آية الكرسي وفضلها

عناصر الخطبة

  1. فضائل آية الكرسي
  2. أهم المواضع التي تقرأ فيها
  3. معاني آية الكرسي وسر عظمتها.
اقتباس

بيَّن الله سبحانه في آية الكرسي وحدانيته وحياته وقيوميته الكاملة، وأنه لا ينام ولا ينبغي له، وأن كل من في السموات والأرض ملك له لا ينازعه أحد في ملكه، وأنه سبحانه لا يتقدم بين يديه بالشفاعة لأحد إلا بعد إذنه مهما كانت منزلة الشافع، وأنه جل وعلا يعلم كل شيء عن خلقه، وهم لا يحيطون بشيء من صفاته وأسمائه إلا ما أخبرهم به جل وعلا، وأن كرسيه وهو موضع القدمين، كالمرقاة بين…

الخطبة الأولى:

الحمد لله..

أما بعد فيا أيها الناس: لقد وهب الله هذه الأمة كنزا عظيما، ونورا وضياء، يهدي به من الضلالة،  ويُبصِّر به من العمى، ويشفي به من المرض، ورتب عليه أحكاما وأجورا عظيمة،  لكن أكثر الناس لا يعلمون، إنه القرآن، حبل الله المتين، والصراط المستقيم.

عباد الله: لقد فاضل الله بين السور والآيات في كتابه، كما رتب على بعضها أحكاما، كل ذلك فضل من الله ورحمة، لتكثر الأجور وتتضاعف الحسنات، ولعلنا نتحدث في هذه الخطبة عن فضل آية الكرسي، التي هي أعظم آية في القرآن، ففي صحيح مسلم من حديث أبي بن كعب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟" قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟" قال: قلت: ﴿الله لا إله إلا هو الحي القيوم﴾، قال: فضرب في صدري، وقال: "والله ليهنك العلم أبا المنذر".

وكانت أعظمَ آية لما اشتملت عليه من الأسماء الحسنى والصفات العلى لله تعالى، ونفي النقائص عنه سبحانه وتعالى.

قال النووي في شرح مسلم: "قال العلماء: إنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم لما جمعت من أصول الأسماء والصفات من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة، وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات". اهـ

وقد ورد في شرف هذه الآية وفضلها أحاديث كثيرة بعضها صحيح وبعضها ضعيف وبعضها موضوع. نقتصر بإذن الله على ما صح فيها من غير إحاطة به كله.

أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة.. قال: "وكلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت: لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة قال: فخليت عنه فأصبحت فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته وخليت سبيله.

قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه سيعود فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: دعني فإني محتاج وعليَّ عيال لا أعود فرحمته وخليت سبيله.

فأصبحت فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله! شكا حاجة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود.

فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله بها، وهذا آخر ثلاث مرات، أنك تزعم أنك لا تعود ثم تعود، فقال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها. قلت: وما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ﴿الله لا إله إلا هو الحي القيوم﴾ حتى تختم الآية؛ فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح.

فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله، قال: ما هي؟ قال: قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: ﴿الله لا إله إلا هو الحي القيوم﴾، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وكانوا أحرص شيء على الخير، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أما إنه صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب من ثلات ليال يا أبا هريرة؟" قلت: لا، قال: "ذاك شيطان".

أخرج ابن حبان في صحيحه والنسائي في السنن الكبرى من حديث أبي بن كعب: أنه كان لهم جرن فيه تمر، وكان أبي يتعاهده فوجده ينقص فحرسه، فإذا هو بدابة تشبه الغلام المحتلم، قال: فسلمت فرد السلام، فقلت: من أنت أجن أم إنس، قال: جن، قال: فناولني يدك، فناولني يده فإذا يد كلب وشعر كلب، قال: هكذا خلق الجن، قال: لقد علمت الجن ما فيهم أشد مني، قال له أبي: ما حملك على ما صنعت، قال: بلغنا أنك رجل تحب الصدقة فأحببنا أن نصيب من طعامك، قال أبي: فما الذي يجيرنا منكم، قال: هذه الآية.. آية الكرسي، ثم غدا أبي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فقال: صدق الخبيث. وقال الألباني: صحيح.

وأخرج الحاكم وابن أبي شيبة والترمذي من حديث أبي أيوب الأنصاري: أنه كانت له سهوة فيها تمر فكانت تجيء الغول فتأخذ منه، قال: فشكا ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: فاذهب فإذا رأيتها، فقل بسم الله أجيبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: فأخذها فحلفت أن لا تعود فأرسلها فجاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما فعل أسيرك؟ قال: حلفت أن لا تعود، فقال: كذبت وهي معاودة للكذب، قال: فأخذها مرة أخرى فحلفت أن لا تعود فأرسلها فجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما فعل أسيرك، قال: حلفت أن لا تعود، فقال: كذبت وهي معاودة للكذب، فأخذها، فقال: ما أنا بتاركك حتى أذهب بك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: إني ذاكرة لك شيئاً آية الكرسي اقرأها في بيتك فلا يقربك شيطان ولا غيره، قال: فجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما فعل أسيرك، قال: فأخبره بما قالت، قال: صدقت وهي كذوب. وقال الشيخ الألباني: صحيح.

