يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة

عناصر الخطبة

  1. الحث على تدبر القرآن والعمل بما فيه
  2. تأملات في آية عظيمة اشتملت على سبع جمل
  3. أنواع النداء في القرآن
  4. أنفع الدعاء في رأي شيخ الإسلام ابن تيمية
  5. الاستعانة عبادة عظيمة من أجلّ العبادات
  6. أقسام الصبر
  7. الصبر عواقبه حميدة ومآلاته كريمة
  8. الصلاة عون للعبد في كل أموره وفي شؤونه
  9. من وجد الله فماذا فقد؟!
اقتباس

صلاتك عزّك، وصلاتك فلاحك، وصلاتك نجاحك، وصلاتك سعادتك، وصلاتك سبب لتفريج همك وغمك وقضاء دينك وشفاء مرضك، وإصلاح حالك ومستقبلك. فإذا رأيت نفسك ضعيفًا في عبادةٍ ما؛ في قراءة القرآن، في بر الوالدين، أو صلة الأرحام، أو الصلاة مع الجماعة، أو نحو ذلك من العبادات والقربات؛ فاستعن بالله على فعل الطاعات، وإذا رأيت نفسك مبتلًى بأنواع من الذنوب والآثام كالدخان وسماع الغناء والمرائي المفسدة، وسماع الحرام والكلام بالحرام؛ فاستعن بالله أن يحفظك بحفظه التام: “احفظ الله يحفظك”…

الخطبة الأولى:     

الحمد لله  العلي الأرفق جامع الأشياء والمفرق، ذي النعم الواسعة الغزيرة والحكم الباهرة الكثيرة، ثم الصلاة مع سلام دائم على الرسول القرشي وآله وصحبه الأطهار الحائز مراتب الفخار.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله؛ فإنها وصية الله للأولين والآخرين، وسعادة الدنيا والدين وأُنس المؤمنين وصلاح المتقين هي تقوى رب العالمين.

عباد الله: إن الله أنزل كتابه لحكمة ولغاية مهمة هي تدبره وتفهمه، والوقوف مع معانيه (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [ص: 29].

ولهذا أحبتي في الله قال الله -جل في علاه-: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ﴾[البقرة: 121]، أي يتبعونه حق اتباعه.

 ومن هذا تأتي هذه الوقفات مع هذه الآية الكريمة قوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:153].

وبالتَّدبُرِ والتَّرْتِيْلِ فاتْلُ كِتَا *** بَ اللهِ لا سِيَّمَا في حِنْدِسِ الظُلَمِ

حَكِّمْ بَرَاهِيْنَهُ وَاعْمَلْ بمُحْكَمِهِ *** حِلاً وَحظْرًا وَما قَدْ حَدَّهُ أقِمِ

واطْلُبْ مَعَانِيْهِ بالنَّقْلِ الصَّريْحِ ولا *** تخُضْ بِرَأُيِكَ واحْذَرْ بَطْشَ مُنْتَقِمِ

فِيْمَا عَلِمْتَ بِمَحْضِ النَقْل مَنْهُ فَقُلْ *** وَكِلْ إلى الله مَعْنَى كُلِّ مُنْبَهِم

ثُمَّ المِرَا فِيْهِ كُفْرٌ فاحْذَرَنْهُ وَلاَ *** يَسْتَهْوِيَنَّكَ أقْوَامٌ بِزَيْغِهِمِ

وعن مَنَاهِيْهِ كُنْ يَا صَاحِ مُنْزَجِرًا *** والأمْرَ مِنْهُ بلاَ تَرْدَادٍ فالْتَزِمِ

هُوَ الكِتَابُ الذِي مَنْ قام يَقْرؤُهُ *** كَأنَّمَا خَاطَبَ الرَّحْمنَ بالكَلِمِ

إن هذه الآية العظيمة اشتملت على سبع جمل.

الجملة الأولى: النداء في قوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ والنداء -أحبتي في الله- في القرآن على سبعة أدرب نوع خاص بالمؤمنين، وهذا كثير في كتاب رب العالمين، ونوع خاص بالكفار وهو في موضع واحد لا ثاني له في سورة التحريم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ﴾ [التحريم: 7].

 وثالث النداء: أهل الكتاب ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾، ورابع للناس أجمعين ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ﴾[البقرة: 21]، وخامس النداء خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ﴾ [الأحزاب: 50]، وسادس للنبي -صلى الله عليه وسلم- موجهًا وهو له ولغيره من أمته كقوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء﴾[الطلاق: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾[التحريم: 1]، والسابع -أيها الأخوة- لنساء النبي -صلى الله عليه وسلم- .

ويراد بالنداء التنويه والتذكير والتعليم، ولهذا عباد الله يقول بعض السلف: "إذا سمعت الله يقول ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ فأصغِ لها سمعك؛ إما خير تُؤْمَر به، أو شر تُنْهَى عنه.

والجملة الثانية ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾[الحجرات: 17].

والإيمان قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، وأهله على تفاضل في الإيمان.

ولهذا عباد الله:

إيماننا بالله ذي الجلال *** وما له من صفة الكمال

وبالملائكة الكرام البرره وكتبه *** المنزلة المطهره ورسله الهداة للأنام

وَبِالْمَعَادِ أيقَنْ بِلَا تَرَدُّدِ *** وَلَا ادِّعَا عِلْمٍ بِوَقْتِ الْمَوْعِدِ

والسادس الإيمان بالأقدار *** فأيقنن بها ولا تمار

وأركانه الستة: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وحينما يأتي النداء للإيمان والتوجيه لأهل الإيمان إنه لأمر عظيم وشأن كبير، إنه عباد الله لأمرين.

الأمر الأول: التنويه بهذه النعمة والتذكير بهذه المنة، وهي أنك تحمل اسم الإيمان واسم الإسلام؛ فيناديك ربك بأشرف خصالك وأجمل خلالك.

وثانيا -أيها الإخوة: أن من كان مؤمنا فإنه بإيمانه يعمل ويمتثل ويستجيب وينقاد؛ لأن اسم الإيمان قد علق به ومن شأن المؤمن الامتثال: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ [الأحزاب:36].

ولهذا ربنا يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، ومن فوائد ضمير الجمع -أيها الأحبة- في قوله: ﴿آمَنُوا﴾ إشارة إلى الاجتماع وترك الخلاف والنزاع، إشارة إلى أن المؤمنين أمة واحدة مترابطة متلاحمة متواصلة متراحمة في مثل (وتعاونوا، والمؤمنون، وتواصوا).. ونحو ذلك أيها الإخوة.

والجملة الثالثة -أيها الأحبة- في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ﴾ الاستعانة -أيها الإخوة- هي طلب العون من الله -عز وجل-، وهي عبادة من أجلّ العبادات، وهي ما جمعت أمرين عظيمين: الثقة بالله والاعتماد عليه.

والعبد محفوف بإعانتين: إعانة قبل أداء العبادة، وإعانة بعد أداء العبادة، فيستعين ربه على عبادة مستقبلة كالصلاة والصيام ونحوهما، ثم إذا فرغ يستعين بربه بعبادة أخرى بعدها وهكذا حتى يقضي المرء نحبه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "تأملت أنفع الدعاء فوجدته سؤال الله العون على مرضاته، ثم تأملته فإذا هو في قوله ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾"[الفاتحة: 5].

وتقديم العبادة على الاستعانة في قوله ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ إشارة إلى أن كل عبادة لابد لها من إعانة، فإذا لم يعنك ربك على صلاتك وبرك وصدقتك وإحسانك وصِلتك؛ فإنك ضعيف بنفسك، ولا تملك لنفسك نفعًا ولا ضرًّا..

 إذا لم يكن عونا من الله للفتى *** فأول ما يجني عليه اجتهاده

ولهذا -أيها الأحبة- إذا سمع الإنسان المؤذن يقول: "حي على الصلاة، حي على الفلاح"، شُرع له أن يقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله".

الاستعانة -عباد الله- عبادة عظيمة من أجلّ العبادات، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيّ خَيْرٌ وَأَحَبّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ".

فإذا عزمت فتوكل على الله، واستعن بالله، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله"، وإذا رأيت نفسك ضعيفًا في عبادة ما في قراءة القرآن، في بر الوالدين، أو صلة الأرحام، أو الصلاة مع الجماعة، أو نحو ذلك من العبادات والقربات فاستعن بالله على فعل الطاعات، وإذا رأيت نفسك مبتلًى بأنواع من الذنوب والآثام كالدخان وسماع الغناء والمرائي المفسدة وسماع الحرام والكلام بالحرام فاستعن بالله أن يحفظك بحفظه التام "احفظ الله يحفظك".

والجملة الخامسة أيها الإخوة ﴿بِالصَّبْرِ﴾، والصبر هو حبس النفس عن الجزع وحبس اللسان عن التسخط على المقدور، وحبس الجوارح من لطم الخدود وشق الجيوب، ونحو ذلك مما يكون فيه علامة على عدم الرضا بالقضاء والقدر.

يجري القضاء وفيه الخير نافلة *** لمؤمن واثق بالله لا لاهٍ

إن جاءه فرحٌ أو نابه ترحٌ *** في الحالتين يقول الحمد لله

الصبر -عباد الله- على ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله، وصبر على الطاعة، طاعة عسُر عليك فعلها تصبر على فعلها كصلاة الفجر مع الجماعة، وصبر عن معصية الله، صبر فيما إذا ابتُليت بمعصيةٍ ما، فتصبر حتى تترك هذه المعصية، فصبر عن معصية الله، فصبر على أقدار الله من الآلام والأسقام والأوجاع "ما يصيب العبد من نَصَب ولا همّ ولا غمّ حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه".

الصبر -عباد الله- مآله إلى الجنة، ذات يوم كان عطاء مع ابن عباس، وكان تلميذًا له، فقال ابن عباس – رضي الله عنهما- لعطاء: "ألا أريك امرأةً هي من أهل الجنة"؟ امرأة تمشي على الأرض هي من أهل الجنة، شهد لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك، قال عطاء: بلى! أريد أن أرى هذه المرأة لأبصرها تمشي على وجه الأرض من أهل الجنة، فقال: "تلك المرأة السوداء، جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكانت امرأة تُصرع فقالت: يا رسول الله! ادعُ الله أن يعافيني". فقال: "إن شئتِ دعوتُ الله لك فيعافيك، وإن شئتِ صبرتِ ولك الجنة". قال: بل أصبر يا رسول الله! ولكن ادع الله ألا أتكشف فدعا لها ألا تتكشف عند صرعها.

الصبر -عباد الله- ضياء للعبد في حياته، وفي برزخه، وفي آخرته، ففي الصحيح: "والصبر ضياء"، "ومن يرد الله به خيرًا يُصِب منه"، الصبر عواقبه حميدة ومآلاته كريمة..

والصبر مثل اسمه مرّ مذاقته *** لكن عواقبه أحلى من العسل

والصبر ينقسم  إلى قسم آخر، صبر لله، وصبر بالله، وصبر على الله، صبر بالله استعانة بالله أن يصبّرك على هذا الشيء، وفي الحديث: "ومن يتصبر يصبّره الله"، وصبر لله لا رياء ولا محمدة، ولا إظهار جلَد ولا إظهار حمية، إنما هو صبر لله رجاء ثواب الله، وصبر على أقدار الله، وعلى أحكامه وشرعه وعلى نهيه وأمره.

أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعلنا من عباده الصالحين وأوليائه المتقين، قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على فضله وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له وحده سبحانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعدُ:

عباد الله: مع الجملة السادسة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾ استعينوا بالصبر والصلاة، إن الصلاة -عباد الله- عون للعبد في كل أموره وفي شؤونه وحياته وفي جميع أحواله وتقلباته، عون له على ديونه، وعلى أمراضه، وعلى أسقامه وعلى تربيته لأولاده، وعلى جميع أحواله في دينه ودنياه.

نعم -عباد الله- ذات يوم مات أخ لابن عباس، فانحاز ابن عباس ناحيةً وصلى ركعتين، ثم تلا قول الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾.

الصلاة صبر على المصائب وإعانة على الأسقام والأمراض، ولهذا -أيها الإخوة- كان نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- إذ حزَبه أمر فزع إلى الصلاة، والناس إذا غارت الآبار، وعطشت الأرض، فزعوا إلى صلاة الاستسقاء، وكذلك إذا تغير الكون بحادثة غريبة كالكسوف والخسوف فزع الناس إلى صلاة الكسوف.

وكذلك إذا تردد الإنسان في أمره ولم يدرِ هل يفعل ما في خلده أو لا يفعل؛ شُرع له صلاة تسمى صلاة الاستخارة.

كل ذلك لأن الصلاة صلة بينك وبين ربك، فصلاتك عزّك، وصلاتك فلاحك، وصلاتك نجاحك، وصلاتك سعادتك، وصلاتك سبب لتفريج همك وغمك وقضاء دينك وشفاء مرضك، وإصلاح حالك ومستقبلك.

الصلاة -عباد الله- عون على الأرزاق والخيرات ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه:132].

يقول بعض السلف: "من مثلك يا ابن آدم! إذا أراد حاجة إنما هو يتوضأ ويصلي ويسأل الله ما أراد".

الله أكبر عباد الله: الصلاة أقرب الصلة بالله -عز وجل- فـ"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد".

ولهذا أخي المسلم إسلامك عقيدتك، توحيدك، عنوانه عنايتك بصلاتك، يقول الإمام أحمد -رحمه الله-: "إذا أردت أن تعرف ميزان الإسلام في قلبك فانظر إلى ميزان الصلاة".

فهنيئًا لكم أيها المصلون: "بشِّر المشائين في الظُّلَم بالنور التام يوم القيامة"، هنيئًا لكم أيها المحافظون ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ(35)﴾ [المعارج:35]، هنيئًا لكم أيها المصلون؛ فإن ذلك سبب في ظل الله لك يوم لا ظل إلا ظله "سبعة يظلهم الله في ظله .."، منهم "ورجل قلبه معلق بالمساجد". هنيئًا لكم أيها المصلون بتكفير السيئات ورفع الدرجات ونزول أعلى الجنات.

فاحرصوا -بارك الله فيكم- على الصلاة، واعتنوا بها واهتموا بها، أيقظوا أولادكم كما توقيظهم إلى مدارسهم للصلاة "مروا أبنائكم للصلاة لسبع..".

قوموا إلى الصلاة كما تقومون لأعمالكم ووظائفكم؛ فإن الصلاة -عباد الله- عنوان الإيمان، وإرضاء الرحمن وإسخاط للشيطان.

فلهذا -عباد الله-: من اتبع الشهوات وترك الصلوات فويل له في الدركات ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم:59].

والجملة السابعة ﴿مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ إنه المعية الخاصة، الكلاءة والإعانة والتسديد والرعاية والحفظ؛ لأن معية الله -عز وجل- عامة وخاصة، فعامة مع جميع المخلوقين بعلمه واطلاعه، فإنه لا تخفى عليه خافية من أمرهم، ولا يخفى عليه شيء من حركاتهم، ولا يخفى عليه شيء في حلهم وأسفارهم، فهو يعلم أحوالهم، ويرى مكانهم، ويسمع كلامهم، ويبصر أمورهم، سبحانه وبحمده، فهو الغني بذاته، سبحانه جل جلاله، يبصر كل شيء، ويسمع كل شيء، ويرى كل شيء، أفيليق بك بعد ذلك أن تعصيه؟!

إذا ما خلوْتَ، الدّهرَ، يوْماً *** فلا تَقُلْ, خَلَوْتَ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ

ولاَ تحْسَبَنَّ اللهَ يغفِلُ ساعة *** وَلا أنَ مَا يخفَى عَلَيْهِ يغيب

تتوارى بجدران البيوت عن الورى *** وأنت بعين الله لو كنت تبصر

وكيف تخاف غير الله، وترجو غير الله ومعك سبحانه بحمده؟! فمن كان الله معه فمعه الفئة التي لا تُغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل.

وإذا خلوت بريبة في ظلمة *** والنفس داعية إلى الطغيان

فاستحِ من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني

هذا وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن ينصر دينه ويعلي كلمته ..