فكر الخوارج الأسباب والعلاج (1)

عناصر الخطبة

  1. آفات الغلو وفكر الخوارج
  2. ضعف الإنسان أمام الشبهات
  3. مصادر التأثير كثيرة متنوعة
  4. أسباب ظهور فكر الغلو
  5. قصة وعبرة
  6. نصائح تربوية للمربين.
اقتباس

فوسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن ضبطها ولا الإنترنت إلا فيما قل، ويبقى الجهد واجبًا تجاه نصح الأبناء نحو ما ينبغي تجنبه في الإنترنت، وإرشادهم في اختيار الأصدقاء والسؤال عنهم، ومتابعتهم، وكذلك إعادة النظر في أسلوب التوجيه ونوع العلاقة بين الوالدين وأولادهم، والمعلم وطلابه، وإمام المسجد وجماعته، بل ونوع العلاقة بين ولاة الأمر ورعاياهم. فالقضية ليست سهلة أبداً بل أخطر مما على البال، أما وسائل الإعلام المملوكة للدولة فعلى المسئولين واجب الضبط والله حسيبهم.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]،  ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

كثر الحديث عن آفة الغلو وفكر الخوارج الذي طغى على الأحداث كلها، نسأل الله السلامة لنا ولكم ولأولادنا منه.

ونريد في هذا المقام أن نقرر بعض الآراء التي قد تسهم في معالجة هذه الآفة، أو على أقل حال أن تخفف منه.

معاشر الإخوة: الإنسان هو الإنسان مخلوق متأثر، لكنه في ذات الوقت مؤثر ضعيف عاجز، ولكن في نفس الوقت قوي ذو إرادة في تفاوت يتلون بحسب الظروف المحيطة به وبمستوى قابليته النفسية والعقلية للتأثر.

في صحيح مسلم من حديث أنس قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَمَّا صَوَّرَ اللَّهُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ، فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ فَيَنْظُرُ مَا هُوَ، فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ أَجْوَفَ لا يَتَمَالَكُ"، وفي لفظ قال إبليس: "خَلْقٌ لا يَتَمَالَكُ ظَفِرْتُ بِهِ".

قال الإمام النووي -رحمه الله-: "لا يَتَمَالَكُ" أي: لا يملك نفسه ويحبسها عن الشهوات"، وقيل: "لا يملك دفع الوسواس عنه".

فالإنسان خلق لا يتمالك لكن الله -تعالى- يثبت من آمن عباده، ولذلك امتحن الله -تعالى- عباده بما يقدرون على تحمله، ولا يؤاخذهم على ما لا طاقة لهم به، ولما كان الجهل سببًا رئيسًا في الضلال أوجب الله على عباده من العلم ما يدفعون به الشبهات ولو كان عن طريق سؤال أهل العلم فقال سبحانه: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43].

وعندما نتناول ظاهرة مخيفة كظاهرة تأثر الشباب بالفكر الخارجي المجرم، فلابد أن نراعي طبيعة الإنسان هذه، ولا نستصغر هذا الأمر الجلل، ولا نستبعد أن يصل إلى عقر دار أي واحد منا.

أيها الإخوة: مصادر التأثير بشقيه الضار والنافع في زمننا هذا متعددة، هناك البيت، وهناك المدرسة كلها مؤثرات وهناك الأصدقاء، وهناك المساجد والمنابر وما ينتج عنهما من دعوة وموعظة، وهناك وسائل الإعلام، وهناك الإنترنت الذي مكّن لوسائل التواصل الاجتماعي العديدة فمصادر التأثير كثيرة.

ولو تمكن المجتمع من ضبط كل هذه المصادر لكان الأمر هينًا، ولكن الوضع خلاف ذلك، ومن ثَم لا بد من تعويض، لا بد من أن نحكم ما يمكن ضبطه من هذه المصادر مصادر التأثير كي نقلل من أثر ما لا يمكن السيطرة عليه منها.

فوسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن ضبطها ولا الإنترنت إلا فيما قل، ويبقى الجهد واجبًا تجاه نصح الأبناء نحو ما ينبغي تجنبه في الإنترنت، وإرشادهم في اختيار الأصدقاء والسؤال عنهم، ومتابعتهم، وكذلك إعادة النظر في أسلوب التوجيه ونوع العلاقة بين الوالدين وأولادهم، والمعلم وطلابه، وإمام المسجد وجماعته، بل ونوع العلاقة بين ولاة الأمر ورعاياهم.

فالقضية ليست سهلة أبداً بل أخطر مما على البال، أما وسائل الإعلام المملوكة للدولة فعلى المسئولين واجب الضبط والله حسيبهم.

أيها الإخوة: عندما نريد أن نعالج هذا الفجر، ونحصّن أولادنا منه ينبغي أن ندرك أن فكر الخوارج ليس ظاهرة نشأت حديثًا، بل هو فكر قديم له جذوره العميقة أخبرنا بها النبي -صلى الله عليه وسلم- وتنبأ باستفحال هذا الفكر فيما ستستقبله الأمة من عصور.