أخرج الطبراني في معجمه الكبير من حديث أبي أسيد الأنصاري أنه كان له بئر بالمدينة يقال لها بئر بضاعة قد بصق فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو يبشر بها ويتيمن بها قال: فلما قطع أبو أسيد تمرة حائطه جعلها في غرفة له، فكانت الغول تخالفه إلى مشربته فتسرق تمره وتفسده عليه، فشكا ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: تلك الغول يا أبا أسيد، فاستمع عليها فإذا سمعت اقتحامها يعني وجبتها، فقل: بسم الله حبسني رسول الله، فقالت الغول: يا أبا أسيد اعفني أن تكلفني أذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعطيك موثقاً من الله أن لا أخالفك إلى بيتك، ولا أسرق تمرك، فأدلك على آية من كتاب الله فتقرأ بها على بيتك فلا نخالف إلى أهلك ولا نكشف غطاءه فأعطته الموثق الذي رضي به منها، فقالت: الآية التي أدلك عليها هي آية الكرسي، ثم حكت استها تضرط، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقص عليه القصة حيث ولت، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: صدقت وهي كذوب. قال الهيتمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني ورجاله وُثقوا كلهم وفي بعضهم ضعف.

عباد الله: هذه آية الكرسي حصن حصين لابن آدم، وكيف فرطنا فيها؟!

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما يا كريم.. أقول قولي هذا….

الخطبة الثانية:

الحمد لله..

أما بعد فيا أيها المؤمنون: لا نزال في بيان فضل أعظم آية في القرآن وهي آية الكرسي..

أخرج أبو عبيد في كتاب الغريب: حدثنا أبو معاوية عن أبي عاصم القفي عن الشعبي عن عبدالله بن مسعود قال: "خرج رجل من الإنس فلقيه رجل من الجن فقال: هل لك أن تصارعني؟ فإن صرعتني علمتك آية إذا قرأتها حين تدخل بيتك لم يدخل شيطان فصارعه فصرعه، فقال: إني أراك ضئيلاً كأن ذراعيك ذراعا كلب، أفهكذا أنتم أيها الجن كلكم أم أنت من بينهم؟ فقال: إني بينهم لضليع، فعاودني فصارعه فصرعه الإنسي فقال: تقرأ آية الكرسي فإنه لا يقرأها أحد إذا دخل بيته إلا خرج الشيطان وله خيخ كخيخ الحمار فقيل لابن مسعود: أهو عمر؟ فقال: من عسى أن يكون إلا عمر"، قال أبو عبيد: الضئيل النحيف الجسيم، والخيخ بالخاء المعجمة ويقال بالحاء المهملة الضراط.

ومن فضلها أنها اشتملت على اسم الله الأعظم كما قال به بعض أهل العلم؛ أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في هاتين الآيتين: ﴿الله لا إله إلا هو الحي القيوم﴾ و (الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم) إن فيهما اسم الله الأعظم"، وكذا رواه أبو داود والترمذي  وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح.

وعن أبي أمامة يرفعه قال: اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب في ثلاث: سورة البقرة وآل عمران وطه، وقال هشام وهو ابن عمار خطيب دمشق: أما البقرة "الله لا إله إلا هو الحي القيوم"، وفي آل عمران "الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم"، وفي طه "وعنت الوجوه للحي القيوم".

ومن فضلها أن قارئها بعد كل صلاة لو مات دخل الجنة؛ فقد أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي أمامة في فضل قراءتها بعد الصلاة المكتوبة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت". وهكذا رواه النسائي في اليوم والليلة عن الحسن بن بشر به، وهذا إسناد على شرط البخاري.

أيها المؤمنون: لنتعلم هذه الآية، ولنعلمها لأولادنا ونسائنا، ولنقرأها عند النوم وعند دخول المنزل وفي الصباح والمساء، لننعم بحفظ الله لقارئها وما أودع الله فيها من البركات.

لقد بيَّن الله سبحانه في آية الكرسي وحدانيته وحياته وقيوميته الكاملة، وأنه لا ينام ولا ينبغي له، وأن كل من في السموات والأرض ملك له لا ينازعه أحد في ملكه، وأنه سبحانه لا يتقدم بين يديه بالشفاعة لأحد إلا بعد إذنه مهما كانت منزلة الشافع، وأنه جل وعلا يعلم كل شيء عن خلقه، وهم لا يحيطون بشيء من صفاته وأسمائه إلا ما أخبرهم به جل وعلا، وأن كرسيه وهو موضع القدمين،  كالمرقاة بين يدي العرش، وأنه وسع السموات السبع والأرضين السبع، وأنها كلها كحلقة ألقيت في فلاة، وأنه سبحانه لا يكرثه حفظ السموات والأرض ومن فيهن، مع علوه وعظمته سبحانه وتعالى..

اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء أحزاننا….