الصحابة بين أهل السنة وغيرهم

عناصر الخطبة

  1. فضائل الصحابة رضوان الله عليهم
  2. حقوق الصحابة على الأمة
  3. موقف الرافضة من الصحابة الكرام
  4. صور من إيذاء الروافض للصحابة
اقتباس

إن معرفة قدر الصحابة وما لهم من شريف المنزلة وعظيم المرتبة من أولى المهمات المتعلقة بصلاح العقيدة واستقامة الدين؛ ولذا كان علماء الإسلام يؤكدون في كتب العقائد على مكانة الصحابة في الأمة، ويذكرون في ذلك فضلهم وفضائلهم وأثرهم وآثارهم، مع…

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾[الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

معاشر المسلمين: الصحابة الكرام خير جيل عرفته البشرية، إنهم الرجال الذين صدَّقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلاً، إنهم السابقون الذين تمثلوا هذا الدين في أكمل صورَة، وطبقوا هدايته على نحو لا يتكرر أبدًا، إنهم صحابة رسول الله، مصابيح الدجى، وشموس الهدى، سادة الأمة وعنوان مجدها، هم قدوة المؤمنين وخير عباد الله بعد الأنبياء والمرسلين، أغزر الناس علما، وأدقّهم فهمًا، وأصدقهم إيمانًا، وأحسنهم عملاً، بدمائهم وأموالهم وصل الإسلام إلى أطراف الأرض، وبجهادهم وتضحياتهم قام صرح الدين، وانهدم شرك المشركين.

آمنوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حين كذَّبه قومه، ودافَعوا عنه حين آذاه الناس، وآووه حين طرد من وطنه.

قوم اختصهم الله بصحبة خليله وحبيبه، واصطفاهم ربهم بتبليغ رسالة نبيه، أخلصوا دينهم لله، نقلوا القرآن والسنة، وهدوا العباد إلى السنة، فكانوا بذلك أهلاً لرضوان الله ومحبته ورحمته وجنته، كانوا بذلك طليعة خير أمة أخرجت للناس.

إخوة الإيمان: إن معرفة قدر الصحابة وما لهم من شريف المنزلة وعظيم المرتبة من أولى المهمات المتعلقة بصلاح العقيدة واستقامة الدين؛ ولذا كان علماء الإسلام يؤكدون في كتب العقائد على مكانة الصحابة في الأمة، ويذكرون في ذلك فضلهم وفضائلهم وأثرهم وآثارهم، مع الدفاع عن أعراضهم وحماية حياضهم؛ إذ الدفاع عنهم دفاع عن رسول الله، فهم بطانته وخاصته، ودفاع أيضًا عن الإسلام، فهم حملته ونقلته.

شهد لهم ربهم بصلاح سرائرهم، واستقامة ضمائرهم، فرضي عنهم وأرضاهم: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾[الفتح:18].

وقد ضرَب الصحابة أروع الأمثلة في نصرة الدين، والاستجابة لله وللرسول، يقول الله شاهدًا على جهادهم وثباتهم: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(173)﴾[آل عمران:172-173].

عباد الله: وحينما نقلب دواوين السنة نجد محبَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- لصحابته ظاهرة جليَّة، ولذا نهى عن سبّهم وإيذائهم، وأخبر أن قدرهم لا يبلغه عمل عامل، روى البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه“.

ولما رأى المصطفى -صلى الله عليه وسلم- تعب الصحابة وجهدهم في حفر الخندق واساهم بكلمات ملؤها المحبة والرحمة، فقال: “اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فأصلح الأنصار والمهاجرة“، وقال عن أهل بدر: “لعل الله اطلع عليهم فقال: اعملوا ما شئتم“، وقال عن أهل بيعة الرضوان: “لا يدخل النار -إن شاء الله- من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها“.

وما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا وهو عنهم راضٍ، فرضي الله عنهم أجمعين.

لقد كانوا -بحقّ- جيلاً صالحًا لا يتكرر، ورجالاً اجتمع فيهم من الفضل والخير ما لم يجتمع في غيرهم ولا بعدهم.

إخوة الإيمان: ولا تزال أمة محمد بخير ما عرفت للصحابة حقهم وحقوقهم، حقّ على أمة محمد إن رامت الصلاح والفلاح أن تلزم منهج صحابته الكرام في الاعتقاد والسلوك والعمل، حقّ على الأمة أن تنشر فضائلهم وتسطر مناقبهم، وأن تربي الأجيال على سيرتهم، وأن تملأ القلوب محبة لهم.

ومن حقهم -أيضًا- الدفاع عن أعراضهم، وصيانة أقدارهم، والتحذير من شر الطاعنين فيهم، اللامزين في عدالتهم.

ومن أصول عقائد السنة التأدب مع صحابة رسول الله، والاستغفار لهم، والترضي عنهم، وإمساك اللسان عما شجر بينهم من خصومة واقتتال، وأن فعلهم ذلك دائر بين الأجر والأجرين، فهم إما مجتهدون مصيبون فلهم أجران، وإما مجتهدون مخطئون فلهم أجر أيضا.

وهؤلاء المخطئون لهم من السوابق الحسان والمحاسن العظام ما يوجب رفعة درجاتهم، وتكثير حسناتهم، والله -عز وجل- يغفر لهم إما بتوبة ماضية، أو بمصائب مكفرة، ولا نقول إلا كما علمنا وأدبنا ربنا: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[الحشر:10].

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:

عباد الله: وبعد الكلام عن الصحابة وفضلهم لا بد من الحديث عمّن ناصب صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العداء، واتهمهم في دينهم، وطعن في مقاصدهم؛ لنعرف من خلال ذلك حقيقة هؤلاء الطاعنين ومكانتهم من الإسلام.

لقد طمس الله على قلوب الرافضة، فلا هم يعرفون للصحابة فضلا، ولا هم يذكرون لهم شرفا، وإنما شرعوا عليهم سهام الحقد والعداء، والفتك والافتراء.

زعمت الرافضة أن الصحابة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد ارتدوا إلا نفرا يسيرا منهم، وأنهم ما أظهروا الإسلام إلا نفاقا؛ لأطماع دنيوية ومصالح ذاتية، وكتبهم مليئة بمئات الروايات الصريحة في تكفير الصحابة وشتمهم ولعنهم، بل جعلوا من الطعن فيهم ديانة يتقربون بها إلى ربهم -تعالى- زلفى، وصدق الله: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)﴾[الكهف:103-104].

وحتى لا يكون الحديث جزافًا ورجمًا بالتهم نستنطق كتب الرافضة عن حقيقة موقفهم من صحابة رسول الله، وبالأخص الصديق والفاروق وأم المؤمنين عائشة، رضي الله عن الجميع.

إخوة الإيمان: الصديق أول الصحابة إسلامًا، وأقرب الناس مودة من قلب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، لم يتردّد في قبول دعوة الإسلام، وواسى رسول الله بنفسه وماله، أسلم على يديه صفوة الأصحاب، وأعتق بماله الكثير من الرقاب، بشره الرسول بالجنة، واختاره رفيقَ دربه في الهجرة.

ورغم ذلك سلقه الروافض بألسنة حداد، فوصفه نعمة الله الجزائري أحد كبار مراجعهم في كتابه “الأنوار النعمانية” بأنه رجل سوء.

وزعم البحراني في كتابه “البرهان” أن أبا بكر كان يفطر متعمدًا في نهار رمضان، وأنه كان يشرب الخمر، ويهجو رسول الله!

وذكر الطوسي، أحد كبار علمائهم، أن أبا بكر مشكوك في إيمانه، وأنه لم يكن عارفًا بالله -تعالى- قط.

وأما الفاروق الذي فرق الله بإسلامه بين الحق والباطل، وكان إسلامه عزًّا وولايته فتحًا، وجعل الله الحق على لسانه وقلبه، وتهاوت في عهده ممالك الروم، وأطفأت جيوشه نار المجوس، وكان عدله وزهده وخوفه من ربه مضرب المثل في تاريخ الأمة الإسلامية، فماذا كتب الرافضة عنه؟!.

لقد أبغضوه بغضًا لا يوصف، رموه بكل شين ونقيصة، قال عنه المجلسي: “لا مجال لعاقل أن يشك في كفر عمر”، ثم لعن الفاروق ولعن كل من اعتبره مسلمًا، بل لعن كل من يكفّ عن لعنه. يقول المجلسي -أيضًا-: “وعقيدتنا -أي: عقيدة الرافضة- أننا نتبرأ من الأصنام الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية، ومن النساء الأربع: عائشة وحفصة وهند وأم الحكم، ومن جميع أتباعهم وأشياعهم، وإنهم شرّ خلق الله على وجه الأرض”.

أما إمامهم في هذا العصر الهالك الخميني فقال عن عمر: “إن عمر آذى رسول الله في آخر حياته، فأثر ذلك على رسول الله، وكانت صدمة له عجلت برحيله عن هذا العالم، وإن هذا الإيذاء من جانب عمر إنما كان تعبيرا للكفر والزندقة التي يبطنها عمر بداخله“.

بل إن الرافضة اعتبروا استشهاد عمر يوم عيد لهم وفرح عندهم، ويعتبرون قاتله أبا لؤلؤة المجوسي مسلما شجاعا، ويلقبونه بابا شُجاع الدين، وبنوا له في مدينة كاشَان الإيرانية ضريحًا عظيمًا زعموا أنه قبر أبي لؤلؤة المجوسي، وفي التاسع والعاشر والحادي عشر من ربيع الأول من كل سنة يحيون ذكرى أبي لؤلؤة المجوسي ويشدون الرحال إلى قبره، وألف أحد علمائهم كتابا سماه: “عقد الدرر في بقر بطن عمر“، ذكر فيه أشعارًا كثيرة قيلت فرحًا بمقتل عمر، بل إن الرافضة قالوا عن الفاروق كلام سوء يُستحيَا -والله- من قوله وتدنيس الأسماع بذكره.

أيها المسلمون: وعائشة -رضي الله عنها- هي أم المؤمنين بنصّ القرآن، حازت على قصب السبق إلى قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بين سائر أزواجه، برأها الله من فوق سبع سماوات، ولم يتزوّج النبي  بكرا غيرها، وقبض رسول الله  ورأسه بين سحرها ونحرها، وقبر في بيتها؛ لأنها كانت من أحب الناس إليه، فهل يحب الشيعة عائشة وينزلونها المنزلة التي أنزلها الله وأنزلها رسول الله عليه الصلاة والسلام؟!.

لقد آذى الرافضة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أهله كما آذاه المنافقون حيا في عرضه، يزعم أحد كبار علمائهم أن عائشة هي المعنية بقوله -تعالى-: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا﴾[النحل:92]. وذكر القمي أشهر مفسريهم عند قوله: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾[التحريم:10]، فقال: “والله، ما عنى بقوله: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ إلا عائشة”.

ووصف الرافضة أم المؤمنين بأم الشرور والشيطان، وأنها تسافر مع الرجال، وأنها كانت تكذب على رسول الله، بل اتهموها -والعياذ بالله- بالزنا، ونسبوا إليها أقوالا في غاية الخسة والدناءة.

عباد الله: هذه بعض مواقف الرافضة مع هؤلاء الثلاثة، وشيء من أقوالهم، وكتبهم مسودّة بمثل هذه الشنائع وأعظم؛ ولذا فإن التحذير من الرافضة وأقوالهم من أولى الواجبات؛ لأنهم دعاة هدمٍ للإسلام، وتشويهٍ لصورة رعيله الأول. قال الإمام احمد -رحمه الله-: “إذا رأيت أحدا يذكر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسوء فاتهمه على الإسلام“.

أيها المسلمون: ويزعم الرافضة اليوم أو بعضهم أنهم لا يسبون الصحابة، ونحن -والله- نتمنى أن يكونوا صادقين في دعواهم، لكن لسان الحال والواقع يكذب دعواهم، وإن كان الرافضة صادقين في دعواهم فليتبرؤوا من علمائهم الذين لعنوا الصحابة وكفروهم، وليقولوها صراحة: إن غالب روايات كتبهم في المذهب فيها كذب واختلاق. أما أن يعيدوا طباعة كتب علمائهم القديمة وينشروها ويمجدوا مؤلفيها فهذا لا نجد له إلا تفسيرا واحدا، هذا التفسير هو من صُلب عقيدتهم وأساس دينهم، إنها التقية التي اعتبروها تسعة أعشار الدين، ولا دين لمن لا تقية له!.

ولذا لا يمكن أن نتقارب معهم أو نتعايش معهم سلميّا حتى يكفوا عنا قَيأهم وسبَّهم لصحابة رسول الله، ويتبرّؤوا صراحة من أئمتهم وآياتهم.

هذا؛ وصلوا وسلموا على رسول الله ..

بطاقة المادة

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع مقروء
اللغة العربية