السحر: طرق الوقاية والعلاج

عناصر الخطبة

  1. الوقاية من السحر
  2. علاج السحر
  3. تذكرة للسحَرة
اقتباس

يقول الإمام ابنُ القيم -رحمه الله-: فالقلب إذا كان ممتلئاً من الله، معموراً بذكرِه، ولهُ من التوجُّهات والدّعوات والأذكار والتعوُّذات وِرْدٌ لا يُخِلُّ به، يطابقُ فيه قلبه لسانَه، كان هذا من أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السحر له، ومن أعظم العلاجات له بعد ما يصيبه ..

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلّ له، ومن يُضْللْ فلا هاديَ له. 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسولُه، اللهمّ صل وسلّم عليه، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آل محمد وأزواجه أُمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيراً.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)﴾ [الأحزاب:70-71]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء:1].

أيها المسلمون: وحيث سبق الحديث عن السحر، حقيقته وحكمه، وجزاء السحرة والذهاب إليهم، وأسباب رواج السحر في بلاد المسلمين؛ فإن حديث اليوم استكمالٌ لما سبق، وإذا كان ما سبق تشخيصٌ للداء، فحديث اليوم توصيف للدواء، وتلمّسٌ مشروعٌ للوقاية وطرق العلاج.

وليس يخفى أنّ اتّقاء السحر قبل وقوعه أولى وأحرى من التّعب في استخرجه بعد الوقوع، ويحفظُ الناس من مأثور الحِكَم: الوقايةُ خيرٌ من العلاج.

وإلَيكُم، إخوةَ الإسلام، شيئاً من الطرق الوقائية للسحر قبل وقوعه، وما أحرانا جميعاً بتأمّلها والعمل بها!.

أولاً: تجديد الإيمان في النفوس كلّما آنس المرء من نفسه ضعفاً، والالتجاء إلى الله كما خاف المرء على نفسه عدواً، ومن يركن إلى الله فإنّما يأوي إلى رُكْنٍ شديدٍ، ومن يتوكّل على الله فهو حسبه، وهذا الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يدعونا إلى تجديد إيماننا ويقول: "إن الإيمان لَيَخْلَقُ في جوف أحدكم كما يَخْلَقُ الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم".

وأيُّ قوة -مهما بلغت-، وأيُّ عدوٍ -مهما كانت شراسته-، لا شيء أمام قوة الله وجبروته، ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة:137].

ومن لوازم الإيمان الاستمساك بشرع الله أمراً ونهياً، علانية وسراً، وهل علمتم أنّ من أسباب انتشار السحر قديماً، وفساد بني إسرائيل خصوصاً بعدَهم عن الشريعة التي أنزل الله عليهم، ونبذُهم تعاليمها، واتباعهم للشياطين الذين استدرجوهم إلى السحر وزيّنوه لهم، وسوّلت لهم أنّ تسخير الجنّ والإنس والطير والريح لسليمان -عليه السلام- من اتّباع الشياطين: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْر) [البقرة:102].

ثانياً: نشر العلم بقضايا العقيدة، والحرص على سلامتها، وبيان ما يخدشها، وتعميم الوعي بمخاطر السحر والشعوذة، وتحذير الناس منها بمختلف وسائل الإعلام، وتوسيع دائرة الوعي بمدارس البنين والبينات، وبالطرق المناسبة، واستخدام المحاضرة والندوة والمطوية أسلوباً من أساليب التوعية عن هذه الأدواء.

ثالثاً: تشجيع المؤسسات الحكومية ذات العلاقة على الرقابة الدقيقة لكل ما يرد أو يصدر لهذا البلد الآمن، والأخذ بحزم على كلّ من تسوّلُ لهم أنْفُسهم الإضرار بالآخرين، ولا بد من تعاون الناس مع هذه الجهات المسؤولة، وسرعة البلاغ عما يثبت من محاولات الإفساد، والكشف عن أماكن التجمّعات المشبوهة، ورصد التحركات المربية، والله يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَان﴾ [المائدة:3].

رابعاً: إصلاح البيوت، وعمارتها بالذكر والصلاة وتلاوة القرآن، وفي الحديث: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إنّ الشيطان ينفر من البيت الذي تُقْرأُ فيه سورة البقرة". وفي حديث آخر قال -صلى الله عليه وسلم- موجهاً لأثر صلاة النافلة في البيت: "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً"، قال النووي معلّقاً: حثَّ على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعدَ عن الرياء؛ وأصون من المحبطات، وليتبركَ البيتُ بذلك، وتنزل فيه الرحمة والملائكة وينفرَ منه الشيطان.

ودونكم أثر السلام، وهو نوعٌ من الذكر، أدّبنا الله إلى البدء به حين الدخول إلى البيوت، فقال -جلّ ذكره-: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ [النور:61].

وأرشدنا إليه المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، واعتبره ضماناً على الله للحفظ والأمان، فقال: "ثلاثةٌ كلّهم ضامنٌ على الله -عز وجل-"، وذكر منهم: "رجلاً دخل بيته بسلام، فهو ضامنٌ على الله".

ولا تسأل عن أثر قراءة آخر آيتين من سورة البقرة، ﴿آمَنَ الرَّسُول﴾ [البقرة:285]، ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة:286] فقد صحّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَن قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة كَفَتاه". ومن المعاني الواردة في قوله (كَفَتَاهُ)، أي: من الشيطان، ولهذا جاء في حديثٍ آخر: "إنّ اللهَ كتبَ كتاباً وأنْزل منه آيتين، ختم بهما سورة البقرة، لا يُقْرءان في دار فيقرُّ بها الشيطان ثلاث ليال".

فهل نحصَّن بيوتنا، ونحفظ أنفسنا وأولادنا وأهلينا بذكر الله والصلاة وتلاوة القرآن؟ مع استبعادك لما يجمع الشياطين من الصور والكلاب والغناء ونحوها من المنكرات الأخر، ذلكم لمن رام النجاة في الدنيا والآخرة.

خامساً: ومما يدفع الله به الإصابة من السحر، التصبّحُ بسبع تمرات من تمر العجوة، وفي ذلك يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَن تصبَّحَ بسبْعِ تمراتٍ من تمر العجوة لم يُصِبْه سمٌّ ولا سِحرٌ". وقد اشترط كثيرٌ من أهل العلم في التمر أن يكون من العجوة -كما في الحديث-، وذهب آخرون إلى أنّ لفظ العجوة خرج مخرج الغالب، فلو تصَبَّح بغيرها نفع، وهو قولٌ قوي، وإن كان تمر العجوة أكثرَ نفعاً وتأثيراً، كذا قال أهل العلم -والله أعلم-.

سادساً: التنبُّه لمخاطر العمالة الوافدة، والاستغناء عن السائقين والخدم ما أمكن، وإذا لزم الأمر فلا بد من المراقبة الدقيقة لتصرُّفاتهم؛ حتى لا يكونوا سبباً في نشر السحر والشعوذة والناس غافلون.

سابعاً: ونظراً لسهولَة انِتشار السِحر والشَعوَذةِ عند النساء أكثرَ منه في الرجالِ فينبغي على المرأةِ أن تَحفظَ نفسَها في بيتِها ولا تُكثر من الخروج للأسواقِ، وألاّ تَرتادَ الأماكنِ المشبوهةَ، وعلى الأزواجِ أن يحافظوا على أهليهم في بيوتهم ويوفروا لهم حوائِجهم.

ثامناً: أما الحصنُ الحصين، والسبب الوافي المنيع -بإذن الله- من كل سُوء ومَكروه فهو المُحافظة على الأورَادِ الشرعية في الصَباح والمساء، وهي صالحة للاستشفاء قبل وقوع السحر أو بعد وقوعه، وكيف لا؟ وهي الأدوية الإلهية كما يسميها ابن القيم، رحمه الله، ومع مسيس حاجة الإنسان لهذه الأذكار، فما أكثر ما يقع التفريط فيها!.

وإليكم نماذج منها وأثرها: فمن قرأ آية الكرسي حين يأوي إلى فراشه لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطانٌ حتى يصبح. كذلك صح الخبر.

ومن قرأ بالآيتين الأخيرتين من سورة البقرة كفَتَاه، وقد سبق البيان.

وقراءة: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾، حين تُمسي وحين تصبح ثلاث مّراتٍ، يكفيك من كل شيء. كما صح عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.

وكان -صلى الله عليه وسلم- يعوِّذ الحسنَ والحسينَ ويقول: إنّ أباكما كان يُعَوّذ بهما إسماعيلَ وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة، من كلِّ شيطان وهامّة، ومن كلِّ عينٍ لامّة. والهامة ذات السموم، وقيل: كل ما له سم يقتل، واللامة: كل داء وآفة تلمّ بالإنسان من جنون وخبل.

وصحّ في الخبر عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَن نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات التامات من شر ما خلق، لم يضره شيءٌ حتى يرتحلَ من منزله ذلك".

فهل يصعب عليك -يا أخا الإسلام- وأنتَ محتاجٌ لذلك لكثرة حلولك وارتحالك؟ وهل تعجز أن تقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: "بسم الله الذي لا يضرُّ مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء" ثلاث مرّات؟ وهي كفيلةٌ -بإذن الله- أن لا يضرّك شيءٌ كما صحّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

أيها المسلمون، وكتب الأذكار مليئةٌ بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي يدفع الله بها، ويَمنع من كل مكروه، وحريٌّ بالمسلم أن يطالعَها ويعمل بها ويحافظ على ورده منها صباحاً ومساءً، وأن يُعَلِّمَها أهله وذويه.