بل تأذى منه هو -صلى الله عليه وسلم- في أول نشأته، وتأذى منه الصحابة الأجلاء -رضي الله عنهم- ففي صحيح ابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله قال كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجعرانة وهو يقسم التبر والغنائم، وهو في حِجر بلال، فقال رجل: اعدل يا محمد! فإنك لم تعدل. فقال: "ويلك! ومَن يعدل بعدي إذا لم أعدل"! فقال عمر: دعني يا رسول الله حتى أضرب عنق هذا المنافق؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذا في أصحاب له يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".

وفي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: بَعَثَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْيَمَنِ بِذَهَبِيَّةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوطٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ: الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي مُجَاشِعٍ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاثَةَ الْجَعْفَرِيِّ، وَزَيْدِ الْخَيْرِ الطَّائِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ. فَقَالَتْ قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ – أي: من المؤلفة قلوبهم وبعض الأنصار- قالوا: أَتَقْسِمُ بَيْنَ صَنَادِيدِ أَهْلِ نَجْدٍ وَتَتْرُكُنَا؟ فقال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا أَنَا فِيهِمْ، إِذَا أَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، نَاتِئُ الْجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ، فقال: يَا مُحَمَّدُ! اتَّقِ اللَّهَ. يعني يتهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمانته وفي تقواه، وهذا من أفحش الكفر.

 فقال: "مَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ، أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَلا تَأْمَنُونِي؟"، قال: فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ قَتْلَهُ حَسِبْتُهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَوَلَّى الرَّجُلُ، فمنعه فقال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِي هَذَا قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ"، يفنيهم -صلى الله عليه وسلم-.

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يخبر بأن هذا الفكر المنحرف الأعوج المتغطرس الذي يحسب صاحبه أنه أتقى الناس، وأنه أعلم الناس ولو كان الذي أمامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتقى منه وأعلم منه، هذا الفكر سيظهر لاحقًا بشكل أكبر.

ولذلك استفحل في عهد الخليفة عثمان، بل لم يتورع أصحاب هذا الفكر عن قتل المبشر بالجنة ذي النورين عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، وهو يقرأ القرآن في بيته ولا قتل المبشر بالجنة صهر النبي -صلى الله عليه وسلم- وابن عمه، وخير من وطأ الأرض في زمن خلافته علي -رضي الله عنه-، المصيبة أنهم فعلوا فعلتهم هذه تقربًا إلى الله -تعالى- حتى قال شاعرهم عمران بن حطان في مدح ابن ملجم قاتل عليّ -رضي الله عنه-:

يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيّ مَا أَرَادَ بِهَا *** إلاَّ لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي العَرْشِ رِضْوَانا

إنِّي لأَذْكُرُهُ يَوْماً فَأَحْسَبُهُ *** أَوْفَى البَرِيَّةِ عِنْدَ الله مِيزَانا

أعلى الناس ميزانًا عند الله في الأجور الذي قتل عليّ بن أبي طالب.

فرد عليه بعض العلماء:

بَلْ ضَرَبْةٌ مِنْ شَقِيّ مَا أَرَادَ بِهَا *** إلاَّ لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي العَرْشِ خُسْرَانا

إني لأَذْكُرُهُ يَوْماً فَأَحْسَبُهُ *** أَشْقَى البَرِيَّةِ عِنْدَ الله مِيزَانا

فينبغي أن ندرك أن العلاج إنما يكون بالأخذ في الاعتبار طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة في التعامل مع أن التعرف على أسباب هذا الفكر لا يمكن التعرف على أسباب هذا الفكر لا يمكن أن يكون بمعزل عن أصله وتاريخه، فالفلسفة النفسية أو الاجتماعية لوحدهما ليستا سبيلاً إلى معرفة السبب، فليس الفقر هو أحد الأسباب كما يزعم بعض المحللين ولا البطالة، بالرغم من خطورتهما على المجتمع، فبعض بل كثير من خوارج هذا العصر ميسورون وأصحاب أعمال، لكن هناك أسباب أخرى إيمانية اجتماعية نفسية عقلية تؤجج فكر الشاب وتؤزه أزًّا نحو هذا الفكر.

جاء في سير الأعلام حول أسباب تأثر عمران بن حطان صاحب الأبيات السابقة التي مدح فيها ابن ملجم بأنه كانت له بنت عم جميلة، ولكنها على مذهب الخوارج، فقال أنا أتزوجها وأصرفها عن مذهبها الباطل، فكان كما قال الشاعر:

كم شارب عسلاً فيه منيته *** وكم تقلد سيفًا من به ذبحا

جاء في سير الأعلام عن ابن سيرين قال: "تزوج عمران خارجية، وقال سأردّها –أي: عن مذهبها- قال: فصرفته عن مذهبه إلى مذهبها".

فذكر المدائني أنها كانت ذات جمال، وكان عمران ذميمًا فأعجبته يومًا، فقالت: "أنا وأنت في الجنة؛ لأنك أعطيت فشكرت، وأنا ابتليت فصبرت". فقبل هذا.

