عمود الإسلام (12) أسباب تضييع صلاة الفجر

عناصر الخطبة

  1. وجوب تعظيم قدر الصلاة
  2. قلة المحافظين على صلاة الفجر
  3. أسباب التخلف عن صلاة الفجر
  4. خطورة النوم عن صلاة الفجر
  5. عظم الأجر في شهود صلاة الفجر
  6. حرص السلف على الصلاة
  7. كيف تعتاد على شهود صلاة الفجر في المسجد؟
اقتباس

صَلَاةُ الْفَجْرِ مَشْهُودَةٌ تَشْهَدُهَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ. وَجَاءَ فِي فَضْلِ رَاتِبَتِهَا أَنَّهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، فَكَيْفَ إِذَنْ بِالْفَرِيضَةِ الَّتِي هِيَ أَحَبُّ إِلَى اللهِ –تَعَالَى- مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ مَا تَقَرَّبَ مُتَقَرِّبٌ إِلَى اللهِ –تَعَالَى- بِأَحَبَّ مِنْ تَقَرُّبِهِ بِمَا افْتَرَضَهُ عَلَيْهِ، وَمُصَلِّي الْفَجْرِ مَعَ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ كَمَنْ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ تَعَالَى، فَمَنِ اسْتَحْضَرَ عَظِيمَ الْأَجْرِ فَزِعَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ. وَمِنْ أَسْبَابِ النَّوْمِ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ: الْجَهْلُ بِمَا فِي تَرْكِهَا مِنَ الْعُقُوبَةِ الْبَرْزَخِيَّةِ؛ فَإِنَّ الرُّؤُوسَ الْمُتَثَاقِلَةَ بِالنَّوْمِ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ تُعَذَّبُ بِرَضْخِهَا بِالْحِجَارَةِ، وَهَذَا عَذَابُهَا فِي الْبَرْزَخِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،…

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ مُسْدِي النِّعَمِ وَمُتَمِّمِهَا، وَبَاسِطِ الْخَيْرَاتِ وَمُكَمِّلِهَا، وَدَافِعِ النِّقَمِ وَرَافِعِهَا، يُطَاعُ فَيَشْكُرُ، وَيُعْصَى فَيَغْفِرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، وَبِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ؛ نَحْمَدُهُ وَنَشْكُرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنُثْنِي عَلَيْهِ الْخَيْرَ كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

 وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَا يُطَاعُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا يُعْصَى إِلَّا بِعِلْمِهِ، وَفَّقَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ لِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ، وَاكْتِسَابِ الْحَسَنَاتِ، وَصُدَّ عَنْ طَاعَتِهِ أَهْلُ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَالْمُحَرَّمَاتِ.

 وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ عَظَّمَ أَمْرَ الصَّلَاةِ، وَكَرَّرَ الْقَوْلَ فِيهَا وَأَعَادَ، وَأَوْصَى بِهَا وَهُوَ فِي سَكَرَاتِ المَوْتِ حَتَّى كَانَتْ آخِرَ وَصَايَاهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِهِ وَالْتَزِمُوهُ، وَعَظِّمُوا أَمْرَهُ فَامْتَثِلُوهُ، وَاجْتَنِبُوا نَهْيَهُ وَفَارِقُوهُ، وَلَا تَأْمَنُوا مَكْرَهُ واحْذَرُوهُ؛ فَإِنَّ المَوْتَ يَقْطَعُ الْأَمَلَ، وَلَا يُنْظِرُ لِلتَّوْبَةِ وَالْأَوْبَةِ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى تَرْكِ طَاعَةٍ أَوْ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ خُتِمَ لَهُ بِالسُّوءِ، وَخُشِيَ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(18)﴾ [النساء: 17-18].

أَيُّهَا النَّاسُ: الْحَدِيثُ عَنِ الصَّلَاةِ حَدِيثٌ عَنْ عَمُودِ الْإِسْلَامِ، وَمَهْمَا كُرِّرَ فِي النَّاسِ فَيَجِبُ أَنْ يُولُوهُ عِنَايَتَهُمْ، وَأَنْ يُصْغُوا لَهُ بِأَسْمَاعِهِمْ، وَأَنْ يَفْتَحُوا لَهُ قُلُوبَهُمْ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ الْأَعْظَمُ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لَهُمَا؛ فَإِذَا صَلَّى كَافِرٌ حُكِمَ بِدُخُولِهِ الْإِسْلَامَ؛ فَهُوَ فِي صَلَاتِهِ يَنْطِقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ.

 قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: «قَالَ أَصْحَابُنَا: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالصَّلَاةِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَسَوَاءٌ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى، فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ظُهُورِ مَا يُنَافِي الْإِسْلَامَ فَهُوَ مُسْلِمٌ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ دُونَ الْكَافِرِينَ» اهـ.

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: وَحِينَ يَطُولُ النَّهَارُ وَيَقْصُرُ اللَّيْلُ؛ يَكْثُرُ المُتَخَلِّفُونَ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، حَتَّى تُقَامَ الصَّلَاةُ وَالمَسْجِدُ فِي الْحَيِّ الْكَبِيرِ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَفْرَادٌ قَلَائِلُ، وَنُقِلَتْ صُورَةٌ لِمَسْجِدٍ فِي حَيٍّ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْفَجْرِ فَاصْطَفَّ الْمُؤَذِّنُ بِجَانِبِ الْإِمَامِ فَلَيْسَ فِي الْمَسْجِدِ سِوَاهُمَا وَقْتَ الْإِقَامَةِ.

وَإِذَا كَانَ فِي اللَّيْلِ سَهْرَةٌ رِيَاضِيَّةٌ، وَسَهِرَ الْمُصَلُّونَ لِأَجْلِهَا تَخَلَّفَ أَكْثَرُهُمْ عَنْ قُرْآنِ الْفَجْرِ.

وِلِلتَّخَلُّفِ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ أَسْبَابٌ إِذَا اجْتَنَبَهَا الْعَبْدُ وُفِّقَ -بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى- لِلُزُومِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَعَدَمِ إِضَاعَتِهَا.

وَمِنْ تِلْكُمُ الْأَسْبَابِ: الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبُ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ قَدْ يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ بِتَرْكِ الطَّاعَةِ، وَهَذَا أَشَدُّ أَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ. وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَجْتَنِبُونَ مَعَاصِيَ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهَا تُثْقِلُهُمْ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَسْهَرُ اللَّيْلَ عَلَى الْمَعَاصِي؟!

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: «مَنْ أَحْسَنَ فِي نَهَارِهِ كُوفِئَ فِي لَيْلِهِ، وَمَنْ أَحْسَنَ فِي لَيْلِهِ كُوفِئَ فِي نَهَارِهِ». وَقَالَ أَيْضًا: «لَا يَفُوتُ أَحَدًا صَلَاةٌ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا بِذَنْبٍ».

وَقَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنِّي أَبِيتُ مُعَافًى، وَأُحِبُّ قِيَامَ اللَّيْلِ، وَأَتَّخِذُ طَهُورِي، فَمَا بَالِي لَا أَقُومُ؟ فَقَالَ: "ذُنُوبُكَ قَيَّدَتْكَ يَا ابْنَ أَخِي". وَقَالَ آخَرُ لَهُ: أَعْيَانِي قِيَامُ اللَّيْلِ؟ قَالَ: "قَيَّدَتْكَ خَطَايَاكَ"!

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "حُرِمْتُ قِيَامَ اللَّيْلِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ بِذَنْبٍ أَذْنَبْتُهُ، قِيلَ لَهُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً بَكَى فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا مُرَاءٍ".

وَذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّ مِنْ آثَارِ الذُّنُوبِ: "حِرْمَانَ الطَّاعَةِ، فَمِنْ عُقُوبَةِ الذَّنْبِ أَنَّهُ يَصُدُّ عَنْ طَاعَةٍ تَكُونُ بَدَلَهُ… فَيَنْقَطِعُ عَلَيْهِ بِالذَّنْبِ طَاعَاتٌ كَثِيرَةٌ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا".

