَنَّ الْقِلَاصُ فَلَا يُسْعَى عَلَيْهِا، وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ، وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ” [مسلم (243) ].