الأدب

عناصر الخطبة

  1. شرف الأدب يغني عن شرف الحسب والنسب
  2. معنى الأدب وأثره في حياة الفرد والمجتمع
  3. عناية كتب السنة بالأدب
  4. وجوب شكر الله على نعمة المطر
اقتباس

والواجب أن يكون طلبةُ الحديثِ أكملَ الناسِ أدبًا، وأشدَّ الخَلْق تواضُعًا، وأعظمهم نزاهةً وتديُّنًا، وأقلهم طيشًا وغضبًا؛ لدوام قرع أسماعهم بالأخبار المشتَمِلة على مَحاسِنِ أخلاقِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وآدابه، وسيرة السلف الأخيار من أهل بيته وأصحابه…

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أدَّبَنا بالقرآن والسُّنَّة أحسنَ تأديبٍ، وأنزلنا ربيع فضله الخصيب، وأحَلَّنا في ربوة كرمه الرحيب، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، إليه أدعو وإليه أنيب، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، بُعِثَ ليتممَ مكارمَ الأخلاق وهي الحسب الحسيب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة ننال بها أجزلَ الأجر وأعظمَ النصيب.

أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله فقد فاز المتقي، وخَسِرَ المسرفُ الشقيُّ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آلِ عِمْرَانَ: 102].

أيها المسلمون: شرفُ المرءِ أدبُه، وشرفُ الأدبِ يُغني عن شرف الحَسَب والنَّسَب، وإنما الشرف بالهمم العالية، لا بالذمم البالية

ما ضَرَّ مَنْ حَازَ التَّأَدُّبَ وَالنُّهَى *** أَلَّا يَكُونَ مِنْ آلِ عَبْدِ مَنَافِ

والفضل أن يكون الأدب في الأصول راسخا، وفي الفروع شامخا

زانوا قديمهم بحُسْن حديثِهم *** وكريم أخلاق وحُسْن خصالِ

فَطُوبى لقومٍ أنتَ فارِعُ أصلِهم *** وطوباك إِذْ من أصلهم أنتَ فارعُ

والأدب استعمال ما يُحمد قولا وفعلا، والأدب فعل الفضائل وترك القبائح، والأدب تعظيم مَنْ فَوْقَكَ، والرفق بمن دونك، والأدب الأخذ بمكارم الأخلاق، قال الله -تعالى-: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[الْقَلَمِ: 4]، قال عطية العوفي: “لَعَلَى أدبٍ عظيمٍ“.

والأدب تقوى الله -تعالى- وطاعته، والحذر من معاصيه:

أدَّبتُ نفسي فما وجدتُ لها *** من بعد تقوى الإله من أدب

قال مجاهد -رحمه الله تعالى- في قوله -تعالى-: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ﴾[التَّحْرِيمِ: 6]: “أَوْصُوا أنفسَكم وأهليكم بتقوى الله وأَدِّبُوهُم“.

قَدْ يَنفَعُ الأدبُ الأحداثَ في مَهَلٍ *** وليس ينفعُ عندَ الكِبْرَةِ الأَدَبُ

إنَّ الغصونَ إذا قوَّمْتَها اعتَدَلَتْ *** ولن يلينَ إذا قوَّمْتَه الخَشَبُ

ليس الجَمَالُ بأثوابٍ تُزَيِّنُنا *** إنَّ الجَمَالَ جَمَالُ العِلْمِ والأَدَبِ

وسُمِّيَ الأدبُ أدبًا؛ لأنه يَأْدَبُ الناسَ إلى المحامد، وينهاهم عن القبائح.

والأدب حُسْن العبارة وجمال الخطاب، والملاحة في الحديث، وحُسْن التناول والبراعة في التعامل وحُسْن الهيئة، وجَمَال الروح والخُلُق، وليس الأدب مقصورًا على الفصاحة والبلاغة، وحفظ العلوم وأشعار العرب، ولكن الأدب أن يتخلق المرء بالخُلُق الجميل، ويفرح بما يُنعم الله على غيره، ويترك الحسدَ، ويسلم من الحقد، ومن تَمَّ عقلُه وزَانَ أدَبُه قلَّ كلامُه، وطال صماتُه، وحَسُنَ لفظُه وظهر حِلْمُه.

وكُنْ كريمًا حليمًا عاقلًا فَطِنًا *** مُنَزَّهَ الخُلُقِ عن طَيْشٍ وعن غَضَبِ

وصُنْ لِسَانَكَ مِنْ هَجْوٍ ومن سَفَهٍ *** ومن مجاورة الأوباشِ والكَذِبِ

وقيل: “ثلاث خصال ليس معهن غربة: حُسْن الأدب، وكفُّ الأذى، ومجانبة الرِّيَب”.

يزين الغريبَ إذا ما اغتَرَبْ *** ثلاثٌ: فمنهن حُسْن الأدَبْ

وثانية طِيبُ أخلاقِهِ *** ويختمهُنَّ اجتنابُ الرِّيَبْ

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: “وأدبُ المرءِ عنوانُ سعادتِه وفَلاحِه، وقلةُ أدبِه عنوانُ شقاوتِه وبواره، فما استُجلب خيرُ الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استُجلب حرمانُهما بمثل قلة الأدب، فانظر إلى الأدب مع الوالدين كيف نجا صاحبه من حبس الغار، حين أطبقت عليهم الصخرةُ، وانظر أدب الصِّدِّيق -رضي الله عنه- مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة، أن يتقدم بين يديه فقال: “ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-“، كيف أورثه مقامه الإمامة بالأمة بعده.

إني لتطربني الخلال كريمة *** طربَ الغريب بأوبة وتلاقِ

وتهزني ذكرى المروءة والندى *** بين الشمائل هزة المشتاقِ

فإذا رُزقت خليقةً محمودةً *** فقد اصطفاكَ مُقَسِّمُ الأرزاقِ

فالناس هذا حظُّه مالٌ وذا *** علم وذاك مكارم الأخلاقِ

والعلم إن لم تكتنفه شمائلٌ *** تُعليه كان مطية الإخفاقِ

لا تحسبنَّ العلمَ ينفعُ وحدَه *** ما لم يُتوَّج ربُّه بخلاقِ

كم عالم مد العلوم حبائلا *** لوقيعة وقطيعة وفراقِ

وفقيهِ قومٍ ظل يرصد فقهه *** لمكيدة أو مستَحِلِّ طلاقِ

الأُمُّ مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعبا طيب الأعراقِ

الأم روض إن تعهده الحيا *** بالري أورق أيما إيراقِ

الأم أستاذ الأساتذة الأُولَى *** شغلت مآثرهم مدى الآفاقِ

رَبُّوا البناتِ على الفضيلة إنها *** في الموقفين لهن خير وفاقِ

وعليكمُ أن تستبين بناتكم *** نور الهدى وعلى الحياء الباقي

وقد اعتنت كُتُب الصِّحاح والسنن والمصنَّفات بجمع الأحاديث النبوية، وما من سِفْر من تلك الأسفار العظام التي تعد عمدة أهل الإسلام إلا أفرد جامعوها للأدب كتابا، وللآداب أبوابا، وانظُرْ كتاب الأدب في صحيح البخاري، وكتاب الأدب في صحيح مسلم، وكتاب الأدب في سنن أبي داود، وكتاب الأدب في سنن الترمذي، فما أعظمَ الأدبَ في الإسلام، وما أجلَّ مكانتَه في السُّنَّة والشريعة!

ومن مَعِينِ السُّنَّة في باب الأدب والأخلاق حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترَك المراءَ وإن كان مُحِقًّا، وببيت في وسطِ الجنةِ لمن تَرَكَ الكذبَ وإن كان مازِحًا، وببيتٍ في أعلى الجنةِ لمن حَسُنَ خُلُقُه” (رواه أبو داود).

قال ابن المبارك: “نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم“، وقال الإمام مالك -رحمه الله-: “كانت أمي تُعَمِّمُني وتقول لي: اذهَبْ إلى ربيعة فتعلَّمْ من أدبه قبل عِلْمه“.

وقال عبد الله بن وهب: “ما تعلَّمْنا من أدب مالِكٍ أكثرُ مما تعلمنا من علمه“.

وقال إسماعيل بن عُلَيَّةَ: “كان يجتمع في مجلس أحمد نحو خمسة آلاف أو يزيدون، نحو خمسمائة يكتبون، والباقون يتعلمون منه حُسْنَ الأدبِ والسمت“.

وقال الخطيب البغدادي -رحمه الله-: “والواجب أن يكون طلبةُ الحديثِ أكملَ الناسِ أدبًا، وأشدَّ الخَلْق تواضُعًا، وأعظمهم نزاهةً وتديُّنًا، وأقلهم طيشًا وغضبًا؛ لدوام قرع أسماعهم بالأخبار المشتَمِلة على مَحاسِنِ أخلاقِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وآدابه، وسيرة السلف الأخيار من أهل بيته وأصحابه، وطرائق المحدِّثين ومآثِرِ الماضينَ، فيأخذوا بأجملها وأحسنها، ويصدفوا عن أرذلها وأدونها“.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم فاستغفروه، إنه كان للأوابين غفورا.

