السحر والكهانة

عناصر الخطبة

  1. بعض نعم الله على عباده
  2. خطر الحياة المادية
  3. السحر حقيقة واقعة
  4. حكم من اعتقد أن الساحر أو الكاهن يعلم الغيب
  5. حقيقة أعمال السحرة والكهان
  6. حكم الساحر
  7. عقوبة الساحر
  8. حكم الذهاب إلى السحرة والكهان
  9. أسباب الذهاب إلى السحرة
  10. أسباب الإصابة بالسحر والعين
  11. وسائل الوقاية من الإصابة بالسحر والعين
  12. علاج السحر والعين بعد الإصابة بهما
  13. الواجب نحو السحرة والكهان
  14. علامات الساحر والمشعوذ
اقتباس

حقيقة أعمال السحرة والكهان، هو: الاستعانة بالشياطين، حيث إن الشياطين خبيثة نفوسهم، فإذا تقرب إليهم هذا الساحر، أو الكاهن بما يحبونه من الكفر والشرك، صار ذلك كالرشوة لهم، فيلبون له بعض أغراضه، من استراق السمع، والتفريق بين الأزواج، والتخريب والإفساد بين الناس، فلذا تجد كثيراً من السحرة يتقرب إلى هؤلاء الشياطين بالسجود لهم، أو يذبح لهم، أو يستغيث بهم…

الخطبة الأولى:

أما بعد:

أيها المؤمنون: إن الإيمان بالله، والعلم الصحيح، والعقل السليم، نعم امتن الله بها على عباده، ومتى ما فقد الإنسان هذه النعم، فإنه سيتخبط في مهاوي الضلال أيما تخبط، ولن يردعه بعد ذلك رادع عن أن يحصل شهواته، أو أن يدفع عن نفسه الضرر، بأي وسيلة محرمة كانت أو مباحة.

لقد جرت الحياة المادية الجافة اليوم على البشرية بلاء عظيماً، حيث لا تقيم للإيمان بالله وزناً، فتعلقت القلوب بالماديات، واللهاث خلفها، طلباً للحياة السعيدة، فتسبب البعد عن الإيمان بالله، والتعلق به، وعن اللجوء إليه، تسبب في قساوة القلوب، وجفوف ينابيع الخير في أرواح كثير من الناس، ممن تعلقت قلوبهم وأرواحهم بالدنيا وشهواتها، وغفلوا عن الآخرة، ففقدوا بذلك راحة القلب، وطمأنينة النفس، وطعم الإيمان.

فما إن تحل بهم المصائب، أو تعرض لهم المشكلات، حتى يلجئوا إلى كل وسيلة وسبب ولو كان محرماً.

ومن ذلك لجوء عدد ليس بالقليل من الناس إلى السحرة والمشعوذين، والكهنة والدجالين، يطلبون عندهم حلاً لمشاكلهم، ظانين بذلك أنهم قادرون على جلب السعادة لهم، غافلين عما يجره فعلهم ذلك من ويلات في الدنيا قبل الآخرة، ولو كانوا يؤمنون بالله حق الإيمان لعلموا أن الله -سبحانه- بيده الضر والنفع، وأنه لا يتم أمر في هذا الكون إلا بإذنه.

أيها المؤمنون: إن السحر والشعوذة والكهانة حقيقة موجودة، ولها تأثيرها في واقع الناس، ولو لم تكن موجودة لما جاءت النواهي الشرعية والوعيد والعقوبات على فاعلها.

وكما أن السحر حقيقة واقعة، فإن الساحر والكاهن لا يغير في حقائق الأشياء، ولا يعلم الغيب، ولا يقدر على شيء.

ومن اعتقد أن الساحر أو الكاهن المشعوذ يعلم الغيب، أو يقدر على كل شيء، فقد كفر بالله العظيم القائل في كتابه: ﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾[النمل: 65].

وقوله: ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طـه: 69].

وحقيقة أعمال السحرة والكهان، هو: الاستعانة بالشياطين، حيث إن الشياطين خبيثة نفوسهم، فإذا تقرب إليهم هذا الساحر أو الكاهن بما يحبونه من الكفر والشرك، صار ذلك كالرشوة لهم، فيلبون له بعض أغراضه، من استراق السمع، والتفريق بين الأزواج، والتخريب والإفساد بين الناس، فلذا تجد كثيراً من السحرة يتقرب إلى هؤلاء الشياطين بالسجود لهم، أو يذبح لهم، أو يستغيث بهم، أو يطأ على المصحف، أو يوقع النجاسات عليه، أو ما شابه ذلك من أنواع الكفر والضلال.

وربما يغتر بعض السذج من الناس، فيقولون: إن هؤلاء السحرة والكهان يحدثون بأشياء تصدق أحياناً! فيقال لهؤلاء: قد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عنهم فقال: "ليسوا بشيء" فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثون بالشيء أحياناً يكون حقاً؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني – أي يسمعها من الملائكة تتحدث بها – فيقرقرها في أذن وليه -أي الساحر أو الكاهن- كقرقرة الدجاج فيخلطون معها أكثر من مائة كذبة"[أخرجه البخاري].

عباد الله: إن حكم الساحر، هو: الكفر والردة عن دين الله -عز وجل- باتفاق علماء المسلمين، وقال -تعالى-: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ﴾[البقرة: 102].

وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: "الشرك بالله والسحر".

وأما عقوبة الساحر، فهي القتل كما صح عن جمع من الصحابة؛ كما جاء في البخاري عن عمر: أنه قال: "اقتلوا كل ساحر وساحرة".

وقتل في زمنه ثلاث سواحر.

أما الذهاب إلى هؤلاء السحرة والكهان، فهو خطر عظيم يتهدد من ذهب إليهم بالكفر والخروج من هذا الدين، قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً".

هذا إذا كان مجرد سؤال فقط، فكيف بمن يصدقهم، ويعمل بما يأمرونه به، قال صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد"[أخرجه أبو داود].

ففي هذه الأحاديث دليل على كفر الكاهن والساحر الذي يدعي الغيب، ويتوصل إلى مقصوده بخدمة الجن، وعبادتهم من دون الله، وكذلك يكفر كل من أتاهم فصدقهم بما يقولون، وتلقى هذه الكفريات التي يفعلونها، وتعاون معهم عليها.

وإن من أعظم أسباب الذهاب إلى هؤلاء السحرة والكهان، هو ضعف الإيمان بالله، والتصديق بموعوده، وقلة التوكل عليه.

كذلك ضعف الصبر، فما إن يصاب بمصيبة أو بلية أو مرض، حتى يذهب إلى مثل هؤلاء يطلب الخلاص، والله: ﴿لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: 81].

كذلك من الأسباب الحسد والحقد الذي يوجد في نفوس بعض الناس، وبالأخص النساء حيث يؤدي ببعضهم إلى محاولة إيقاع الأذى بالمحسود، أو إزالة النعمة عنه، وكم في هذا من قصص يدمى لها القلب، كان سببها الحسد والحقد، والبغضاء والعداوة، التي تحصل من ضعاف الإيمان، فيذهب إلى هؤلاء السحرة ليشفوا حسده وحقده على أخيه المسلم، فيتلذذ بتألمه وتعذيبه، وإزالة النعمة عنه، والله: ﴿لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: 81].

وكما أن للذهاب إلى هؤلاء السحرة والكهان أسباباً، فكذلك للإصابة بالسحر أسباباً، يقول الله -عز وجل-: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [يونس: 44].

وقال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30].

فمن أعظم أسباب الإصابة بالسحر: ضعف التوحيد في القلوب، حيث إن التوكل والاعتماد على غير الله مما يناقض التوحيد، فلما ضعف توكل كثير من الناس على الله، واعتمد بعضهم على الأسباب وكلوا إليها، ومن وكل إلى غير الله خذل.

كذلك من الأسباب، وهو من أعظمها: الغفلة عن ذكر الله، قال تعالى: ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: 36].

فلما أعرض كثير من الناس عن ذكر الله، وهجروا كتابه، وامتلأت بيوتهم بآلات اللهو والغفلة، تسلطت عليهم الشياطين، فأزتهم إلى المعاصي، وأفسدت بين الأزواج والإخوان والأحباب، فامتلأت القلوب بالوساوس والشكوك والهموم، وامتلأت البيوت بالخصومات والمشكلات.

ومن صور هذه الغفلة عن ذكر الله: التهاون بالأذكار والأوراد عند الصباح والمساء، وعند النوم، ودخول المنزل، وعند دخول الخلاء، وأدبار الصلوات، وغير ذلك.

ومن الأسباب كذلك: ترك الواجبات الشرعية، والتهاون في فعل المحرمات، فإن ذلك من أسباب الوقوع في المصائب والعقوبات، والتي فيها الابتلاء بالسحر والعين، وغير ذلك.

كذلك من الأسباب: توسع بعض الناس في استقدام الخادمات والسائقين دون مراعاة للضوابط الشرعية، ودون العناية باختيارهم من حيث الأصلح في دينه، ثم إذا استقدمهم لا يعتني بتعليمهم أمور دينهم، والتي من أعظمها التوحيد، والنهي عن الشرك، كذلك تجده لا يتورع عن ظلمهم والاعتداء على حقوقهم، وإهانتهم مما يسبب اعتداءهم عليه بالمثل.

عباد الله: قد شرع الله -سبحانه- لعباده ما يتقون به شر السحر والعين قبل وقوعهما، وأوضح لهم ما يعالجونها به بعد وقوعها، فمن أسباب الحفظ والوقاية من السحر، وكذلك العين.

أولاً: التوكل على الله، فهو أعظم ما تدفع به الآفات وأنفع ما تحصل به المطالب، فمن توكل على الله كفاه أموره كلها: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾[الطلاق: 3].

ثانياً: امتثال أوامر الله ونواهيه، فمن حفظ الله في أوامره ونواهيه حفظه الله، قال: "احفظ الله يحفظك".

ثالثاً: كثرة ذكر الله من تلاوة القرآن، والتسبيح والتحميد، والتهليل، والمحافظة على الأوراد، ومن هذه الأوراد:.

– قراءة آية الكرسي عند النوم، فإنه لا يقربك شيطان حتى تصبح.

– قراءة سورة البقرة، فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة.

– قراءة خواتيم سورة البقرة فمن قرأها في ليلة كفتاه، والمعنى -والله أعلم-: كفتاه من كل سوء.

– الأذكار عندما تصبح وتمسي، وعند نزول منزل، ودخول البيت والخروج منه، وعند ركوب الراحلة، وغيرها من المناسبات.

– تعويذ الصبيان، كما كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يعوذ الحسن والحسين: "أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة".

رابعاً: من أسباب الوقاية إمساك الصبيان ساعة الغروب، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا جنح الليل فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم"[أخرجه البخاري ومسلم].

خامساً: من أسباب الوقاية تطهير البيت من الصلبان والتماثيل، وصور ذوات الأرواح، وبالذات المعلقة منها، وكذلك الكلاب، فقد ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه هذه الأشياء.

ولاشك أن بيتاً تهجره الملائكة يكون مأوى للشياطين.

كذلك تطهيره من آلات اللهو والمعازف والغناء، فإن بيتاً تتلى فيه سورة البقرة، أو غيره من كلام الله ليس كبيت يعلو فيه صوت الشيطان.

سادساً: كذلك من أسباب الوقاية ما جاء في البخاري عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم: "من تصبح بسبعة تمرات عجوة -وهو نوع من تمر المدينة- لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر".