ومع المحافظة لا بدّ من الصدق، والإيمان، والثقة بالله، والاعتماد عليه، وانشراح الصدر لما دلّت عليه، فبذلك ينفع الله بهذه الأوراد، ويدفع، كما قرره أهلُ العلم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً (82) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْأِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً(84)﴾ [الإسراء:82-84].

نفعني الله وإيّاكم بهدى القرآن، وسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.  

الخطبة الثانية:

الحمد لله ربِّ العالمين حمداً كثيراً مبارَكاً فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين، وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسولُه نصح الأمّة، ورسم لها طريقَ الاستقامة. اللهّم صلّ وسلِّم عليه وعلى إخوانه من الأنبياء.

أيها المسلمون: وإذا وقع السحر أو حصل الأذى على المسلم بشكلٍ عام فحريٌّ به أنْ يصبرَ ويحْتسبَ، وتزدادَ ثقتُه بالله وتوكُلُه عليه، وأن يضرع إليه بالدعاء لكشف الضر، فلا يردُّ القضاءَ إلاّ الدّعاء، ولا جُناح عليه بفعل الأسباب المباحة شرعاً لعلاج السحر، فما هي وسائل علاج السحر بعد وقوعه؟.

لا شكَّ أن الرقى والتعاويذ الشرعية سبب مهمٌ، وعلاجٌ نافعٌ بإذن الله، كيف لا والله يقول: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَة﴾ [الإسراء:82].

والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا بأسَ بالرقى ما لَمْ يَكنْ فيه شِرْكٌ"، وفي حديثٍ آخر: "مَن استطاع منكُم أن ينفعَ أخاهُ فلْيَنْفَعْهُ".

قال أهلُ العلم: إنّ الرُّقى تكون مشروعةً إذا تحقق فيها ثلاثة شروط: الأول: أن لا يكونَ فيها شرْكٌ ولا معصية كدعاء غير الله. الثاني: أن تكون بالعربية أو ما يُفقَه معناه الثالث: أن لا يعتقد كونها مؤثِّرةً بنفسها، وأن يكون القارئُ لها صالحاً وموقناً بنفعها.

أيها المسلمون: وينفع الله بالرّقى المشروعة -وقايةً أو علاجاً- إذا توفّر صدقُ اليقين، والتوكُّلُ، وكونُ القلبِ معموراً بذكرِ الله ودعائه، وفي هذا يقول الإمام ابنُ القيم -رحمه الله-: فالقلب إذا كان ممتلئاً من الله، معموراً بذكرِه، ولهُ من التوجُّهات والدّعوات والأذكار والتعوُّذات وِرْدٌ لا يُخِلُّ به، يطابقُ فيه قلبه لسانَه، كان هذا من أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السحر له، ومن أعظم العلاجات له بعد ما يصيبه.

إلى أن يقول -موضحاً من يتأثرون بالسحر-: وعند السحرة أن سحرهم إنما يتمّ تأثيرُه في القلوب الضعيفة المقفلة، والنفوس الشهوانية التي هي معلقة بالسُّفليّات، ولهذا فإن غالبَ ما يؤثِّر في النّساء، والصبيان، والجهّال، وأهل البوادي، ومَن ضَعُف حظُّه من الدين والتوكّل والتوحيد، ومَن لا نصيبَ له من الأوراد الإلهية، والتعوّذات النبوية. اهـ.

ثانياً: ومن طرق علاج السحر بعد وقوعه بذل الجهود في معرفة موضع السحر، واستخراجه وإبطاله، والاستعانة على ذلك بالدعاء والتضرع لله، كما صح ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سأل ربه –حين سُحِرَ– فدُلَّ على مكان السحر.

وفي هذا تقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: …إذا كان ذات يومٍ أو ذات ليلة، وهو عندي، لكنّه دعا، ودعا، ثم قال: "يا عائشة، أشعرتِ أنّ اللهَ أفتاني فيما استفتيتُه فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب، قال: من طبَّه؟ قال: لبيدُ بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشطٍ ومُشاطة، وجف طلعة نخلة ذكر، قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان".

فأتاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، في ناسٍ من أصحابه، فجاء فقال: "ياعائشة، كأن ماءها نقاعةُ الحناء، وكأن رؤوسَ نخلها رؤوس الشياطين".

وهكذا أطلع الله نبيه على موضع السحر فاستخرجه واستراح منه، وعصمه الله من آثاره السيئة، ولم يكن ذلك قادحاً في مقام النبوة كما قرر أهل العلم، قال القاضي عياض: فظهر بهذا أن السحر إنما على جسده وظواهر جوارحهِ لا على تميزه ومعتقده، بل ذهب بعضُ أهل العلم إلى أن ذلك من دلائل نبوتهِ وعلائمِ عصمته حيثُ دلّه اللهُ على مكانهِ ولم يؤثِّرْ فيه السحر.