وَمِنْ أَسْبَابِ النَّوْمِ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ: التَّغَافُلُ عَمَّا فِيهَا مِنَ الْأُجُورِ الْعَظِيمَةِ ﴿إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: 78]؛ فَصَلَاةُ الْفَجْرِ مَشْهُودَةٌ تَشْهَدُهَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ.

وَجَاءَ فِي فَضْلِ رَاتِبَتِهَا أَنَّهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، فَكَيْفَ إِذَنْ بِالْفَرِيضَةِ الَّتِي هِيَ أَحَبُّ إِلَى اللهِ –تَعَالَى- مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ مَا تَقَرَّبَ مُتَقَرِّبٌ إِلَى اللهِ –تَعَالَى- بِأَحَبَّ مِنْ تَقَرُّبِهِ بِمَا افْتَرَضَهُ عَلَيْهِ، وَمُصَلِّي الْفَجْرِ مَعَ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ كَمَنْ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ تَعَالَى، فَمَنِ اسْتَحْضَرَ عَظِيمَ الْأَجْرِ فَزِعَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ.

وَمِنْ أَسْبَابِ النَّوْمِ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ: الْجَهْلُ بِمَا فِي تَرْكِهَا مِنَ الْعُقُوبَةِ الْبَرْزَخِيَّةِ؛ فَإِنَّ الرُّؤُوسَ الْمُتَثَاقِلَةَ بِالنَّوْمِ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ تُعَذَّبُ بِرَضْخِهَا بِالْحِجَارَةِ، وَهَذَا عَذَابُهَا فِي الْبَرْزَخِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَمَّا كَانَتْ لَذَّةُ النَّوْمِ فِي الرَّأْسِ كَانَ الْعَذَابُ عَلَى الرَّأْسِ؛ وَتَعْذِيبُ الرَّأْسِ أَشَدُّ مِنْ تَعْذِيبِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَعْضَاءِ، وَأَشَدُّ إِهَانَةً؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ، وَيَحْمِلُ الْوَجْهَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ كَرَامَةِ الْإِنْسَانِ.

وَمِنْ أَسْبَابِ النَّوْمِ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ: الْغَفْلَةُ عَمَّا يُصِيبُ مُضَيِّعَهَا مِنْ ظُلْمَةِ الْقَلْبِ، وَضِيقِ الصَّدْرِ، وَسُوءِ الْخُلُقِ، وَتَرَاكُمِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ، وَتَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ طِيلَةَ النَّهَارِ.

وَهَذَا يَشْعُرُ بِهِ مَنْ يُحَافِظُ عَلَيْهَا أَحْيَانًا، وَيُضَيِّعُهَا أَحْيَانًا أُخْرَى، كَمَا يُحِسُّه مَنْ حَوْلَهُ مِمَّنْ يَتَعَامَلُونَ مَعَهُ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ» (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).

وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ نَامَ لَيْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ: «ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ، أَوْ قَالَ: فِي أُذُنِهِ» (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ)، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: «هَذَا عِنْدَنَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ نَامَ عَنِ الْفَرِيضَةِ». 

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «حَسْبُ الرَّجُلِ مِنَ الْخَيْبَةِ وَالشَّرِّ أَنْ يَنَامَ حَتَّى يُصْبِحَ، وَقَدْ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ».

وَمِنْ أَسْبَابِ تَضْيِيعِ صَلَاةِ الْفَجْرِ: الِانْغِمَاسُ فِي فُضُولِ الطَّعَامِ وَفُضُولِ الْمَجَالِسِ. فَالْبَطْنُ إِذَا شَبِعَ فِي اللَّيْلِ ثَقُلَ الرَّأْسُ عَنِ الْقِيَامِ وَالْفَجْرِ، وَأَمَّا فُضُولُ الْمَجَالِسِ فَهِيَ -فِي زَمَنِنَا- أَكْثَرُ مَا يَحُولُ بَيْنَ الْمُصَلِّينَ وَبَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ؛ حَيْثُ السَّهَرُ إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ مَعَ الْأَصْحَابِ أَوْ فِي الِاسْتِرَاحَاتِ أَوْ عَلَى الْقَنَوَاتِ، ثُمَّ النَّوْمُ بِلَا وِتْرٍ، وَتَرْكُ صَلَاةِ الْفَجْرِ.

وَلِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ كُرِهَ الْحَدِيثُ بَعْدَ الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِلسَّهَرِ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا فِي ضَيَاعِ الْفَجْرِ، وَذَهَابِ الْأَجْرِ، وَثُبُوتِ الْوِزْرِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- «أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا» (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).

وَقَدْ قِيلَ: كَمْ مِنْ أَكْلَةٍ مَنَعَتْ قِيَامَ اللَّيْلِ؟! وَكَمْ مِنْ نَظْرَةٍ حَرَمَتْ قِرَاءَةَ سُورَةٍ؟! وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَأْكُلُ الْأَكْلَةَ، أَوْ يَفْعَلُ فِعْلَةً؛ فَيُحْرَمُ بِهَا قِيَامَ سَنَةٍ.

فَمَنْ سَهِرَ عَلَى مُشَاهَدَةِ رِيَاضَةٍ أَوْ أَفْلَامٍ أَوْ فِي مَجَالِسِ لَغْوٍ كَانَ حَرِيًّا أَنْ يَنَامَ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ. وَمِمَّا فُتِحَ عَلَى النَّاسِ مِنَ السَّهَرِ الِانْشِغَالُ بِوَسَائِلِ التَّوَاصِلِ الْجَمَاعِيِّ الَّتِي أَكَلَتْ لَيْلَ أَصْحَابِهَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، يَظَلُّ لَيْلَهُ كُلَّهُ يُحَادِثُ وَيُشَارِكُ إِلَى قُرْبِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَنَامُ عَنْهَا، وَلَا يَجِدُ فِي لَيْلِهِ فُسْحَةً لِوِتْرٍ وَلَا لِذِكْرٍ.

وَرُبَّمَا لَزِمَ فِرَاشَهُ مُبَكِّرًا لِلنَّوْمِ، وَجِهَازُهُ فِي يَدِهِ، يَرُدُّ عَلَى هَذَا، وَيَقْرَأُ لِذَاكَ حَتَّى يَمْضِيَ الْوَقْتُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ نَامَ مُبَكِّرًا وَهُوَ قَدْ سَهِرَ.

وَمِنْ أَسْبَابِ النَّوْمِ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ: عَدَمُ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ لِلِاسْتِيقَاظِ لَهَا، فَيَنَامُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ عَزْمٌ عَلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ؛ إِذْ لَوْ وُجِدَ الْعَزْمُ وَالصِّدْقُ وُفِّقَ لِلِاسْتِيقَاظِ. بَلْ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَضَعُ الْمُنَبِّهَ أَوْ يُوصِي مَنْ يُوقِظُهُ لِلْوَظِيفَةِ أَوِ الدِّرَاسَةِ أَوْ الِامْتِحَانِ، وَلَا يَأْبَهُ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَهَذَا عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ؛ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَتَأْخِيرَهَا عَنْ وَقْتِهَا.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ أَوْ يُوقِظُهُ بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يُوقَظْ وَلَمْ يَسْمَعِ النِّدَاءَ؛ لِئَلَّا تَقُومَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّهُ يُخادِعُ رَبَّهُ –سُبْحَانَهُ- فِي صَلَاتِهِ، وَمَا يَخْدَعُ إِلَّا نَفْسَهُ، وَلَنْ يَضُرَّ اللهَ –تَعَالَى- شَيْئًا: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا(60)﴾ [مريم: 59-60].

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ…

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاحْفَظُوا صَلَاتَكُمْ؛ فَإِنَّهَا أَوَّلُ مَا تُحَاسَبُونَ بِهِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ..» (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: الْمُحَافَظَةُ عَلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ هُوَ عَمَلٌ يَقْدِرُ عَلَيْهِ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَإِذَا اعْتَادَهُ صَارَ سُلُوكًا لَهُ، لَا يَسْتَطِيعُ تَرْكَهُ أَوْ تَغْيِيرَهُ، وَمِنْ نِعَمِ اللهِ -تَعَالَى- عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُطَبِّعَ نَفْسَهُ عَلَى فِعْلٍ تَكُونُ فِيهِ سَعَادَةُ قَلْبِهِ وَفَرَحُهُ فِي الدُّنْيَا، وَفَوْزُهُ بِالْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ.

هَذَا السُّلُوكُ الْحَسَنُ لَمْ تُقْعِدْ مَنْ تَطَبَّعَ بِهِ عِلَّةٌ عَنْ لُزُومِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَيَّلُ نَفْسَهُ وَقْتَ الصَّلَاةِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ، وَمَنْ أَحَبَّ اللهَ -تَعَالَى- ضَحَّى بِكُلِّ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ مَرْضَاتِهِ؛ فَضَحَّى بِالسَّهَرِ مَعَ الْأَصْحَابِ أَوْ أَمَامَ الشَّاشَاتِ، فَنَامَ مُبَكِّرًا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ.

وَمَنْ طَلَبَ رِضَا اللهِ -تَعَالَى- هَبَّ مِنْ فِرَاشِهِ لِلصَّلَاةِ، وَلَوْ لَمْ تَغْمُضْ عَيْنُهُ إِلَّا قُبَيْلَ الْفَجْرِ. كَانَ ابْنُ خَفِيفٍ الْمَالِكِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- يَجِدُ وَجَعًا فِي خَاصِرَتِهِ، فَإِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ أَقْعَدَهُ عَنِ الْحَرَكَةِ، فَكَانَ إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ يُحْمَلُ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ لِلْمَسْجِدِ، فَقِيلَ لَه: «لَوْ خَفَّفْتَ عَلَى نَفْسِكَ! فَقَالَ: إِذَا سَمِعْتُمْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ تَرَوْنِي فِي الصَّفِّ فَاطْلُبُونِي فِي الْمَقَبْرَةِ».

وَأَحَسَّ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- بِسَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَقْتَ الْأَذَانِ، فَقَالَ: «خُذُوا بِيَدِي، فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ عَلِيلٌ، فَقَالَ: أَسْمَعُ دَاعِيَ اللهِ فَلَا أُجِيبُهُ؟! فَأَخَذُوا بِيَدِهِ، فَدَخَلَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، فَرَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً ثُمَّ مَاتَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى».

وَلَيْسَ هَذَا الْفِعْلُ حِكْرًا عَلَى السَّلَفِ الصَّالِحِ، -وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِمْ- فَفِي النَّاسِ الْيَوْمِ مَنْ لَمْ تُلْهِهِمُ الْمُلْهِيَاتُ عَنْ صَلَاتِهِمْ، وَلَمْ تَشْغَلْهُمُ الْمَشَاغِلُ عَنْ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمُ النَّوْمُ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ.

 وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّهُمْ جَعَلُوا الصَّلَاةَ أَهَمَّ الْمُهِمَّاتِ، فَمَا يُقْعِدُهُمْ عَنْهَا مِنْ شُغْلٍ بِدُنْيَا أَوْ لَهْوٍ أَوْ صُحْبَةٍ أَوْ سَهَرٍ تَرَكُوهُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، فَاسْتَقَامَ لَهُمُ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا فِي وَقْتِهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ بَيْنَمَا حُرِمَ غَيْرُهُمْ.

وَفَازُوا بِرَاحَةِ الْقَلْبِ وَطُمَأْنِينَتِهِ حِينَ شَقِيَتْ قُلُوبُ غَيْرِهِمْ، وَالْقُلُوبُ تَطْمَئِنُّ بِذِكْرِ اللهِ -تَعَالَى- ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]، وَالصَّلَاةُ أَعْظَمُ الذِّكْرِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى- لِمُوسَى حِينَ كَلَّمَهُ: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه:14].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ…