بين العدل والاستقرار ..

عناصر الخطبة

  1. اللهُ العدْلُ جعَلَ نظام الكونِ قائماً على العدل
  2. العدلُ أعلى قيمةٍ ربَّانيةٍ أمر الله بإقامتها
  3. ثمرات وبركات العدل إذا أُقيم
  4. أوضاع المسلمين في سوريا
اقتباس

وفي بلاد الشام المباركة نفوس تزهق، وأجساد تمزق، وأعراض تنتهك، وأطفال تعذب، ونساء ترمل، وبيوت تهدم، من أقلية مجرمة ظالمة حاقدة، مكَّن لها الاستعمار لاستعباد الناس، ودعمها بقية العالم عقودا من الزمن، فلما غلت مراجل القلوب بما مورس على أصحابها من ظلم وبغي وقهر، انطلق أهل الشام لإزالة ليل الظلم؛ فخذلهم العالم أي خذلان، ولا يحرك ذلك ساكنا في الناس؛ لأن القلوب تشربت الظلم حتى فسدت به ..

الحمد الله الحكم العدل؛ يقضي بالحق، ويأمر بالعدل، وينهى عن الظلم، ويهدي العباد للتي هي أقوم، ﴿ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف:17].

نحمده على نعمه وآلائه، ونشكره على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ خلق السموات والأرض بالحق، وأقامها على العدل: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(39)﴾ [الدُخان:38-39].

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، ومصطفاه من عباده، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، وأقيموا العدل في أنفسكم ومع غيركم؛ فإن العدل ميزان الله -تعالى-، وَضَعَهُ لِلخَلق، ونصبه للحق، فويل لمن خالفه في ميزانه، وعارضه في سلطانه، ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ [الأعراف:29].

أيها الناس: الاستقرار ورغد العيش نعمتان عظيمتان، لا عيش للبشر بدونهما؛ لأنهما ركنا العيش على البسيطة.

وفي أوائل وجود البشر على الأرض خاطب الله -تعالى- أول آدميين فيها بقوله -سبحانه-: ﴿وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ [الأعراف:24]، فكانت الأرض كذلك لبني آدم إلى يومنا هذا، ولا يعكر استقرارها ومتاعها إلا بنو آدم بظلمهم لأنفسهم، وتعديهم على غيرهم، وسعيهم بالفساد في الأرض: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ﴾ [البقرة:205].

إن الله -تعالى- جعل نظام الكون قائما على العدل، وجعل استقرار الأرض ومتاعها معلقين بالعدل؛ فحيثما وجد العدل وجد معه الاستقرار ورغد العيش، وحيثما وجد الظلم تبعه الاضطراب واختلال الموارد، ثم فساد العيش.

وكل ما جاء في القرآن من بيان خلق السموات والأرض بالحق؛ فالعدل داخل فيه، فالله -تعالى- ما خلق الخلق إلا بالحق، ولا يريد منهم سوى إقامة الحق معه -سبحانه- ومع خَلقه، وحقه -سبحانه- الإيمان والعمل الصالح، وحق خلقه العدل والإحسان.

يقول أبو حامد الغزاليّ -رحمه الله -تعالى-: من أراد أن يفهم وصف الله -عز وجل- بالعدل ينبغي له أن يحيط علما بأفعال الله -تعالى- من ملكوت السّماوات إلى منتهى الثّرى، حتّى إذا لم ير في خلق الرّحمن من تفاوت، ثمّ رجع إليه بصره فما رأى من فطور، ثمّ رجع مرّة أخرى فانقلب إليه البصر خاسئا وهو حسير، وقد بهره جمال ما رأى، وحيّره اعتداله وانتظامه، فعند ذلك يعبق بفمه شيء من معاني عدله -تعالى- وتقدّس. اهـ

والله -تعالى- أرسل الرسل، وأنزل القرآن، وشرع الشرائع؛ لإقامة العدل، ورفع الظلم: ﴿اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ وَالمِيزَانَ﴾ [الشُّورى:17]، ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسْطِ﴾ [الحديد:25]، وتأملوا في هذه الآية تعليل إرسال الرسل، وإنزال الكتاب والميزان، من أجل ماذا؟ ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسْطِ﴾، وهذا يبين أهمية العدل، ويدل على أن أي ظلم في الأرض فالشريعة الربانية بريئة منه ولو ألصق بها؛ لأن الذي أنزل الميزان لأجل العدل، هو الذي أمر بالشريعة لتحقيق العدل.

قال الحكيم الترمذي -رحمه الله تعالى-: العدل صلاح الأرض، والجور فسادها، وبالعدل قامت السموات والأرض.

وفي أول سورة الرحمن التي فيها تعداد آلاء الرب -سبحانه- على العباد: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ المِيزَانَ﴾ [الرَّحمن:7]، انظروا إلى المقابلة بين رفع السماء ووضع الميزان؛ لتتجلى لكم قيمة العدل عند الرحمن في سورة الرحمن! ثم أكد -سبحانه- ذلك: ﴿أَلَّا تَطْغَوْا فِي المِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الوَزْنَ بِالقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا المِيزَانَ(9)﴾ [الرَّحمن:8-9].

ثم تُذكر الأرض وما فيها من نعم وعجائب تالية للميزان الذي هو آلة العدل: ﴿وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ﴾ [الرَّحمن:10]، فلا مستقر لأهل الأرض إلا بإقامة العدل، ولا أمن ولا رفاهية إلا تحت ظلال العدل.

إن العدل أعلى قيمةٍ ربانية دعا الله -تعالى- البشر إليها، وما التوحيد إلا جزء من العدل؛ ولذا كان الشرك أعظم الظلم، يدل على قيمته أن الله -تعالى- قام به: ﴿قَائِمًا بِالقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ [آل عمران:18]، وحرم على نفسه ضده: "يا عِبَادِي، إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي"، وأمر بالعدل عباده: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ﴾ [النساء:58].

وأمر به نبيه -صلى الله عليه وسلم- مع الأعداء والمخالفين: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ [الشُّورى:15]، وفي آية أخرى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾ [المائدة:42].

وأمر به -سبحانه- الإنسان ولو كان على حساب نفسه ووالديه وقرابته: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَدَاءَ لله وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء:135]، وحذَّرَ مِن ترك العدل بسبب كراهية الخصم: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة:8].

وكما أمر بالعدل -سبحانه- في الحكم والشهادة أمر به في جميع القول ولو لم يترتب عليه حكم ولا ضرر؛ وذلك لأن العدل أعلى قيم الإسلام: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [الأنعام:152].

ومن السبعة الذين يظلهم الله -تعالى- يوم القيامة: إمام عادل؛ والعدل يرفع أصحابه على مَنَابِرَ من نُورٍ عن يَمِينِ الرحمن -عز وجل-، "وهم الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وما وَلُوا" روا مسلم.

يا ترى؛ لماذا هذا التكثيف في النصوص لقيمة العدل، والاحتفاء به، وتقبيح الظلم، والتحذير منه؟! ولماذا يرسخ ذلك في وجدان الناس بأساليب الأمر والنهي، والوعد والوعيد، وبالأسلوب المباشر وبالتعريض، وبسياق القصص، وبيان نهاية الظالمين، وغير ذلك؟!.

كل أولئك لتحقيق الأمن والاستقرار، وإقامة دين الله -تعالى- في الأرض، فكل الضرورات الخمس التي يجب حفظها وهي: الدين والعقل والنفس والنسل والمال، لا يمكن حفظها إلا بإقامة العدل ورفع الظلم؛ إذا بسوط الظلم ينتهك أهل الهوى حمى الشريعة فيحلون محرمها، ويعطلون واجبها، ويسرِّبون ضلالهم إلى العقول فيفسدونها بأنواع الشبهات، ومسكرات الشهوات، حتى تستحل الفواحش والمنكرات، فيدمر النسل، وبالظلم تسفك الدماء، وتسلب الأموال؛ ولذا كانت حدود الله -تعالى- غاية في ترسيخ العدل، ولو كان فيها إتلاف نفوس، وقطع أعضاء؛ لأنها تحفظ هذه الضرورات فيكون الاستقرار فالرخاء.

ومن تأمل أحاديث خروج المهدي ونزول المسيح -عليهما السلام- تجلت له العلاقة الوطيدة بين العدل والاستقرار ورغد العيش، فمن أعمال المهدي: "يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا -فماذا تكون النتيجة؟- وَتُخْرِجُ الْأَرْضُ نَبَاتَهَا، وَتُمْطِرُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا" رواه أحمد، وفي رواية للحاكم: "يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطى المال صحاحا، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة".

وفي أحاديث المسيح بن مريم -عليهما السلام-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا"، إلى أن قال: "وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ" رواه البخاري.

ومن نتائج هذا العدل في زمنه -عليه السلام-: "يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ من الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ في الرِّسْلِ، حتى أَنَّ اللِّقْحَةَ من الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ من الناس، وَاللِّقْحَةَ من الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ من الناس، وَاللِّقْحَةَ من الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ من الناس" رواه مسلم.

وفي حديث آخر عن زمنه -عليه السلام-: "وَيُلْقِي الله الأَمَنَةَ حَتَّى يَرْعَى الأَسَدُ مَعَ الإِبِلِ، وَالنَّمِرُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَيَلْعَبُ الصِّبْيَانُ مَعَ الْحَيَّاتِ لا يَضُرُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا" رواه ابن حبان.

هذه هي بركة العدل إذا أقيم في الأرض، بركات تنزل من السماء، وبركات تتدفق من الأرض، وأمن ليس أيّ أمن! واستقرار أي استقرار!.

قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: العدلُ نظامُ كُلِّ شَيءٍ، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدلٍ قامَت. وَذكر الماوردي -رحمه الله تعالى- أن قاعدة استقامة العيش في الدنيا: عَدْلٌ شَامِلٌ يَدْعُو إلَى الْأُلْفَةِ، وَيَبْعَثُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَتَتَعَمَّرُ بِهِ الْبِلَادُ، وَتَنْمُو بِهِ الْأَمْوَالُ، وَيَكْثُرُ مَعَهُ النَّسْلُ، وَيَأْمَنُ بِهِ السُّلْطَانُ…

إلى أن قال: وَلَيْسَ شَيْءٌ أَسْرَعُ فِي خَرَابِ الْأَرْضِ، وَلَا أَفْسَدُ لِضَمَائِرِ الْخَلْقِ مِنْ الْجَوْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَقِفُ عَلَى حَدٍّ، وَلَا يَنْتَهِي إلَى غَايَةٍ، وَلِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ قِسْطٌ مِنْ الْفَسَادِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ. اهـ. ومَن شَمَّ عفونة الفساد المالي والإداري فهِم كلام الماوردي -رحمه الله تعالى-.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:90].

بارك الله لي ولكم…

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة:281].

أيها المسلمون: كثرة الاضطراب في الأرض، ونزع البركة من الرزق، وانتشار الجوع والخوف، سببه غياب العدل، وإلا فخيرات الله -تعالى- في البر والبحر أكثر من أن تُحصَى، ورزقه -سبحانه- متتابع، وخيره متواتر.

لقد ظلم أقوياء الأرض ضعفاءها، وسحق أغنياؤها فقراءها، وبسبب غياب العدل انتشرت الأثرة وحب الذات، وتولد عنها أخلاق رديئة من الغش والاحتكار والرشوة والكذب في المعاملات، والاستيلاء على الأموال بشتى الحيل، في فساد إداري ومالي ضجت منه الأرض، وضاق به البشر.

لقد نهبت الدول القوية خيرات الدول الفقيرة، وحالت بينها وبين استخدام ثروتها ومواردها لتستعبدها، فانتشر فيها الفقر والبطالة حتى مات أناس جوعا في أصقاع من الأرض.

وفي داخل الدولة الواحدة يتسلط الأقوياء على الضعفاء، والأغنياء على الفقراء فيزاحمونهم في قوتهم، ويمنعونهم ضرورات عيشهم.

وأعظم الظلم ما كان مزدوجا ينال من دين الإنسان ومن دنياه، وما أكثر وقوع ذلك في الدول الإسلامية حتى ضاق الناس به ذرعا! فكانت الثورات والاضطرابات.

ومن ظلم الأقوياء إعانة بعضهم بعضا على سحق الضعفاء، وعدم التدخل للنصرة إلا لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية على حساب دماء الشعوب وآلامهم.

وفي بلاد الشام المباركة نفوس تزهق، وأجساد تمزق، وأعراض تنتهك، وأطفال تعذب، ونساء ترمل، وبيوت تهدم، من أقلية مجرمة ظالمة حاقدة، مكَّن لها الاستعمار لاستعباد الناس، ودعمها بقية العالم عقودا من الزمن، فلما غلت مراجل القلوب بما مورس على أصحابها من ظلم وبغي وقهر، انطلق أهل الشام لإزالة ليل الظلم؛ فخذلهم العالم أي خذلان، ولا يحرك ذلك ساكنا في الناس؛ لأن القلوب تشربت الظلم حتى فسدت به، فلا يعنيها بكاء أرملة فجعت في زوجها، ولا دموع أم ثكلت في ولدها، ولا عفيفة اعتدي على عرضها، ولا تهتمّ لتشريد المشردين، ولا جوع الجائعين، ولا حاجة المعدمين.

قلوب إن سلمت لها دنياها فليحترق العالم بأجمعه! لكن لن يسلموا وهم يرون صور الظلم الفظيع على أناس مثلهم، ولا يحرك ذلك قلوبهم، فيأكلون ويشربون وينامون هانئين، حتى الدعاء لَرُبَّما بخِلوا به!.

والذي جعل العدل قياما للأرض، وشريعة للخلق، لا يقع ظلم فلا يحرك قلوب الناس لنصرة المظلوم إلا كانوا مشاركين للظالم في ظلمه، فإن سلموا من عقوبة الدنيا كانت عقوبة الآخرة أشدّ وأنكى، فمَن يرضى بوقوع ما حرَّم الرب -سبحانه- على نفسه؟! عوذا بالله عوذا!.

اللهم يا ناصر المستضعفين، ويا غوث المستغيثين، ويا ملاذ الخائفين، أنج عبادك المستضعفين في سوريا، اللهم أمِّن خوفهم، وسكن روعهم، وقوِّ عزمهم، وانصرهم على عدوهم.

اللهم اربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم، اللهم أمدهم بجندك، وأيدهم بنصرك؛ اللهم تقبل قتلاهم في الشهداء، واشف جرحاهم، وفُكَّ أسراهم؛ اللهم انتصر للأيامى واليتامى.

اللهم عليك بالنصيريين والبعثيين؛ فإنهم لا يعجزونك، اللهم خالف بين كلمتهم، وشتت شملهم، وفرق قلوبهم، وأدِرْ دوائر السوء عليهم يا رب العالمين.

اللهم مُنَزِّل الكتاب، ومُجْرِي السّحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم، وانصر المستضعفين عليهم.

اللهم ربنا وربهم، ونحن عبادك وهم عبادك، ونواصينا ونواصيهم بيدك، امنح نواصيهم عبادك المستضعفين، أنت مولانا، فنعم المولى ونعم النصير!.

اللهم أعد الأمن والاستقرار إلى تونس ومصر وليبيا واليمن، ومَكِّن للعدل وأهله في الأرض، وأزل الظلم وجنده يا قوي يا عزيز.

اللهم أدم الأمن والاستقرار في بلادنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم إنا نعوذ بك من الخوف بعد الأمن، ومن القلة بعد الجدة، نعوذ بك يا ربنا من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، ومن جميع سخطك.

اللهم صَلِّ على محمد وآل محمد كما صليت على آل إبراهيم…