الإنفاق في سبيل الله

عناصر الخطبة

  1. المال مال الله والإنسان مستخلف فيه
  2. أجر المنفق في سبيل الله تعالى
  3. سنن الصدقات وآدابها
اقتباس

أنفقوا من بعض ما رزقكم الله على إخوانكم من عباد الله من المسلمين، وذلك قيامًا بواجب المنعم علينا والشكر له على نعمائه، وسارعوا بالإنفاق في سبيل الله قبل أن تبحثوا فلا تجدوا من يقبلها منكم، فتصبحوا من النادمين، ففي الصحيح عنه –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب ثم لا يجد أحدًا يأخذها منه”.

أما بعد: 

فيا عباد الله: لقد قرن الله -سبحانه وتعالى- في كتابه بين الإيمان بالله ورسوله وبين الإنفاق في سبيله، فقال الله تعالى: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الحديد:7].

فاتقوا الله -عباد الله- وأنفقوا مما رزقكم الله تعالى، واعلموا أن الله هو المالك الحقيقي لكل ما في الكون، المتصرّف فيه المدبّر له، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والمال في الحقيقة مال الله؛ لأنه هو خالقه وواهبه وميسّر سُبُله ومانح الإنسان القدرة على اكتسابه، ومهما ذكر الإنسان عمَله وجهده فليذكُر القدرة الإلهية في الإيجاد والإمداد والبسط والعطاء وإنبات الزروع وإنزال الماء وتنويع ذلك، ولذلك يوجّهنا الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم إلى هذه الحقيقة فيقول -جل ذكره-: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلَلْتُمْ تَتَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) [الواقعة:63-70].

وفي آيات أخرى يقرر الله تعالى أن المال مال الله، وأن الإنسان ما هو إلا مستخلف فيه أو موظف مؤتمن على تنميته وإنفاقه والانتفاع والنفع به، فقال الله تعالى: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور:33]، وقال الله تعالى: ﴿وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد:7].

فاتقوا الله -يا عباد الله-، وأنفقوا من بعض ما رزقكم الله على إخوانكم من عباد الله من المسلمين، وذلك قيامًا بواجب المنعم علينا والشكر له على نعمائه، وسارعوا بالإنفاق في سبيل الله قبل أن تبحثوا فلا تجدوا من يقبلها منكم، فتصبحوا من النادمين، ففي الصحيح عنه –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب ثم لا يجد أحدًا يأخذها منه".

ولا تستح -أخي المسلم- من إعطاء القليل القليل، فإن الحرمان أقل منه، وقد ورد في الحديث عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب إلا أخذها الله بيمينه، فيربيها كما يربِّي أحدكم فلوَّه أو قلوصه حتى تكون مثل الجبل أو أعظم". والفلو: المهر أوّلَ ما يولد. والقلوص: الناقة. والله -جل وعلا- هو الذي يقبل الصدقات.

وقد صور لنا القرآن الكريم ما أعده للمنفق في سبيل الله من مضاعفة الأجر، فقال -جل شأنه-: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:261]، وقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان، يقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا".

فإياك -أخي المسلم- أن تقع في حبائل الشيطان أو الهوى والنفس الأمارة بالسوء أو جلساء البخل والسوء، فيزينوا لك الأمور بميزان المادة، فتظنّ أن البذل والإنفاق خسارة ومغرم، فالعكس هو الصحيح، وقد بيَّن لنا رسولنا الكريم خطأ هذه المفاهيم، روت عائشة -رضي الله عنها- أنهم ذبحوا شاة فتصدقوا ببعضها، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "ما بقي منها؟!"، قالت: ما بقي منها إلا كتفها، فقال: "بقي كلّها غير كتفها". أي: الذي أنفقوه هو الباقي لهم عند الله تعالى، كما قال الله تعالى: ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ…﴾ الآية [النحل:96].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون:10، 11].

وفقني الله وإياكم للإنفاق في الوجوه المستحقة للبر والإحسان، ووقانا بمنّه وكرمه الشح والبخل، وجعلني الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله المتفضل على عباده بجزيل النعم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله –صلى الله عليه وسلم-.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله واعلموا أن لكل عبادة آدابًا وسننًا لا بد من مراعاتها، لعل الله -جل وعلا- يقينا فيها من الرياء ويرزقنا فيها التقوى، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يتوّج العمل بالقبول والرضا منه -عز وجل-.

وإن من سنن الصدقات وآدابها أن يخصّ بها أقرباءه من الفقراء، فإن هذا أدعى لإيجاد المودة والصلة والمحبة ونزع العداوة من القلوب؛ لأن القلوب جبلت على حبّ من أحسن إليها وبغض من أساء إليها، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "الصدقة على المسكين صدقة، وإنها على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة".

ومن آدابها أيضًا الإسرار بها؛ لأن الإسرار بها يكون أبعد عن الرياء والسمعة، قال الله تعالى: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [البقرة:271]، وقد أعلمنا النبي –صلى الله عليه وسلم- أن من السبعة الذين يظلّهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".

ومن المستحب في الصدقة أيضًا أن نخصّ بها المتعفّفين عن المسألة، والذين يغفل أكثر الناس عنهم إذا ظهر لنا عوزُهم وفقرهم وحاجتهم.

ومن سننها أيضًا أن ينفق الإنسان مِن أحبِّ أمواله إليه، كما قال تعالى: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران:92]، وكما قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ…﴾ الآية [البقرة:267].

وإياك -أخي المسلم- أن تمنّ بصدقتك أو تتحدّث بها أو تذكر اسم المعطَى له، فإن ذلك يؤذيه ويحبط أجرك، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى﴾ [البقرة:263].

وأخيرًا، عليك -أخي المسلم- أن تشكر الله أولاً وأخيرًا أن وفّقك للإنفاق في سبيله، وشرح لذلك قلبك، فله المِنة والفضل والثناء الحسن؛ إذ أنعم عليك بالمال وجعلك ممن يبذله، لا ممن يطلبه، والله الموفق.