الحلم مع أهل الجهالة

عناصر الخطبة

  1. غاية الحِلْم والعفو
  2. مواقف الرَّسول الكريم في الحِلْم
  3. مواقف رائعة للسلف في العفو والصفح
  4. العفو: من عنوان السعادة في الدنيا والآخرة.
اقتباس

إن الواجب على المسلم في خضم هذه الحياة المتلاطم واختلاف الناس وطباعهم، أن يحمل نفسه على الحلم والعفو والصفح عن جهلة الناس، فالعاقل هو الذي يترفع عن جهل الجهال، ويسمو بنفسه عن النزول لهم في مستنقعهم. إن العاقل يعلم يقينًا عندما يجهل عليه، أن الشيطان يحاول إذكاء نار الغضب والانتقام، لذا فهو يستعيذ بالله من الشيطان، ويتذكر قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾، والمسلم الحق هو من ينظر إلى الناس بعين الرحمة والشفقة، وأنهم إخوانه في الدين، فيسعى إلى العفو عنهم، ويدعو لهم بالهداية…

الخطبة الأولى:

الحمد لله..

أما بعد فيا أيها الناس: هذه الدنيا يتعايش الناس فيها بعلاتها، والكل يكمل بعضهم بعضًا، ويحتمل بعضهم بعضًا، وبذا تسود الحياة، وينعم الجميع بعيش هنيء.

طُبعت على كدر وأنت تريدها***صفوا من الأقذار والأكدار

ومكلف الأيام ضد طباعها*** متطلب في الماء جذوة نار

عباد الله: عندما يذكر الحلم، يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-، الذي قال الله فيه مزكيًّا له: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].

لقد بلغ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- غاية الحِلْم والعفو، والسُّنَّة النَّبويَّة حافلة بمواقف الرَّسول الكريم في الحِلْم، ومِن ذلك:

– قصَّة الأعرابي الذي جبذ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بردائه جَبْذَةً شديدةً، أخرج البخاري ومسلم  في صحيحهما من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعليه بردٌ نجرانيٌّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ، فجبذه  بردائه جبْذَةً شديدةً، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أثَّرت بها حاشية البُرْد مِن شدَّة جَبْذَته، ثمَّ قال: يا محمَّد! مُرْ لي مِن مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثمَّ ضحك، ثمَّ أمر له بعطاء".

أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رجلًا أتى النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يتقاضاه فأغلظ، فهمَّ به أصحابه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دعوه فإنَّ لصاحب الحقِّ مقالًا". ثمَّ قال: "أعطوه سِنًّا مِثْل سِنِّه"، قالوا: يا رسول الله، لا نجد إلَّا أمثل مِن سِنِّه، فقال: "أعطوه، فإنَّ مِن خيركم أحسنكم قضاءً".

أخرج البخاري ومسلم  في صحيحهما من حديث  عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "كأنِّي أنظر إلى النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يحكي نبيًّا مِن الأنبياء ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدَّم عن وجهه، ويقول: ربِّ اغفر لقومي فإنَّهم لا يعلمون".

قال النَّوويُّ: "فيه ما كانوا عليه -صلوات الله وسلامه عليهم- مِن الحِلْم والتَّصبُّر والعفو والشَّفقة على قومهم، ودعائهم لهم بالهداية والغفران، وعذرهم في جنايتهم على أنفسهم بأنَّهم لا يعلمون، وهذا النَّبيُّ المشار إليه مِن المتقدِّمين، وقد جرى لنبيِّنا -صلى الله عليه وسلم- مثل هذا يوم أُحد". 

معاشر المسلمين: إن الواجب على المسلم في خضم هذه الحياة المتلاطم واختلاف الناس وطباعهم، أن يحمل نفسه على الحلم والعفو والصفح عن جهلة الناس، فالعاقل هو الذي يترفع عن جهل الجهال، ويسمو بنفسه عن النزول لهم في مستنقعهم.

إن العاقل يعلم يقينًا عندما يجهل عليه، أن الشيطان يحاول إذكاء نار الغضب والانتقام، لذا فهو يستعيذ بالله من الشيطان، ويتذكر قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: 201]. 

والمسلم الحق هو من ينظر إلى الناس بعين الرحمة والشفقة، وأنهم إخوانه في الدين، فيسعى إلى العفو عنهم، ويدعو لهم بالهداية.

أخرج مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-، قال: "بينما نحن في المسجد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاء أعرابيٌّ، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مه مه. قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزرموه، دعوه". فتركوه حتى بال، ثمَّ إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعاه، فقال له: "إنَّ هذه المساجد لا تصلح لشيء مِن هذا البول ولا القذر، إنَّما هي لذكر الله عزَّ وجلَّ، والصَّلاة، وقراءة القرآن". أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال: فأمر رجلًا مِن القوم فجاء بدلوٍ مِن ماء فشنَّه عليه".

ألا فلنكن كهذه الأخلاق لننعم بالعيش الرغيد بعيدا عن الأخطار، اللهم ارزقنا الحلم والأناة يا رب العالمين، أقول قولي …

الخطبة الثانية:

أما بعد فيا أيها الناس: إنما الحلم بالتحلم، ومن يتصبر يصبره الله..

عباد الله: إنما ذكرته في الخطبة الأولى من خُلق النبي -صلى الله عليه وسلم- في تحمُّل جهل الجهال، تخرج عليه صحابة رسول الله فمن بعدهم، فمن قصصهم أنه شَتم رجلٌ أبا ذَرٍّ -رضي الله عنه- فقال: "يا هذا، لا تُغرق في شَتمنا ودَع للصُّلح مَوضعًا، فإنَّا لا نكافئ مَن عصى الله فينا بأكثر مِن أن نُطيع الله فيه". 

وكان الرَّجل يقول لمعاوية -رضي الله عنه-: "والله لتستقيمنَّ بنا يا معاوية، أو لنقوِّمنَّك، فيقول: بماذا؟ فيقولون بالخشب، فيقول إذًا أستقيم".

وقال رجل لعمرو بن العاص -رضي الله عنه-: "والله لأتفرَّغنَّ لك، قال: هنالك وقعت في الشُّغل، قال: كأنَّك تهدِّدني، والله لئن قلت لي كلمة لأقولنَّ لك عشرًا، فقال عمرو: وأنت والله لئن قلتَ لي عشرًا، لم أقلْ لك واحدة".

وسبَّ رجلٌ ابن عبَّاس -رضي الله عنهما-، فقال ابن عبَّاس: "يا عكرمة! هل للرَّجل حاجة فنقضيها؟"، فنكَّس الرَّجل رأسه، واستحى ممَّا رأى مِن حلمه عليه.  

وأسمع رجلٌ عمر بن عبد العزيز بعضَ ما يَكْره، فقال: "لا عليك، إنَّما أردتَ أن يَسْتفزَّني الشَّيطان بعزَّة السُّلطان، فأنال منك اليوم ما تنالُه منِّي غدًا، انصرفْ إذا شئت". 

وشَتم رجلٌ الشَعبَيَّ، فقال له: "إن كنتَ صادقًا فغَفر الله لي، وإن كنتَ كاذبًا فغفر الله لك".

معاشر المؤمنين:

ألا فلنجعل شعارنا بأن نعفو عمن ظلمنا، فإن ذلك من عنوان السعادة في الدنيا، والآخرة

 

بطاقة المادة

المؤلف خالد بن عبدالله الشايع
القسم خطب الجمعة
النوع مقروء
اللغة العربية