فمصاحبة أهل التكفير يؤدي إلى التكفير والعشرة لأهل البدعة من أهم أسباب اتباعها والانحراف إلى فكرهم.

أمر آخر: المبالغة في العبادة تؤدي إلى الغلو، ولذلك بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك بقوله كما صح في البخاري كما قال أبي سعيد: «يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَأَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ، يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ وَلاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، تَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلاَ تَرَى شَيْئًا؛ ثُمَّ تَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ فَلاَ تَرَى شَيْئًا؛ ثُمَّ تَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلاَ تَرَى شَيْئًا، وَتَتَمَارَى فِي الفُوقِ». قوله (وَتَتَمَارَى فِي الفُوقِ)، أي: يشك إن كان أصاب الدم الفوق أم لا، والفوق هو الشيء الذي يدخل فيه الوتر يعني أن السهم يخرج نقيًّا من الدم لم يتعلق منه شيئًا، ولا حتى ريش السهم، وكذلك يخرج هؤلاء من الدين يعني الخوارج لم يتعلق بهم من الدين شيء.

ومع ذلك قال: "تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ"، وهذا الخطاب في أصله للصحابة الكرام أتقى أهل الأرض أهل العبادة والتقى، فأولئك الخوارج يزيدون في العبادة ما لم يأمر به الله، ويتنطعون ويبالغون، ويحسبون أنهم على خير حتى وصل بهم الحال إلى الغرور والارتداد بالنفس، والاغترار بالعبادة، واستصغار المسلمين، بل وتكفير خير الأمة بعد نبيها -صلى الله عليه وسلم-.

ولذلك جاء في مصنف عبدالرزاق وغيره أنه لما أرسل عليّ ابنَ عباس -رضي الله عنهما- كي يحاورهم، يقول ابن عباس: فخرجت إليهم ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن, وترجلت, ودخلت عليهم في دارهم في نصف النهار, وكان ابن عباس رجلاً جميلاً جهيرًا, فقالوا: مرحبًا بك يا ابن عباس, ما هذه الحلة؟, قال: ما تعيبون عليَّ؟, لقد: رأيت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن ما يكون من الحلل, ونزلت: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف:32]

قال ابن عباس: "وما أتيت قومًا قط أشد اجتهادًا منهم مسهمة وجوههم من السهر –متغيرة من طول قيام الليل- كأن أيديهم وركبهم تثني عليهم".

يتعجب -رضي الله عنه- من أثر العبادة الشديد على ظاهرهم دون أن تصلح باطنهم، فلا تلازم بين مظاهر الصلاح وشدة الاجتهاد في العبادة وبين صحة المنهج والهداية للحق، التنطع والغلو في العبادة مآله إلى المزيد من الغلو إلى الانتكاسة المنهجية أو العقدية.

إذاً فمن أسباب هذا الانحراف: الصحبة المنحرفة، سواء في الإنترنت أو حتى البلايستيشن أو برامج التواصل الأخرى أو في الواقع المحسوس.

والثاني العبادة الخارجة عن السنة عن سُنة النبي -صلى الله عليه وسلم- التي يبدو فيها الشاب منطويًا في محيط من الأسرار، كأنما يريد الخلاص من الدنيا سعيًا للجنة بما يظن أنه خير، فيقتل نفسه أو يفجر.

فإن من أسباب الانحراف هذا أيضًا: مصائب المسلمين يرى الشاب الصغير المتحمس بعينيه، ويسمع بأذنيه من الظلم الكبير الواقع على المسلمين في كثير من نواحي الأرض قتل واغتصاب وتشريد ظلم لا يكاد يحتمله قلب سليم، ولا يهدأ معه ضمير حي، ويشاهد صورًا مذهلة، فماذا يدور في عقله، وماذا يعتلج في صدره؟! يقول: ماذا أصنع؟ كيف أعين؟ كيف أنتقم لإخواني المسلمين؟!

ويبدأ يفكر ويفكر تفكيرًا خارجًا عن الرشد يغلب عليه الحماس، ويفتقر إلى العلم والحكمة، ويتبع ذلك أيضًا تأثير مواقع الإنترنت وغيرها من المؤثرات في غفلة من الوالدين والإخوة الراشدين وفجأة؛ إذ بهم يتصل بهم في مواطن المعارك والفتن فيذهلون، ويسألون كيف تمكن من السفر، وكيف حصل هذا، ولكن بعد فوات الأوان.

من الأسباب: الجهل، الجهل الذي تتسرب من خلاله الشبهات، الجهل هو بوابة الشبهات، الجهل خصلة سوداء مظلمة لا تزول إلا بالعلم.

وفي الجهل قبل الموت موتٌ لأهله *** فأجسامهم قبل القبور قبور

المصيبة إذا فقد الشاب في العالم الثقة المستقيم في منهجه، فلم يعد يستشيره، وأسلم عقله لدعاة الفتنة المتعالمين، إذا حصل هذا فقد حلت الكارثة.

وللحديث تكملة إن شاء الله..

اللهم جنبنا وأولادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن..