السماحة

عناصر الخطبة

    اقتباس

    إِنَّ المُعَامَلَةَ بِالسَّمَاحَةِ وَاللِّينِ ، وَأَخذَ العَفوِ مِنَ النَّاسِ وَالتَّجَاوُزَ عَن زَلاَّتِهِم ، أَخلاقٌ لا بُدَّ مِنهَا وَلا غِنى لِلنَّاسِ عَنهَا ، وَلا يُمكِنُ أَن تَسِيرَ حَيَاتُهُم سَعِيدَةً مِن دُونِهَا ، إِذِ الكَمَالَ فِيهِم عَزِيزٌ ، وَمَا مِن أَحَدٍ مِنهُم إِلاَّ وَهُو ذُو خَطَأٍ وَزَلَلٍ وَنَقصٍ وَخَلَلٍ ، وَمِن ثَمَّ كَانَ لا بُدَّ لَهُم أَن يَتَعَامَلُوا بِالسَّمَاحَةِ وَاللِّينِ ، وَأَن يَتَنَازَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُم عَن شَيءٍ..

    أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "

    أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الوَاجِبَاتُ الَّتي جَاءَت بها الشَّرِيعَةُ وَالسُّنَنُ وَالمَندُوبَاتُ ، وَأَعمَالُ الخَيرِ وَصُنُوفُ البِرِّ وَالطَّاعَاتُ وَالقُرُبَاتُ ، لَيسَت في مَعزِلٍ عَن تَصَرُّفَاتِ الإِنسَانِ في حَيَاتِهِ وَعِلاقَتِهِ مَعَ غَيرِهِ ، بَل هِيَ تَتَأَثَّرُ بِتِلكَ التَّصَرُّفَاتِ وَتُؤَثِّرُ فِيهَا ، وَلا تَنفَكُّ عَنهَا بِحَالٍ ، وَمَن ظَنَّ أَنَّ اكتِسَابَ الأَجرِ وَالتَّخَلُّصَ مِنَ الوِزرِ ، يَحصُلُ بِمُجَرَّدِ أَعمَالٍ مَحدُودَةٍ يُؤَدِّيهَا المَرءُ في المَسجِدِ ، أَو دَقَائِقَ مَعدُودَةٍ يَتَفَرَّغُ فِيهَا لِرَبِّهِ ، ثم يَنطَلِقُ بَعدُ في حَيَاتِهِ مَعَ النَّاسِ بِلا خِطَامٍ وَلا زِمَامٍ ، فَقَد أَبعَدَ النُّجعَةَ وَأَخطَأَ طَرِيقَ الصَّوَابِ .

    وَإِنَّ كَثرَةَ العِبَادَاتِ وَتَنَوُّعَ الطَّاعَاتِ والقُرُبَاتِ ، مَا لم تُورِثِ العَبدَ رِقَّةً في قَلبِهِ وَخُشُوعًا ، وَتُكسِبْهُ مَحَبَّةً لِلتَّوبَةِ وَبُعدًا عَنِ الإِصرَارِ عَلَى المَعصِيَةِ ، وَتَمنَحْهُ زَكَاءً لِنَفسِهِ وَصَفَاءً لِمَعدِنِهِ ، وَحُسنَ خُلُقٍ وَسَعَةَ صَدرٍ وَقُوَّةَ صَبرٍ ، إِنَّهَا لَجَدِيرَةٌ بِأَن تُرَاجَعَ وَيُعَادَ فِيهَا النَّظَرُ ، لِتُؤَدَّى كَمَا يَجِبُ وَيَنبَغِي ، فَتُؤتِيَ ثِمَارَهَا في حَيَاةِ صَاحِبِهَا ، وَتَضبِطَ سُلُوكَهُ وَتُهَذِّبَ أَخلاقَهُ ، وَتُكسِبَهُ مِن آدَابِ المُخَالَطَةِ وَحُسنِ المُعَاشَرَةِ ، مَا لا غِنى لَهُ عَنهُ ، لِيَعِيشَ في حَيَاتِهِ مُحِبًّا وَمَحبُوبًا ، وَلِيَكُونَ بَينَ النَّاسِ آلِفًا وَمَألُوفًا ، وَلِيُرَى بَينَهُم سَهلاً هَينًا لَينًا ، مُتَّصِفًا بِالخَيرِيَّةِ الَّتي مَدَحَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ صَاحِبَهَا حَيثُ قَالَ : " أَكمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُم أَخلاقًا ، المُوَطَّؤُونَ أَكنَافًا ، الَّذِينَ يَألَفُونَ وَيُؤلَفُونَ ، وَلا خَيرَ فِيمَن لا يَألَفُ وَلا يُؤلَفُ " رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " المُؤمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصبِرُ عَلَى أَذَاهُم ، خَيرٌ مِنَ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصبِرُ عَلَى أَذَاهُم " رَوَاهُ البُخَارِيُّ في الأَدَبِ المُفرَدِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .

    عِبَادَ اللهِ ، إِنَّ المُعَامَلَةَ بِالسَّمَاحَةِ وَاللِّينِ ، وَأَخذَ العَفوِ مِنَ النَّاسِ وَالتَّجَاوُزَ عَن زَلاَّتِهِم ، أَخلاقٌ لا بُدَّ مِنهَا وَلا غِنى لِلنَّاسِ عَنهَا ، وَلا يُمكِنُ أَن تَسِيرَ حَيَاتُهُم سَعِيدَةً مِن دُونِهَا ، إِذِ الكَمَالَ فِيهِم عَزِيزٌ ، وَمَا مِن أَحَدٍ مِنهُم إِلاَّ وَهُو ذُو خَطَأٍ وَزَلَلٍ وَنَقصٍ وَخَلَلٍ ، وَمِن ثَمَّ كَانَ لا بُدَّ لَهُم أَن يَتَعَامَلُوا بِالسَّمَاحَةِ وَاللِّينِ ، وَأَن يَتَنَازَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُم عَن شَيءٍ مِن حَظِّ نَفسِهِ ، وَيَجُودَ بِجُزءٍ مِن حَقِّهِ ، لِيَحِلَّ مُشكِلَةً هُوَ أَحَدُ أَطرَافِهَا ، أَو لِيَطوِيَ صَفحَةً طَالَ الحَدِيثُ فِيهَا ، أَو لِيَتَأَلَّفَ قَلبـًا يَدعُوهُ ، أَو لِيَستَطِيبَ نَفسًا نَفَرَت مِنهُ . وَإِذَا كَانَ الكَثِيرُونَ في عَالَمِ اليَومِ ، يَرَونَ الرُّجُولَةَ وَالشَّجَاعَةَ في التَّغَلُّبِ عَلَى الآخَرِينَ ، أَوِ التَّحَايُلِ عَلَيهِم وَسَلبِهِم حُقُوقَهُم ، أَوِ الإِصرَارِ وَالإِلحَافِ في المُطَالَبَةِ وَالشِّدَّةِ في المُخَاصَمَةِ ، فَإِنَّ مَن سَمَت رُوحُهُ وَزَكَت نَفسُهُ وَارتَقَى خُلُقُهُ ، لا يَسعَدُ إِلاَّ بِإِسعَادِ غَيرِهِ ، وَلا يَرتَاحُ إِلاَّ بِرَاحَةِ مَن حَولَهُ ، وَلا يَطِيبُ نَفسًا وَلا يَطمَئِنُّ لَهُ بَالٌ ، إِلاَّ بِرِضَاهُم وَاطمِئنَانِ قُلُوبِهِم ، قَائِدُهُ في ذَلِكَ وَرَائِدُهُ ، قَولُ اللهِ ـ تَعَالى ـ : " فَمَن عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالمِينَ "

    عِبَادَ اللهِ ، النَّفسُ السَّمحَةُ كَالأَرضِ الطَّيِّبَةِ المُستَوِيَةِ ، لِكُلِّ مَا يُرَادُ مِنهَا مِن خَيرٍ صَالِحَةٌ ، إِن أَرَدتَ عُبُورَهَا هَانَت ، وَإِن شِئتَ حَرثَهَا لانَت ، وَإِنِ ابتَغَيتَ البِنَاءَ فِيهَا سَهُلَت ، وَإِن رُمتَ النَّومَ عَلَيهَا تَمَهَّدَت .

    وَالسَّمَاحَةُ لَيسَت فِعلاً لِمَا يَجِبُ دَائِمًا ، وَلا هِيَ اقتِصَارٌ عَلَى أَدَاءِ الحُقُوقِ غَالِبًا ، وَلَكِنَّمَا هِيَ في بَذلِ مَا لا يَجِبُ ، تَفَضُّلاً عَلَى الآخَرِينَ وَإِحسَانًا إِلَيهِم وَتَجَاوُزًا عَنهُم ، وَتَيسِيرًا لأُمُورِهِم وَمُلايَنَةً لَهُم ، وَعَدَمَ قَصدٍ لِقَهرِهِم أَوِ التَّسَلُّطِ عَلَيهِم ، إِنَّهَا تَركٌ لِلمِرَاءِ وَالخُصُومَاتِ ، وَزُهدٌ في الجَدَلِ وَالمُنَاظَرَاتِ ، وَابتِعَادٌ عَنِ الرُّدُودِ وَالمُلاسَنَاتِ ، يَتَحَلَّى بها كِرَامُ الخَلقِ ، وَيَتَّصِفُ بها أَجوَادُ النَّاسِ ، ائِتَمَارًا بِأَمرِ اللهِ وَطَمَعًا فِيمَا أَعَدَّهُ مِن فَضلٍ ، وَتَخَلقًا بِأَخلاقِ المُؤمِنِينَ المُتَّقِينَ ، حَيثُ قَالَ ـ تَعَالى ـ : " خُذِ العَفوَ وَأمُرْ بِالعُرفِ وَأَعرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ " ، وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَأَن تَعفُوا أَقرَبُ لِلتَّقوَى " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " المُؤمِنُونَ هَينُونَ لَينُونَ ، كَالجَمَلِ الأَنِفِ ، الَّذِي إِن قِيدَ انقَادَ ، وَإِذَا أُنِيخَ عَلَى صَخرَةٍ استَنَاخَ " أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ مُرسَلاً وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَنَا زَعِيمٌ بِبَيتٍ في رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَن تَرَكَ المِرَاءَ وَإِن كَانَ مُحِقًّا … " الحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .

    عِبَادَ اللهِ ، سَمَاحَةُ المَرءِ تُكسِبُهُ سَمَاحَةَ الرَّبِّ ـ سُبحَانَهُ ـ وَتُورِثُهُ سَمَاحَةَ النَّاسِ وَمَحَبَّتَهُم ، وَتُحَرِّمُهُ عَلَى النَّارِ وَتُدخِلُهُ الجَنَّةَ ، وَكُلَّمَا أَنظَرَ المُسلِمُ مُعسِرًا أَو تَجَاوَزَ عَن مُحتَاجٍ أَو سَمَحَ لَهُ بِجُزءٍ مِن حَقِّهِ ، أَو أَقَالَ مُسلِمًا في بَيعَتِهِ ، أَو قَضَاهُ بِأَكثَرَ مِن حَقِّهِ ، كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا في تَجَاوُزِ اللهِ عَنهُ وَرَحمَتِهِ إِيَّاهُ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " اِسمَحْ يُسمَحْ لَكَ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى الهَيِّنِ اللَّيِّنِ السَّهلِ القَرِيبِ " رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : صَحِيحٌ لِغَيرِهِ ، وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَلَاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَدخَلَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ رَجُلاً كَانَ سَهلاً مُشتَرِيًا وَبَائِعًا وَقَاضِيًا وَمُقتَضِيًا الجَنَّةَ " رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ ، وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : "كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ ، فَإِذَا رَأى مُعسِرًا قال لِفِتيَانِهِ : تَجَاوَزُوا عَنهُ ، لَعَلَّ اللهَ أن يَتَجَاوَزَ عَنَّا ، فَتَجَاوَزَ اللهُ عَنهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .

    وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن يَسَّرَ عَلَى مُعسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيهِ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ ، وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " رَحِمَ اللهُ رَجُلاً سَمحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشتَرَى وَإِذَا اقتَضَى " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن أَقَالَ مُسلِمًا بَيعَتَهُ ، أَقَالَهُ اللهُ عَثرَتَهُ يَومَ القِيَامَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَتَقَاضَاهُ بَعِيرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَعطُوهُ " فَقَالُوا : مَا نَجِدُ إِلاَّ سِنًّا أَفضَلَ مِن سِنِّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَعطُوهُ ، فَإِنَّ مِن خِيَارِ النَّاسِ أَحسَنَهُم قَضَاءً " فَقَالَ الرَّجُلُ : أَوفَيتَني أَوفَاكَ اللهُ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .

    إِنَّ السَّمَاحَةَ تَوفِيقٌ مِنَ اللهِ ، لا يُؤتَاهَا إِلاَّ أَهلُ الإِيمَانِ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ وَأَصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم ، وَلْتَكُنِ النُّفُوسُ بِالخَيرِ سَخِيَّةً وَالأَيدِي بِالعَطَاءِ نَدِيَّةً ، وَاستَمسِكُوا بِعُرَى السَّمَاحَةِ ، وَقَدِّمُوا اليَومَ مَا تَجِدُونَهُ غَدًا " وَلَا يَأتَلِ أُولُو الفَضلِ مِنكُم وَالسَّعَةِ أَن يُؤتُوا أُولي القُربى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ في سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعفُوا وَلْيَصفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "

    الخطبة الثانية :

    أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ فِيمَا أَمَرَكُم وَأَطِيعُوهُ ، وَتَجَنَّبُوا مَا نَهَاكُم عَنهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاعرِفُوا فَضلَهُ عَلَيكُم وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاحفَظُوا لإِخوَانِكُم حُقُوقَهُم ، وَاعلَمُوا أَنَّ السَّمَاحَةَ مَنزِلَةٌ سَامِيَةٌ ، لا يُوَفَّقُ إِلَيهَا إِلاَّ مَن عَظُمَ عِندَ اللهِ حَظُّهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَا تَستَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ "  

    وَإِنَّ أَعظَمَ السَّمَاحَةِ وَأَعلَى دَرَجَاتِهَا ، أَن يَتَسَامَحَ المَرءُ مَعَ مَن أَسَاءَ إِلَيهِ ، أَو جَحَدَ فَضلَهُ وَنَسِيَ مَعرُوفَهُ ، وَهُوَ مَا حَصَلَ لأَبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ فَإِنَّهُ كَانَ يُنفِقُ عَلَى ابنِ عَمِّهِ مِسطَحِ بنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنهُ وَحَاجَتِهِ ، فَلَمَّا وَقَعَ المُنَافِقُونَ في عِرضِ ابنَتِهِ عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ وَكَانَ مِسطَحٌ فِيمَن وَقَعُوا ، قَالَ الصِّدِّيقُ : وَاللهِ لَا أُنفِقُ عَلَى مِسطَحٍ شَيئًا أَبَدًا بَعدَمَا قَالَ لِعَائِشَةَ ، فَأَنزَلَ اللهُ ـ تَعَالَى ـ : " وَلَا يَأتَلِ أُولُو الفَضلِ مِنكُم وَالسَّعَةِ أَن يُؤتُوا أُولي القُربى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ في سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعفُوا وَلْيَصفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " فَقَالَ أَبُو بَكرٍ : بَلَى وَاللهِ ، إِنِّي لَأُحِبُّ أَن يَغفِرَ اللهُ لي ، فَرَجَعَ إِلى مِسطَحٍ الَّذِي كَانَ يُجرِي عَلَيهِ .

    وعن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ عَن رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " مَا نَقَصَت صَدَقَةٌ مِن مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ إِلاَّ عِزًّا ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ" رَوَاهُ مُسلِمٌ .