عبادة الاستغفار

عناصر الخطبة

  1. كل بني آدم خطاء
  2. فضائل الاستغفار
  3. الاستغفار يكمل خلل العبادة
  4. ما أعظم بركة الاستغفار على المستغفرين
  5. للاستغفار سبب في صلاح أمور الدنيا والدين
  6. الاستغفار من أسباب من نزول المطر.
اقتباس

دواء الذنوب، ومطهّر القلوب: دوام الاستغفار، وأصدق الاستغفار ما قارن تعظيم الله الواحد القهار. فالاستغفار برد قلوب العاصين، وأوبة عباد الله الغافلين، وسكينة لنفوس الحائرين المضطربين. فهنيئاً لمن عمل السيئات استغفارُه، وإقبالُه على ربه، هنيئاً لمن ظلم نفسه تداركُه قبل الوفاة وساعة الفوات، ليحظى بموعود الله الصادق في وعده ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَحِيماً﴾…

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله…

أما بعد: فلا تطيب الحياة إلا بالقرب من رب الأرض والسموات، وكيف السبيل إلى القرب من الله والشيطان والنفس الأمارة بالسوء تعوقان العبد؟!، ﴿ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف: 17]، ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [يوسف: 53].

حقيقة ابن آدم كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل بني آدم خطاء"، ولكن هذا الداء لا بد أن يتبع بالدواء "وخير الخطائين التوابون".

فنستغفر الله ونتوب إليه. نستغفر الله من ذنوب السر والعلن، نستغفر الله مما جدَّ من ذنوبنا، أو تقادم عليه الزمن.

أيها الإخوة: كل من تخافه تهرب منه، إلا الذي خلقك ويعلم سرك وجهرك، وقوتك وضعفك؛ فإذا خفته أقبلت عليه، وإذا عصيته لُذت به وفررت إليه ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [الذاريات: 45].

دواء الذنوب، ومطهّر القلوب: دوام الاستغفار، وأصدق الاستغفار ما قارن تعظيم الله الواحد القهار.

فالاستغفار برد قلوب العاصين، وأوبة عباد الله الغافلين، وسكينة لنفوس الحائرين المضطربين. فنستغفر الله ونتوب إليه.

أمر الله نبيه بالاستغفار، فقال: ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 106].

فكانت حاله ما رواه الأغرّ الْمُزَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ" (رواه مسلم)، وقوله: "ليغان": أي: ينتابه من الضيق، والضنك، ويشتته الغم والحزن، فيرده عليه الصلاة والسلام ويلمّ شعثه بالاستغفار، بل بإكثاره وإطالة اللهج به.

وعَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا" (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).

وعن زيد مولى رسول الله: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ" (رواه أبو داود والترمذي والحاكم وقال على شرط الشيخين وصححه الألباني).

أيها الإخوة: بالاستغفار تكمل العبادة، ويسد خللها، ويعفى عن تقصير قد حصل فيها.

وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا انصرف من صلاته بادر بالاستغفار ثلاثاً.

وفي الحج أمر الله بالاستغفار ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة:199]

وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ" (رواه أبو داود وأحمد، وهو حسن بمعناه).

بعد هذا وقبل هذا!

ما معنى قولك -أيها الموفق-: أستغفر الله؟

إن هذه الكلمة على قصرها هي دعاء منك لربك، دعاء منك بمغفرة الذنوب ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: 135] أي: سترها فلا ترى، فلا تفضح بها في دنيا ولا أخرى، ولا يبقى لها أثرها فتسلم من شؤمها، وتأمن بأمان من الله عاقبتها.

فهنيئاً لمن عمل السيئات استغفارُه، وإقبالُه على ربه، هنيئاً لمن ظلم نفسه تداركُه قبل الوفاة وساعة الفوات، ليحظى بموعود الله الصادق في وعده ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَحِيماً﴾[النساء: 110].

أيها المستغفر! مع إدامتك للاستغفار لربك العزيز الغفار، ليكن شيء من استغفارك في وقت الأسحار لتشابه عباد الله الأبرار ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ(17)﴾ [آل عمران: 16- 17].

وتشابه المتقين الذين كانوا قبل محسنين ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(18)﴾ [الذاريات: 17-18].

وفي الصحيحين يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ينزلُ اللهُ -تبارك وتعالَى- إلى سماءِ الدُّنيا كلَّ ليلةٍ فيقولُ: هل من داعٍ فأستجيبَ له؟ هل من سائلٍ فأُعطيَه؟ هل من مستغفرٍ فأغفرَ له؟ حتى يطلع الفجر".

أيها الإخوة: ما أحوجنا أفراداً وجماعات شعوباً وحكومات إلى الصدق مع الله بكثرة الاستغفار موقنين بأثره، مخلصين لله فيه؛ فقد جعل الله الاستغفار سبباً لدفع البلاء والنقم وأَمَنَة من العذاب والفتن يرفع الله به من السوء والمحن، ويحفظ به البلاد والعباد، قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: 33].

فالاستغفار يدفع عذاباً قد انعقدت أسبابه، فما أعظم بركة الاستغفار على المستغفرين!! وما أهنأ عيشهم، وأشد أمنهم، وأبعد كربهم.

نستغفر الله ونتوب إليه.

فاللهم إنا نستغفرك لإخواننا الذين تسلط عليهم الأعداء، ومستهم البأساء والضراء.

نستغفرك اللهم لهم أن تهيئ لهم من شدتهم فرجاً ومن ضيقهم مخرجاً.

فاللهم عليك بالنصارى الظالمين، وباليهود الحاقدين، وبالرافضين المنافقين.

اللهم ارحم ضعف إخواننا في بلاد الشام، واحفظهم من عدوان النظام السوري وأعوانه، اللهم ارحم ضعف إخواننا في بلاد العراق واليمن وفي ليبيا وفي كل مكان برحمتك يا رحيم يا رحمن….

نستغفرك اللهم، ونتوب إليه إنك الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله..

أما بعد: فلعظم عبادة الاستغفار جعل لها أثراً في صلاح أمور الدنيا والدين ﴿وأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ [هود: 3]، وأول رسل الله نوح -عليه السلام- قال الله عنه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح:10-12].

والاستغفار سبب قوة في المال والولد والصحة في البدن وقوة في العقل والحجة، نبَّه هود -عليه السلام- قومه لذلك فقال: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ [هود: 52].

أيها الإخوة: استسقى الناس يوم أمس ربهم طالبين الماء، مستشعرين فقرهم وضرورتهم إلى ربهم ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [هود: 15].

وإن الإلحاح على الله وكثرة دعائه ولزوم الاستغفار من أسباب من نزول المطر.

خرج الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في عام مجاعة وقحط خرج بالناس يستسقي, فلم يزد على الاستغفار فقيل له في ذلك فقال: "لقد سألت الله -عز وجل- بمجاديح السماء التي يُستنزل بها المطر، ثم تلا قوله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10- 12].

اللهم إنا نستغفرك….