قال الشيخ العلامة ابن باز -رحمه الله-: "ويرجى أن يعم ذلك جميع أنواع التمر، فإن المعنى موجود فيه".

وأما العلاج لمن أصيب بالسحر، وكذلك العين، فهو كما قال ابن القيم -رحمه الله-: "فإن من أنفع علاجات السحر الأدوية الإلهية، بل هي أدويته النافعة، فالقلب إذا كان ممتلئاً من الله مغموراً بذكره، وله من الدعوات والأذكار والتعوذات ورد لا يخل به يطابق فيه قلبه لسانه، كان هذا من أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السحر له، ومن أعظم العلاجات له بعد ما يصيبه". ا هـ.

وليحذر المسلم حيث يصاب ببعض هذه الأمور، أو غيرها من الأوجاع: الذهاب إلى السحرة والمشعوذين، فإن فيه ذهاب الدين، والوقوع في سخط رب العالمين، فإن الأمور كلها بيد الله، فهو الذي يضر وينفع.

فالواجب على كل مسلم اللجوء إلى الله بالدعاء، والرقية الشرعية، والإلحاح على الله، مع الصبر وعدم الجزع، وتذكر موعود الله للصابرين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني إياكم بما فيه من الآيات والذكر.

الخطبة الثانية:

أما بعد:

أيها المؤمنون: اتقوا الله حق تقواه، واعلموا أنه ما راجت بضاعة الدجالين من السحرة والمشعوذين إلا بتقاعس الناس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فالواجب على كل مسلم أن ينهي عن هذا المنكر، بالإبلاغ عن كل من يعلمه يفعل هذا الكفر العظيم، فإن في الإبلاغ عنه حماية لنفسك أولاً، ثم لغيرك من إخوانك المسلمين، فكم في المجتمع ممن تأذى بهذه الأفعال الخبيثة يئن منها سنين طوالاً.

كذلك ينبغي على كل مسلم أن ينكر على من يعلمه يذهب إلى هؤلاء السحرة، ويتعاطى سحرهم، فإن كثيراً ممن يقع في هذا المنكر العظيم إنما يقع بسبب ضعف إيمانه، أو بسبب جهله، بما يؤدي به ذلك من كفر، وخروج من الملة.

ومما يعين في الإنكار على من يعمل السحر والشعوذة: معرفة ما يتميز به الساحر والمشعوذ عن القارئ قراءة شرعية، حيث إن بعض السحرة والمشعوذين يظهر بلباس القارئ الذي يعالج الناس بالقرآن.

ومما يميز الساحر والمشعوذ أمور؛ منها:

– سؤاله عن اسم المريض واسم أمه.

– أن يأخذ أثراً من المريض كقطعة من لباسه.

– أن يطلب ذبح حيوان بصفات معينة وربما أمر بتلطيخ مواضع من البدن بالدم.

– كتابة الطلاسم أو الحروف المقطعة والكلام غير المفهوم.

– التمتمة بكلام غير مفهوم.

– إعطاء المريض أشياء يدفنها في الأرض أو يخفيها في المنزل.

– اخبار المريض بمعلومات خاصة عنه.

– ظهور علامات الفسق عليه وعدم الارتياح لمظهره.

وهناك علامات أخرى غيرها.

والحاصل أن السحر والشعوذة داء عظيم لا يروج وينتشر إلا بالتغاضي عنه، والذهاب إليه، ودفع الأموال إليهم مما يعينهم على البقاء والاستمرار في هذا الكفر العظيم.

نسأل الله العظيم أن يقينا والمسلمين شر الأشرار، وكيد الفجار، وأن يتمم علينا نعمه ظاهرة وباطنة إنه على كل شيء قدير.

عباد الله: صلوا وسلموا على الرحمة المهداة، محمد بن عبد الله.

اللهم صل وسلم وبارك على عبد ورسولك، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين…