فتنة المسيح الدجال

عناصر الخطبة

  1. مع انتشار الفتن والدجل وجب التذكير بفتنة الدجال
  2. وجوب الإيمان بالساعة وأشراطها
  3. أعظم الفتن ظهور المسيح الدجال
  4. علامات خروج الدجال
  5. وصف المسيح الدجال ووصف فتنته
  6. كيف يخرج الدجال وكيف يُقتل
  7. صفة أتباع الدجال
  8. كيف النجاة من الدجال
اقتباس

مع انتشار الكذب والتلفيق هذه الأيام، الذي لا يتحاشاه منبر إعلام ولا منتسب للعلم ولا مدعٍ للثقافة، ومع ما يحدث في دمشق والشام ومصر واليمن وليبيا وسائر بقاع المسلمين من كذب وغلو وتضليل، حتى أصبح لا يسمع لقول ناصح ولا رأي عالم، ومع تغير الأحوال في هذه الدنيا وطغيان الماديات على الحياة، غفل أكثر الناس عن آخرتهم وميعادهم، وصدقوا ما يعرض ويقال لهم. ولذلك ناسب التذكير مع هذا الدجل العظيم بفتنة كبرى من علامات الساعة، وتدل على قرب وقوعها، وتحمل بعض صفات هذا العصر…

 

الخطبة الأولى:

الحمد لله وحده بكل لسان محمود، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المعبود، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله صاحب المقام المحمود والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه…

أيها الإخوة المؤمنون: مع انتشار الكذب والتلفيق هذه الأيام، الذي لا يتحاشاه منبر إعلام ولا منتسب للعلم ولا مدعٍ للثقافة، ومع ما يحدث في دمشق والشام ومصر واليمن وليبيا وسائر بقاع المسلمين من كذب وغلو وتضليل، حتى أصبح لا يسمع لقول ناصح ولا رأي عالم، ومع تغير الأحوال في هذه الدنيا وطغيان الماديات على الحياة، غفل أكثر الناس عن آخرتهم وميعادهم، وصدقوا ما يعرض ويقال لهم.

ولذلك ناسب التذكير مع هذا الدجل العظيم بفتنة كبرى من علامات الساعة، وتدل على قرب وقوعها، وتحمل بعض صفات هذا العصر، وتختبر إيمان الناس، وتفتن الضعيف منهم، وهي آية كبرى تذكر بقيام الساعة.

قال حذيفة بن أسيد -رضي الله عنه- دخل علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن نذكر الساعة، فقال: "ما تذكرون؟!"، قالوا: "نذكر الساعة"، فقال: "إنها لن تقوم حتى تروا عشر آيات: الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم ويأجوج ويأجوج وخسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم". رواه أحمد وغيره بغير هذا الترتيب.

إنها علامات كما في الحديث يتتابع وقوعها كعقد انفرط نظامه.

أيها الإخوة: إن الإيمان بما صح به النقل عن الساعة وأشراطها واجب محدد، نعلم أنه صدق وحق، سواء في ذلك ما يخالف عقولنا أو ما يوافقنا: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ [محمد:18]، ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر:1]، ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾ [الأحزاب:63].

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقامًا، فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه". رواه البخاري.

وبيّن -عليه الصلاة والسلام- علامات الساعة، وأخبر عما بين يديها من الفتن القريبة والبعيدة، وحذّر أمته للاستعداد لها، وأن أعظم هذه الفتن فتنة المسيح الدجال، فتواترت الأخبار وتكاثرت عنه -صلى الله عليه وسلم- في التحذير منه وبيان أوصافه وعظيم فتنته، وسمي بالمسيح لأن عينه ممسوحة كما في الحديث، وقيل: لأنه يغطي الحق بالباطل.

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلا وَقَدْ أَنْذَرَ الدَّجَّالَ أُمَّتَهُ، وَإِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ، إِنَّهُ أَعْورُ ذُو حَدَقَةٍ جَاحِظَةٍ وَلا تَخْفَى". رواه الترمذي.

وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "قام -صلى الله عليه وسلم- في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: "ألا أنذركموه؟! ما من نبي إلا وقد أنذر قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه؛ إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور". رواه البخاري، وزاد مسلم: "مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب".

وتكاثرت الأحاديث عنه -صلى الله عليه وسلم- بهذا الدعاء: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال". متفق عليه.

وفي صحيح مسلم عن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما بين خلق آدم -عليه السلام- إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال".

ومن عظيم فتنته حذّر منه -عليه الصلاة والسلام-: "منْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ، مِمَّا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ". رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.

