حسن الخلق

عناصر الخطبة

  1. عناية الإسلام بالأخلاق الحسنة
  2. حسن الخلق من كمال الإيمان
  3. فضائل حسن الخلق
  4. دور الأخلاق في بناء الأمم
  5. انتبه لئلا يُؤْتى الإسلام مِن قِبَلك
  6. عناية الإسلام بالأخلاق الحسنة
  7. حسن الخلق من كمال الإيمان
  8. فضائل حسن الخلق
  9. دور الأخلاق في بناء الأمم
  10. انتبه لئلا يُؤْتى الإسلام مِن قِبَلك
  11. أسباب ووسائل اكتساب الأخلاق الحسنة
اقتباس

الأمة اليوم تعاني من التقصير الخُلقي أشد العناء، وهذا التقصير رجع على دين الإسلام بالتهمة؛ لأن الناس إنما ينسبون تصرفات المسلمين إلى الإسلام، والمؤمن الحق لا يُؤْتَى الإسلام مِن قِبله، المؤمن الحق يستشعر مسؤوليته في تحبيب الإسلام إلى الناس وترغيبهم فيه أو تنفيرهم منه، المؤمن الحق يحرص دائمًا أن يجعل من سلوكه المثال الذي يُقتدى والنهج الذي يُقتَفى، والنور الذي يمشي بين الناس فينير دربهم ويضيء طريقهم، ويدعوهم إلى صراط الله المستقيم.

الخطبة الأولى:

الحمد لله….

عُني الإسلام عناية بالغة بالأخلاق حتى جعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- المقصد من بعثته؛ حيث قال: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق».

وكانت الآيات الكريمة تتنزل في مكة قبل الهجرة إلى المدينة تأمر المؤمنين بالتحلي بالأخلاق الحميدة، وتحثهم على التجمل بالخصال الكريمة.

وبلغت عناية النبي – صلى الله عليه وسلم – بالأخلاق أن جعل يوصي بها – وهو على فراش الموت – وصيته بالخدم الضعفاء؛ خشيةَ أن تُهدَر حقوقهم،  قائلاً: «الصلاةَ وما ملكت أيمانكم».

حسن الخلق أساس الخير وجماعه وبدايته ونهايته وغايته، قرنه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالبر الجامع للخير فقال: «البِرّ حُسْن الخُلُق».

أمر الله تعالى به نبيه وهو أمر لأمته فقال: ﴿خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199].

والخُلق الحسن يبذله المسلم في جملته للناس جميعًا مسلمهم وكافرهم؛ قال الله – تعالى – ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83].

والخلق الحسن مأمور ببذله للحيوان البهيم.

رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – جَمَلاً فحنَّ وذرفت عيناه فأتاه النبي – صلى الله عليه وسلم – فمسح ذفراه، فسكت، فقال: «مَنْ ربُّ هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟» فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله ! فقال: «أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؛ فإنه شكا إليََّ أنك تجيعه وتُدئبه».

والمؤمن الخيِّر من الناس: من حسُنت أخلاقه؛ ففي الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «خياركم أحاسنكم أخلاقاً».

والمرء لا يكمل إيمانه إلا بحسن الخلق؛ ففي الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً».

والملائكة قريبة من المؤمنين ذوي الأخلاق الحسنة والشياطين بعيدة منهم، وفي قرب الملائكة منهم قرب من صالح الأعمال، وفي بُعد الشياطين عنهم بُعدٌ عن مساوئ الأعمال، يقول الله تعالى: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ(223)﴾ [الشعراء: 221-223]؛ فالشياطين إنما تقترن بمن يشابهها ويشاكلها، وكثيراً ما تتسلط على ذوي الأخلاق السيئة، بل إنها من أعظم الأسباب في إصابتهم بمسها.

بالخُلق الحسن: تُستر العيوب الخَلْقية؛ فقد يُبتلَى المرء بآفات خَلْقية، ولا تُنقص من قدره ولا تقصر به عن بلوغ المجد والشرف إذا تحلى بالأخلاق الحميدة، وتجمل بالخصال الكريمة؛ فحسن الخلق يغطّي غيره من القبائح، وسوء الخلق يقبح غيره من المحاسن.

إذا المرء لم يدنّس من اللؤم عِرضُه *** فكل رداء يرتديه جميلُ

وما يغني عن الفتيان حسن وجوههم *** إذا كانت فعالهم غير حسان

المؤمن الحسنة أخلاقه: محبوب عند الله؛ سئل النبي – صلى الله عليه وسلم – من أحب عباد الله إلى الله؟ فقال: «أحسنهم خلقاً» .

المؤمن الحسنة أخلاقه: محبوب عند رسول الله قريب من مجلسه يوم القيامة؛ ففي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً».

المؤمن الحسنة أخلاقه: محبوب عند الناس، فمن أحبه الله وضع له القبول في الأرض، والناس مفطورون على حب من أحسن إليهم.

بالخُلق الحسن: يحصل الوئام والتآلف في المجتمع يقول الله -تعالى-: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159].

بالخُلق الحسن: يتمكن المرء من إصلاح ذات البين، فحَسن الخلق مَرْضي عند جميع الأطراف؛ يستطيع بتوفيق الله أن يجمع بين القلوب المتنافرة والآراء المتباينة، كما رضيت قريش النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – حَكَماً بينها حين اختلفوا في وضع الحجر الأسود في موضعه، وكادت الحرب أن تقع بينهم، فحقن الله بنبيه دماءهم وجمع فرقتهم وشتاتهم.

بالخلق الحسن: تعمر الديار وتبارك الأعمار؛ ففي الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «حُسْنُ الخلق وحُسْنُ الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار».

بالخلق الحسن: تحفظ الأمة وجودها، وتدافع عن حرمتها وكرامتها، وتتبوأ مكانتها اللائقة بها بين الأمم.

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

 وأثقل شيء في الميزان يوم القيامة: حُسن الخلق؛ ففي الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق».

وأعظم ما يُدخِل الناس الجنة: تقوى الله وحُسن الخلق؛ ففي الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «وأعظم ما يُدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق».

وبالخلق الحسن: تُرفع الدرجات؛ ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم».

وصاحب الخلق الحسن: بإيمانه في أعلى الجنة؛ ففي الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة، لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حَسُن خلقه».

والمرء إنما تُعرف أخلاقه في بيته مع أهله؛ فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، ففي البيت يُكتشف لين المرء من فظاظته، وكرمه من بخله، وأناته من عجلته، ومَن ملَك نفسه عند أهله ظهرت خيريته، وبالسفر والجوار والبيع والشراء تُعرف أخلاق الرجال.

والأمة اليوم تعاني من التقصير الخُلقي أشد العناء، وهذا التقصير رجع على دين الإسلام بالتهمة؛ لأن الناس إنما ينسبون تصرفات المسلمين إلى الإسلام.

والمؤمن الحق لا يُؤْتَى الإسلام مِن قِبله، المؤمن الحق يستشعر مسؤوليته في تحبيب الإسلام إلى الناس وترغيبهم فيه أو تنفيرهم منه، المؤمن الحق يحرص دائمًا أن يجعل من سلوكه المثال الذي يُقتدى والنهج الذي يُقتَفى، والنور الذي يمشي بين الناس فينير دربهم ويضيء طريقهم، ويدعوهم إلى صراط الله المستقيم.

﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 122].

الخطبة الثانية:

الحمد لله…

ولاكتساب الأخلاق الحسنة أسباب، إذا أخذ العبد بها استقامت سيرته -بإذن الله-؛ منها: قوة الإيمان، وسلامة العقيدة؛ فالسلوك ثمرة لما يحمله الإنسان من عقيدة، والانحراف في السلوك إنما هو ناتج عن خلل في المعتقد.

ثم إن العقيدة هي الإيمان، و: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً".

فالعقيدة الصحيحة تحمل صاحبها على مكارم الأخلاق، من صدق وحلم، وكرم وشجاعة، ونحو ذلك.

كما أنها تردعه عن مساوئ الأخلاق، من كذب وشح وطيش، ونحوها.

ومنها: الدعاء؛ فمن رغب بالتحلي بمكارم الأخلاق، ورغب بالتخلي عن مساوئها، فليلجأ إلى ربه، وليرفع إليه أكف الضراعة ليرزقه حسن الخُلق، ويصرف عنه سيئه.

ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كثير الضراعة إلى ربه، ليرزقه حسن الخلق، ويصرف عنه سيئه، وكان يقول في دعاء الاستفتاح: "اللهم! اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت".

وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: "اللهم! جنبني منكرات الأخلاق والأهواء، والأعمال والأدواء".

ومنها: المجاهدة، والخُلق نوع من الهداية يحصل عليه المرء بالمجاهدة الدائمة المستمرة. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لنهدينهم سبلنا﴾ [العنكبوت: 96].

ومنها: التفكر في الآثار المترتبة على حسن الخلقن والنظر في عواقب سوء الخلق.

ومنها: مصاحبة الأخيار، وأهل الأخلاق الفاضلة.

وأهمها: إدامة النظر في السيرة النبوية الشريفة، ثم النظر في سيرة الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- وقراءة سِيَر أهل الفضل والصلاح.

وبالجملة: أن ينتفع الإنسان بكل من خالطه وصاحبه، وإن كثيراً من العقلاء يتعلم من الحيوانات البُهْم أموراً تنفعه في معاشه وأخلاقه وصناعته وحربه وحزمه وصبره.

والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.