الخطبة الثانية:

الحمد لله آوى مَنْ إلى لطفه أوى، وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، داوى بإنعامه مَنْ يئس من أسقامه الدوا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله من اتبعه رشد واهتدى، ومن عصاه ضل وغوى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة تبقى وسلاما يترى.

أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله -تعالى- وراقِبوه وأطيعوه ولا تعصوه، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾[التَّوْبَةِ: 119].

أيها المسلمون: اشكروا نعمةَ اللهِ عليكم؛ فقد أرسل إليكم الرياحَ المبشِّراتِ والسحابَ الثقالَ الهاطلاتِ، والغيوثَ المترادفاتِ المتتالياتِ على السهول الرامئات، والصحارى القاحلات، والروابي الهامدات، والجبال الصُّمِّ الصلاب الجامدات، التي أهمدها القحطُ والْمَحْلُ، فاربَدَّتْ واقشعرت وصَوَّحَ نبتُها، ثم ها أنتم وقد اعشوشبَتْ -بفضل الله- أرضُكم، وزها بغيثِه روضُكم، واخضرت -برحمته- جبالُكم في عام مخصِب غيداق، مزهر بتلك المشاهِد الجميلة البديعة، التي تدل على قدرة الله وحكمته ورحمته، وسعة رحمته ورزقه وإحسانه.

حتى إذا ما عانق الروض الثرى *** طلعت أوائل نبته المتظاهر

متخالفات في الربى فنظائر *** حسنا وفي الألوان غير نظائر

ترنو إليكَ جفونُها عن أعين *** أحلى وأملح من عيون جآذر

لا شيء أحسن منظرًا إن زرته *** أو مَخْبَرًا من حسن روض ناضر

إن جئتَه أعطاكَ أجملَ منظرٍ *** أو غبتَ زاركَ في النسيم الخاطر

فمَتِّعوا أنظارَكم في بديع صنع الله -تعالى-، وراعوا آدابَ التنزُّه ولا تُلَوِّثوا مكانًا اتخذه الناسُ ظِلًّا أو مَقِيلًا أو مُناخًا، ولا تنجسوا روضة معشبة أو شجرة مثمرة، أو مورد ماء، أو طريقا مقروعة بالأقدام أو الدواب أو السيارات، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “اتقوا اللاعنينِ، قالوا: وما اللاعنانِ يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلَّى في طريق الناس أو ظلهم“. (رواه مسلم).

وعنه -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “مَنْ سَلَّ سخيمتَه على طريق عامر من طريق المسلمين فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين“. (أخرجه البيهقي)؛ والسخيمة هي الغائط.

وصَلُّوا وسَلِّمُوا على أحمد الهادي شفيع الورى طُرًّا، فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الآل والأصحاب، وعنا معهم يا كريم يا وهاب.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وعم بالأمن والرخاء أوطان المسلمين، واحفظ بلاد الحرمين الشريفين من كيد الكائدين، ومكر الماكرين، وحسد الحاسدين، وحقد الحاقدين يا رب العالمين.

اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين يا رب العالمين.

اللهم انصر جنودَنا المرابطين على ثغورنا وحدودنا، واحفظ اللهم رجال أمننا واجزهم خير الجزاء يا رب العالمين.

اللهم سُقْنا إليك بحنانك لا بامتحانك، اللهم سُقْنا إليك بحنانك لا بامتحانك، اللهم سُقْنا إليك بحنانك لا بامتحانك، واجعلنا من أهل طاعتك وأوليائك، واكفنا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمَّن سواك يا رب العالمين، اللهم إنا نعوذ بكَ من يوم السوء، وليلة السوء، وساعة السوء يا رب العالمين، اشفِ مرضانا، اللهم اشفِ مرضانا، اللهم اشفِ مرضانا، اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، وعافِ مبتلانا، وارحَمْ موتانا، وارحَمْ موتانا، وانصرنا على مَنْ عادانا يا رب العالمين.

اللهم وفق الأبناء والبنات، اللهم وفق الأبناء والبنات، والطلاب والطالبات، واكتب لهم التوفيق والنجاح في الامتحانات، يا سميع الدعوات، يا عظيم الرحمات، اللهم اجعل دعاءنا مسموعًا، ونداءنا مرفوعًا، يا كريمُ يا عظيمُ يا رحيمُ.