واليوم أصبح طرح الشبهات ونشر الشهوات رمزًا لهذا العصر، يتفاخر به أصحابها.

وعلامات خروج الدجال كما ورد ببعض الأحاديث -تأملوها عباد الله-: يكون في خفة من الدين، وإدبار من العلم، وضياع من المبادئ، واختلاف بين الناس وفرقة، حتى ترى من ينتسبون إلى العلم يبدعون بعضهم بعضًا، ويكفرونهم ويقذفونهم بالكذب، وفي وقت تهاون بالصلوات وإضاعة الأمانات، وفتن يكون فيها الظلم فخراً، ويكثر الفجرة والخونة، والظلمة والفسقة، ويفشو الزنا، ويجاهر به، ويظهر الربا، وتقطَّع الأرحام، وتتخذ القينات -كالمسابقات التي نراها اليوم التي يتفاخر بها الناس وبالفوز فيها-، وتشرب الخمور، وتنقضُ العهود، ويأكل الناس الرشوة حتى تصبح هدية وعادة، ويستخفون بالدماء، ويتطاول السفهاء، وتتَّجر المرأة مع زوجها حرصاً على الدنيا، ويشبه النساء الرجال ويشبه الرجال النساء، وتروج المجاملة وينتشر الحقد، ويلتمس الفقه لغير الدين، وتنقض عرى الإسلام عروةً عروةً، وتكون الدنيا بيد لُكع بن لُكع وهو الأحمق اللئيم، وترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، وأنهم يبنون أعلى الأبراج في العالم، ويتقلبون في النعيم، ويقبض العلم بموت العلماء، ثم تبقى مقاماتهم فارغةً لا يملؤها إلا من دونهم، ولا يخلفهم إلا من يسارع في الخلاف أو يضعف في اتخاذ المواقف، إلا من رحم الله، ويتقارب الزمان، ويلقى الشح، ويكثر الهرج وهو القتل. يتطاولون على الطعن في الإسلام والتشكيك في الدين.

ومن أعظم الفتن: أنه لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر. كما في الحديث الذي رواه البيهقي وغيره.

وفي هذه الأجواء المدلهمة، وتلك الصفات لذلك العصر التي ورد أكثرها في الأحاديث، يبعث الله عليهم الدجال، فيسلط عليهم حتى ينتقم منهم، وينحاز المؤمنون إلى بيت المقدس.

روى مسلم في صحيحه عن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- قال: ذكر رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الدجالَ ذات غداة، فخفض فيه ورفع، حتى ظننّاه في طائفة النخل، فلما رُحنا إليه عرف ذلك فينا فقال: "ما شأنكم؟!". قلنا: يا رسول الله: ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل -أي أنه قريب في المدينة- فقال: "غير الدجال أخوفني عليكم؟! إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فكل امرؤٌ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم؛ إنه -وصفه- شابٌ قطط -يعني: جعد شعر الرأس-، عينه طافئة، كأني أشبهه بعبد العزى بن قَطَن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه يخرج من خلة بين الشام والعراق، فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله فاثبتوا".

قلنا: يا رسول الله: وما لبثه في الأرض؟! قال: "أربعون يوماً؛ يومٌ كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيَّامكم"، قلنا: يا رسول الله: فذلك اليوم الذي كَسَنَةٍ أتكفينا فيه صلاة يوم؟! قال: "لا؛ اقدروا له قدره".

قلنا: يا رسول الله: وما إسراعه في الأرض؟! قال: "كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم –أي أغنامهم- أطول ما كانت ذراً وأسبغه ضروعاً، وأمدَّه خواصر -أي تصبح ماشيتهم سمانًا حلابة-، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردُّون عليه قوله، فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمرُّ بالخربة فيقول لها: أَخرجي كنوزك؛ فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه نصفين، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك.

فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مَهْرودَتين -أي ثوبين-، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدَّر منه جمانٌ كاللؤلؤ، فلا يحلُّ لكافرٍ يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله، ثم يأتي عيسى ابن مريم قومٌ قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة". نسأل الله أن نكون منهم.

وقال -عليه الصلاة والسلام-: "لأنا أعلم بما مع ‏الدجال منه؛ معه نهران يجريان: أحدهما رأي العين ماء أبيض، والآخر رأي العين نار تأجج، فإما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه نارًا، وليغمض ثم ‏ ‏ليطأطئ رأسه فيشرب منه، فإنه ماء بارد، وإن الدجال ‏ ‏ممسوح العين، عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب". رواه مسلم.

إنه يدلنا على قمة الإيمان بموعوده -صلى الله عليه وسلم-، الذي ينبغي أن نؤمن بما نسمعه عنه وما صح عنه حتى ولو تصدقه بعض العقول، ولذلك يقول -عليه الصلاة والسلام-: "فيخرج إليه شاب فتلقاه المسالح مسالح الدجال"، أي حواجزه وهم أتباعه من اليهود الذين يحملون السلاح ومن أشبه اليهود من الرافضة وغيرهم الذين ينتظرون بالمناسبة.

شخص يخرج من السرداب: "فيقولون له: أين تعمد؟! فيقول: إلى هذا الذي خرج -أي إلى الدجال- فيقولون له: أولا تؤمن بربنا؟! فيقول: ما بربنا خفاء -أي لو نظرت إلى الدجال سأعرفه- فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أو ليس قد نهانا ربنا أن نقتل أحداً دونه، فينطلقون بهذا الرجل المؤمن إلى الدجال، فإذا نظر المؤمن إليه قال: أيها الناس: هذا المسيح الدجال الذي ذكره لنا رسول الله".

يقول المصطفى: "فيأمر الدجال به فيشج، فيقول: خذوه وشجوه، فيوسع ظهره وبطنه ضربًا، قال: فيقول: أما تؤمن بي؟! فيقول: أنت المسيح الكذاب. قال: فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، قال: ثم يمشى الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم، فيستوي قائمًا، قال: ثم يقول له: أتؤمن بي؟! فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة؟! أنت الدجال الذي أخبرنا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ثم يقول: يا أيها الناس: إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس، قال: فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسًا، فلا يستطيع إليه سبيلاً، قال: فيأخذ بيديـه ورجليه فيقذف به، فيحسب الناس أنما قذفه في النـار وإنما ألقي في الجنة".

فقال رسول الله: "هو أقوى أمتي على الدجال، وهو أعظم الناس شهادة عند رب العالمين". رواه البخاري.

هذا هو الدجال، وهذا شيء من خبره، نعوذ بالله من فتنته، نعوذ بالله من شر فتنته، فما يأتي معه من مغريات كل ذلك محنة من الله ليختار ويهلك المرتاب، وينجو المؤمن، وذلك كله يجعله كما قال -صلى الله عليه وسلم- يجعله يحدث ويكثر حين يقول: "لا فتنة أعظم من فتنة الدجال".

وكان -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ منها في صلاته تشريعًا لأمته، وهو من أنباء الغيب نؤمن به بما قام عليه من الدليل والبرهان ولو غاب عن شواهدنا وقصرت عنه حواسنا، ولكنه حاضر بأدلته القطعية وبراهينه العلمية، لا يستطيع أحد إنكارها، وأهل العلم والإيمان يؤمنون بما جاء من عند ربهم: ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا﴾.

ومن العجب -إخوتي- أن أكثر أتباعه من اليهود، ومن شابه اليهود والمتأمل في حياته قديمًا وحديثًا يجدهم قد رتبوا معايشهم على أن الدنيا حق والآخرة وهم، ولذلك خاطبهم القرآن: ﴿قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ(96)﴾ [البقرة:94- 96].

أما نهاية فتنة المسيح الدجال فهي كما روى ابن ماجه في سننه والحاكم في مستدركه وغيرهم أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينما إمام المسلمين يصلي بهم الصبح في بيت المقدس، إذ نزل عيسى ابن مريم، فإذا نظر إليه إمام المسلمين عرفه، فيتقهقر إمام المسلمين لنبي الله عيسى ليصلى بالمؤمنين، فيأتي عيسى -عليه السلام- ويضع يده في كتف إمام المسلمين ويقول: لا بل تقدم أنت فصلِّ، فالصلاة لك أقيمت". وفي لفظ: "فإمامكم منكم يا أمة محمد".

"ويصلى نبي الله عيسى خلف إمام المسلمين لله رب العالمين، فإذا ما أنهى إمام المسلمين، قام عيسى وقام خلفه المسلمون، فإذا فتح عيسى باب بيت المقدس، رأى المسيح الدجال معه سبعون ألف يهودي معهم السلاح، فإذا نظر الدجال إلى نبي الله عيسى ذاب كما يذوب الملح في الماء، ثم يهرب فينطلق عيسى وراءه فيمسك به عند باب لد في فلسطين، فيقتله نبي الله عيسى ويستريح الخلق من شر الدجال".

والعجيب -أيها الإخوة- أن اليهود في توراتهم وتنبؤاتهم يصدقون بهذا الخبر ويتحدثون عن معركة عظيمة فيها كثير من هذه الأوصاف التي ذكرناها.