وفي مرسلِ عبيد الرحمنِ بن كعب عند ابن سعد: فقالت أختُ لبيد بن الأعصم: إن يكن نبياً فسيُخبَر، وإلا فسيذهله هذا السحرُ حتى يُذهب عقله.

أيها المسلمون: وهنا يرد السؤال: هل يجوزُ الذهابُ للسحرة للتعرف منهم على مكان السحرِ وَمَن سحر؟ وما معنى قولُ ابن المُسيب كما في البخاري معلقاً عن قتادة: قلتُ لابن المسيب: رجل به طِبٌ أو يُؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم يُنه عنه.

أقول: سبق البيانُ في الخطبةِ الماضية عن حكمِ الذهابِ للسحرة لسؤالهم أو تصديقهم، وأنقل لكم الآن طرقاً من أقوالِ أهل العلم في حلِّ السحرِ عن المسحور يقول ابنُ القيمِ -رحمه الله-: حلُّ السحر عن المسحور نوعان، أحدهما:حلُّ بسحر مثله وهو الذي من عمل الشيطان، والثاني: النشرة بالرقية والتعويذات والأدوية والدعوات المباحة فهذا جائز.

أما ما رواه البخاري عن ابن المسيب، فهو محمولٌ على نوعٍ من النشرةِ لا محذور فيه، لأن الحديث قد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: لما سُئل عن النشرة: "هي من عمل الشيطان".

وقال سماحة الشيخُ محمد بن إبراهيم -يرحمه الله-: وقال بعضُ الحنابلة: يجوز الحلُّ بسحر ضرورةً، والقول الآخر أنه لا يحل، وهذا الثاني هو الصحيح. في كلامٍ وتدليلٍ بطولة نقلهُ.

ويقول سماحة الشيخ ابنُ باز يحفظه الله: وأما علاجُ السحر بعمل السحرةِ الذي هو التقربُ إلى الجنِّ بالذبحِ أو غيره من القربات، فهذا لا يجوز؛ لأنه من عمل الشياطين، بل من الشرك الأكبر، فالواجبُ الحذرُ من ذلك.

كما لا يجوز علاجهُ بسؤال الكهنةِ والعرافين والمشعوذين واستعمالِ ما يقولون؛ لأنهم لا يؤمنون، ولأنهم كذبةٌ فجرةٌ يدَّعون علمَ الغيب ويلبسون على الناسِ، وقد حذر الرسول -صلى الله عليه وسلم- من إتيانهم وسؤالهم كما سبق بيانُ ذلك. اهـ.

ثالثاً: ومن الأدوية المباحةِ لعلاج السحر: الحجامة وقد فصلَ القول فيها ابن القيم، وأجاب عن العلاقة بين السحر والحجامة.

كما ذكر ابن بطال، ونقله ابن حجر في الفتح، وابن باز في رسالته عن السحر علاجاً يصلح للرجل إذا حبس عن أهله: وهو: أن يأخذ سبعَ ورقاتٍ من سدرٍ أخضر فيدقه بين حجرين، ثمَّ يضربه بالماء، ويقرأ فيه آية الكرسي، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثمَّ يحسو منه ثلاث حسيات ثم يغتسل به، فإنه يُذهب عنه كلَّ مابه، وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله.

ألا فاتقوا الله عباد الله وإذا تداويتم فلا تتداووا بالحرام، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله أنزل الداء والدواءَ، وجعل لكل داءٍ دواءً، فتداووا، ولا تداووا بالمحرم"، وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إن الله لم يجعل شفاءَكم في ما يُحرِّمَ عليكم".

ألا وإني أُذكر المسلمينَ عموماً والمرضى بالسحرِ خصوصاً التضرعَ إلى الله، وسؤاله الشفاء، وفي محكم التنزيل ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء:80].

وأخوِّفُ السحرةَ والمشعوذين بالله وأن يتوبوا إلى بارئهم، وأن يكفوا عن أذى خلقه، فإن أمدَ الحياةِ قصير، والله يمهل الظالم ولا يهملُه، وإذا أخذه فإن أخذه أليم شديد.

وفرقٌ بين سحرة فرعون حين كانوا سحرةً أشراراً، وحين انضموا إلى قافلةِ من المؤمنين فخرّوا لله ساجدين، وكان مما قالوا: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى(76)﴾ [طه:74-76].

اللهم اصرِف عنا الأشرار، وأبطل كيد الفجار، وثبِّت الهداةَ الأخيار، واهدِ إليك قلوب العباد.