اللهم اكتب لنا النجاة من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، واجعلنا من أهله، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وجنبنا إياه: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾ [الأنعام: 158].

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

أيها الأحبة: في الحديث عن علامات الساعة التي ثبتت عن صاحب الوسيلة والشفاعة رأينا ما يقارب سبع عشرة آية وقعت: بعثته، موته -صلى الله عليه وسلم-، نار تخرج من أرض الحجاز، وتوقف الخراج والجزية، ثم فشو الزنا وشرب الخمر، كثرة الفتن وانتشار الجهل ورفع العلم وتطاول الناس في البنيان، وأن تلد الأمة ربتها وتضييع الأمانة وقطع الأرحام وفشو التجارة وظهور القلم وتداعي الأمم على هذه الأمة.

وهناك علامات أخرى لم نشأ الوقوف طويلاً عليها ككثرة الزلازل هنا وهناك، ورفع البركة من الزمان، وغيرها كثير.

إلا أن أخشى ما أخشاه -أيها الأحبة- أن تمر علينا هذه الأخبار مع غفلتنا من غير اتعاظ ولا اعتبار، ومن غير استعداد للقاء الواحد القهار سبحانه، فيا عبد الله: إياك ثم إياك أن تغفل عن الاستعداد ليوم الميعاد.

قال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث، أضحكني مؤمل للدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك بملء فيه وهو لا يدري أسخط الله أم أرضاه، وأبكاني ثلاث: أبكاني فوات الأحبة محمد وصحبه، وهول المطلع عند غمرات الموت والوقوف بين يدي الله تعالى".

ذلك يوم التغابن: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ﴾ [آل عمران:30].

تزود مـن معاشك للمعاد *** وقم لله واعمل خير زاد

ولا تجمـع من الدنيا كثيراً *** فـإن المال يجمع للنفاد

أترضى أن تكون رفيق قوم*** لهم زاد وأنـت بغير زاد

العلامات التي نذكرها ليست من قبيل قصص ألف ليلة وليلة، ولا نوادر كليلة ودمنة، إنما هي آيات، وما يرسل بالآيات إلا تخويفًا.

نختم حديثنا عن علامات الساعة بعلامة خطيرة، ألا وهي ظهور الكذابين والدجالين وما أكثرهم هذا الزمان!! قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله". رواه البخاري ومسلم.

وهنا يرد السؤال المهم: كيف النجاة؟! هل يكفي أن يحفظ الإنسان عشر آيات من أول سورة الكهف أو آخرها أو السورة كاملة؟! أو أن يذهب إلى مكة والمدينة لأنها محرمة على الدجال وأرض مباركة؟!

إن من سبل النجاة المهمة لفتنة الدجال وغيرها من الفتن أن توحد الله -جل وعلا-، وأن تعرف معنى كلمة "لا إله إلا الله"، هذا هو أصل الأصول وبر الأمان لكل مؤمن، فالمؤمن هو الذي يقرأ كلمة كافر التي بين عينيه، لا يقرؤها إلا المؤمن كما قال -صلى الله عليه وسلم-.

وكذلك معرفة هذه الأخبار والعلامات بالساعة لدوام الصحوة وترك الغفلة، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان -عليه الصلاة والسلام- يعلّمنا هذا الدعاء كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: "قولوا: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات". رواه مسلم.

والإمام السفَّاريني -رحمه الله- يقول: "ينبغي لكل عالمٍ أن يبُث أحاديث الدجَّال بين العامة والخاصة، لا سيَّما في زماننا هذا الذي اشرأبَّت فيه الفتنُ، وكثُرت فيه المِحَن، واندرَسَت فيه معالمُ السنن، وسارت السنن فيه كالبدع، والبدعة شرعة تتبع".

واعلموا أن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- قال: "من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من الدجال"، وفي رواية أخرى: "من أدركه فليقرأ فواتح سورة الكهف، فإنها جواركم من فتنته". أخرجه مسلم وأبو داود.

ثم بادروا -رحمكم الله- بالأعمال الصالحة كما أرشد إلى ذلك نبيكم -صلى الله عليه وسلم-: "فهل تنتظرون إلا فقرًا منسيًا، أو غنى مطغيًا، ‏أو مرضًا مفسدًا، أو ‏هرمًا،‏ ‏مفندًا،‏ ‏أو موتًا مجهزًا، أو ‏الدجال ‏ ‏فشر غائب ينتظر، أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر".

اللهم اكفنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وجنبنا فتنة المسيح الدجال…